غايا قالت ذلك بوضوح.
عندما سألتُ عمّا إذا كان بالإمكان تتبّع مرسل هذا البريد، قيل لي إن المحور قد التوى، مما يجعل الأمر صعبًا..
ذلك المحور يتضمن المكان، عالمًا مختلفًا تمامًا، وأيضًا…
“الزمن.”
إذا كان ما التوى هو الزمن، فلن يكون من الغريب أن تكون السيدة ماربيل هي مرسلة هذا البريد..
بينما كان عقلي يعمل بأقصى طاقته، نظر إليَّ التنين بتعبير بدا وكأنه سئم مني.
-بسببك، أظن أن عمري قد قصر قليلًا.
بمعنى آخر، كان هذا تأكيدًا على صحة استنتاجي.
رمقني التنين بنظرة حانقة وهو يتمتم:
-وأنتِ تعرفين أنني أستطيع قراءة أفكارك.
“أعتذر عن ذلك.”
عند قولي هذا، أدركتُ أن التنانين أيضًا لديها محظورات مقيدة لها بطرق متعددة.
قد لا يتمكن الحاكم من التدخل، لكن لا بد أن هناك قوانين أولية لا تزال قائمة منذ البداية.
كما أن غايا، تنين اللهب وحتى السيدة ماربيل نفسها، كلهم حددوني كشخص يجب أن يكون له دور في هذا.
‘هذا يبدو وكأنني البطلة الحقيقية لهذه القصة.’
كنتُ قد بدأتُ أتقبل هذه الفكرة تدريجيًا، لكن الأمر لا يزال يبدو غريبًا..
لطالما كنت أعيش كدور ثانوي، وليس كشخصية محورية.
لأنني لم أرغب في أن أكون السبب في تقصير عمر تنين اللهب وبالتالي تدمير المصدر الرئيسي لأعمال إقليم كلوبيا الحدودي، فقد قررتُ التفكير بصمت هذه المرة..
‘حقيقة أنني تلقيت هذا النوع من البريد تعني أن…’
لأجل الالتزام بقيودهم، قمتُ أولًا بمحو اسم السيدة ماربيل من تفكيري.
كما أنني عدّلتُ سؤالي ليبدو غامضًا أكثر.
لأن ما كنت أرغب في التأكد منه هو أن إرسال البريد بهذه الطريقة، وجعلي أتذكر حياتي السابقة، كان فعلًا متعمدًا..
“هل لهذا علاقة بالطريقة التي شبهت نفسك بها بنظام التهوية؟”
وقف تنين اللهب عن الأريكة وابتسم فقط.
لم يقل “لا”.
وكان ذلك كافيًا.
***
انتهت محادثتي مع التنين بعد أن طرحتُ عليه بضعة أسئلة كنت أود معرفة إجابتها.
‘لكن كيف يمكن اعتبار التنين، والسيدة ماربيل، وحتى إيان قديسين، رغم أنهم لا يملكون أي قوة مقدسة؟’
بل إنهم يتعارضون معها تمامًا.
لهذا السبب، كان من السهل على المعبد نبذهم واتهامهم بالهرطقة.
خرج تنين الهب من أعمق جزء في العرين، ثم عاد في صورة سحلية صغيرة، وصعد إلى معصمي قائلًا بلا اكتراث:
-لا أفهم لماذا يظن البشر أن الحاكم لا يستخدم سوى نوع واحد من القوى.
كان هذا جوابًا منطقيًا تمامًا.
صحيح، إذا كان الحاكم، فمن الطبيعي أن يكون قادرًا على استخدام كل شيء.
القوة المقدسة، السحر، أو حتى شيء مثل الطاقة الداخلية في عوالم فنون القتالية.
فهو كيان صنع هذا العالم بكل تعقيداته.
بعد أن حصلنا على العديد من الإجابات، غادرنا العرين متجهين إلى غرفة النوم في القصر..
بمجرد أن رأت السحلية باول، قفزت عليه بسرعة، مما منح شريكه البشري بعض العزاء بعد هذا الفراق القصير.
كان الاثنان حقًا ثنائيًا متناسبًا تمامًا.
وبعد أن افترقت عن السحلية، دخلتُ إلى الغرفة لأجد كاسيان بملامح يعلوها الاضطراب.
كنت أفهم تمامًا ما كان يشعر به.
فكلما أعدتُ النظر في البريد، ازداد ارتباكي.
