### الحلقة التاسعة عشرة
***
جلس ماسيرا على الأريكة، مرتديًا قميصًا أنيقًا وسترة صوفية، وفتح جريدة.
“هل تستطيع رؤية الحروف؟”
سألت سينثيا وهي تنظر إليه يقرأ تحت ضوء المدفأة الخافت.
“نعم، أرى.”
“أنتَ أيضًا؟ أنا أرى أفضل في الظلام. أليس ذلك مثيرًا؟”
“…هذا طبيعي.”
‘يقال إنّ شعوب الغرب ذوي العيون الملوّنة يرون جيدًا في الظلام.’
تذكّرت سينثيا مقطعًا من رواية وأومأت، ثم جلست مقابلَه.
“رؤية الأشياء في الضوء الساطع صعبة بسبب الوهج. لستُ بحاجة إلى نظارات، لكن بصري ليس جيدًا.”
“أستطيع قراءة كتاب في المبنى المقابل.”
فتحت سينثيا فمها مذهولة:
“هل أنتَ تلسكوب؟”
“…كنتُ قنّاصًا في الماضي. بصري حوالي 6.0.”
“واو، هل أنتَ من نسل جنكيز خان؟ لديكَ عدسة تكبير مدمجة بمعدل 6 أضعاف! وإذا كنتَ ترى جيدًا في الظلام، فلن تحتاج إلى التصوير الحراري.”
«جنكيز خان هو قائد مغولي وحّد القبائل وأسّس أكبر إمبراطورية في التاريخ، واشتهر بقوّته العسكرية وتنظيمه الصارم.»
“من هو جنكيز خان؟”
‘وكيف تعرف مثل هذه الأشياء؟’
نظر ماسيرا إلى بيجامة سينثيا القماشية الشفافة قليلًا، فأدار رأسه بسرعة.
بالنسبة لبصره الحاد، كان ذلك محرجًا.
“لمَ تجلسين أمامي بهذا الزي؟”
“لا يختلف عن ملابسي العادية… وهذه غرفة نوم.”
لستَ غريبًا تمامًا، وسنصبح زوجين قريبًا.
“هل البيجامة سيئة…؟”
رأى ماسيرا تعبيرها المتأثر، فتذكّر كلامه القاسي بعد العناق في وقت سابق:
“حقًا… مقزّز للغاية.”
كان ذلك يزعجه منذ قليل.
‘هل كلامي كان قاسيًا؟’
“ما قلته سابقًا لم يكن بجديّة.”
“تقصد قولك إنّ جيلي الثعبان بلا طعم؟ الجميع يفكّرون هكذا، فلا تقلق. الأسوأ هو أنّني من أوصى به. لم أتوقّع أن تأكله حقًا.”
أجابت سينثيا بإشراقة تفوق ضوء الشمس.
كانت مشتتة بالعناق، فلم تسمع ما قاله بعد “حقًا…”.
“أختي والدوق سيذهبان لشهر العسل غدًا. العائلة ستعود أيضًا.”
لم يكن ماسيرا يعرف ذلك، فشعر بالذنب وهو يراها تتحدّث بلا مبالاة، ظنًا أنّها تتظاهر بعدم الاكتراث.
كان لديه زميل في الجيش هكذا: مشرق، يضحك كثيرًا، بلا هموم ظاهريًا، لكن داخله مملوء بالاكتئاب.
تعمّقت عينا ماسيرا الشبيهتان بفجر الصباح.
“هل كان لديكِ مكان تودّين زيارته؟ في الميديا، أعني.”
“شهر العسل؟ هل يمكنني التخطيط؟ سأعدّ جدولًا دقيقًا. سيكون ممتعًا معكَ!”
رؤيتها متحمّسة جعلته يشعر بمزيد من الانزعاج.
حديثها عن رغبتها في رؤية البحر، وما قالته للسيدات، يوحي أنّ زيارة الميديا، مملكة البحار، كانت حلمها منذ زمن.
لا بدّ أنّها كانت متحمّسة لتحقيق حلمها عبر شهر العسل.
“سيدي العميد، شكرًا على فستانكَ الجميل. أين سنذهب لشهر العسل؟ أودّ زيارة…”
“لن نذهب.”
حتى رفضها.
‘لمَ أشعر…’
مرّر يده في شعره البلاتيني وأغمض عينيه:
‘كأنّني الشرير؟’
عندما تخيّل لحظة الانفصال الباردة في المستقبل، شعر بذنب خفيف.
“سيدي العميد، لم أتوقّع أن تقول هذا…..”
هل يستطيع قول كلام قاسٍ لوجه مكتئب يتوسّل؟
شعر بالخطر من استمرار تأثير هذه المرأة البيضاء عليه.
‘حسنًا، شهر عسل.’
إذا كانت هذه أمنيتها، يمكنه تحقيقها. إذا انهار الزواج، سيكون ذلك مزعجًا.
بعد ذلك، سواء بكت أو ذبلت، لن يكون شأنه. حسب ماسيرا مقدار اللطف الذي سيقدّمه حتى ذلك الحين.
“كان الحديث ممتعًا. سأذهب للنوم الآن. تصبح على خير، أراكَ غدًا.”
تثاءبت سينثيا، نهضت، ولوّحت بيدها.
جلس ماسيرا على الأرض متّكئًا على الأريكة.
بعد سنوات في الجيش، اعتاد هذا الوضع في الأماكن الغريبة.
في هذه الأثناء، جلست سينثيا على السرير، تنظر إلى الرجل على الأرض مستخدمًا الأريكة كمسند، وأمالت رأسها:
‘هل هذه وضعية كورية؟’
لم تستطع كبح فضولها وسألت:
“لمَ تنام هكذا؟”
“هذا مريح بالنسبة لي.”
