لَمْ يَكُنْ تِرِيُون يَعْلَمُ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَتَعَقَّبُهُ، فَانْحَنَى بِرَأْسِهِ لِيَعْتَذِرَ مِنْ تِيكِل.
سَخِرَ تِيكِل عِنْدَمَا سَمِعَ اعْتِذَارَ تِرِيُون.
“آسِفٌ؟”
ثُمَّ رَكَلَ تِرِيُون فِي صَدْرِهِ.
وَبِسَبَبِ تِلْكَ الرَّكْلَةِ، تَهَاوَى تِرِيُون سَاقِطًا عَلَى الأَرْضِ.
“تَقُولُ إِنَّكَ آسِفٌ؟ هَلْ تَعْلَمُ حَتَّى عَلَى مَاذَا تَعْتَذِرُ؟”
رَغْمَ أَنَّ تِرِيُون قَطَّبَ حَاجِبَيْهِ مِنَ الأَلَمِ، إِلا أَنَّهُ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى كَمَا كَانَ فِي الْبِدَايَةِ.
نَظَرَ تِيكِل إِلَى تِرِيُون الَّذِي كَانَ يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ بِصَمْتٍ وَقَالَ بِتَهَكُّمٍ:
“هِي تَقَدَّمْ وَتَحَدَّثْ. مَا هُوَ الْخَطَأُ الَّذِي ارْتَكَبْتَهُ؟”
“…… أَعْتَذِرُ عَنْ أَقْوَالِي وَأَفْعَالِي غَيْرِ الّلائِقَةِ تُجَاهَ السَّيِّدِ تِيكِل أَثْنَاءَ وَقْتِ الْعَشَاءِ.”
“حَقًّا؟ إِذَنْ يَجِبُ أَنْ تَنَالَ عِقَابَكَ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟”
سَكَبَ تِيكِل الْخَمْرَ فَوْقَ رَأْسِ تِرِيُون.
فَابْتَلَّ شَعْرُ تِرِيُون وَثِيَابُهُ بِالْخَمْرِ الأَحْمَرِ.
“لِمَاذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ؟”
“……”
“لَقَدْ سَأَلْتُكَ. هَلْ تَتَجَاهَلُنِي الآنَ؟”
“…… لا يَا سَيِّدِي.”
ضَرَبَ تِيكِل رَأْسَ تِرِيُون بِيَدِهِ.
صَدَرَ صَوْتُ بَاك قَوِيٌّ كَمَا لَوْ أَنَّ ثَمَرَةَ بِطِّيخٍ قَدْ تَحَطَّمَتْ.
فَتَحَ تِرِيُون فَمَهُ بِبُطْءٍ:
“… لَقَدْ تَصَرَّفْتُ بِشَكْلٍ خَاطِئٍ بِسَبَبِ حَمَاقَتِي.”
“فُوهَاهَاهَا! آخ، هَذَا مُسَلٍّ. رُؤْيَةُ هَذَا الْوَجْهِ مُسَلِّيَةٌ حَقًّا.
يَا هَذَا، لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ سَتَجْثُو بِسُهُولَةٍ هَكَذَا مِنْ أَجْلِ بِضْعِ عَمَلاتٍ زَهِيدَةٍ، لَكُنْتُ قَدْ رَمَيْتُ لَكَ بَعْضَ الْمَالِ لِأَلْعَبَ بِكَ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ. أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟”
اشْتَدَّتْ قَبْضَةُ تِرِيُون.
بِضْعُ عَمَلاتٍ زَهِيدَةٍ.
لَكِنَّهَا كَانَتْ مَبْلَغًا ضَخْمًا بِالنِّسْبَةِ لِدُوقِيَّةِ فالروجا.
رَدَّدَ تِرِيُون فِي سِرِّهِ:
‘أَنَا فَقَطْ، يَجِبُ أَنْ أَتَحَمَّلَ أَنَا فَقَطْ. سَيَنْتَهِي هَذَا قَرِيبًا. لا بَأْسَ. يُمْكِنُنِي التَّحَمُّلُ.’
