### الحلقة الثالثة
“…ألم يُقل إنّ الإيرل فيسنتي عجوز؟”
تمتم إدفورد بحيرة وكأنّه يحلم.
سمع ماسيرا ذلك، فأمال رأسه بوجه خالٍ من التعبير.
“لقد حصل على اللقب مقابل ديونه. قصة قديمة، لكن يبدو أنّ المعلومات تتأخر في الريف.”
كانت الشائعات عن كون الإيرل فيسنتي عجوزًا مثقلًا بالديون صحيحة.
لكن ذلك كان قبل أن يبيع لقبه.
***
في ظلّ تحول “الفأرة البيضاء المقزّزة” بين عشية وضحاها إلى “سيدة عائلة الإيرل”، كان الخدم في حالة ذهول.
“هل هذا حقيقي؟ سينثيا ابنة الإيرل الحقيقية؟”
“ذلك السكّير الذي قيل إنّه سقط من الدرج ومات قبل سنوات، تذكرونه؟ يقال إنّه خطفها سرًا طمعًا في دمها الملكي.”
“لكن لمَ أدخلوها هنا كخادمة؟”
“ربما لم يكن لديهم القدرة على تربيتها. خطّطوا لإطعامها حتى تصل إلى سنّ يمكن بيعها فيه بالزواج.”
“…إذًا، ماذا سيحدث لنا الآن؟”
شعر الخدم الذين عذّبوا سينثيا طويلًا بالخوف.
قال أحدهم بتبجّح:
“سيمر الأمر. إنّها طيّبة إلى درجة الغباء.”
“أليس كذلك؟”
توجّه بعض الخدم إلى غرفة سينثيا لمساعدتها في ارتداء ثيابها، يترقّبون ردّ فعلها بحذر. لكن سينثيا لم تبدُ مهتمّة بالانتقام.
“أم… سين- لا، الآنسة سينثيا. أرجوكِ سامحينا على وقاحتنا السابقة.”
تقدّمت خادمة ذات ضمير حيّ واستعطفت العفو.
غمزتها خادمة أخرى بنظرة تعني “لمَ تثيرين المشاكل؟”
“ماذا؟”
استدارت سينثيا بوجه مشرق وسألت.
مسحت الخادمة التي قرّرت الاعتذار دموعها.
“كل شيء. إزعاجكِ، الكلام السيء… أنا آسفة جدًا.”
“حسنًا.”
تبع ذلك صمت خانق بعد ردّها المقتضب.
منذ فترة، بدأت سينثيا تنضح بهالة تجعل من الصعب التعامل معها باستخفاف.
كانت دائمًا تبدو خجولة ومتجهّمة، لكنّها بدأت تبتسم مهما سمعته. وإذا تجاوز أحدهم الحدّ في الإهانة، كانت تحدّق فيه بوجه مبتسم.
دون كلام، تتبعه طوال اليوم.
منذ ذلك الحين، قلّت حدّة التنمّر. بدأ الجميع يدركون تدريجيًا أنّها ليست شخصًا يمكن استهدافه بسهولة.
“هذه أول مرة وآخر مرة أرتدي فيها ثيابًا رسمية بمساعدتكم، أليس كذلك؟”
بعد انتهاء التجهيز، سلّمت سينثيا ورقة صغيرة إلى الخادمة الوحيدة التي اعتذرت لها.
“هل أقرأها سرًا بمفردي؟”
بعد مغادرة سينثيا، فتحت الخادمة الورقة بعيدًا عن أعين الآخرين.
> **”إذا أردتِ العيش، اهربي من هذا القصر فور مغادرتي.”**
***
“هيا، سينثيا. لنذهب لتحيّة الرجل الذي سيكون زوجكِ.”
أمسك الإيرل كوينزغارد بيد سينثيا كأب حنون.
“حسنًا.”
ابتسمت سينثيا.
كانت جميلة حتى في ثياب الخادمة البسيطة، لكن بفستان باهظ، بدت تمامًا كسيدة نبيلة.
