-همم، لقد استدعيت واحدًا فقط.
لم يكن تنين اللهب..
بل لم يكن حتى في هيئة تنين..
ظهرت أمامي امرأة مستلقية على أريكةٍ ذات مسند ذراع واحد، في وضع مريح..
-ليس سيئًا، فأنا أحب الأشياء الجميلة.
كانت تمسك بيدها غليونًا طويلًا..
لم يكن يخرج منه دخان، ولا كان مشتعلًا، ولم يكن حتى يحتوي على أي تبغ، لكنه بدا مناسبًا جدًا لأجوائها المتراخية..
ببطء، نهضت بجسدها واتخذت وضعية جلوس مائلة.
-يبدو أن لديكَ إرادة قوية، بالنظر إلى أنك قاومتَ قوتي وجئتَ إلى هنا رغم ذلك.
ابتسمتْ بهدوء بينما كنت أربت على ظهر كاسيان الذي كان بجانبي..
على عكسي تمامًا، حيث كنتُ في حالة طبيعية، كان هو يتشبث بي بإحكام، متعرقًا ببرودة وكأنه نسي كيف يتنفس..
“هل يمكنكِ مساعدته؟”
سألتها وأنا أعلم أنني لن أخسر شيئًا إن حاولت، فابتسمت بخبث..
-لا أستطيع أن أرفض طلبكِ، خاصةً وأنتِ معجبة بهذا الشيء الجميل.
حركت الغليون في يدها، وعلى الفور عاد تنفس كاسيان إلى طبيعته.
ظللت أربت على ظهره لأتأكد من أنه بخير، ثم نظرت إليه، لأجده فجأة وقد استرخى بملامح تبدو عليها السعادة أكثر من الغضب..
هل يمكن أن يكون هذا الرجل قد تطور إلى ذوق غريب؟
هل أخطأتُ في تربيته إلى هذا الحد؟
نظرتُ إليه بقلق، فما كان من التنين إلا أن ضحكت..
-تفكرين في شيء غريب، أليس كذلك؟
“… هل يستطيع التنانين دائمًا قراءة أفكار البشر هكذا؟”
-ليس جميعنا، لكن يمكنني قراءة أفكاركِ وأفكار ذلك الجميل.
شعرت بالظلم نوعًا ما..
ضحكت التنين مجددًا..
-تفكرين بطريقة متناقضة، لا تقلقي. ليس لدي نية للتدخل في ذلك.
نقرت التنين بالغليون على مسند الأريكة كما لو كانت تنفض الرماد، وعندها فقط هدأت ملامح كاسيان التي كانت مشدودة بغضب..
يا ترى، ما الذي كان يفكر فيه؟
-الحياة تكون أكثر إثارة عندما تحتوي على الكثير من الألغاز، أيتها الحاملة للمفتاح.
“في الواقع، كنتُ أفكر في هذا الأمر.”
-هل تريدين أن تعرفي الآن؟
أومأت برأسي على الفور.
“لقد أصبح الأمر مهمة يجب علي إنجازها، والمعلومات دائمًا مفيدة. صحيح أن من استدعاني كان تنينًا آخر، لكن…”
-هناك العديد من القيود علينا أيضًا، يا عزيزتي.
أسندت ذراعها على المسند واتكأت قليلًا وهي تتحدث.
-لا شك أن هذا محبط لكِ، لكننا أيضًا انتظرنا وقتًا طويلًا.
“هل هناك تنانين أخرى تنتظرني غيركِ وغير تنين اللهب؟”
-همم، ليس بالضرورة. هناك من تحرروا بالفعل. فالعالم دائمًا مليء بالمفاجآت. في الواقع، لم يكن من المستحيل علي التحرر أيضًا، ولكن…
ركزتُ في كلامها.
لأن تنين اللهب قال شيئًا مشابهًا من قبل..
”لقد حررتني من قيدي.”
كما لو أنه كان مقيدًا بشيء ما..
هل لهذا علاقة باندماج العوالم؟
هل يمكن أن يكون العالم الأصلي ما زال مستمرًا بطريقة ما حتى مع وجودي هنا؟
إذن، هل هذا العالم والعالم الآخر مختلفان؟ أم أن أحدهما مجرد وهم؟
-أيتها الفتاة، لقد توصلتِ إلى الإجابة مسبقًا.
