“…روز!”
وسط وعي ضبابي، سمعتُ صوتًا مألوفًا.
كنتُ أعتقد أن جفوني ستكون ثقيلة، لكنها انفتحت بسهولة غير متوقعة.
طرفتُ بعينيّ عدة مرات لأتكيف مع الرؤية، وسرعان ما امتلأت عيناي بمنظر غير واقعي.
‘…إنه جميل جدًا.’
وجه كاسيان القلق بدا أكثر جمالًا من المعتاد، ربما بسبب تأثير التنين الذي غمره بإعجاب متكرر.
حتى المنظر من خلفه كان جميلًا بشكل غير معقول.
نسيم دافئ، زهور بألوان زاهية، نبع متلألئ ينبثق منه جدول صغير يتدفق بهدوء..
فوقنا، شكلت الأغصان والأوراق قوسًا طبيعيًا، مما خلق ظلًا يسمح لأشعة الشمس بالمرور بشكل معتدل..
كل هذا جعلني، دون وعي، أتساءل:
“هل… هل متنا؟”
هل نحن في الجنة؟
هل تعبت التنينة مني فأرسلتني إلى العالم الآخر بضربة واحدة؟
كان عليها أن تظهر انزعاجها على الأقل قبل أن تفعل!
“لا، لكن إن كان الأمر يتعلق بي وبإيان، فمن الأرجح أننا سنذهب إلى الجحيم، لا الجنة.”
لأننا شياطين، أليس كذلك؟
عند كلماتي، تقطب وجه كاسيان فورًا..
“لا تقولي أشياء كهذه، روز.”
لكن رغم ذلك، كان يبدو مرتاحًا، مما جعلني أبتسم دون قصد..
يا لها من كارثة.
بدأتُ أستمتع بإغاظته كثيرًا.
أعتقد أنني بدأت أفهم لماذا كان رئيسي يحب مضايقتي هكذا.
عندما حاولتُ تعديل جلستي، دعمَني كاسيان بحذر..
“أمم، لكن أين نحن؟”
حتى بعدما استعدتُ تركيزي ونظرتُ حولي، لم يكن مجرد وهم. كان المكان جميلًا بالفعل..
حتى أعظم البستانيين، بعد سنوات من التخطيط، لن يتمكنوا من صنع شيء بهذا الجمال.
رغم تناغم كل شيء، إلا أن الطبيعة هنا تحمل لمسة لا يمكن للبشر تحقيقها..
“لست متأكدًا تمامًا، لكن يبدو أننا قرب المنجم المهجور.”
قال كاسيان ذلك وهو يشير إلى جدار يظهر بين الأشجار.
“يبدو أن ذلك هو المدخل.”
“لكن لا أرى بابًا، ولا يبدو كهفًا حتى.”
“أعتقد أن هناك سحرًا يحجبه. ربما يمكنك فتحه، روز.”
لأنني أملك المفتاح؟
رغم أن الجدار بدا عاديًا بالنسبة لي، إلا أنني قررتُ الوثوق بغريزة كاسيان، فهو السيد هنا..
بما أن التنينة “غايا” هي من أرسلتنا، شعرتُ بثقة غريبة بأنها لن تؤذيني.
‘هل أثق كثيرًا في تنينة بالكاد أعرفها؟’
لكن سواء كان تنين اللهب أو غايا، لم يؤذني أيٌّ منهما.
بل كانا يجيبان على أسئلتي فقط..
وقفتُ أمام الجدار برفقة كاسيان، لكنه لم يتحرك.
“ماذا عليّ أن أفعل؟”
ليس لدي قوى سحرية..
“ضعي يدك عليه.”
لاحظتُ أن نبض كاسيان تسارع قليلًا، وكأنه مستعد للهرب إذا حدث أي طارئ..
بثقته هذه، لم أشعر بأي قلق حين لمست الجدار.
كــووكــــونغ—
في اللحظة التالية، تحرك الجدار حقًا!
“أشعر وكأنني بطلة في قصة خيالية..”
لم أنطق تعويذة لفتح الباب، ومع ذلك…
في اللحظة نفسها، تحولت الجدران الجانبية إلى نوافذ زجاجية بإطار خشبي، تتلألأ حولها آثار سحرية..
“واو…”
عندما قلتُ إن كاسيان جميل، شعرتُ أن ذوقي في الجمال يتوافق مع هذا المكان بنفس الطريقة..
فالمنظر من الداخل بدا كأنه مقهى أنيق وسط الغابة.