وجه طيّب لا يُعرف ما يفكّر فيه. أصبحت تسأل كثيرًا مؤخرًا، لكنّها لا تزال مطيعة.
كانت تملك كل ما يجذب الرجال المميّزين.
‘كنتُ أعلم أنّها ذات قيمة كبيرة.’
الآن، أصبحت أفضل أداة ممكنة.
ابتسم الإيرل برضا واقترب من العميد ماسيرا ديل فيسنتي.
“تعبت في الطريق الطويل، العميد فيسنتي.”
“نعم.”
ردّ ماسيرا باختصار ونظر إلى سينثيا من علو.
رفعت سينثيا عينيها إلى الرجل الذي يفوقها طولًا بكثير.
كانت عيناه الغامضتان تعكسان سماء الغسق الأرجوانية كبحيرة، أو تشبهان الأضواء القطبية التي تُرى فقط في الشمال البارد.
تشابكت نظراتهما بطريقة غريبة.
تحوّلت عيناه من وجه سينثيا إلى القلادة الحمراء على عنقها. غرق في التفكير للحظة، كأنّه يستعيد ذكرى.
في هذه الأثناء، كان كالوس يراقب المشهد من بعيد بوجه لا يختلف عن إدفورد.
كان قد سمع من والده أنّ العميد فيسنتي عجوز ثري في السبعينيات، فاستدرج سينثيا إلى هذا الزواج.
هكذا، لن تقع في حبّ عريسها وتخونه.
لكن أن يكون شابًا وسيمًا كهذا؟
‘لقد كذب عليّ والدي.’
كان الإيرل كوينزغارد رجلًا ماكرًا كالثعلب. خدع حتى ابنه ليستسلم ويسلّم سينثيا بسهولة.
ومع ذلك، ظلّ كالوس مغرورًا.
‘لكن سينثيا لن تخونني أبدًا.’
رغم تغيّر تصرّفاتها وكلامها مؤخرًا، ظلّت سينثيا هي سينثيا.
جبانة، جاهلة، لا تعرف سوى كالوس، كائن ضعيف.
> “سيدي، لن أنسى هذا الجميل حتى أموت…”
كان ذلك قسم سينثيا وهي ترتجف بعد قتلها شخصًا عن طريق الخطأ، قسمًا لن يتغيّر أبدًا.
في هذه الأثناء، كانت سينثيا تنظر إلى مظهر ماسيرا الفاخر، مقتنعة تمامًا أنّه البطل الرئيسي.
‘كما توقّعت، اختياري لم يخب.’
هالته الفريدة، تألّقه اللافت حتى من بعيد.
لا يمكن ألّا يكون البطل الرئيسي.
رغم أنّني سأضطر لخداع هذا الوسيم… إذا اعتذرتُ بصدق لاحقًا، ألن يتفهّم ظروفي ويغفر لي؟
نظرت سينثيا إليه بابتسامة مشرقة.
“مرحبًا، أنا سينثيا كوينزغارد.”
“ماسيرا ديل فيسنتي.”
ابتسم بلطف على عكس ردّه المقتضب.
ثم مدّ يده بأدب ليرافقها.
“أريد مغادرة هذه المنطقة البائسة بسرعة.”
كان رجلًا غريبًا، يتكلّم بوقاحة بنبرة مهذّبة.
فكّرت سينثيا في نفسها ووضعت يدها على يده الكبيرة.
في تلك اللحظة، اقترب أحدهم.
“الآنسة سينثيا.”
كانت أنيتا، الخادمة التي لم تنضمّ إلى تنمّر الخدم وكانت تؤدّي عملها بهدوء.
سلّمت سينثيا مظلّة شمسية.
“على عكس هذه المنطقة الكئيبة، يقال إنّ الشمس قوية في العاصمة.”
“شكرًا.”
هل كانت تعلم أنّ بشرتي حساسة للشمس؟
اقتربت سينثيا منها مبتسمة وهمست بشيء.