بَعْدَ أَنْ ظَلَّ تِيكِل يَضْحَكُ بِمُفْرَدِهِ لِفَتْرَةٍ، نَظَرَ إِلَى تِرِيُون وَقَالَ:
“فِي الْحَقِيقَةِ، مَا هُوَ الذَّنْبُ الَّذِي اقْتَرَفْتَهُ؟ صَحِيحٌ؟”
أَحْضَرَ السَّيْفَ الَّذِي كَانَ مَوْضُوعًا فِي زَاوِيَةِ الْغُرْفَةِ وَبَصَقَ عَلَى الأَرْضِ.
شَحَبَ وَجْهُ تِرِيُون عِنْدَمَا رَأَى السَّيْفَ الْمُحَاطَ بِغِمْدٍ مُرَصَّعٍ بِالْجَوَاهِرِ.
إِذَا ضُرِبَ بِذَلِكَ السَّيْفِ، فَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّهُ لَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ النُّهُوضِ فِي الْيَوْمِ التَّالِي.
هَلْ سَيَتَمَكَّنُ مِنْ خِدَاعِ السَّيِّدَةِ وَبِيُوتِشِر بَعْدَ تَلَقِّيهِ لِلضَّرْبِ وَكَأَنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ؟
أَرَادَ الْهَرَبَ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، لَكِنَّهُ صرَّ عَلَى أَسْنَانِهِ وَتَحَمَّلَ.
“لأَنَّكَ وُلِدْتَ بِوَجْهٍ وَسِيمٍ وَأَغْوَيْتَ النِّسَاءَ اللَّاتِي اخْتَرْتُهُنَّ.”
بَدَأَ تِيكِل يَنْقُرُ رَأْسَ تِرِيُون بِالسَّيْفِ.
“وَلأَنَّكَ ذَكِيٌّ وَلَفَتَّ انْتِبَاهَ الإِمْبِرَاطُورِ. كُلُّ هَذَا لَيْسَ ذَنْبَكَ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ بَلْ هُوَ ذَنْبِي أَنَا لأَنَّنِي نَاقِصٌ؟”
“…… لا يَا سَيِّدِي. لَمْ أَفْكِرْ بِهَذَا الطَّرِيقَةِ قَطُّ.”
“لَيْسَ ذَنْبَكَ؟ أَيُّهَا الْوَغْدُ.”
لَطَمَ تِيكِل خَدَّ تِرِيُون بِيَدِهِ الأُخْرَى.
ثُمَّ بَدَأَ يَمْسَحُ خَدَّ تِرِيُون الَّذِي تَوَرَّمَ جَرَّاءَ صَفْعَتِهِ وَهُوَ يَبْتَسِمُ بِخُبْثٍ.
“أَنَا فُضُولِيٌّ حَقًّا، لِمَاذَا رَفَضْتَ عَرْضَ الإِمْبِرَاطُورِ لِتَوْظِيفِكَ؟ لَوْ قَبِلْتَ، لَرُبَّمَا انْعَكَسَتْ أَدْوَارُنَا الآنَ.
هَيَّا تَكَلَّمْ. أَنْتَ نَادِمٌ فِي الْحَقِيقَةِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ لَوْ فَعَلْتَ، لَمَا كُنْتَ مُضْطَرًّا لِتَحَمُّلِ حَمَاقَاتِي هُنَا. صَحِيحٌ؟”
“…… لا يَا سَيِّدِي.”
