### الحلقة الثالثة والعشرون
***
هرعتُ إلى الاثنين.
حاول يوجين الهرب مذعورًا عندما رآني، لكنّني أمسكتُ يده بسرعة.
ثم اقتربتُ من الضابط ذي الشعر الفضّي.
كان وسيمًا طويل القامة بملامح ناعمة، ومن لون شعره، بدا من شعب إيسات بلا شك.
‘شعب إيسات فقدوا بلادهم وتعرّضوا للإبادة.’
الناجون هاجروا جميعًا إلى أماكن أخرى.
انحنيتُ بجديّة للضابط:
“سيدي الرائد، أعتذر نيابة عنه عن الوقاحة. أنا آسفة.”
رأيتُ شارته، فعرفتُ أنّه رائد.
لا بدّ أنّه ناضل بحياته لاستعادة حقوق بلاده وشعبه الضائعة، تحت راية بلد آخر.
ابتسم الرائد الشاب بعفويّة:
“لا بأس. إنّه طفل لا يعرف شيئًا بعد.”
“شكرًا على تفهّمك. لكن لا أعتقد أنّ تجاوز الأمر لأنّه طفل كافٍ.”
اتّسعت عيناه الزرقاوان قليلاً، ثم عادتا إلى نظرة متسامحة:
“لا أريد ضربه أو توبيخه. أنا حقًا بخير.”
“لا، هذا لن يغيّر شيئًا. سيبقى ذوو الشعر الأبيض وحوشًا في ذاكرة يوجين، ويوجين طفل وقح في ذاكرتك. سأتحدّث معه لأفهم لمَ يفكّر هكذا، فهل تنتظر قليلاً؟”
نظر إليّ للحظة، ثم أومأ بابتسامة خفيفة:
“حسنًا. ليس لديّ مواعيد لاحقًا، سأنتظر بهدوء.”
أخذتُ يوجين إلى مكان قريب. أمسكتُ يديه ونظرتُ في عينيه.
حاول يوجين التملّص دون النظر إليّ:
“اتركيني! هذا يؤلم!”
حاولتُ مواءمة عينيه بنبرة حازمة:
“أنتَ من تؤذي نفسك. سأتركك عندما تكون مستعدًا للحديث بدلاً من الهرب.”
احمرّ وجه يوجين من أنظار الناس، ثم استسلم وهو يكاد يبكي.
تركتُ يده وسألتُ بلطف:
“ما قصّة الوحش ذي الشعر الأبيض؟ من أين سمعتَ عنه؟”
كان يوجين ضحيّة الحرب أيضًا، ولا بدّ أنّ لديه صدمات.
ربما كان لديه ذكرى سيئة مع شخص مشابه.
كبح يوجين دموعه، شفتاه مرتجفتان، ثم أطرق رأسه وهو يتنفّس بحزن:
“في كتاب، هناك وحش أبيض يأكل الأطفال. الوحش السيء أكل أصدقاء البطل.”
“هل يمكنك إخباري بالعنوان؟”
مسح يوجين عينيه المبلّلتين بكمّه وهو يذرف الدموع:
“ملكة الثلج.”
“هل كان المحتوى بهذه القسوة…؟”
نظرتُ إليه بحيرة ومسحتُ دموعه:
“لذلك خفتَ. لكنّها قصّة خياليّة، أنا والرائد لا نأكل الأطفال. الشعر الأبيض مجرّد سمة طبيعيّة، مثلك تمامًا. لكن كلمة ‘وحش’ قد تجرحنا، أليس كذلك؟”
شرحتُ بنبرة هادئة.
بقي يوجين صامتًا بوجه كئيب.
“الكبار أيضًا يتألمون ويحزنون عندما يُجرحون.”
بدا وكأنّه يريد قول شيء، لكنّه تردّد ولم ينطق.
انتظرتُ بصبر، لكنّه ظلّ صامتًا.
“الرائد أنقذ أطفالاً كثيرين في الحرب. أليس هذا رائعًا؟ هل نذهب لسماع قصص إنقاذه الشجاعة؟”
“…”.
تبعني هذه المرّة بهدوء.
اقتربتُ من الرائد وشرحتُ له سبب كلام يوجين.
استمع الرائد، ثم وضع قبّعته العسكريّة وقال:
“فهمتُ. لون شعر نادر قد يكون غريبًا، يبدو أنّني اقتربتُ بتهوّر. يوجين، أنا آسف.”
