الفصل الثامن
* ❀ *
صاح ناؤول
“ماذا؟ حقًّا؟! سيّدتي، كما توقّعتُ، لديكِ خطّة! كنتُ واثقًا من بصيرتكِ العظيمة!”
“العقد نفسه احتيالٌ منذ البداية.”
ردّ ناؤول بدهشة
“ماذا؟! احتيال؟!”
شرحتُ له بهدوء:
“فكّر في الأمر. هناك شيءٌ غريب. حتّى لو كان الدوق السابق أحمق، هل كان سيستدين بهذه الشروط؟”
“هذا…”
“حتّى في أيّام الدوق السابق، لم تكن العائلة قد انهارت لدرجة عدم وجود حطبٍ للتدفئة. في ذلك الوقت، كان بإمكان عائلاتٍ أخرى إقراض 50 مليون مارك. فلماذا استعاروا من اتّحاد تجّار فوكس، وبشروطٍ ظالمةٍ كهذه؟”
قال وهو يعقد حاجبيه:
“صحيح، الآن وأنتِ تقولين ذلك… يبدو الأمر مريبًا فعلًا.”
ابتسمتُ بخفة وقلت:
“نعم، هناك خدعة في سند القرض لم نكتشفها بعد. وإن أثبتنا أننا خُدعنا…”
قاطعني ناؤول بحماس:
“لن نضطر إلى السداد!”
تابعتُ وأنا أرفع حاجبيّ بثقة:
“بل يمكننا المطالبة بتعويضات أيضًا.”
رفع ناؤول يديه كمن يصلّي للإله، وعيناه تتلألآن إعجابًا:
“سيّدتي عظيمة حقًّا! كنت أفكر فقط في السداد السريع، ولم يخطر ببالي أن العقد نفسه قد يكون مشكوكًا فيه. أن تكتشفي ذلك بنفسك! الحمد لله أنكِ تتولين إدارة القصر.”
أخرج منديلًا ومسح دموع التأثر قبل أن يضيف بنبرة مفعمة بالامتنان:
“لولاكِ، لا أعلم ما كان سيؤول إليه حال هذا القصر… مجرّد التفكير في ذلك مرعب. ألستِ دليلًا على أن الإله لم يتخلَّ عن دوقيّة فالروجا بعد؟”
قلت بجدية وأنا أضم ذراعيّ:
“المهم الآن هو إيجاد دليل على الاحتيال بأسرع وقت ممكن. متى قالوا إن علينا سداد الدين؟”
رد سريعًا:
“الإثنين القادم… أي تبقّى خمسة أيّام فقط.”
نظرت له بجدية
“حسنًا، خلال هذه الأيام الخمسة، أوقف كل الأعمال وركّز على إيجاد دليل الاحتيال. وهذا يجب أن يبقى سرًا، مفهوم؟”
أومأ بثقة و هو يبتسم
“بالطبع، لن يخرج حرف من فمي. إن علموا أننا نعرف، من يدري ما الذي سيفعله هؤلاء الثعالب؟”
ابتسمت بخفة “ممتاز.”
* ❀ *
استمرّ السهر ثلاثة أيّام.
عملتُ أنا وناؤول ليلًا لإيجاد دليلٍ على الاحتيال.
سألتُ و أنا أفرك جبيني
“ختم العائلة؟”
“أصلي!”
“ورقة العقد؟”
“أصليّة!”
“هل غيّروا الأرقام؟”
“لا توجد آثار تزوير!”
“إذن ما الأمر؟”
في النهاية، رميتُ الأوراق التي كنتُ أراجعها.
مهما دقّقنا، لم نفهم كيف نفّذوا الاحتيال.
من النافذة، رأيتُ أعضاء اتّحاد فوكس يتجوّلون.
حدّقتُ بهم بعينين ضيّقتين، كما لو كنتُ أستطيع رؤية نواياهم.
* * *
عطس أحد رجال اتحاد فوكس بصوتٍ عالٍ وقال بانزعاج:
“لماذا هذا المكان باردٌ جدًّا؟! وما تلك الفتاة الصغيرة؟ أليست هذه إهانةٌ لنا؟”
منذ أن وقعت عيني على القصر، شعرت بنفورٍ لا يوصف.
كان يقع فوق جبلٍ وعرٍ يصعب تسلّقه، وقد أنهكنا الطريق إليه، ليظهر في النهاية مشهدٌ لم نتوقعه — فتاة في الخامسة عشرة تمثّل القصر في العقد.
شعرها الورديّ الناعم وعيناها الزرقاوان اللامعتان جعلاها أشبه بدميةٍ صغيرة، لكن في النهاية، طفلةٌ تبقى طفلة.