“أَلا يَعْلَمُ ذَلِكَ السَّيِّدُ الَّذِي تَدَّعِي أَنَّهُ مَوْلاكَ أَنَّكَ تُعَانِي هَكَذَا مِنْ أَجْلِ بِضْعِ عَمَلاتٍ زَهِيدَةٍ؟”
“……”
“مَا الْجَيِّدُ فِي تِلْكَ الدُّوقِيَّةِ الْبَائِسَةِ؟ حَتَّى تِلْكَ الَّتِي جَاءَتْ كَدُوقَةٍ تَبْدُو كَامْرَأَةٍ حَمْقَاءَ. لَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُمْ أَحْضَرُوهَا مِنَ الْمَلْجَأِ؟”
رَفَعَ تِرِيُون رَأْسَهُ بِشَكْلٍ مُسْتَقِيمٍ لأَوَّلِ مَرَّةٍ.
“أَيُّهَا الْوَغْدُ، كَيْفَ تَجْرُؤُ عَلَى النَّظَرِ إِلَيَّ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟”
“… لا بَأْسَ بِتَوْبِيخِي أَنَا. لَكِنْ لا تَشْتِمْ فالروجا وَالسَّيِّدَةَ. إِنَّهَا شَخْصٌ عَظِيمٌ.”
“…… مَاذَا؟”
انْقَلَبَتْ عَيْنَا تِيكِل مَاتِيك مِنَ الْغَضَبِ.
“لَقَدْ كُنْتُ صَبُورًا مَعَكَ أَيُّهَا الْوَغْدُ، لَكِنَّكَ تَجْرُؤُ عَلَى……!”
ارْتَفَعَ السَّيْفُ فِي الْهَوَاءِ.
أَغْمَضَ تِرِيُون عَيْنَيْهِ بِقُوَّةٍ.
فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، صَدَرَ صَوْتُ فَتَاةٍ لَمْ يَكُنْ مَنْ الْمُفْتَرَضِ سَمَاعُهُ.
“تِرِيُون!”
انْفَتَحَ الْبَابُ الَّذِي كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُغْلَقًا بِإِحْكَامٍ، وَاقْتَحَمَتِ الْفَتَاةُ وَالشَّابُّ الْغُرْفَةَ.
“بِيُوتِشِر، أَوْقِفْهُ!”
بِنَاءً عَلَى أَمْرِ فِيلِيَا، أَمْسَكَ بِيُوتِشِر بِذِرَاعِ تِيكِل.
“سُحْقًا! مَا هَذَا الَّذِي تَفْعَلُونَهُ الآنَ!”
ذُهِلَ تِيكِل مِنَ الظُّهُورِ الْمُفَاجِئِ لِلِاثْنَيْنِ وَحَاوَلَ التَّمَلُّصَ بِقُوَّةٍ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعِ التَّغَلُّبَ عَلَى قُوَّةِ بِيُوتِشِر.
فِي لَمْحِ الْبَصَرِ، ضَرَبَ بِيُوتِشِر مَأْبِضَ رُكْبَةِ تِيكِل لِيُسْقِطَهُ، ثُمَّ ثَبَّتَ كَتِفَهُ عَلَى الأَرْضِ.
“كَيْفَ تَجْرُؤُ عَلَى مُحَاوَلَةِ لَمْسِ سَيِّدَتِنَا بِتِلْكَ الْيَدِ الْقَذِرَةِ؟”
بَيْنَمَا كَانَ بِيُوتِشِر يُثَبِّتُ تِيكِل، تَفَقَّدَتْ فِيلِيَا حَالَةَ تِرِيُون.
“كَبِيرَ الْخَدَمِ. هَلْ أَنْتَ بِخَيْرٍ؟ هَلْ تَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ؟”
لَمْ يَسْتَطِعْ تِرِيُون اسْتِيعَابَ الْمَوْقِفِ، وَنَظَرَ إِلَى فِيلِيَا بِوَجْهٍ مَذْهُولٍ.
شَعْرٌ وَرْدِيٌّ نَاعِمٌ وَعَيْنَانِ زَرْقَاوَانِ.