“لقد توصلتُ إلى إجابة؟”
-ربما كان ذلك لا شعوريًا، لكنه أيضًا شيء عليكِ تصحيحه.
لم يكن تنين اللهب واضحًا في كلامه، وكذلك هي..
هل هذا فقط أسلوب التنانين في الحديث؟
أشعر أن أسلوب سيدات الروايات الخيالية الأرستقراطيات سيكون أسهل في الفهم..
ضحكت التنينة بصوت عالٍ دون أي وقار، بينما نظر إليّ كاسيان بعينين تتساءلان..
“كنت أفكر أن التنانين تتحدث بطريقة يصعب فهمها.”
“آه.”
أومأ كاسيان برأسه كما لو كان يتفق معي..
-هذا ظلم، أنتما اثنان وأنا وحدي.
اتخذت التنينة تعبيرًا متجهمًا بشكل غير ملائم، لكن لم يكن لدي أي نية للوقوع في حيلها..
بدلًا من ذلك، قررت استغلال الفرصة لطرح المزيد من الأسئلة..
لم تُظهر أي علامة على أن لديّ وقتًا محدودًا، بل بدت وكأنها تشجعني على السؤال بقدر ما أريد.
“قلتِ إنه كان بإمكانكِ التحرر، فلماذا بقيتِ هنا؟”
-بدافع الفضول.
“تقصدين فضولا بشأني أنا؟”
شعرتُ أنني قد أكون مصابة بجنون العظمة، لكن لم يكن هناك تفسير آخر متاح..
-صحيح، رغم أنني فكرتُ أنه ربما لن تظهري أبدًا، لكن لو حدث ذلك ولم أتمكن من لقائكِ، لشعرتُ بالحزن.
ضحكت مرة أخرى بسعادة.
-في الواقع، هناك من يشعرون بالحزن بالفعل. لهذا السبب كان عليَّ المقامرة.
هل يجب أن أبلغ عن هذه المقامرة؟ الرقم 1336… لا، لحظة.
هذا النوع من الحديث غير مناسب لنمو الأطفال النفسي.
-لكنني صادفتُ أشخاصًا لديهم ذبذبات مشابهة لكِ من وقت لآخر، وخصوصًا في الآونة الأخيرة، كان هناك شخص يشبهكِ كثيرًا.
استرجعتُ ما كنتُ أفكر فيه قبل أن تحضرني التنينة إلى هذا المكان..
كيف أن عاداتي تشبه عادات ماربيل.
لكن هذا لا يعني أنني تجسيد لها أو أي شيء من هذا القبيل..
‘هل يمكنكِ تأكيد تخميني؟’
نظرتُ إلى التنينة بهذه الفكرة في ذهني، فأومأت برأسها بكل وضوح.
-لو كان الأمر كذلك، لكنتُ قد وجدتُ الإجابة منذ زمن بعيد ولم أكن لأبقى هنا، هي لم تكن سوى نسخة مصطنعة بإتقان.
لحظة، أليس من الوقاحة أن تصف والدة شخص ما بأنها مصطنعة؟
-أوه، لهذا السبب لا تريدينه أن يسمع، أليس كذلك؟ لديك الكثير من التوقعات، هذا ممتع.
أليس الأمر مزعجًا أكثر؟
لا بد أنها تجد كل شيء ممتعًا بعد كل هذه السنوات من الحياة..
بعد تردد، قررت أن أطرح عليها سؤالًا مباشرًا.
“هل هذا المكان خيالي؟”
-لا يوجد مكان وُجد عبثا أيتها الفتاة. كل شيء في هذا العالم خلق لهدف محدد.
نقرت التنينة غليونها على مسند الأريكة كما لو كانت تفكر بصوت عالٍ..
-حتى المكان الذي كنتِ تعيشين فيه ليس استثناءً. لكن، يا صغيرتي، مجرد أن يكون موجودا من قبل لا يعني أن ماتعيشين فيه مزيف.
إذن، هل الرواية الأصلية التي قرأتها في حياتي السابقة كانت في الحقيقة قصة هذا العالم، لكنها تحولت إلى رواية؟
-قد تكونين قريبة جدًا من الحقيقة، لكن الأهم هو أن كل شيء واقع.
“أنا مدركة لذلك.”
رغم أنني تحدثتُ عن القصة الأصلية، فإن قدرتي على تدمير المسار المحدد مسبقًا بحرية كانت دليلي على أن هذا العالم حقيقي..