‘مهما نظرتُ إليه، فهو يشبه بريدًا أرسله موظف مثقل بالأعباء في شركة ما…’
لهذا، شعرتُ بنوع من الألفة تجاهه.
لكنني شعرتُ أيضًا بشيء أشبه بالخيانة..
رغم أنني الآن فهمتُ سبب فعل السيدة ماربيل لكل هذا، بفضل حقيقة أن تنين اللهب لم ينكر كلماتي…
“… أمي؟ حقًا؟”
“أوه، هذه الطريقة في الكتابة وكل هذا السياق… لا بد أنها مفبركة بالكامل.”
“مفبركة؟”
سابقا، كنتُ قد طرحتُ أسئلة أكثر بصمت مما نطقتُ به بصوت عالٍ، لذا فتحتُ فمي الآن لأشرح الأمور بهدوء..
“كما تعلم، إيان، أنا ضعيفة أمام الموظفين الإداريين الذين يعملون لساعات إضافية.”
“صحيح، عكس حالتي تمامًا.”
“لأنك مديرهم.”
فأنت تتحمل المزيد من المسؤولية وتحصل على أجر أعلى، لذا ليس هناك سبب يدعوك للتعاطف معك..
لكن بالنسبة للموظفين الإداريين، فهم من كانوا تحت إدارتي، وكان من الطبيعي أن أعتني بهم.
لأن تركهم يستقيلون بسبب ضغط العمل سيكون مشكلة أكبر بكثير.
“أعتقد أنها كانت تعرف ذلك. وكانت تدرك أيضًا أنني سأتعاطف إذا أُرسل الأمر بهذه الطريقة.”
بمعنى آخر، كانت تعلم أنني سأشتكي قليلًا، لكنني في النهاية سأترك لنفسي مجالًا لمساعدتها..
“إذن، هل هذا يعني أن والدتي كانت تمتلك قدرة على التنبؤ؟”
“يمكننا أن نسميها كذلك، لكن…”
في الواقع، هذا أقرب إلى رؤية الماضي..
فكل من التجربة، والملفات المرجعية، كانت مبنية على الرواية التي قرأتها في حياتي السابقة.
بما أن التنانين استطاعت استخلاص معلومات من ذاكرتي وإنشاء مصطلحات وأماكن مستوحاة منها، فمن المنطقي افتراض أن السيدة ماربيل فعلت الشيء نفسه.
‘رغم أنني لا أذكر حياتي السابقة بوضوح تام.’
أتذكر طريقة عملي، وبعض العلاقات السطحية، لكن الروايات التي قرأتها لم تبقَ كلها في ذاكرتي.
عادةً، الأشخاص الذين ينتقلون إلى عالم آخر يتذكرون كيف ماتوا، لكنني لا أملك حتى هذا الجزء من الذكريات..
في الواقع، ربما أولئك الذين يعبثون بذكرياتي يعرفونها بشكل أفضل مني.
‘ربما التجربة والملفات المرجعية ليست مجرد إنشاء، بل شيء تم الاطلاع عليها فعليًا.’
أنا متأكدة من أنني لم أكن الكاتبة، لكن ربما كان أحد أصدقائي أو شخص قريب مني هو الذي كتبها، ولهذا تمكنتُ من الاطلاع على المسودات أثناء كتابتها..
وبينما كنتُ غارقة في هذه الأفكار، تلاقت عيناي مع نظرات كاسيان الثاقبة نحوي، ولم يكن لدي خيار سوى اتخاذ قرار أخير..
في الحقيقة، لم أكن أخفي الأمر بالكامل طوال هذا الوقت، لكن…
‘إن قلتُ هذا بصوت عالٍ، سأبدو وكأنني فقدتُ عقلي تمامًا.’
لقد كنتُ “بطلة” بشكل يفوق الحد..
شعرتُ وكأنني على وشك الإصابة بالقشعريرة، لكنني قاومت هذا الشعور، ونطقتُ أخيرًا:
“إيان، هناك شيء لم أخبرك به بشكل واضح من قبل.”
“ماذا؟”
“في الواقع… هذه هي حياتي الثانية.”
***
جمعت كل شجاعتي لأعترف بذلك، لكن كاسيان أرتيز صدق الأمر بسهولة محبطة..
“لقد التقيت بالفعل بروزليتا ساليس التي لم تكن أنتِ.”
“هذا صحيح.”
كلامه جعلني أقتنع تمامًا..
لقد مررنا بالكثير من المواقف الغريبة جدًا..