تِلْكَ الْمَلامِحُ اللَّطِيفَةُ كَأَرْنَبٍ صَغِيرٍ كَانَتْ حَقًّا وَجْهَ السَّيِّدَةِ الَّتِي يَخْدِمُهَا.
“هَذَا……”
“أَلا تَتْرُكُنِي؟ كَيْفَ تَجْرُؤُونَ عَلَى فِعْلِ هَذَا بِي……!”
“أَنْتَ هُوَ مَنْ لا يَمْلِكُ رُتْبَةً، فَكَيْفَ تَجْرُؤُ عَلَى رَفْعِ صَوْتِكَ عَلَى دُوقَةٍ؟”
حَدَّقَتْ فِيلِيَا فِي تِيكِل بِنَظْرَةٍ حَادَّةٍ.
رَغْمَ أَنَّهَا كَانَتْ تُوَاجِهُ بَالِغًا أَكْبَرَ مِنْهَا بِكَثِيرٍ، إِلا أَنَّ هَيْبَةَ فِيلِيَا لَمْ تَنْكَسِرْ أَبَدًا.
“كَيْفَ تَجْرُؤُ عَلَى أَخْذِ شَخْصٍ مِنْ عائِلَةِ فالروجا وَفِعْلِ هَذَا بِهِ. لا بُدَّ أَنَّكَ مُسْتَعِدٌّ لِلْعَوَاقِبِ؟”
“دُوقِيَّةٌ مُفْلِسَةٌ مِثْلُكُمْ! أَنْتُمْ مَنْ سَأَجْعَلُكُم……!”
قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ تِيكِل كَلامَهُ، أَمْسَكَ بِيُوتِشِر بِشَعْرِ تِيكِل مِنْ الْخَلْفِ وَحَطَّمَ وَجْهَهُ بِالأَرْضِ.
ثُمَّ قَالَ بِوَجْهٍ مُبْتَهِجٍ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ “لَقَدْ هَزَمَ الْمُعَلِّمُ الشَّرِيرَ فِي الْقِصَّةِ”:
“مَنْ يَتَفَوَّهُ بِكَلِمَاتٍ سَيِّئَةٍ أَمَامَ السَّيِّدَةِ هُوَ شَخْصٌ بَالِغٌ سَيِّئٌ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟”
وَعِنْدَمَا رَفَعَ رَأْسَ تِيكِل مَرَّةً أُخْرَى، كَانَ قَدْ فَقَدَ وَعْيَهُ بِالْفِعْلِ.
“أُوه؟ سَيِّدَتِي، هَذَا الزمِيلُ فَقَدَ وَعْيَهُ بِالْفِعْلِ.”
“مَاذَا؟ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ؟ لا يَمْلِكُ أَيَّ عَزِيمَةٍ.”
“حَقًّا! لَقَدْ ضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَقَطْ!”
يَبْدُو أَنَّهُ لَمْ يُفَكِّرْ فِي أَنَّ تِلْكَ الضَّرْبَةَ الْوَاحِدَةَ تَمْتَلِكُ قُوَّةً تَدْمِيرِيَّةً تُعَادِلُ ضَرْبَةَ مِخْلَبِ دُبٍّ.
“رُبَّمَا يَسْتَيْقِظُ، لِذَا مَا رَأْيُكَ أَنْ نَقُومَ بِتَقْيِيدِهِ؟”
“نَعَمْ-!”
أَجَابَ بِيُوتِشِر بِمَرَحٍ وَأَخْرَجَ حَبْلًا مِنْ مَلابِسِهِ.
“مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟”
“بِمَا أَنَّنِي عُضْوٌ فِي مُنَظَّمَةٍ سِرِّيَّةٍ، فَالْحَبْلُ هُوَ أَحَدُ الأَدَوَاتِ الأَسَاسِيَّةِ!”
أَدْخَلَ بِيُوتِشِر يَدَهُ الأُخْرَى ثُمَّ أَخْرَجَ كِمَامَةً.