-حسنًا، لهذا السبب أنتِ الحاملة للمفتاح، وأيضًا #@.
قالت التنينة ذلك، ثم وضعت يدها على وجهها وكأنها أفشت أمرًا لا يجب أن يقال..
فكرتُ أن الكلمة المطموسة التي قالتها كانت مشابهة بشكل غريب للكلمة التي استخدمها خادم التحريك بالمغرفة عندما كتب لي..
هناك، كانت كلمة محطمة. وهنا، كلمة غير واضحة… ومع ذلك، فهما متشابهتان بشكل غريب..
-يبدو أن وقتي هنا بدأ ينفد، لذا اسألي بسرعة إن كان لديكِ المزيد من الأسئلة.
“كيف يمكنني منع العوالم من الاندماج؟ وهل يمكنني حقًا الوثوق بمن أرسل لي هذه اللفافة؟”
-همم، إنهم لا يكذبون عليكِ، لكن لا يمكننا أن نلقي اللوم عليهم تمامًا أيضًا. صحيح أن فضولهم الزائد جعلكِ تمرين بكل هذا العناء، لكن…
نظرت إليّ التنينة بعينين دافئتين.
-هناك أمور لا يمكن للبشر السيطرة عليها.
هل لهذا علاقة بكوني “الحاملة للمفتاح”؟
وهل يتعلق ذلك بالكلمة المشوشة #@؟
-لقد قدمتُ لكِ تلميحات كثيرة بالفعل.
لكن حديثكم دائمًا مليء بالغموض…
رغم ذلك، كنتُ قد بدأت أفهم الفكرة. لكن الاحتمال الذي أتصوره الآن… لا أريده أن يكون صحيحًا.
ورغم ذلك، بالنظر إلى الطريقة التي كان هذا العالم يعاملني بها حتى الآن، فهناك احتمال كبير أن يكون مجرد أمل كاذب.
لم تضحك التنينة هذه المرة. بل اكتفت بالنظر إليّ نظرة تشجيعية..
… لكن ذلك لم يكن مبشرًا بالخير.
“إذن، هل يمكنني العثور على من أرسل لي هذه اللفافة؟”
على الأقل، أود أن أمسكهم متلبسين.
-ليس بالأمر السهل، فقد انحرفت المحاور.
“المحاور؟”
-أرغب بشدة في إخباركِ بالمزيد، لكنني لا أستطيع، أيتها الفتاة.
بدأت أُخمّن داخليًا.
الزمن، المكان، أو ربما عالم آخر تمامًا.
لم تقدم لي التنينة سوى تلميح بالإيماء إلى أن شيئًا ما من بين هذه الاحتمالات قد يكون صحيحًا..
بدأ الظلام يزحف ببطء نحو المكان الذي كانت تجلس فيه.
شعرت أن وقت حديثي معها قد شارف على نهايته.
“هل هذا المنجم المهجور ملككِ؟”
-أنتِ تعرفين الإجابة بالفعل، فنحن لا نهتم بالقشور.
“إذن، سؤال أخير—”
كنتُ أريد معرفة سبب تقييد التنانين.
لكنها اكتفت بقول…
-أحب شخصيتكِ المباشرة، لكنها قد توقعكِ في مأزق إن تسرعتِ أكثر من اللازم. لا تقلقي، ستصلين إلى الإجابة التي تبحثين عنها.
بدأ جسد التنينة يتلاشى تدريجيًا.
عندها فقط أدركت أنني لم أتعرف حتى على اسمها.
حين نظرتُ إليها، ابتسمت وكأنها وجدت الأمر ممتعًا، ثم فتحت فمها أخيرًا.
-ترتيب الأمور هنا خاطئ تمامًا، لكن هذا ما يجعله ممتعًا. كنتُ من يحكم هذه الأرض.
-غايا
اسم مألوف وصل إلى مسامعي.
بينما اختفى جسدها بالكامل تقريبًا، تردد صدى صوتها في أذني..
-كوني حذرة، أيتها الحاملة للمفتاح. سأدعو أن تتمكني من تحويل قوتكِ إلى سعادة.
في اللحظة ذاتها، تلاشت الرؤية من حولي.
ابتلع الظلام أولًا صورة كاسيان، ثم شعرت أنني أُحتضن بلطف..
تمامًا كما لو كنتُ غارقة في حضن الأرض الدافئة.
التعليقات لهذا الفصل " 116"