“ربما بسبب اتساع الغرفة. الجو بارد حتى مع كثرة الحطب. هل أحضر بطانية أخرى؟”
“لا أشعر بالبرد بسهولة.”
لم يأتِ ردّ من سينثيا. ربما نامت من التعب، فطال الصمت.
ما إن أغمض ماسيرا عينيه حتى سمع صوتها مجدّدًا:
“سابقًا، ذهبتَ لصنع رجل ثلج سرًا، أليس كذلك؟ قفازاتكَ كانت مبلّلة.”
“…”.
تظاهر بالنوم ولم يجب. كان السؤال سخيفًا، فلم يجد ردًا.
ظنّ أنّها ستتوقّف، لكن…
“تستمتع لوحدكَ. كنتُ سأصنع بطة ثلجية.”
‘لو تنامين بهدوء فقط.’
سئم ماسيرا من ثرثرتها اللامتناهية، فقرّر أن يناموا في غرف منفصلة بعد الزواج.
***
“سيدي العقيد، لا يمكننا التواصل مع القيادة!”
“الطعام، الوقود، ومستلزمات البرد غير كافية! بدون إمدادات، ستُباد وحدتنا!”
حلم ماسيرا بماضيه.
حلم من أيام كونه العقيد ماسيرا غيز، قبل حصوله على اللقب.
حادثة أُبيد فيها معظم الوحدة بسبب انقطاع الإمدادات بفعل عاصفة ثلجية.
نجا العقيد ماسيرا والرائد هنري لوركانوسا، إلى جانب الجنود النبلاء.
“هل أمرتم، سيدي العقيد، بتقدّم انتحاري للجنود لإنقاذ النبلاء؟ هل قلّلتم عدد الجنود بسبب نقص الموارد؟”
الدوق هنري لوركانوسا هو من أصدر الأمر دون إذن ماسيرا، رئيسه.
كان يرى أنّه إذا كان الجميع سيهلكون، فليحيا من يستحقّ.
ومن يستحقّ، بالطبع، كان النبلاء.
“كيف تكونون بهذه القسوة؟ لمَ لم ترسلوني أنا إلى الموت؟ أنا، الذي عشتُ بموت رفاقي لأنّني نبيل…”
حتى عندما عومل ماسيرا كشيطان قاسٍ، تجاهل الدوق الأمر.
“نظام بارييسا الملكي سقط، فلمَ ما زلنا في ساحة القتال؟ من أجل ماذا نحارب؟ لتنظيف فوضاهم؟”
وسط صرخات الناجين، سُمع نحيب جندي عادي مصاب بقضمة الصقيع:
“سيدي العقيد، البرد قارس…”
فتح ماسيرا عينيه ببطء وهو يرى ماضيه في كابوس. أصبحت الزرقة الممزوجة بالبنفسجي في عينيه أغمق.
تحوّل النحيب في ذكرياته إلى تمتمة سينثيا في نومها:
“أووه… بارد.”
كان البرد يعمّ الغرفة. رأى المدفأة تخبو بعد احتراق الحطب.
ألقى ماسيرا حطبًا إضافيًا وكبريتًا مشتعلًا. سيستغرق الأمر وقتًا لتدفئة الجو.
كانت ترتجف تحت البطانية، ما أثار انتباهه. أراد تجاهلها، لكنّها امرأة مزعجة بطرق عدّة.
اقترب ماسيرا من السرير ولمس البطانية الباردة. كانت خصلات شعرها البيضاء تتدلّى خارج البطانية التي تغطّت بها حتى رأسها.
عندما بدأ الدفء يعمّ، تحرّكت سينثيا وكشفت نصفها العلوي.
راقب ماسيرا وجهها الهادئ وهي نائمة.
بالتفكير، كلّ المآسي كانت بسبب الحرب التي تسبّب فيها نظام بارييسا الملكي الضعيف.
قتل الثوّار كلّ أفراد العائلة المالكة للقضاء على النظام نهائيًا.
“أرجوكم، هل يمكنكم إخفائي أنا وابنتي؟ سأعطيكم كلّ ما أملك.”
كان عمره ست سنوات تقريبًا.
جاءت امرأة تتوسّل وهي تحمل طفلة في الثالثة أو الرابعة.
كانت المرأة، رغم ملابسها الرثة، تنضح بالأناقة، والطفلة ذات الرائحة الطيبة ملفوفة ببطانية تكشف وجهها فقط.
“يا إلهي، المسكينة. لا أعرف ظروفكِ، لكن كأمّ، لا أستطيع تجاهلكِ. ادخلي ودفّئي نفسكِ.”
شعرت أمّ ماسيرا، التي لم تكن تعرف شيئًا، بالشفقة وساعدتها. أعطت المرأة قلادة ماسية حمراء.
“نحن أيضًا لاجئون، وقد تلقّينا مساعدة هنا. لا حاجة لمقابل، فنحن نردّ الجميل. والد الطفلة في الشمال، أليس كذلك؟ الطريق صعب، سأعطيكِ خبزًا وزبدة.”
لكن المرأة أصرت على ترك القلادة لردّ الجميل، وكان ذلك بداية المأساة.
أصبحت أمّه “الخائنة التي أغرتها الجواهر وساعدت ملكيًا على الهرب”، فقتلها الثوّار.
عاش ماسيرا، يتيم الحرب، يكافح مصيره بعنف.
وكانت هناك فتاة أخرى نجت من عواصف القدر.
توقّف نظر ماسيرا، الغارق في الذكريات، عند رقبة سينثيا.
القلادة الحمراء التي تسبّبت في موت أمّه كانت الآن حول عنق سينثيا.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 19"