“لَدَيَّ كِمَامَةٌ أَيْضًا!”
“كَمَا هُوَ مُتَوَقَّعٌ، جَاهِزِيَّتُكَ مِثَالِيَّةٌ! حَسَنًا! لِنَسْتَخْدِمْ كُلَّ شَيْءٍ!”
“وَاااو!”
ضَحِكَ بِيُوتِشِر كَطِفْلٍ وَرَبَطَ تِيكِل بِإِحْكَامٍ بِالْحَبْلِ.
فِي الْعَادَةِ، كَانَ يَبْدُو سَهْلَ الْمِرَاسِ بِسَبَبِ مَلامِحِهِ الْهَادِئَةِ وَابْتِسَامَتِهِ الدَّائِمَةِ، لَكِنَّ بِيُوتِشِر فِي الْحَقِيقَةِ كَانَ يَمْلِكُ قُوَّةً تَدْمِيرِيَّةً كَالدُّبِّ وَيَحْمِلُ مَعَهُ أَدَوَاتِ تَعْذِيبٍ مُخْتَلِفَةً.
‘الْقُشَعْرِيرَةُ تَرْتَجِفُ فِي نَفْسِي عِنْدَمَا أَرَى كَيْفَ يَسْتَمْتِعُ بِهَذِهِ الأُمُورِ حَقًّا.’
فَكَّرَ تِرِيُون فِي سِرِّهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى ابْتِسَامَةِ بِيُوتِشِر الَّتِي كَانَتْ أَشْرَقَ مِنْ كُلِّ مَرَّةٍ.
وَفِيلِيَا، الَّتِي كَانَتْ تَقُودُ شَخْصًا كَهَذَا مِثْلَ الْكَلْبِ، لَمْ تَكُنْ أَيْضًا شَخْصِيَّةً عَادِيَّةً.
أَظْهَرَ بِيُوتِشِر دِقَّةً كَبِيرَةً حَيْثُ وَضَعَ الْكِمَامَةَ فِي فَمِ تِيكِل ثُمَّ حَشَرَهُ دَاخِلَ خِزَانَةٍ لِكَيْ لا يَجِدَهُ الْخَدَمُ بِسُهُولَةٍ.
قَالَ بِيُوتِشِر وَهُوَ يَتَظَاهَرُ بِمَسْحِ عَرَقٍ لَمْ يَنْزِلْ بَعْدُ:
“بِهَذَا الْقَدْرِ، لَنْ يَجِدَهُ أَحَدٌ حَتَّى مَسَاءِ الْغَدِ.”
“أَحْسَنْتَ!”
“مُجَرَّدُ الْبَقَاءِ مَعَ السَّيِّدَةِ يَجْعَلُ كُلَّ يَوْمٍ مَلِيئًا بِالأُمُورِ الْمُمْتِعَةِ. مَاذَا سَنَفْعَلُ الآنَ؟ هَلْ نَأْخُذُهُ مَعَنَا إِلَى دُوقِيَّةِ فالروجا وَنَجْعَلُهُ يَعْتَرِفُ حَتَّى عَنْ حُبِّهِ الأَوَّلِ؟”
“هَلْ نَفْعَلُ ذَلِكَ؟”
“ا-انْتَظِرُوا لَحْظَةً! مَا هَذَا الَّذِي تَفْعَلُونَهُ حَقًّا!”
صَرَخَ تِرِيُون الَّذِي اسْتَعَادَ أَخِيرًا وَعْيَهُ بِالْوَاقِعِ.
“مَاذَا نَفْعَلُ؟ نَحْنُ نَهْزِمُ الأَشْرَارَ وَنُنْقِذُ تِرِيُون، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟”
أَجَابَتْ فِيلِيَا بِلا مُبَالاةٍ.
