هل يشعر بالغيرة رغم عدم وجود مشاعر حب؟
بينما كنتُ غارقة في التفكير، تحدّث ماسيرا بجديّة:
“الرائد رودريغيز تابع لمقرّ الجيش الاتّحادي.”
“واو.”
ما المشكلة؟ ليس جاسوسًا.
أضاف بنفس النبرة الجديّة:
“أنا تابع لمقرّ العمليّات المشترك.”
“واو!”
بالغتُ في ردّ فعلي خوفًا من أن يغضب مجدّدًا.
تنهّد وهو ينظر إلى وجهي الذي لا يفهم شيئًا، بعيون تعبّر عن استسلامه للشرح:
“افعلي ما شئتِ.”
“آه، لمَ تتحدّث كأنّك تخليتَ عنّي؟”
في الحقيقة، خمّنتُ ما يحاول قوله.
تأسّس مقرّ العمليّات المشترك من ثلاث دول رئيسيّة في الاتّحاد، وهو على خلاف سياسي مع مقرّ الجيش الاتّحادي.
العميد ستيف، الذي تدخّل في المأدبة وسحب استثماره، كان من مقرّ الجيش الاتّحادي، وبالتالي على عداء مع ماسيرا، رئيس أركان المقرّ المشترك.
والرائد رودريغيز، تابع ستيف المباشر، جزء من فصيله، لذا كان يعني ألّا أختلط به.
لكن “سينثيا” شخصيّة مشبوهة أصلاً، فإظهار الذكاء هنا سيجعلني أبدو أكثر ريبة، أليس كذلك؟
الأساتذة الحقيقيّون يعرفون متى يتظاهرون بالجهل.
“يا إلهي، هل تغار؟ ظننتُ أنّ قاموسك لا يحتوي على هذا الشعور.”
أظهرتُ سخرية الشريرة النمطيّة، ممّا يتيح لي إزعاجه أيضًا، فائدتان في واحدة.
ابتسم بثقة:
“صحيح. لا أستطيع أن أدع الرائد رودريغيز يُسلب منّي من قبل ‘الأميرة’.”
لكن ماسيرا لم يكن سهلاً.
اللعنة، يحوّلها إلى معركة على الرائد الوسيم؟
أضاف بجديّة:
“لا تتقرّبي منه. إنّه من رجالي.”
يا إلهي! كم هذا طفولي!
غادر بخطوات رزينة بعد تحذيره السخيف، وكانت أذناه حمراوين من الحرج.
“ظريف.”
تمتمتُ بسخرية كالرجل المتغطرس، مرسّخة زاوية شفتيّ.
لكنّني شعرتُ بالغيظ لأنّني خسرتُ أمامه.
فجأة، ركض دييغو من بعيد:
“أميرة، يجب أن تتأكّدي من قائمة دعوات الزفاف. سنرسلها غدًا…”
كان يلهث، وكأنّه بحث عنّي طويلاً.
دييغو، حتى أنتَ تناديني أميرة الآن.
“سيدي المساعد، كيف سأُلقّب بعد الزواج؟”
بالتأكيد لن أُدعى أميرة وأنا جدّة، أليس كذلك؟
فكّر دييغو لحظة، مصحّحًا نظّارته:
“بما أنّكِ بلا رتبة رسميّة، ستُدعين سيدة، أو مدام، أو السيدة.”
“سيدة” محرجة قليلاً، لكن “مدام” و”السيدة” يبدوان قويّين ويعجبانني.
لكن أحتاج شيئًا مميّزًا…
“أليس هناك شيء آخر؟ شيء يبدو مهيمنًا وقويًا.”
ردّ دييغو بجديّة على سؤالي التافه:
“إذا التحقتِ بالجيش وحصلتِ على رتبة، أو دخلتِ السياسة كنائبة، قد يبدو ذلك قويًا.”
لمن تنحدر من عائلة ملكيّة دمّرت البلاد أن تدخل السياسة، يحتاج إلى جرأة استثنائيّة أو يكون مستحيلاً.
“هل تكرهين لقب الأميرة؟”
سأل دييغو، المساعد البارع والحاذق.
“أريد أن أُدعى باسمي. إنّه الأكثر تمثيلاً لي.”
“إذن، سأناديكِ سينثيا من الآن فصاعدًا.”
ابتسم دييغو بابتسامة نادرة.
يبدو أنّ معظم أهل المقرّ لطفاء. باستثناء ماسيرا.
***
وصل الرائد رودريغيز إلى المقرّ المؤقّت حيث يقيم العميد ستيف.
بما أنّ ستيف رئيسه المباشر، كان عليه الاستجابة لاستدعائه حتى في يوم عطلة.
“هل سلّمتَ الوثائق؟”
“نعم، سلّمتها للمساعد دون مشاكل.”
وقف الرائد بصلابة عسكريّة، بينما جلس ستيف متعاليًا، مرخيًا ساقيه.
