“أنا آسفة، لقد سألتُ سؤالًا شخصيًا للغاية، أليس كذلك؟”
وقفتُ بسرعة والتقطتُ الأوراق المتناثرة، معتذرة له..
لا بد أنه تفاجأ عندما طرحتُ عليه فجأة سؤالًا عشوائيًا عن نوعه المفضل في العلاقات أثناء العمل.
لا بد أنه ظن أنني فقدتُ صوابي.
“آه، لا، ليس الأمر كذلك.”
وقف فرانسيس أشوود في مكانه كأنه تجمد تمامًا، ثم سرعان ما انحنى بدوره ليلتقط الأوراق..
“هل قال لك جدي… شيئًا ما؟”
“ماذا؟”
دوق أشوود؟
رفعتُ رأسي بحيرة، بينما كان فرانسيس يحاول عبثًا إخفاء ارتباكه..
بدا عليه الارتباك أكثر عندما علقت إحدى الأوراق بين بلاطات الأرضية.
“إن لم يكن الأمر كذلك، فلا سبب لسؤ—”
مددتُ يدي لأساعده، على اعتبار أنني السبب في حالة التوقف المفاجئ التي أصابته..
“لستُ—!”
لكن في توقيت سيئ تمامًا، تلامست يده مع ظاهر يدي أثناء محاولتنا التقاط الورقة في آنٍ واحد.
بالطبع، لم يخطر ببالي أي شيء غريب—
لكن عيني فرانسيس اهتزتا بعنف، وكأنه أدرك فجأة خطأً فادحًا.
“مساعد أشوود…؟”
نظرتُ إليه بقلق وأنا أرفع الأوراق التي التقطتها.
عندها رفع يده بسرعة ليغطي وجهه.
ثم بعدها مباشرة—
“أعتذر!”
ترك الأوراق على مكتبي بطريقة غير مرتبة، ثم خرج من المكتب وكأنه يهرب.
بينما كنتُ أتابع ظهره المغادر بصمت، وصل كاسيان دون أن أشعر، وألقى عليّ نظرة غير راضية.
“متى وصلت؟”
“عندما كنتِ تسألين مساعد أشوود عن نوعه المفضل.”
لكن لماذا لم يدخل وانتظر بالخارج؟
هل أصبح لديه هواية التنصت الآن؟
تساءلتُ عن ذلك بينما كنتُ أفرك ظاهر يدي حيث لمسني فرانسيس..
عندها، أمسك كاسيان بيدي فجأة، وبدأ يفركها بقوة بأصابعه.
“لم يعلق بها شيء.”
“أعلم.”
“كما أنني غسلت يدي جيدًا.”
“أعرف ذلك أيضًا.”
إذًا لماذا يبدو مستاءً هكذا؟
بل حتى فرانسيس أشوود نفسه…
لا يمكن تفسير رد فعله إلا بذلك، صحيح؟
“يبدو أنني كنتُ غير مدركة.. كان عليّ أن أكون أكثر انتباهًا للمساعد أشوود.”
“…ماذا؟”
نظر إليّ كاسيان بدهشة، وكأنه لا يصدق ما سمعه.
“هل كنتَ تعلم؟”
“….”
تجمد وجه كاسيان بين الذهول والارتباك وحتى خيبة الأمل..
“مستحيل.”
“ماذا؟”
“رو—روز، أنتِ انتبهتِ لذلك؟ لمجرد هذا الموقف؟”
“تتحدث وكأنني شخص معدوم البصيرة تمامًا.”
لقد قرأتُ الكثير من الروايات حتى الآن، بعد كل شيء.
“لكن، لو كنتَ تعرف منذ البداية، ألم يكن عليك إخباري؟”
“…ماذا؟”
ازدادت ملامح كاسيان قتامة..
ما خطب رئيسي اليوم؟
“كان من اللطيف لو أعلمتَني.”
“…….”
بمجرد أن بدأتُ بالشرح، انطفأت حدة نظراته القاتلة..
“أوه؟”
“إنه يعاني من وسواس النظافة، أليس كذلك؟”
الآن أفهم لماذا كان يبدو مهندمًا بدقة حتى في الصيف،
بل حتى في بداية قدومه إلى قصر الشتاء، كان يرتدي قفازات طوال ساعات العمل.