“لا يَجُوزُ فِعْلُ هَذَا. إِذَا فَعَلْتُمْ هَذَا……”
“لِمَاذَا؟”
“مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ الْبَارُونَ مَاتِيك سَيَقْطَعُ صَفَقَاتِهِ مَعَ عَائِلَتِنَا. وَبِهَذَا لَنْ يَكُونَ لَدَيْنَا دَخْلٌ.”
قَالَ تِرِيُون بِذُعْرٍ عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ.
“دُوقِيَّةُ فالروجا…. بِحَاجَةٍ إِلَى الْمَالِ. أَكْبَرُ دَخْلٍ لِلدُّوقِيَّةِ الآنَ يَأْتِي مِنْ صَفَقَاتِنَا مَعَ الْبَارُونِ مَاتِيك. سَأَبْقَى أَنَا هُنَا لأَعْتَذِرَ عَنْ هَذَا الْخَطَأِ، لِذَا أَرْجُو أَنْ تَعُودِي يَا سَيِّدَتِي أَوَّلاً.”
تَبَدَّلَتْ تَعَابِيرُ وَجْهِ فِيلِيَا.
وَاخْتَفَى جَوُّ الْمَرَحِ، وَبَدَأَتْ تَنْظُرُ إِلَى تِرِيُون بِهُدُوءٍ.
“إِذَنْ، أَنْتَ تَقُولُ إِنَّهُ يَجِبُ أَنْ نَرْمِيَ كَبِيرَ خَدَمِنَا كَضَحِيَّةٍ لِهَذَا الظُّلْمِ، ثُمَّ نَأْخُذَ ذَلِكَ الْمَالَ وَنَسْتَخْدِمَهُ؟”
“…… مَعْذِرَةً؟”
“أَنَا آسِفَةٌ، لَكِنَّنِي لا أَسْتَطِيعُ رُؤْيَةَ مِثْلِ هَذَا الْمَوْقِفِ. بَلْ لَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ.”
قَالَتْ فِيلِيَا بِحَزْمٍ.
“مِنْ أَجْلِ الْعَائِلَةِ، هَذَا هُوَ الْخِيَارُ الأَفْضَلُ. يَا سَيِّدَتِي. أَنَا…. أَنَا بِخَيْرٍ.”
“بِخَيْرٍ؟ حَقًّا؟”
أَخْرَجَتْ فِيلِيَا مِحْرَمَةً وَبَدَأَتْ تَمْسَحُ وَجْهَ تِرِيُون.
شَعَرَ بِأَلَمٍ حَادٍّ عِنْدَمَا لَمَسَتِ الْجُرُوحَ.
كَانَ السَّائِلُ الأَحْمَرُ الدَّاكِنُ الْمَمْزُوجُ بِالْخَمْرِ وَالدَّمِ يَتَسَاقَطُ مِنْ وَجْهِ تِرِيُون.
لَمْ يَسْتَطِعْ تِرِيُون قَوْلَ أَيِّ شَيْءٍ.
لَقَدْ كَانَتْ تَقْلَقُ عَلَيْهِ الآنَ.
لَمْ يَسْتَطِعْ فَهْمَ تَصَرُّفِهَا هَذَا.
“……”
قَالَتْ فِيلِيَا وَهِيَ تَرَى وَجْهَ تِرِيُون الْمُنْقَبِضَ مِنَ الأَلَمِ:
“أَلا يُؤْلِمُكَ حَقًّا؟ لَقَدْ رَأَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ. لَقَدْ ضُرِبْتَ.
ضُرِبْتَ…. ضُرِبْتَ بِشَكْلٍ قَاسٍ جِدًّا.”
مَهْمَا حَاوَلَتْ فِيلِيَا الْمَسْحَ، إِلا أَنَّ السَّائِلَ الَّذِي يَتَسَاقُطُ مِنْ خَدِّ تِرِيُون لَمْ يَنْقُصْ.