ابتسم الرائد ليوجين.
نظر يوجين إلى قدميه بتعبير معقّد، لكنّه لم يعتذر.
“أريد الذهاب. أحتاج إلى الحمّام.”
بدا الموقف صعبًا عليه، فتركتُه يذهب.
نظرتُ إلى ظهر يوجين الهارب وابتسمتُ للرائد بحرج:
“جعل طفل يفهم أفكار الكبار صعب. إجباره على الاعتذار لن يغيّر شيئًا، لذا انتظر قليلاً. إنّه طفل طيّب، سيعود ليعتذر عندما يدرك خطأه.”
التغيير الحقيقيّ ليس في الكلام أو التصرّفات الظاهريّة، بل في التفكير الداخليّ.
إذا تُركت التحيّزات، ستتصلّب لتصبح قيمًا مدى الحياة، وعندها سيكون تغييرها صعبًا.
لذا، قرّرتُ الاستمرار حتى يدرك بنفسه، مهما طال الوقت.
“فهم بعضنا يحتاج وقتًا بالطبع.”
مدّ يده لمصافحتي:
“أنا الرائد إيساك رودريغيز من قيادة الاتحاد. هل أنتِ من إيسات؟ لا أعرف كثيرًا عن سكّان المقرّ.”
صافحتُ يده بحماس:
“أنا سينثيا كوينزغارد. لستُ من إيسات، لقد وُلدتُ بنقص في الألوان.”
لم أتحدّث عن مرضي الوراثي.
بدلاً من ذلك، أعطيته ماكرون اشتريته سابقًا وأضفتُ:
“هديّة بسيطة. لدينا مأدبة عشاء الليلة، فلا تفوّتها.”
نظر إلى علبة الماكرون، ثم ابتسم بلطف:
“سأتذوّقه. للأسف، لديّ موعد اليوم، لكن إذا دعوتني مرّة أخرى، سآتي بالتأكيد.”
لاحقًا، وزّعتُ الماكرون على ضباط وجنود آخرين، داعيةً إيّاهم إلى العشاء.
على عكس جنود ماسيرا المتردّدين، عبّر الضباط برتبة رائد فأعلى عن شكرهم بفرح، رغم وضوح تصنّعهم.
‘الترقيات على المحك، حسنًا…’
الحياة الاجتماعيّة تتطلّب استمالة حتى من لا تحبّهم.
***
نظر الرائد إيساك رودريغيز إلى سينثيا وهي تبتعد حاملة مظلّتها.
كان في جيش الاتحاد، وهذه زيارته الثالثة لجمهوريّة لوتيميا.
لذا، لم يكن يعرف أنّ سينثيا خطيبة ماسيرا. ظنّها إحدى النبيلات اللواتي يتفاعلن مع المقرّ.
لكنّه كان متأكّدًا من أنّها عميقة التفكير وطيّبة القلب.
لو كانت متعصّبة ضدّ إيسات، لعاتبته على تصرّف الطفل.
بعد أن عانى الكثير من التمييز بسبب التحيّزات، كان ينوي تجاهل الحادثة كجزء من تجاربه اليوميّة.
“هذا لن يغيّر شيئًا.”
لكنّها لم تكتفِ بمنع تصرّفات الطفل، بل حاولت فهم دوافعه من خلال الحوار.
‘أنا من كان متعصّبًا. ظننتُ أنّ الجميع يكرهون إيسات… لكن الطفل لا يعرف شيئًا.’
“في كتاب يوجين، الشرير المخيف ذو شعر أبيض. لا يحبّني كثيرًا أيضًا. إنّه فقط خائف من الشعر الأبيض بسبب الكتاب.”
كانت تعابيرها المشرقة مليئة بالحرص على عدم إيذاء أحد.
عيناها الحمراوان المتلألئتان حتى تحت ظلّ المظلّة، وجهها الحيويّ، وابتسامتها النقيّة كانت تملك قوّة تهدّئ الآخرين.
كان يخطّط للعودة إلى منطقة إيسات المستقلّة، لكنّه غيّر رأيه وقرّر البقاء في الجمهوريّة قليلاً.
أصبح فضوليًا بشأن سينثيا.
“…أريد معرفة المزيد عنها.”
أخرج ماكرون بالليمون وتذوّقه.
لم يكن يحبّ الحلويات عادةً، لكنّ النكهة الحلوة الناعمة جعلته يشعر بالراحة بشكل غير معتاد.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 23"