اتّسعت عينا أنيتا قليلًا، ثم عادت إلى تعبيرها المعتاد الخالي من المشاعر.
“…حسنًا.”
صعدت سينثيا إلى العربة الفاخرة برفقة ماسيرا، ولوّحت من النافذة.
“سأتواصل معكم، أبي. ابقَ أنتَ وأخي وأختي بصحة جيدة!”
بدت كابنة مدلّلة نشأت وسط حبّ عائلتها.
على عكس كالوس وإدفورد اللذين ظلّا يرمشان بصمت، ردّ الإيرل كوينزغارد وهيلين التحية بطبيعية ولوّحا.
“أرسلي رسالة فور وصولكِ، يا جوهرتي.”
هيلين مفهومة، لكن هذا الرجل ليس عاديًا. من يراه يظنّه أبًا مهووسًا بابنته.
استدارت سينثيا وهي ترتجف اشمئزازًا.
بعد مغادرة سينثيا بوقت قصير، دوّت طلقات نارية متتالية في القصر.
بعد أيام، استُبدل جميع الخدم في القصر بآخرين جدد.
كانت هذه طريقة الإيرل كوينزغارد في “إسكات الأفواه”.
***
استغرق الوصول إلى العاصمة ثلاثة أيام كاملة.
كان العالم خارج قصر الإيرل جديدًا ومثيرًا بالنسبة لي.
لكن طراز مباني جمهورية لوتيميا، والجغرافيا والبيئة، بدت مألوفة بطريقة ما.
هل استلهم الكاتب الأصلي من جغرافيا حقيقية؟
لم أكن أعرف إن كان ماسيرا قليل الكلام بطبعه أم أنّه ببساطة لا يريد الحديث، فلم يقل شيئًا طوال الطريق.
حتى عندما حاولتُ التحدّث، كان يجيب بفتور وهو يحدّق في جريدته.
“سيدي العميد، ما هذا؟”
“شجرة.”
“واو، أليس ذلك المبنى رائعًا؟”
“هندسة آرت ديكو.”
“هل الجريدة ممتعة؟”
“نعم.”
كانت محادثتنا معركة بين علامات استفهام قوية ونقاط نهائية أقوى.
لم يكن متحمّسًا، لكنّه على الأقل أجاب بنبرة مهذّبة.
“سيدي العميد، هل تعرف الكرونجي؟”
“لا.”
“هو كرواسون مضغوط ليصبح مقرمشًا.”
“آه.”
انتهت معركتنا العبثية عندما وصلنا إلى قصره.
آه، كدتُ أموت من الحرج.
“يجب أن تكوني متعبة من الثرثرة بمفردك ثلاثة أيام. ارتاحي.”
بدَ وكأنّه سئمني بالفعل.
“السيدة كوينزغارد، سأرافقكِ إلى غرفتكِ.”
كما لو كانوا يحاكون سيّدهم، كان جميع خدم القصر صامتين ومتجهّمين.
في تلك اللحظة، اقترب فتى يبدو في الثامنة تقريبًا ونظر إليّ.
“من أنتِ؟”
كان صبيًا جميلًا بشعر أسود وعينين خضراوين كالبراعم.
بقميصه المزيّن برباط وتعبيره المتجهّم، بدا كقطّة سوداء صغيرة لطيفة.
“هل هو ابنكَ؟”
عند سؤالي المباشر، مرّر ماسيرا يده على شعره البلاتيني وابتسم.
“لا. التقطته من ساحة المعركة وأربّيه.”
إذًا، قطّ صغير ضائع. خفضتُ مستواي ومددتُ يدي لمصافحته.
“مرحبًا، أنا سينثيا. سأتزوّج من العميد قريبًا…”
“ابتعدي!”
ضرب الصبي يدي كالقطط بغضب وهرب.
نظرتُ حولي بحرج، فالتقطتُ نظرات الخدم الباردة تجاهي.
لا أعرف لمَ، لكن يبدو أنّ الجميع هنا لا يرحّب بي.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 3"