الفصل السابع
* ❀ *
“حسنًا، لوس! واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة.”
عندما حرّكتُ ذراعي بحركةٍ واسعة، قلّني لوس وحرّك ذراعيه.
“خمسة، ستّة، سبعة، ثمانية.”
تحرّكنا معًا وفق إيقاع أوامري.
مؤخرًا، أصبحنا، أنا ولوس، نمارس التمارين الصباحيّة يوميًّا.
بدأنا ذلك لتحسين قوّة لوس الذي أضعفه إهمال السنين، وللعناية بصحّتي أيضًا، وكانت النتائج أفضل ممّا توقّعتُ.
الشعور بالنشاط الصباحي جعلني أشعر بأنّني أكثر نشاطًا.
من بعيد، راقبتنا الخادمات بنظراتٍ مفعمةٍ بالرضا.
عندما علمن أنّنا نمارس التمارين في ساحة التدريب كلّ صباح، بدأن يأتين للمشاهدة واحدةً تلو الأخرى، والآن ازداد عددهنّ.
“سيّدتنا نعمةٌ حقًّا.”
“بالطبع! إنّها نعمة قصرنا. بفضلها، أصبح الدوق أكثر صحّة.”
ما زلتُ أشعر بالحرج من هذا اللقب.
تجاهلتُ ذلك وأكملتُ التمارين، ثمّ أشرتُ إلى الساحة :
“حسنًا، لوس، اذهب واركض الآن.”
أومأ لوس بحماس
“حسنًا!” ثمّ ركض بعيدًا.
كان الغبار يتصاعد مع كلّ خطوةٍ له.
لم تكن هذه المناظر مألوفةً في عائلةٍ نبيلةٍ مزدهرة.
يقال إنّ الأثرياء يستخدمون أحجارًا مميّزةً معالِجةً بالسحر في ساحات التدريب بدلًا من التراب.
‘يجب صيانة الساحة أيضًا، هناك الكثير من الأماكن التي تحتاج إلى المال.’
‘يجب أن أجد مدرّب سيفٍ للوس بسرعة.’
لوس عبقريّ في المبارزة.
لكن المشكلة أنّه لا يوجد في القصر من يستطيع تدريبه.
كان هناك بعض المبارزين الجيّدين، لكن تصحيح العادات السيّئة أصعب من التعلّم من البداية.
أردتُ أن أجد للوس معلّمًا مثاليًّا منذ البداية.
‘لديّ شخصٌ في الاعتبار بالفعل.’
أكمل لوس دورةً ورجع إليّ.
لم يعد يلهث، مما يعني أنّ قوّته تحسّنت كثيرًا.
“لوس، لقد أبدعتَ حقًّا.”
عانقته وربّتّ على رأسه مشيدةً به، فعانقني بدوره.
“حسنًا، اركض دورةً أخرى الآن.”
“حاضر، نونا!”
رغم إجابته الحماسيّة، بدا متردّدًا في الانفصال عنّي، فكان ينظر إليّ بينما يركض.
“لوس! انظر أمامك! ستقع!”
“حسنًا!”
لكنّه بعد خمس ثوانٍ نظر إليّ مجدّدًا.
في النهاية، لم أتمالك نفسي وضحكتُ.
كانت قوّة لوس تنمو بشكلٍ ملحوظ.
* * *
بعد التمارين الصباحيّة، ذهب لوس لتعلّم القراءة، وتوجّهتُ إلى غرفة العمل لإدارة شؤون الإقطاعيّة.
ندمتُ قليلًا على قراراتي السابقة.
ليست ندمًا كبيرًا، لكنّه ندمٌ بسيط.
لا، بل يحقّ لي الندم.
أيّ شخصٍ يرى تقرير الإقطاعيّة أمامي الآن سيصفق لي لأنّني لم أشتم.
“لماذا الديون بهذا الحجم؟”
لم تكن الديون مستحقّة لجهةٍ أو اثنتين فقط.
الإمبراطوريّة، النبلاء، التجّار، استعاروا من الجميع.
قال الرجل بجانبي بحذر:
“الديون كثيرةٌ قليلًا، أليس كذلك؟”
كان اسمه ناؤول، الرجل الذي كان مسؤولًا عن حسابات الإقطاعيّة قبل فروغ، والذي تولّى التحقيق في اختلاساته.
بعد طرد فروغ، أمرته بإعداد تقريرٍ شاملٍ عن ديون وإيرادات الدوقيّة.
كان شاحبًا كمن سينهار، وتحت عينيه هالاتٌ سوداء، لكنّ عينيه كانتا تلمعان وهو ينظر إليّ.