“أَنْتَ أَيْضًا فَرْدٌ مِنْ عَائِلَةِ الدُّوقِ. فَكَيْفَ تَقْبَلُ أَنْ تُضَحِّيَ بِنَفْسِكَ وَحْدَكَ هَكَذَا……”
قَالَتْ فِيلِيَا بِوَجْهٍ حَزِينٍ:
“…… أَنَا آسِفَةٌ. لَقَدْ شَكَكْتُ بِكَ. لِهَذَا لَحِقْتُ بِكَ. وَلَكِنْ، وَلَكِنْ….”
لَمْ أَكُنْ أَرْغَبُ فِي رُؤْيَةِ شَيْءٍ كَهَذَا.
تِلْكَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي خَرَجَتْ كَالْهَمْسِ وَصَلَتْ بِوُضُوحٍ لِمَسَامِعِ تِرِيُون.
سَحَبَتْ فِيلِيَا تِرِيُون بِيَدِهَا.
“لِنَذْهَبْ. لِنَخْرُجْ مِنْ هُنَا بِسُرْعَةٍ. لا دَاعِيَ لأَنْ يُضَحِّيَ كَبِيرُ الْخَدَمِ بِنَفْسِهِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ.”
شَعَرَ تِرِيُون بِمَشَاعِرَ لا يُمْكِنُ وَصْفُهَا تَعْصِفُ بِدَاخِلِهِ.
لَقَدْ كَانَتِ الْمَرَّةَ الأُولَى.
أَنْ يَقُومَ شَخْصٌ مَا بِمَنْعِ الْعُنْفِ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَهُ.
لَقَدْ كَانَتِ الْمَرَّةُ الأُولَى الَّتِي يَتَعَرَّضُ فِيهَا لِعُنْفِ تِيكِل مَاتِيك قَبْلَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ.
كَانَ السَّبَبُ تَافِهًا.
لأَنَّ الْفَتَاةَ الَّتِي أُعْجِبَ بِهَا تِيكِل قَالَتْ إِنَّهَا تُحِبُّ تِرِيُون.
وَلِهَذَا السَّبَبِ فَقَطْ، قَامَ بِكَسْرِ سَاقِ تِرِيُون الَّذِي جَاءَ مِنْ أَجْلِ صَفَقَةٍ.
قَالَ تِيكِل لِتِرِيُون الَّذِي كَانَ يَصْرُخُ مِنَ الأَلَمِ بِكُلِّ بُرُودٍ:
“اصْمُتْ. أَلَسْتَ قَدْ جِئْتَ هُنَا لأَنَّكَ بِحَاجَةٍ إِلَى أَمْوَالِنَا عَلَى أَيِّ حَالٍ؟”
رَغْمَ أَنَّ كِبْرِيَاءَهُ قَدْ جُرِحَ، إِلا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حَقِيقَةً.
دُوقِيَّةُ فالروجا كَانَتْ بِحَاجَةٍ إِلَى أَمْوَالِ الْبَارُونِ مَاتِيك.
الْحَدِيدُ الصَّلْبُ كَانَ مَعْدِنًا شَائِعًا.
وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَكَانٌ يَرْغَبُ فِي شِرَاءِ حَدِيدِ فَالْبُرُوغَا الَّذِي لَمْ تَكُنْ جَوْدَتُهُ مُمَيَّزَةً وَكَانَ سِعْرُهُ مُرْتَفِعًا بِسَبَبِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ.
وَكَانَ الْبَارُونُ مَاتِيك يَدْفَعُ دَائِمًا سِعْرًا جَيِّدًا لِتِرِيُون.
إِذَا تَحَمَّلَ هُوَ فَقَطْ، فَسَيَتَمَكَّنُ مِنْ إِدْخَالِ السُّرُورِ لِفَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ عَلَى وَجْهِ الدُّوقِ وَوَالِدِهِ اللَّذَيْنِ كَانَا يَتَنَهَّدَانِ بِسَبَبِ تَنَاقُصِ الدَّخْلِ، وَسَيَتَمَكَّنُ مِنْ إِطْعَامِ الْخُبْزِ لِطِفْلٍ جَائِعٍ مُنْذُ أَيَّامٍ.