وعندما دخلنا، انتشر في المكان عبق القهوة، مما جعلني أدرك أن التنانين حقًا كيانات تتجاوز المنطق..
ومع هذا التفكير، عندما تقدمنا إلى الداخل…
حدث ذلك في اللحظة المناسبة تمامًا.
{لأنني لم أرد الذهاب دون أن أترك شيئًا، شعرتُ ببعض الأسف.
لذا، صنعتُ لكِ بهدوء المكان الذي سيسعدكِ أكثر من أي شيء آخر.
عريـني قديم جدًا لدرجة أنه تحول إلى منجم مهجور ولم يعد له أي فائدة، لكن هذا المكان… لا بد أنه يحمل بعض القيمة لكِ.}
لفافة تركتها “غايا” ظهرت أمامي.
ثم فتحت لفافة “ملكية عرين تنين اللهب” بسرعة، لتُضاف أسطر جديدة أسفلها..
{هل تقبلين هدية غايا؟}
كان الشعور هذه المرة مختلفًا عن ذلك الذي راودني عند الحصول على عرين تنين اللهب..
في ذلك الوقت، كنت أعتقد أن توقيعي سيحل مشاكلي الواقعية، لذا اتخذت القرار دون تردد..
لكن الآن…
‘يبدو كأنه مكان يمكنني حقًا أن أرتاح فيه.’
من خلف الطاولة، كان صوت احتكاك خفيف يصدر عن المطحنة أثناء دورانها، والمقلاة التي تحمص الحبوب وحدها، والإبريق الزجاجي الذي يستقبل القطرات المتساقطة من القهوة..
على الرغم من عدم وجود أي شخص، لم يكن المكان مخيفًا أو موحشًا، بل أشبه بمقهى ساحر دعاني إليه كائن خيالي.
كانت هدية دافئة، تشبه لمسة أم حنون.
بالطبع، والدتي الحقيقية تعيش بسعادة مع والدي في إقليم البارون ساليس، لكن…
“هل ستقبلينها؟”
“بالطبع.”
“حتى مع القيود المفروضة على الدخول؟”
“كم أنت مادي في نظرتك إليّ.”
رغم أنني أدركت، من خلال نظراته المليئة بالتوقع، أنه لم يكن يقصد الأمر بتلك الطريقة تمامًا..
{قيود الدخول: أي شيء يحبه أو يجده المالك جميلًا.}
كنتُ أتساءل عما إذا كان من المقبول الإشارة إلى الأشخاص على أنهم “أشياء”، لكن ربما كان ذلك مجرد أسلوب كلام التنانين..
بعدما وقّعتُ بخفة، لم يُطرَد كاسيان إلى أي مكان، بل بقي بجانبي تمامًا كما هو..
“…اليوم فقط، أشعر ببعض الامتنان لوالديّ.”
عانقني كاسيان بإحكام، تعبيره مزيج من السعادة وشعور آخر يصعب وصفه..
كنتُ أفهم سبب قوله ذلك، لكنني اكتفيتُ بالابتسام كعادتي.
لأنني، في الآونة الأخيرة…
‘أنا أيضًا بدأت أشعر بشيء غامض.’
هل أراه فقط جميلاً؟
لو كانت غايا هنا، فلا شك أنها كانت ستنفجر ضاحكة..
***
أنا وكاسيان احتسينا القهوة معًا، واستمتعنا بالتجول في الحديقة أمام المقهى الذي أنشأته غايا..
لم يكن من السهل العثور على مشهد لم تطأه أقدام البشر، لذا استغللنا الفرصة جيدًا.
بعد أن أخذنا وقتنا في الاسترخاء، قررنا استكشاف المنطقة، فغادرنا عبر الطريق الممتد خلف المقهى.
واصلنا السير طويلًا، وبفضل ذلك، تمكّنا أخيرًا من استكمال الخريطة التي لم تستطع ماربيل إنهاءها.
عندما خرجنا من المنجم المهجور ورسمنا الخطوط الأخيرة، ساد الصمت للحظة..
“يبدو كتنين نائم، منطوٍ على نفسه.”
“أجل.”
ليس مجرد تنين، بل بدا مستلقيًا في راحة تامة، وكأنه يحمي هذه الأرض. لم أستطع التوقف عن التفكير في غايا وهدوئها المعتاد..
وربما، فقط ربما، كانت تراقبنا الآن، تلوّح بأنبوبها الفارغ بطريقة غير مرئية لنا.
“سيكون من المزعج تحويل هذا المكان إلى وجهة سياحية.”
