رأى كاسيان العجوز المرتبك وهو يرمش قبل أن يستعيد رباطة جأشه وينحني معتذرًا..
“أعتذر، لا يمكن لشاب بهذه السن أن يكون هو.”
“هل لي أن أسأل من ظننته؟ عندما قلت سيدي الشاب، هل كنت تشير إلى أحد أبناء عائلة جاموتي؟”
على حد علمي، لم يكن هناك أي شخص في تلك العائلة يشبه كاسيان..
لكن العجوز هز رأسه بحزم، وجهه ممتقع بالجدية..
“مطلقًا! سيدي الشاب لم يكن أبدًا فردًا من عائلة الدوق جاموتي، أو بالأحرى عائلة الماركيز!”
قال ذلك بنبرة حاسمة، وكأن ثقلًا قد زال عن كاهله، ثم تابع بنبرة أكثر هدوءًا..
“لقد ظننت أنني رأيت الدوق الشاب لعائلة رياردن، التي حكمت هذه الأرض سابقًا.”
“الدوق الشاب…؟”
ألم يكن هذه اللقب يخص الإمبراطورة الراحلة؟
(في الكورية، مفيش لفظ محدد لكلمة الدوقة الشابة، فيعني سواء كانت بنت او ولد ينادوها الدوق الشاب)
عندما أظهرتُ دهشتي، حكّ العجوز وجنته بتردد..
“نعم، لقد كانت آنسة جميلة… لذا لم يكن ينبغي لي أن أخلط بينها وبين هذا الشاب النبيل. أعتذر بشدة.”
“ولكنك ناديتها بسيدي الشاب آنفًا، أليس كذلك؟”
اعترف العجوز، محرجًا بعض الشيء، وأومأ..
“لقد كان ذلك من هواياتها.”
“التنكر كرجل؟”
“نعم، توقفت عن ذلك بعد حفل ظهورها الأول، لكنها كانت تتجول كثيرًا في البلدة بملابس صبي عندما كانت صغيرة. إذا ناداها أحد بـالدوق الشاب أو الآنسة حينها، كانت تعطيه محاضرة طويلة!”
حدّق في الفراغ للحظة، كما لو كان يغوص في ذكرياته، قبل أن يعود إلى الواقع ويوجّه انتباهه إلينا..
“أعتذر عن انشغالي بحديث الذكريات أمام ضيوفي.”
ثم سأل عن أسمائنا، معتذرًا عن إبقائنا واقفين طويلًا..
وعندما رأى الأسماء المكتوبة في سجل النزل، لم يستطع إخفاء خيبة أمله..
كنا قد استخدمنا هوية مزيفة: عائلة فيكتور.
“هل تعملان في مجال التجارة؟”
رغم أنه رأى الأسماء، سألنا مجددًا أثناء مرافقتنا إلى الغرفة..
“نعم، بدأنا أعمالنا في المملكة، وقررنا توسيعها، إلى جانب الهروب من حرارة الصيف بجولة في إقليم رياردن.”
“خيار ممتاز، فالصيف هنا لطيف جدًا.”
“بالضبط. كما أننا سمعنا شائعات عن تغييرات وشيكة في الإدارة، لذا فكرنا في البحث عن فرص استثمارية.”
ابتسم العجوز ابتسامة مستسلمة وهو يسمع كاسيان يتحدث بسلاسة..
“آمل أن يكون اختياركما مفيدًا لكما وللإقليم.”
بعد مغادرته، دخل حامل الحقائب الغرفة بمهارة، ووضع أمتعتنا قبل أن يخرج..
وقفتُ أحدق إلى الباب المغلق للحظة، ثم نظرت إلى كاسيان وقلت:
“يبدو أن إيان يشبه الإمبراطورة الراحلة أكثر مما كنا نظن.”
“سمعت أن ملامحي تشبه الإمبراطور الحالي.”
كان ذلك صحيحًا أيضًا، لكن أن يخلطه أحد بالإمبراطورة إلى هذا الحد؟ لا بد أن مظهره عندما تتنكر يشبهها تمامًا.
حدّقتُ في وجهه، متأملة..
“…روز؟”
بدت نظراتي حادة إلى درجة أن كاسيان مال إلى الخلف قليلًا..
“أنا ممتن جدًا لنظراتك الحماسية، لكن…”
“لكن ماذا؟”
“إذا واصلتِ التحديق بي هكذا، سأشعر برغبة في معانقتك حتى تتوقفي.”