قال بنبرةٍ متوسّلة:
“سيّدتي! سيّدتنا النعمة! هل هناك ثروةٌ مخفيّةٌ أخرى؟”
“لا يبدو أنّ ذلك سيحلّ المشكلة.”
“لكن…”
لم يكن الوقت للفرح بما نهبه فروغ.
“ما الذي فعلوه ليتراكم هذا الدين؟ حتّى المقامرة لا تسبّب دينًا بهذا الحجم.”
“الحفاظ على العائلة يتطلّب تكاليف كبيرة. صيانة القصر، الضرائب السنويّة للإمبراطوريّة، مكافحة الوحوش، و…”
أضاف بحذر:
“ابن الدوق السابق كان مدمنًا للمقامرة حقًّا.”
“كفى.”
نظرتُ إلى التقرير وسألتُ:
“هل هناك ديونٌ يجب سدادها فورًا؟”
كان ذلك مهمًّا، فإذا لم نسدّد، قد نفقد الأراضي أو القصر كضمان.
حينها، قد ننتهي في الشارع.
“لا يوجد شيءٌ عاجل، على ما أعتقد.”
“حقًّا؟”
تجنّب عينيّ و هو يرد
“هناك دينٌ بقيمة 50 مليون مارك مستحقّ لاتّحاد تجّار فوكس، لكن لا داعي للقلق.”
“حقًّا؟”
“نعم، اقترضناه قبل 30 عامًا ولم يطالبوا به ولو مرّة. ربّما أفلسوا. إن أفلسوا، لن نضطر للسداد.”
“إن كان كذلك، فهذا جيّد…”
‘ما هذا الشعور بالقلق؟’
وكما لو كان إحساسي صحيحًا، دخلت بيلا وهي تصرخ:
“سيّدتي! كارثة!”
“ما الأمر، بيلا؟”
“الدائنون جاؤوا! يطالبون بالسداد فورًا!”
“لدينا ديونٌ لأكثر من شخص. لا يمكن أن يكونوا جميعًا هنا، أليس كذلك؟”
لو حدث ذلك، سيتعيّن علينا الهروب ليلًا.
“لا، لا! إنّهم من اتّحاد تجّار فوكس!”
نظرتُ إلى ناؤول، ونظر إليّ.
فهمنا بعضنا دون كلام:
‘لقد انتهينا.’
يقال إنّ النمر يأتي عند ذكره، وها هو اتّحاد فوكس الذي تحدّثنا عنه.
“ألم تقل إنّهم لم يطالبوا بالدين ولو مرّة؟”
نظر إليّ ناؤول كمن سيبكي وقال:
“صدقيني، هذا ما حدث دائمًا…”
* * *
قرّرتُ أنا وناؤول مقابلتهم أوّلًا لمعرفة نواياهم.
عندما رأوني، فتاةً صغيرة، بدوا متفاجئين. قدّمني ناؤول:
“هذه الدوقة. احترموها.”
“آه، نعم!”
انحنوا مرتبكين.
اتّكأتُ على الكرسيّ وسألتُ:
“حسنًا، ما الذي جاء بكم إلى قصرنا فجأة؟”
تقدّم رجلٌ ذو عينين طويلتين وقال:
“كما قلنا، موعد السداد اقترب. نريد أموالنا.”
“ما اسمك؟”
“أنا لوَان.”
قال ناؤول:
“لكن موعد السداد الأسبوع القادم، أليس كذلك؟ لا داعي للمجيء الآن.”
“هذه المرّة، نحن مصمّمون على استرداد المال.”
تصارع الاثنان دون تنازل.
‘بالطبع، المبلغ ليس هيّنًا.’
اتّفقنا أنا وناؤول بعد سماع اسم اتّحاد فوكس.
الدين المستحقّ لهم 50 مليون مارك.
رغم أنّه مبلغٌ كبير، إلّا أنّ بيع الأحجار الكريمة سيغطّيه بسهولة.
من الأفضل سداد الديون القابلة للسداد بسرعة.
“حسنًا، سنسدّد الدين.”
ابتسم لوَان وانحنى
“قرارٌ جريء، شكرًا.”
نظرت لناؤول و أشرتُ بعيني له
“ناؤول.”
قدّم ناؤول صندوقًا صغيرًا
“قلادةٌ مرصّعةٌ بالألماس الأزرق واللؤلؤ. حسب تقدير البائع، ستجلب 50 مليون مارك على الأقل. ما رأيكم؟”
ضجّ أعضاء اتّحاد فوكس
‘ما هذه الأجواء؟’
قال لوَان بتعبيرٍ متردّد:
“سيّدتي الدوقة، المبلغ المستحقّ من عائلة فالروجا لنا هو 10 مليارات مارك.”