لذلك تجاهلها رجال اتحاد فوكس تمامًا، وكأنها لم تكن موجودة.
قال أحدهم ساخرًا:
“إن كانوا يعيّنون طفلةً كهذه دوقة، ففالروجا انتهت حقًّا! هل سنحصل على 10 مليارات مارك؟”
فردّ آخر بخفة:
“لكنّهم وجدوا مالًا أخيرًا. إن لم نأخذه الآن، فمتى؟”
ضحك لوَان، قائد الاتحاد، ضحكةً قصيرة وقال:
“هاها! لا يهمّ إن لم يكن لديهم مال! القصر مضمون. نحن الوحيدون في القارّة الذين وضعوا قصر دوقٍ كضمان! لكن، هل سيُباع قصرٌ كهذا؟ إنه جميلٌ وأبيض، لكن موقعه سيّء. لا طقسٌ جيّد ولا معالم قريبة. الإقطاعيّة مدمّرة، والجبل مليءٌ بالوحوش.”
تدخّل أحد التجار محاولًا الدفاع عن الصفقة:
“لكنه قصر فالروجا، سمعت أنّ الأحجار التي بُني بها نادرة.”
سأله الآخر بسخرية:
“ما المقصود بالنادرة؟”
أجابه:
“أحجارٌ تقاوم السحر، أليس كذلك؟”
ضحك الأول وقال مستنكرًا:
“يا للهول! كم تكلّف؟ هذا مجرد قولٍ لأن فالروجا كانت عظيمة. لو كان صحيحًا، لكانوا باعوا طوب القصر منذ أن تراكمت ديونهم!”
أومأ الآخر موافقًا ثم تمتم متسائلًا:
“صحيح… لكن لماذا يتوق لوَان إلى القصر تحديدًا؟”
في تلك اللحظة، ظهر لوَان بنفسه، بهدوئه المعتاد ونظراته التي يصعب قراءة ما وراءها.
ورغم أنه ورث إدارة الاتحاد عن الجيل السابق، إلا أن معظم التجار لم يروه من قبل.
في عالمٍ تُبنى فيه الصفقات على العلاقات، كان ذلك أمرًا غريبًا بالفعل.
عادةً ما يُعرَّف الورثة مبكرًا لرجال التجارة، لكن لوَان اختار أن يبقى في الظل.
ومع ذلك، فقد أثبت كفاءته سريعًا، وقاد الاتحاد إلى ربحٍ ضخم بلغ عشرة مليارات مارك بفضل سندٍ منسي، مما رفع مكانته بينهم.
إلا أنّه قبل الحضور إلى هذه الصفقة، وضع شرطًا واحدًا:
إن حصلوا على العشرة مليارات، تُقسّم حسب الحصص،
لكن إن حصلوا على القصر كضمان، فسيشتريه منهم هو شخصيًا.
بدا واضحًا أن اهتمام لوَان ينصبّ على القصر أكثر من المال.
رفع رأسه نحو البناء الأبيض الذي يعلو الجبل المغطّى بالثلج، ابتسامةٌ غامضة ارتسمت على شفتيه وهو يقول بهدوء:
“أليس هذا فالروجا؟”
كانت تلك الكلمات وحدها كافية لتُفهم الإجابة.
فالقصر الأبيض، بجماله الرقيق وهيبته الباردة، لم يكن مجرد بناء…
بل حصنٌ منيعٌ يعرف كل من درس تاريخ الإمبراطورية ما يعنيه امتلاكه.
في أزمنة الفوضى، صدّت فالروجا جيشًا من مئة ألف جنديّ بألف جنديّ من هذا القصر.
كانت فالروجا حارس بوّابة الإمبراطوريّة وسيفها.
نظر التجّار إلى القصر بعيونٍ متجدّدة.
لا أحد في الإمبراطوريّة يجهل سمعة فالروجا.
لكن هذه العائلة على وشك الانهيار على أيديهم.
قال أحدهم بقلق:
“هل من الجيّد المطالبة بالدين هكذا؟”
ردّ لوَان بحزم:
“لا يهمّ. إنّها دوقيّةٌ منهارة.”
“كما قلتُ من قبل، من يشعر بالخوف يمكنه المغادرة. لكن تذكّروا، المبلغ 10 مليارات مارك.”
لمع الطمع في عيون التجّار.
10 مليارات مارك، أي مليار لكلّ واحد، كافية لإعالة عائلةٍ من أربعة أفراد دون عملٍ مدى الحياة.
‘صحيح، فالروجا منهارة.’
‘مهما كانت عظمتها، كيف ستنجو من هذا؟ مستحيل.’