لطالما ظننتُ أنه مجرد التزام صارم بالبروتوكول..
‘لو علمت فيلما، لقالت إنه لأمر مؤسف أنني لم أقرأ ما يكفي من الروايات بسبب انشغالي.’
فهذا نوع من الصفات التي تظهر كثيرًا في الروايات.
يبدو أنه عليّ أن أكون أكثر حذرًا عند التعامل مع المساعد أشوود من الآن فصاعدًا..
عندما أومأت برأسي مقتنعة بذلك، أسند كاسيان رأسه على كتفي وأطلق تنهيدة عميقة.
“سموك؟”
نقر بأصابعه برفق على خدي.
“لقد عدتِ لاستخدام الألقاب الرسمية.”
“لأننا في المكتب.”
إنه شيء مألوف جدًا بالنسبة لي، لا أستطيع تغييره فجأة.
“تتحدثين وكأنكِ تفعلين ذلك دائما ماعدى في المكتب.”
“لا تقل أشياء قد يساء فهمها.”
“أتمنى لو يسيء أحدهم فهمها بالفعل.”
أطلق تنهيدة أخرى، ثم تمتم بصوت خافت..
“لا يزال الطريق طويلًا.”
لم أفهم ما الذي قصده بذلك.
هل يقصد انتهاء وقت العمل؟
“روز.”
“نعم؟”
“يجب أن تدركي كم أنتِ مذنبة.”
“…عذرًا؟”
لكنه لم يمنحني إجابة، فقط عانقني بإحكام.
“هل يفترض بي أن أكون ممتنًا لهذا؟”
“ممتنًا لماذا؟”
“لأنكِ بطيئة الفهم.”
لكنني اكتشفت أمر وسواس النظافة!
لمجرد أنني أدركت الأمر متأخرة عنه، يعاملني وكأنني حمقاء!
شعرتُ بالظلم، لكنني قررتُ تحمل إزعاجه لخمس ثوانٍ إضافية، فقط من باب التسامح..
***
“روز.”
“نعم؟”
ظل كاسيان يعانقني لثلاثين ثانية إضافية قبل أن يفتح فمه أخيرًا، وقد بدا صوته مكتومًا وكأنه فقد بعضًا من حيويته بعد حديثه مع المحظية الأولى..
“للمرة الأولى، شعرتُ ببعض الشفقة تجاه المساعد أشوود.”
“ماذا…؟”
إذا كان يعلم أن لديه وسواس النظافة، ألم يكن من المفترض أن يشعر بالشفقة عليه منذ زمن؟
كم يبدو الأمر مرهقًا في حياته اليومية، مع كل تلك التفاصيل التي عليه الانتباه لها!
“حسنًا، على الأقل من الجيد أنكِ لم تعرضي إرساله إلى المحظية الأولى بنفسك.”
“هذا بديهي، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
لحسن الحظ، لم يُظهر كاسيان هذه المرة غيرته المعتادة تجاه فرانسيس، والتي كان يتركها تظهر بين الحين والآخر..
“كما قلتِ، ليس من حقنا التدخل في ذلك. ربما كان ليوافق لو أنكِ طلبتِ ذلك، لكن…”
اتكأ على ظهر الأريكة، غارقًا في التفكير..
“لكن هذا لم يكن ليكون القرار الذي يريده المساعد أشوود.”
“بالطبع لا، لقد أتى إلى قصر الشتاء ليعمل بجد! وأخيرًا بدأ ينسجم مع الإداريين هنا.”
لقد بدأ دوق أشوود، المعروف بصرامته، ينظر إلى فرانسيس بطريقة مختلفة بعدما أظهر كفاءته في قصر الشتاء.
بل إن الإداريين أخبروني بحماس أن اقتراحًا قدّمه فرانسيس بشأن دوقية أشوود قد تم قبوله مؤخرًا، وكانوا سعداء بذلك وكأنه إنجاز شخصي لهم..
بعد كل هذا، من الطبيعي ألا يرغب في المغادرة فجأة.
“همم، فلنعتبر الأمر كذلك.”
رغم ذلك، تمتم رئيسي بشيء غير مفهوم عن شفقة لا يعرف سببها..