‘ماذا؟ 10 مليارات؟’
قال ناؤول مصدومًا:
“هذا مستحيل! المبلغ المقترض 50 مليون مارك فقط…”
شرح لوَان بلطفٍ كمن يعلّم طفلًا:
“يبدو أنّكم لم تقرؤوا سند القرض جيّدًا. المبلغ الأصليّ 50 مليون مارك صحيح.”
سأل ناؤول:
“إذن لماذا…”
ردّ لوَان:
“يجب مراعاة الفوائد. الفوائد المتراكمة على مدى 30 عامًا، مع الزيادات، جعلت المبلغ 10 مليارات. إن لم تصدّقوا، ها هو سند القرض لتتأكّدوا.”
انتزع ناؤول السند من يده.
بعد فترة، نظر إليّ بنظراتٍ يائسة، مؤكّدًا صدق كلام لوَان.
تغيّرت الظروف فجأة.
“يجب أن أناقش هذا مع زوجي أوّلًا.”
‘انسحابٌ تكتيكيّ.’
* * *
“30 عامًا ويطالبون بالسداد الآن؟ هؤلاء لن يتخلّوا عن المال!”
“نعم، يبدون مصمّمين تمامًا. إن لم ندفع، قد يأخذون حتّى طوب القصر.”
“يا لهم من أوغاد! لهذا لم يطالبوا بالدين 30 عامًا!”
هرعنا إلى غرفة العمل وبحثنا بين الأوراق.
أخيرًا، وجدنا سند القرض مدفونًا في ركنٍ من المكتبة.
تحدث ناؤول بصوت مرتبك:
“هل كان الدوق السابق مجنونًا؟ كيف اقترض بهذه الشروط؟”
لم أمنعه من سبّ الدوق السابق، فلو تكلّمتُ، لكنتُ سأسبّ أيضًا.
لم يكذب اتّحاد فوكس.
المبلغ الأصليّ 50 مليون مارك، ومع الفوائد المتراكمة والزيادات، أصبح 10 مليارات.
‘هذا ربا!’
لا، حتّى المرابون لن يضعوا شروطًا بهذه القسوة.
وضعتُ يدي على جبهتي وسألتُ ناؤول:
“ماذا يحدث إن رفضنا السداد؟”
كان التخلّي عن الضمان أفضل إن أمكن.
مهما كان الضمان، لا شيء في القصر يساوي 10 مليارات.
“أودّ ذلك، لكن الضمان كبيرٌ جدًّا، سيّدتي.”
“ما هو؟”
“هذا القصر.”
“ماذا؟ هل أراد تدمير العائلة عمدًا؟”
“بالفعل…”
نظر ناؤول إلى السند بعينين زائغتين، وقد نفدت طاقته للسبّ.
“إن بعنا الأحجار واستدنا من مكانٍ آخر، قد نجمع مليار مارك. يمكننا إطفاء الحريق المؤقّت وطلب تأجيل الباقي.”
“لكن إن دفعنا كلّ ذلك الآن، سنعيش على أكل الجذور.”
حينها، كيف سأنقذ هذه العائلة؟
‘ربّما تسليم القصر…’
“لكن إن سلّمنا القصر، لن يكون لنا مأوى، وسنصبح أضحوكة القارّة.”
‘صحيح، سيكون عارًا على العائلة.’
“لماذا استدان الدوق السابق هذا المبلغ؟”
لم أتوقّع إجابة، لكن ناؤول ردّ:
“ربّما لثقته. كان اتّحاد فوكس يديره الماركيز لهولاس، وهو عائلة والدة الدوق السابق.”
“الماركيز لهولاس؟”
ردّ: “نعم، الماركيز الثريّ. والله، هذا كثير! ذلك الرجل الغنيّ.”
“إذن، اتّحاد فوكس كان ملكًا للماركيز لهولاس؟”
بدا ناؤول متفاجئًا بردّي وقال:
“نعم، نعم. كان في الأصل شركةً يملكها الماركيز بمفرده، لكن قبل 20 عامًا، قال إنّه يعاني من ضائقةٍ ماليّة وباع حصصًا لتجّار. عندما تغيّر المالكون، انتقل ديننا إلى التجّار.”
في القصّة الأصليّة، قُتل الماركيز لهولاس على يد لوس، البطل، لأنّه اكتُشف أنّه خدعه.
استخدم الماركيز اتّحاد التجّار للاحتيال على لوس، وحقّق أرباحًا كبيرة.
وإذا كان الأمر يتعلّق بالاحتيال…
“ناؤول، لا يتعيّن علينا سداد هذا الدين!”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"