‘إن أغمضتُ عينيّ، ستعيش عائلتي دون قلق.’
تبادلوا اتّفاقًا صامتًا.
* * *
فشلنا، أنا وناؤول، في إيجاد طريقة الاحتيال.
أجّلتُ قراءة كتب الأطفال للوس، وركّزنا بجدّ، لكنّنا لم نفهم كيف خدعونا.
عادةً، تشمل الاحتيالات تزوير شعار العائلة، الختم، أو الكتابة.
أكّد ناؤول بعد مراجعة السند للمرّة العشرات:
“لا أعرف حقًّا. السند لدينا مطابقٌ للأصل. رغم أنّني غبتُ عن هذا العمل سنوات، إلّا أنّ عيني لم تمت بعد.”
‘سأجنّ!’
الوقت يمرّ ولم نجد شيئًا، فماذا نفعل؟
قال ناؤول بقلق:
“سيّدتي… اليوم السبت. بعد يومين، يجب أن نقدّم نتيجة. هل نحاول جمع بعض المال لتأجيل الموعد؟”
“هل تعتقد أنّهم سيقبلون التأجيل؟”
“لا…”
“إذن دع الأمر.”
“حسنًا…”
انهرنا، أنا وناؤول، منهكين في غرفة العمل.
‘لماذا لم يتحدّث العمل الأصلي عن هذا بدلًا من قصّة حبّ البطل والبطلة؟’
‘اكتبوا سيرة البطل!’
من، متى، أين، ماذا، كيف، ولماذا خدعونا؟ اكتبوا وفق قواعد الخبر!
كنتُ أشكو من التفاصيل الزائدة في العمل الأصلي، لكن الآن أشتاق إليها.
أودّ لو أُرسل طائرًا للكاتب لأسأله.
“إنّني أعرف أنّه احتيال، لكن عدم معرفة كيفيّته محبط.”
“بالضبط… هل نعطيهم نقودًا مزوّرة؟”
“… تزوير النقود جريمةٌ كبرى.”
تنهّدنا معًا.
“ليس لدينا خيار.”
نهضتُ بحزمٍ من المكتب.
ابتهج ناؤول و هو ينظر لي
“كما توقّعتُ! لديكِ خطّةٌ سريّة!”
لم أرد استخدام هذه الطريقة لأنّ نجاحها غير مضمون، لكن لا خيار.
إذا كان الانهيار مصيرنا، فلنهلك بعد المحاولة.
“سنستخدم خطّة الرصاصة الفارغة.”
سأل: “رصاصةٌ فارغة؟”
‘صحيح، لا توجد أسلحةٌ نارية في هذا العالم.’
“شيءٌ من هذا القبيل. ناؤول، تثق بي، أليس كذلك؟”
“أثق بكِ دائمًا، سيّدتي.”
“حسنًا! ادعُ اتّحاد فوكس، لكن أوّلًا…”
* * *
بدا أعضاء اتّحاد فوكس مرتبكًا عندما جُمع فجأة.
لم يتأقلموا مع أجواء غرفة الاستقبال المختلفة عن المرّة السابقة.
كنتُ مزيّنةً بحليٍّ فاخرة، وخلفي جنودٌ يقفون بانضباطٍ شديد.
حتّى لو عرفوا أوضاع القصر، فالناس يتأثّرون بالمظاهر.
كالعادة، تكلّم لوَان أوّلًا، ويبدو أنّه قائد الاتّحاد.
“ما زال هناك وقت، أليس كذلك؟ يبدو أنّكم جمعتم المال بالفعل. لا عجب، إنّها عائلة الدوق.”
قلتُ بغطرسة:
“لا، لم نجمع المال. لا حاجة لذلك.”
كنتُ ألعب دور الدوقة المتعجرفة اليوم:
شعرٌ مزيّنٌ بفخامة، نظراتٌ متكبّرة، وقلادةٌ ثقيلة.
لا أعرف إن كان هذا سيؤثّر، لكن سأبذل قصارى جهدي.
سأل لوَان بدهشة: “ماذا؟”
ثمّ شرح:
“سيّدتي الدوقة، أتعلمين أنّ عدم السداد يعني تسليم القصر؟ لا يهمّنا إن انتقل القصر إلينا. سنبيعه فورًا. قصر فالروجا سيجذب الكثير من العائلات.”
“لا داعي للقلق بشأن ذلك. بل أنتم، هل أنتم بخير؟”
اتّكأتُ على ذقني ووبّختُ الاتّحاد:
“كيف تجرؤون على خداع دوقيّة بالفروغا؟ هل ظننتم أنّكم ستنجون؟”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"