لمَ جاء الرائد إيساك رودريغيز؟
أمسكت سينثيا مظلّتها وتبعت داليا إلى الحديقة حيث ينتظر.
“مرحبًا.”
اقترب الرائد بملابس عاديّة وصوته الدافئ المميّز، وقدّم لها شيئًا بوجه مرح:
“الماكرون الذي أعطيتني إيّاه كان لذيذًا. فكّرتُ كثيرًا بما أردّ به، واخترتُ هذه الهديّة. آمل أن تعجبكِ.”
نظرت سينثيا إلى الهديّة.
كانت دبّوس ياقوت أحمر يشبه لون عينيها، فنظرت إليه مذهولة:
“يا إلهي، أليس هذا مكلفًا جدًا مقارنةً بما أعطيتك؟”
“هل هذا التعجّب من لغة الجمهوريّة؟”
‘من فرط المفاجأة، خرجتْ كلمة عصريّة!’
ابتسمت بحرج وشرحت:
“صوت دهشة يحمل مشاعر ومعاني مختلفة حسب السياق… على أيّ حال، شكرًا. أحببتها جدًا.”
لا يُرفض الهدايا عادةً.
مدّت يدها خارج المظلّة، وراقبت تألّق الياقوت تحت الشمس بسعادة:
“واو، جميل جدًا! سأحتفظ به وأورّثه لأجيال.”
“ليس إلى هذا الحدّ، لكن سعادتكِ تُسعدني.”
ابتسم الرائد رودريغيز، الذي يشبه أبطال الروايات الرومانسيّة، بإشراق.
هل كلّ شعب إيسات نقيّ ومتألّق هكذا؟ راقبته سينثيا بعناية وهي تفكّر.
“سيدي الرائد، دعني أعزمك على شاي دافئ. لنذهب إلى غرفة الاستقبال.”
“لا، مررتُ فقط أثناء مروري، سأكتفي بنيّتكِ.”
“آه! ذاهب إلى موعد، صحيح؟ لذلك ارتديتَ ملابس أنيقة.”
خدش شعره الفضّي وابتسم بحرج:
“ليس لديّ حبيبة.”
“أنتَ وسيم جدًا، كيف يتركونك وحدك؟ لونك بارد، لكنك تنضح بالدفء.”
بمعنى آخر، كان كساحر جليد دافئ. قال:
“أنتِ من تتمتّع بالجمال في المظهر والقلب. عندما رأيتكِ أوّل مرّة، ظننتكِ ملاكًا جاء ليأخذني.”
“أليس هذا ملاك الموت؟”
تبع ذلك معركة مديح بين امرأة مشمسة ورجل لطيف، حارّة حتى ذابت أعين المحيطين.
بعد استنفاد كلّ المديح، مدّت سينثيا يدها لمصافحته:
“أشعر… أنّنا سنكون أصدقاء رائعين.”
كانا متشابهين.
يملكان الرومانسيّة والعاطفة، ويتشاركان تجربة التمييز.
أمسك الرائد يدها المغطّاة بالقفّاز بحذر:
“تريدين أن نكون أصدقاء؟”
“نعم. عشتُ في الريف ولا أعرف أحدًا، لذا أسعى لتكوين صداقات.”
“شرف لي. لكن، عيناكِ محمّرتان، هل حدث شيء؟ كصديق، أنا قلق.”
“لا، لا شيء.”
هزّت رأسها. كان محرجًا أن تقول إنّها كانت تقشر البصل بعد لقائهما مرّتين فقط.
نظر إليها الرائد بعيون حنونة:
“إن احتجتِ مساعدة أو استشارة، أخبريني.”
‘يا إلهي، متى كانت آخر مرّة رأيتُ فيها شخصًا لطيفًا هكذا؟ يعرف بالتأكيد أنّني من ملكيّة منهارة.’
شعرت بالدفء من لطفه غير المشروط.
كان الجميع ينظرون إليها بعيون تقول: ‘إنّها من العائلة الملكيّة الشريرة التي دمّرت البلاد! لا بدّ أنّها سيئة!’
بعد رؤية ماسيرا، القطّ الذي يهسهس ويضرب بنعومة، شعرت كأنّها قابلت كلبًا ذهبيًا لطيفًا يهزّ ذيله ويلعق يدها من اللقاء الأوّل.
“هل يمكنني الدردشة كصديقة؟ الكلّ يتعب من ثرثرتي.”
“أنا مستمع جيّد، ولن أتعب.”
هزّا أيديهما المتصافحة بحماس. كان لحظة إبرام شيء يعرفانه هما فقط.
فجأة، رأى ماسيرا، الذي كان يمرّ بالحديقة، المشهد.
***
ضاقت عينا ماسيرا عند رؤية سينثيا والرائد رودريغيز يتصافحان بحماس.
‘ما هذا؟’
لم يثق بسينثيا تمامًا بعد، فمع بصره الحادّ، راقبهما من بعيد.