قلت له مازحة، بينما كنت أتجه إلى داخل الغرفة:
“بغض النظر عن الملامح، أعتقد أن إيان ورث شيئًا آخر عن الإمبراطورة الراحلة.”
“ماذا تقصدين؟”
“موهبته في التنكر.”
لقد كان بارعًا في التمثيل. وأنا نفسي بدأت أعتاد عليه..
عندما نظرت إليه مجددًا، بدا وكأنه استوعب الأمر فجأة، واتسعت عيناه للحظة قبل أن ينظر إلي بلطف..
“صحيح.”
تمتم بذلك وكأنه يكتشف أمرًا جديدًا، مما جعلني أشعر بإحراج طفيف..
وفي الوقت نفسه، غمرتني راحة لطيفة..
كان كاسيان أرتيز شخصًا لم يعرف سوى الألم، لكن منذ وصولنا إلى إقليم رياردن، بدا وكأن ماربيل بدأت تملأ روحه بلطف، دون أن يدرك ذلك.
***
مع اقتراب المساء، قررنا الذهاب إلى المطعم الصغير الذي أوصى به الرجل العجوز لتناول العشاء..
بصفته مديرًا لأحد أقدم وأرقى أماكن الإقامة في العاصمة، قدم لنا عدة اقتراحات لأماكن تستحق الزيارة..
باستثناء الأماكن الجديدة، كانت معظم التوصيات متوافقة مع قائمة ماربيل، مما زاد من مصداقية كلا المصدرين..
مع حلول الغروب، بدأت الطرق تزداد ظلامًا، لكن بعض سكان البلدة كانوا يسيرون خلفنا على مهل، يشعلون مصابيح الشوارع على طول الطريق..
“يبدو أن الجميع يهتمون جيدًا بإدارة البلدة.”
“نعم، على ما يبدو أن عائلة ماركيز جاموتي لم تضايقهم، لكنها أيضًا لم تهتم بالإدارة بشكل كبير.”
“لماذا برأيك؟ لو أولوا الأمر اهتمامًا، لكان بإمكانهم تحقيق أرباح جيدة.”
“لست متأكدًا، لكن أغلب الظنون تشير إلى أن الأمر نابع من عقدة نقص تجاه دوقية رياردن.”
لكن لم يكن ذلك وحده كافيًا لتبرير تصرفات تلك العائلة الطامعة..
صحيح أنهم رفعوا نسبة الضرائب قليلًا، لكنهم كانوا يفرضون نفس النسبة على أراضيهم الأصلية أيضًا.
“لو فكرنا بالأمر ببساطة، ربما وجدوا أنه من الأسهل جمع الضرائب التي تأتي بانتظام دون بذل أي جهد إضافي.”
“لكن يبدو أن هناك سببًا آخر، أليس كذلك؟”
“ربما.”
وبينما كنا نتحدث، وصلنا إلى مدخل البيسترو..
كان سكان البلدة الذين كانوا يشعلون المصابيح يبتسمون وهم يرمقوننا بنظرات ذات مغزى..
“لقد اخترتما المكان المناسب، هذا أفضل مطعم في بلدتنا!”
حتى أن أحدهم تحدث إلينا بمرح..
أومأنا له برأسينا ودخلنا إلى الداخل.
على عكس الحانات التي مررنا بها في الطريق، لم يكن المكان صاخبًا بشكل مفرط، بل كان الجو هادئًا تسوده أحاديث هادئة بين الزبائن..
تقدمت نحونا نادلة نشيطة بابتسامة مشرقة قائلة:
“لقد أبلغنا السيد باركر، مدير النزل بقدومكما مسبقًا، لذا جهزنا لكما مكانًا رائعًا.”
كان ذلك المكان في شرفة بالطابق الثاني..
الهواء الليلي العليل، والنباتات المزينة بشكل جميل على طول السور، والأضواء المنتشرة في أرجاء المكان، كل ذلك أضفى عليه أجواء ساحرة..
كما أن تقسيم المساحة بحواجز صغيرة دون أن تكون ضيقة وفر أجواءً خاصة ومريحة..
“يمكننا رؤية شارع المتاجر من هنا.”
“نعم.”
بعد أن طلبنا بعض الأطباق بناءً على توصية النادلة، بدأنا نتأمل المكان من حولنا..