“على أي حال، يبدو أن من تمكنوا من الصمود طويلًا في الحريم مختلفون حقًا، رغم أنهم لم يكونوا قريبين منه كثيرًا.”
“مجرد حقيقة أن الأخبار لم تنتشر تُثبت ذلك.”
“المحظية الأولى ليست شخصًا بلا نفوذ، بعد كل شيء.”
رفع كاسيان رأسه لينظر إليّ مباشرة وهو يتحدث..
“لهذا، لا أعتقد أنها ستسعى لعداوتنا بسبب هذا الأمر.”
لقد قرأ أفكاري مباشرة.
“…أتمنى ذلك.”
“لا تقلقي، روز.”
ابتسم كاسيان لي، وكأنه يريد طمأنتي..
“حتى لو حدث شيء ما…”
“هل ستحميني؟”
“أنا مستعد دائمًا للهروب، متى احتجنا إلى ذلك.”
ضحك كاسيان مازحًا.
“لكن قبل ذلك، أثق أن مساعدتي المخلصة ستتعامل مع الأمور ببراعة. وكما هو الحال دائمًا، سأكون هنا لدعمك من الخلف.”
كانت كلماته مطمئنة أكثر من مجرد وعود فارغة بالحماية.
لكن كما هو معتاد، المشاكل دائمًا تظهر من حيث لا نتوقعها.
***
“يجب أن ترفض ذلك تمامًا، هل تفهم؟”
تعرض فرانسيس آشوود، الحفيد الأكبر لدوق آشوود والمساعد الثاني لقصر الشتاء، لهجوم مفاجئ في طريقه إلى المنزل..
وهجوم مليء بالاعتراضات أيضًا.
“حقًا، لم أتخيل ولو للحظة أنني سأضطر لقضاء هذا الوقت الفظيع معك.”
“…لست متأكدًا من فهمي لما تقصدينه.”
“لهذا السبب تمامًا! والدتي لا تفهم ذوقي أبدًا.”
في الواقع، كان هذا اليوم مزدحمًا بالعمل كالمعتاد.
بسبب الفراغ المفاجئ في قصر الورود، تراكمت المهام بشكل خاص في قصر الشتاء.
لم يكن هناك جزء في جسده لا يؤلمه، سواء كتفيه أو معصميه أو حتى أصابعه، لكنه اعتاد على هذا الألم منذ زمن..
كان الألم بمثابة تذكير مستمر بأنه يبذل قصارى جهده، وكان يجد فيه نوعًا من الرضا اليومي.
لذلك، عندما غادر القصر أخيرًا وهو يحاول الاسترخاء، لم يتمكن فرانسيس آشوود من استيعاب ما قالته الأميرة الثانية التي اعترضت طريقه..
لم يفهم لماذا كان عليه قضاء الوقت معها، ولا حتى ما الذي كان عليه رفضه.
ولهذا، ردّ عليها بالطريقة التي تعلمها جيدًا من روزليتا.
“صاحبة السمو، إذا كان هناك أمر يتطلب التعاون في العمل، أرجو إرسال المستندات. وإن كان الأمر عاجلًا ويستلزم التوضيح شفهيًا، فيُرجى تحديد المطلوب بوضوح.”
“واو…”
لكن الأميرة الثانية بدت وكأنها تلقت صدمة حقيقية من رده الرسمي..
“يا للعجب، كيف يمكنهم إجباري على قضاء الوقت مع شخص ممل وعديم الجاذبية إلى هذا الحد؟!”
“عذرًا؟”
لم يستطع فرانسيس آشوود أن يوافقها الرأي بسهولة.
كان يجد روزليتا رائعة كلما تحدثت بوضوح في وسط أعباء العمل الهائلة..
‘بالطبع، ما زلتُ أقل بكثير من المساعدة ساليس، لكن…’
يبدو أنه لم يتعلم التواضع بعد، إن كان لا يزال يظن أنه يقوم بعمل جيد..
بينما كان فرانسيس يفكر في ذلك، أطلقت الأميرة الثانية تنهيدة قصيرة، ثم أوضحت له بصوت جاد:
“ألم تخبرك المساعدة ساليس؟ والدتي قالت إنه بعد فترة وجيزة، ستنتقل إلى قصري.”
التعليقات لهذا الفصل " 101"