يؤكّد أنّه لا يهتمّ بمن تلتقي.
لكن إذا كان الرائد رودريغيز، أحد أتباع العميد ستيف، فالأمر مختلف.
‘لهذا أشعر بهذا الانزعاج. إن كان إعجابًا عقلانيًا بحتًا، فلا بأس.’
رأى الرائد يفرك عينيه ويطرق رأسه.
نظرت سينثيا إليه بقلق وحزن صادقين.
عند التدقيق، كانت عيناها محمّرتين أيضًا.
‘هل بكت؟’
اقترب ماسيرا دون وعي.
توقّف عندما رأى وجه الرائد بعيون محمّرة ودمعة تسيل.
“بسببي… آسف لأنّني جرحتك.”
“لا بأس.”
بدا كأنّ أحدهما رفض الآخر وكلاهما يتألّم.
خلافًا لاعتقاده أنّ الإعجاب العقلاني لا يستدعي القلق، شعر بانزعاج أكبر.
شعور مشابه لما شعر به عند رؤية كارلوس، أخ سينثيا، كأنّه ابتلع حجرًا محمّى يحرق مريئه.
مسح الرائد دموعه بطريقة محرجة، القي تحيّة، وغادر، وكأنّه يُخزي الجيش.
وقف ماسيرا ساكنًا، معطيًا ظهره.
سُمعت خطوات خفيفة ومرحة، ثم صوت سينثيا من خلفه:
“سيدي العميد، ماذا تفعل هنا؟”
كانت نبرتها عاديّة، بعكس المشهد السابق.
استدار ماسيرا ورأى وجهها الهادئ.
ألا يفترض أن تُظهر الخطيبة قلقًا أو ارتباكًا ولو قليلاً؟
‘ألا تهتمّ بي على الإطلاق؟’
شعر بالضيق. دائمًا هو من ينجرف بالعواطف.
مهما تجاهلها، أو أساء إليها، أو جرحها، ظلّت هذه المرأة البيضاء البريئة مشرقة كالليل الأبيض.
هل لديها حصن دفاعيّ في قلبها؟
“لمَ بكيتِ؟”
سأل ماسيرا.
لكن لمَ بكت أمام ذلك الرجل كأنّها خلعت قناع الابتسامة؟ هذا كان الأكثر إزعاجًا.
“آه!”
ارتبكت سينثيا متأخّرة، وأخفت يديها خلف ظهرها وتراجعت:
“البصل الذي أكلته كان حارًا جدًا.”
ما هذا التبرير؟ تصلّب وجه ماسيرا.
لكن لسينثيا ظروفها.
‘لا يمكنني القول إنّني، كأميرة، قشرتُ 38 بصلة!’
كانت تتنافس مع الخدم لمن يقشر أكثر.
سيُعاقب خدم المطبخ لوحدهم إن عُرف.
والرائد البريء، بعد مصافحتها، فرك عينيه دون قصد، فدمعت عيناه. كانت المشكلة أنّها نسيت غسل يديها بعد تقشير البصل.
‘إن اكتُشف أنّني هاجمت ضابطًا بالبصل…’
يجب ألّا يُكتشف. راقبت سينثيا ماسيرا كمجرم يخفي جريمته.
أصبحت عينا ماسيرا الحادتين أكثر حدّة وهو يراقبها.
“لا يهمني من تلتقين. ليس لدينا التزام بالوفاء أصلاً.”
بصوته القاسي المنخفض، نظرت سينثيا إليه بوجه خالٍ من الروح، غير فاهمة السياق.
“حسنًا.”
اعتادت سماع هذا كلّما هدأت الأمور، فلم تكترث.
فجأة، تذكّرت عنصر “الرجل النادم” في الروايات الرومانسيّة، وقالت بسرعة:
“لكن أتمنّى ألّا يكون لكَ عشيقة…”
صراحةً، لم يبدُ من النوع الذي يصرخ: ‘سينثيا! ما الذي تفعلينه بحبيبتي البريئة؟’ لكن من يدري؟
تشنّجت شفتا ماسيرا بشكل واضح وهو يستمع.
‘لمَ هو غاضب وحده؟ ما الذي فاتني؟’
فكّرت سينثيا بسرعة، وتوصّلت إلى نتيجة مذهلة: الرائد رودريغيز هو الوحيد الذي يناسب موضوع حديث ماسيرا، وكان قريبًا.
“هل تقول هذا لأنّك رأيتني أتحدّث مع الرائد رودريغيز؟”
“لا.”
أنكر ماسيرا بشدّة.
لكنّه كذلك.
كان فتى كونفوشيوسيًا لا يسمح حتى بالحديث مع رجل آخر.
«الفتى الكونفوشيوسي هو شاب مهذّب، يحترم التقاليد ويُقدّر الأسرة ويتصرّف بأخلاق عالية.»
لم أكن أتوقّعه ضيّق الأفق هكذا…
نظرت سينثيا إليه بعيون ضبابيّة.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 28"