“لأن التعامل مع الأمر هذه المرة سيكون مختلفًا عن عرينكِ السابق.”
“لكن جلالة الإمبراطور قد يساعدنا، أليس كذلك؟”
رغم أن هذا المكان يحمل ذكريات مع الإمبراطورة السابقة، إلا أنني لم أكن أعلق أي آمال على ذلك..
كاسيان على ما يبدو كان يشعر بالمثل، إذ هز كتفيه بلا مبالاة، كما لو كان يقول: عليكِ أن تثقي بمن يستحق الثقة فقط.
“حسنًا، لا بد أن المعبد سيغضب كثيرًا، لذا من المحتمل أن ينأى بنفسه عن الأمر.”
“لأنه يكره التعقيدات.”
لا حاجة لإقحامه، لكن…
كلما مررتُ بالمزيد من الأحداث، ازداد يقيني بأن هناك أمرًا مريبًا داخل المعبد..
ثم إن هذه الأرض تحمل شكل تنين…
‘بالتأكيد سيوافق عاشق التنانين على مساعدتنا، أليس كذلك؟’
حين ابتسمت بمكر وأنا أفكر في ذلك، بدا أن كاسيان التقط الفكرة، فارتسمت على وجهه ابتسامة بنفس الدرجة من الخبث..
“إذًا، هل سنقلب المعبد رأسًا على عقب هذه المرة؟”
“بالطبع، وهذه المرة أريد رؤية أرشيف المعبد السري الذي يخفونه دائمًا.”
فقد أسرّ لي ويسلي أن كل الأسرار القذرة الحقيقية للمعبد مخبأة هناك..
وبما أنه عاشق التنانين المتواضع، فلا شك في أنه سيكون أول المتحمسين لدعمنا.
***
رغم أنني كنت أرغب بشدة في الاندفاع إلى العاصمة وإعلان الحرب على المعبد فورًا، قررت التركيز على ما يجب فعله الآن..
وبدلاً من ذلك، أرسلت خريطة المنجم المهجور، التي لا بد أن تكون مثيرة للاهتمام بالنسبة إلى ويسلي، مع طائر رسول.
تخيلته وهو يعيث فسادًا في المعبد أثناء غيابنا، مما جعل هذه الرحلة أكثر إمتاعًا.
ها قد وصلنا أخيرًا إلى مركز رياردن.
كانت ملكية رياردن آخر محطة في رحلتنا الهادئة عبر إقليم رياردن..
وكما أوصت ماربيل، قمنا بجولة في الإقليم، الذي، رغم إهمال عائلة جاموتي له، بدا نابضًا بالحياة كأنه يملك قوة ذاتية للبقاء..
لم يكن العثور على نقاط تحتاج إلى تحسين أمرًا صعبًا، كما أن اكتشاف المنجم المهجور الذي كان يومًا عرين غايا جعلني أكثر رضا..
عندما حصلت عائلة جاموتي على دوقية رياردن، لم ينقلوا مقر إقامتهم الرسمي، مما يعني أن القصر الدوقي القديم لا يزال موجودًا هنا.
ورغم أن العائلة لم تهتم به وكأنها تنتظر أن تبتلعه عوامل الزمن، إلا أن ما رأيته من نافذة العربة لم يكن بذلك السوء.
“من الذي كان يهتم به؟”
“لست واثقًا.”
قررنا مواصلة التظاهر بأننا زوجان حتى نصل إلى مقاطعة كلوبيا، كإجراء احترازي..
لذلك، لم يكن من الحكمة التوجه مباشرة إلى قصر الدوق، حتى لا نلفت الأنظار..
عندما وصلت العربة إلى النزل الذي حجزناه، ترجل كاسيان أولاً ومدّ ذراعه لي.
“يبدو أن الأرصفة تحتاج إلى بعض الإصلاحات.”
“أجل، أوافقك.”
همس كاسيان بتحذير خافت، فأومأت وأمسكت بذراعه بينما أهبط من العربة..
نظرًا لأن المكان كان نُزلًا في مدينة كبيرة، ظهر حامل الحقائب ليحيينا قبل أن يتحرك بسرعة لحمل أمتعتنا.
وفي تلك اللحظة، بينما كنا ندخل إلى الردهة تحت مرافقة كاسيان، دوى صوت متفاجئ.
“أهلًا وسه— آه؟!”
وقف شيخ عند المدخل، وقد اتسعت عيناه بصدمة، ثم صاح بصوت لا يصدق..
“…سيدي الشاب؟!”
التعليقات لهذا الفصل " 117"