“حتى في الإجازة، أليس ارتداء الزيّ الرسمي أمام الرئيس جزءًا من روح الجنديّة؟”
“سأصحّح ذلك.”
أطرق الرائد، الذي كان بملابس مدنيّة.
نظر إليه ستيف بحنق:
“لو لم تخاطر بحياتك في الجيش الاتّحادي، لما عُوملتَ كجندي أصلاً.”
كان من الذين يميّزون ضدّ شعب إيسات ويحتقرونهم.
كانت إنجازات الرائد في الحرب تؤهّله لترقية إلى عقيد، لكن ستيف، صاحب النفوذ في التعيينات، قيّده برتبة رائد.
كان ظلمًا، لكن في جيش يحكمه التسلسل الهرمي الصارم، كان الاعتراض شبه مستحيل.
“رائد، هل رأيتَ الأميرة؟ زوجة العميد فيسنتي المستقبليّة.”
“لم ألتقِ بها بعد.”
لم يحصل على أيّ معلومات، فلم يعرف شكلها أو اسمها.
بسبب حسد زملائه لكفاءته، لم يشاركوه سوى المعلومات الضروريّة.
“رجل وضيع صعد قليلاً فطمع بزوجة ملكيّة، لينتهي بأميرة بلا قيمة. مضحك!”
كان ستيف يستدعي الرائد ليفرغ شكاواه ونميمته.
كان الرائد، بلا دعم أو علاقات، بمثابة غابة خيزران يصرخ فيها ستيف، أو سلّة لنفاياته العاطفيّة.
“ألستَ من النبلاء؟ من أيّ عائلة عريقة؟”
“هذا ماضٍ فقط.”
“صحيح. عالم تدهورت فيه النبلاء دون الشعبيّين، وصعد يتيم حرب شعبي كبطل.”
استمع الرائد بأدب، يداه مضمومتان، وهو يعدّ نقوش الأرضيّة بعينيه.
‘إنسان بائس يؤكّد قيمته من خلال شقاء الآخرين.’
على الرغم من ثروة ستيف ومكانته كنبيل، كان يتصرّف كطفل يتباهى.
والرائد، رمز الشقاء الذي يغذّي تفوّق ستيف، لم يعتبر نفسه شقيًا يومًا.
كان الناس يفترضون شقاءه، فيواسونه أو يهينونه، لكنّه لم يكترث لآرائهم.
لكن سينثيا، التي رآها في المقرّ، بدت مختلفة عن البشر التافهين.
لم تحكم عليه من مظهره.
وجد ذلك مثيرًا للإعجاب.
ربما تكون أوّل شخص يمكنه أن يكون صادقًا معه، دون ابتسامات أو لطف زائفين.
بينما كان يفكّر في سينثيا ويعدّ نقوش الأرضيّة، سمع سخرية ستيف المغرورة:
“ألغوا طلبك للنقل إلى الإقليم. هل أصبحتَ طماعًا بعد الترقية؟ هل تعلم أنّني اهتممتُ بك؟”
“أنا ممتن دائمًا.”
كعادته، قال الرائد ما يريد ستيف سماعه.
عبس ستيف وهو يرى ردّ فعله الفاتر:
‘شعب إيسات كئيبون وغامضون.’
أخرج ستيف دعوة زفاف وألقاها إلى الرائد.
أمسكها الرائد دون رفع عينيه عن الأرض.
“اذهب نيابةً عنّي. وادفع هديّة الزفاف بدلاً منّي.”
تحرّكت عينا الرائد الزرقاوان، اللتين كانتا مثبتتين على الأرض، نحو الدعوة. تموّجت عيناه الهادئتان كالبحيرة.
*العروس: سينثيا كوينزغارد من عائلة بارييسا الملكيّة*
“سينثيا كوينزغارد…”
حدّق ستيف في وجه الرائد الذي تمتم بذهول.
كان بارعًا في قراءة تغيّرات قلوب الآخرين، مستمدًا قيمته من شقائهم.
“ماذا؟”
“لا شيء.”
أخفى الرائد اضطرابه اللحظي وأطرق.
‘كانت أميرة العميد فيسنتي.’
لطفها لم يكن إشارة عاطفيّة، لكن قلبه شعر بالفراغ لسبب ما.
“تعلم أنّ الأميرة مكروهة من الجميع، أليس كذلك؟ ربما تُعامل كمجرمة.”
كان ستيف رجلاً صعد بالدسائس والمؤامرات.
بعد أن لاحظ اضطراب الرائد، قال:
“يُحتقرها الجميع في المقرّ. ستعيش حياة بائسة بلا حب.”
لم يعد الرائد يعدّ نقوش الأرضيّة.
كانت عيناه الغامقتان ترسمان ابتسامة سينثيا المشرقة.
ابتسم ستيف بسخرية وهو ينظر إلى الرائد الغارق في التفكير:
“أشفق على الأميرة التي ستُستغلّ وتُهجر.”
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 29"