أما كاسيان، فكان يحدق في الشارع بنظرات مشوبة بمشاعر متباينة..
ماريبيل جابت أنحاء دوقية رياردن كثيرًا منذ طفولتها، لكن هذا المكان كان أكثر موقع ذكرته في مذكراتها..
فهو بمثابة القلب النابض للدوقية، حيث يقع قصر دوق رياردن.
عندما وصلت طلباتنا، أخذت رشفة كبيرة من الحساء الساخن قبل أن أخاطب كاسيان..
“بالمناسبة، إيان.”
“نعم؟”
“لماذا كانت السيدة ماربيل تتنكر كرجل؟”
“لست متأكدًا…”
بدا أنه لم يجد إجابة لهذا السؤال بعد..
لم يكن مجرد شغف بالتنكر، فقد كان هناك ما يثير الريبة.
“عادةً، الغرض من التنكر هو خداع الآخرين أو مفاجأتهم، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“لكن عندما استمعنا إلى حديث مدير النزل، لم أشعر أن هذا كان السبب.”
هز كاسيان رأسه موافقًا..
“إذن، هل كان الأمر بدافع الضرورة؟ أم لأنها لم تكن ترغب في الاعتراف بكونها فتاة؟”
كان هناك شيء ما لا يزال يثير فضولي..
{لا أريد رؤية أمي وهي تشعر بالأسف.
أنا سعيدة فقط بكوني ابنتها.}
لم يُذكر ذلك بشكل مباشر، لكن كان من الواضح أن دوقة رياردن، والدة ماربيل، كانت تشعر بحزن شديد وندم لأنها أنجبت ابنة..
بدا أن السبب قد يكون التمييز، لكن كان هناك شيء يثير الشكوك حول هذا الافتراض..
“لكن الإمبراطورية لا تمنع وراثة النساء للقب، أليس كذلك؟”
“صحيح، لكن المعبد لا يحب ذلك كثيرًا.”
ولهذا السبب، لم يكن بإمكان العائلة الإمبراطورية الدخول في صراع مباشر مع المعبد، لذا كان من المعتاد أن يكون الوريث إمبراطورًا ذكرًا..
لكن باستثناء النبلاء الناشطين في العاصمة، لم يكن الأمر مشكلة كبيرة.
فعلى سبيل المثال، في عائلة البارون ساليس، كنت أنا الوريثة، وحتى جلالة الإمبراطور منحني لقب مركيزة كلوبيا الحدودية.
بالطبع، لا تزال التقاليد القديمة تؤثر إلى حد ما، لذا فإن الورثة الذكور كانوا أكثر عددًا..
‘حتى في حالة فيلمَا، كان من المؤكد أنها سترث اللقب الذي كانت تملكه جدتها.’
وهذا يعني أن تولي النساء للألقاب لم يكن أمرًا نادرًا، خاصة على مستوى النبلاء من درجة الكونت.
حتى في عائلات الدوقات، إذا لم يكن هناك سوى وريث واحد مثل في عائلة رياردن، لم يكن هناك مانع من أن تكون ابنة.
على سبيل المثال، في عائلة فرانسيس، دوقية أشوود، كانت إحدى الدوقات السابقة امرأة قبل بضعة أجيال..
أما الآن، فالعائلة مكونة بالكامل من أبناء ذكور، لذا كان فرانسيس الابن الأكبر هو المرشح الأقوى للخلافة.
حتى في عائلة دوقية لوبيز، لم يكن الأمر غير مسبوق.
لكن…
‘لم يكن هناك وريثة أنثى لعائلة دوقية رياردن، أليس كذلك؟’
لم يكن الأمر مجرد تقليد قديم يفرض ذلك، فهناك شيء آخر يثير القلق..
فقد قام دوق رياردن السابق، بدافع القلق على صحة زوجته الضعيفة، بتعيين ابنته ماربيل وريثة للقب منذ صغرها..
إضافة إلى ذلك، لم يكن من الممكن اعتبار المنطقة محافظة جدًا في هذا الشأن..
‘لقد شعرت بذلك جيدًا أثناء رحلتنا عبر الدوقية.’
وكان هناك أمر آخر لافت للنظر..
‘من المعتاد أن يتم ترتيب زيجات سياسية لبنات دوقية رياردن، لكن وفقًا للسجلات، لم تغادر أي واحدة منهن الإقليم بالزواج، باستثناء السيدة ماربيل.’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 118"