“على الأقل الآن، بات الأمر مفهومًا. لماذا استطاعت روز العمل بهذه الطريقة منذ صغرها.”
“صحيح، عندما أفكر في الأمر الآن…”
أسندتُ جسدي إلى حضن كاسيان.
أدركتُ أن هذا أصبح عادة يصعب التخلص منها.
ذراعاه اللتان احتضنتا خصري بشكل طبيعي، وصدره الدافئ والمريح…
“حتى جلالة الإمبراطور بدا وكأنه اعتاد على كل الوثائق غير التقليدية التي أقدمها.”
“أتعنين أن والدتي قامت بمحاكاة طريقتكِ؟”
“على الأرجح، نعم.”
قبل انطلاق هذه الرحلة، لم أراجع فقط ملفات دوقية رياردن، بل اطلعتُ أيضًا على بعض سجلات قصر موران..
وبما أن قصر موران كان مغلقًا بالكامل ولا يُسمح لأي شخص بالاقتراب منه، كانت الملفات المتاحة لمساعد مثلي محدودة جدًا.
‘لكن تلك الملفات القليلة كانت غريبة بشكل ملحوظ.’
بينما كانت جميع السجلات الأخرى مجرد نصوص عادية، بدت بعض وثائق قصر موران وكأنها صُممت وفق نماذج محددة..
كانت الصيغ الحسابية المستخدمة مختلفة وأكثر بساطة من تلك المعتمدة عادةً.
لم تكن بنفس كفاءة أسلوبي، لكنها تبنت بعض عناصره.
“ما يثير فضولي أكثر هو كيف تتواصل معي الآن.”
“لقد أرسلت لنا بالفعل عدة مخطوطات في توقيت مثالي.”
وافقتُ على كلام كاسيان..
“وأيضًا، لماذا اختارتني أنا تحديدًا؟”
“ماذا تعنين؟”
“صحيح أنني أنقذتكَ عندما كنتَ صغيرًا، لكن إن كان عليها التواصل مع أحد، ألم يكن من الأفضل لها أن تتواصل معكَ، باعتباركَ ابنها؟”
خاصة أنها رحلت عن العالم فور ولادته، لذا بالكاد رأت وجهه وهو رضيع..
رغم أن المحن التي واجهتها كانت متمحورة حول “روزليتا” في القصة الأصلية، فإن كاسيان كان جزءًا كبيرًا منها أيضًا.
“في الواقع، هناك حتى بعض الأزمات التي كان يجب أن تؤول إليّ لكنها انتهت لديكَ.”
لهذا، شعرتُ بالغرابة..
لو كانت تريد إعطاء تلميحات، أما كان من الأفضل أن ترسلها إلى كاسيان؟
بالطبع، رغم أنها أُرسلت إليّ، فقد انتهى به الأمر بمعرفة كل شيء، ولكن…
‘لو كنتُ أمتلك شخصية مشابهة لروزليتا الأصلية، لكنتُ حاولتُ حل الأمور بمفردي.’
وكان ذلك قد يكون خطيرًا للغاية..
ولو كنتُ جبانة أو أنانية، لربما هربتُ تمامًا وتجاهلتُ كل شيء.
في خضم تفكيري بهذه الاحتمالات، قاطعني كاسيان قائلًا:
“روز، في مثل هذه الحالات، أليس من الأفضل التفكير بالأمر بالعكس؟”
“بالعكس…؟”
“إذا كانت أمي هي التي أرسلت هذه المخطوطات، فهذا يعني أنها تتدخل من الماضي في المستقبل، أليس كذلك؟ إذن، ربما لم يكن لديها خيار سوى اختياركِ.”
“أنا فقط…؟”
لا، إذا قلبتُ الفكرة أكثر، فقد يكون السبب الوحيد الذي سمح بهذا التدخل غير المنطقي هو وجودي الفريد في هذا العالم.
“أعتقد أن هناك سببًا لكل شيء، سواء كان اعتبار التنانين لكِ شخصًا مميزًا أو ضرورة كونكِ أنتِ من يحلّ هذه الأزمة.”
كلام كاسيان جعلني أتذكر ما قاله لي تنين اللهب سابقًا:
-“لهذا السبب أنتِ في هذا المكان.”
-“لأنكِ تبحثين عن طريقة لإنقاذ هذا العالم.”
وإذا كان الناتج النهائي لهذا كله هو وجودي هنا…
“هل يمكن أن تكون السيدة ماربيل هي من جلبتني إلى هذا العالم؟”
التعليقات لهذا الفصل " 129"