لِذَلِكَ قَرَّرَ تِرِيُون الصَّمْتَ.
عِنْدَمَا حَسَبَ الأَمْرَ عَقْلانِيًّا، كَانَ تَقْدِيمُ نَفْسِهِ كَضَحِيَّةٍ هُوَ الْخِيَارَ الأَكْثَرَ نَفْعًا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ جَدْوَى مِنَ التَّحَدُّثِ مَعَ الآخَرِينَ بِمَا أَنَّ ذَلِكَ لَنْ يُحَسِّنَ الْوَضْعَ.
لَكِنَّهُ أَحْيَانًا كَانَ يَشْعُرُ بِالِاخْتِنَاقِ.
أَرَادَ أَنْ يَصْرُخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ لِيَعْرِفَ أَيُّ شَخْصٍ كَمْ هُوَ مُتَأَلِّمٌ، وَأَنَّهُ لا يُرِيدُ أَنْ يُضْرَبَ بَعْدَ الآنَ.
لَكِنَّهُ كَانَ يَخْتَارُ الصَّمْتَ دَائِمًا، وَكَانَ يَتَوَجَّهُ إِلَى مَنْزِلِ الْبَارُونِ مَاتِيك فِي كُلِّ مَرَّةٍ.
إِذَا ضَحَّى هُوَ فَقَطْ، سَتَحْصُلُ الدُّوقِيَّةُ عَلَى مَالٍ يَكْفِي لِلصُّمُودِ لِمُدَّةِ عَامٍ.
“لِمَاذَا؟ لِمَاذَا لا دَاعِيَ لأَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ؟”
“هَلْ تَحْتَاجُ إِلَى سَبَبٍ؟”
“تَضْحِيَتِي هِيَ الْخِيَارُ الأَكْثَرُ رِبْحًا. فَقَطْ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ يُمْكِنُ لِلدُّوقِيَّةِ أَنْ……”
“لا تَتَحَدَّثْ عَنِ الْعَائِلَةِ أَوِ الأَرْبَاحِ. أَنَا أَعْرِفُ تِلْكَ الأُمُورَ جَيِّدًا. مَا يَهُمُّنِي هُوَ مَاذَا يَظُنُّ كَبِيرُ الْخَدَمِ الآنَ. هَلْ حَقًّا لَمْ تَشْعُرْ بِالأَلَمِ حِينَمَا كُنْتَ تُضْرَبُ؟”
سَأَلَتْهُ فِيلِيَا وَهِيَ تَنْظُرُ فِي عَيْنَيْهِ مُبَاشَرَةً.
لَقَدْ أَرَادَ دَائِمًا أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ.
إِنَّهُ يُؤْلِمُهُ، وَإِنَّهُ خَائِفٌ.
وَأَنْ يَقُومَ أَيُّ شَخْصٍ كَانَ بِإِنْقَاذِهِ.
تَذَكَّرَ وَجْهَ وَالِدِهِ الَّذِي كَانَ يَبْتَسِمُ بِإِشْرَاقٍ لِلْمَالِ الَّذِي كَانَ يُحْضِرُهُ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ كَيْفَ حَصَلَ عَلَيْهِ.
قَبْلَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ، بَدَأَتْ سَاقُهُ الْمَكْسُورَةُ تُؤْلِمُهُ مُجَدَّدًا بَعْدَ طُولِ انْتِظَارٍ.
“… لَقَدْ كَانَ، لَقَدْ كَانَ مُؤْلِمًا.”
أَجَابَتْ فِيلِيَا عَلَى كَلِمَاتِهِ قَائِلَةً:
“هَذَا هُوَ سَبَبِي.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 20"