“إنها القلادة التي كانت أمي ترتديها دائمًا حول عنقها. لم تُرِها لأحد قط — فقط لي أنا. وفي ذلك اليوم… أعطتني إياها.”
إن كانت قد سلّمتها له في تلك اللحظة الحرجة، قبل أن تُخفيه في الخزانة مباشرة، فلا بد أنها كانت شيئًا في غاية الأهمية.
شيء يمكن أن يتعرّف عليه أشخاص محددون — أو ربما كان رمزًا يقوده إلى شخص بعينه.
“هل يمكنني رؤيتها للحظة؟”
“ممم.”
لو كان ليون أكبر قليلًا، لما سلّم شيئًا بهذه القيمة بسهولة لشخص آخر.
يبدو أنه بات يثق بي تمامًا الآن.
وقفتُ ورفعت القلادة نحو ضوء القمر المتسلل من النافذة.
“لا توجد عليها أي كتابات.”
لو كان هناك اسم منقوش، لكان ليون عرفَ بالفعل من الذي ينبغي أن يبحث عنه.
لكن ما نُقش على القلادة لم يكن كتابة، بل رمزًا — شعارًا محفورًا بعناية.
“مـ-مهلًا لحظة…”
اجتاحني شعور غريب — كأنني رأيت هذا النقش من قبل.
وأثناء حديثي الهامس مع ليون، بدأت جنيات التعليقات — اللواتي التزمن الصمت حتى الآن — بالضجيج فجأة.
.
.
.
└ [لا يمكن… لا تقل إننا وصلنا لتلك الحبكة حقًا!]
└ [أوه؟ هل سيأخذ الأمر هذا المنعطف الآن؟!]
.
.
.
‘أهذا هو؟ الكليشيه الذي كانت تتحدث عنه جنيات التعليقات؟!’
حدّقتُ بليون بعينين متسعتين دهشةً.
تحت خصلات شعره الحمراء المبعثرة، بدت عيناه الرماديتان مألوفتين بشكلٍ غريب… أشبه بشخصٍ ما كنت أعرفه جيدًا.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
‘يا للجنون… إنه حقًا من سلالة الدوق.’
بعد أن أعدتُ ليون إلى غرفته، تمددت على سريري — لكن وقع الحقيقة الصادمة أبقاني عاجزة عن النوم.
الرمز المحفور على قلادة ليون…
كان شعار عائلة كلارك، إحدى الأسر الدوقية التابعة لإمبراطورية ديفيلوا.
‘ليس مجرد شعار عائلي… بل ذاك الذي لا يُستخدم إلا من قبل الورثة المباشرين!’
وكيف أعلم ذلك؟
قبل أن أعود بالزمن، كان الكونت توروتو يبذل جهودًا جبارة لبناء تحالف مع دوق كلارك.
الفصيل الذي يقوده الكونت توروتو كان يتكوّن في الغالب من نبلاء جدد، يفتقرون إلى النفوذ والثقل السياسي، لذا سعوا بكل وسيلة لكسب ودّ الدوق كلارك.
‘صحيح… الدوق كلارك لم يكن من أنصار العائلة الإمبراطورية… بل كان أقرب إلى الحياد.’
يبدو أنه لم يكن يمانع الانحياز إلى أحد الطرفين، إذ تبادل مع الكونت توروتو عدة رسائل.
كانت الوثائق السرّية لا تُسلَّم للسكرتير، بل كان الكونت يأمرني بإيصالها شخصيًا، ولهذا رأيتُ الشعار بأمّ عيني.
وهناك سبب آخر جعل صورته راسخة في ذهني —
‘اسمه كان يتردد كثيرًا في مجالس الطبقة الراقية.’
فحتى بعد مضي وقت طويل على وراثته اللقب، ظلّ الدوق كلارك أعزب من دون وريث.
وهكذا، لم ينقطع حديث السيدات في المجتمع عنه.
«هل تعتقدين أن الدوق كلارك لا يرغب بالزواج؟ سمعتُ أنه رفض مؤخرًا لقاء الآنسة نايت، ابنة الماركيز.»
«يا إلهي، لا بد أنها شعرت بجرح عميق، فقد جمعت كل شجاعتها لتطلب مقابلته.»
لم يكن في البلاد سوى عدد قليل من الدوقات غير المتزوجين، وكان هو أحدهم — لذا لم يعد الحديث عن “سن الزواج” ينطبق عليه.
ورغم ملامحه الحادة، كان دائمًا متزنًا وأنيقًا، مما جعله محطّ أنظار الشابات النبيلات.
«بما أنه لا يُبدي أي اهتمام بالنساء… فربما لديه حبيبة سرّية؟»
«إن كان كذلك، فلمَ لا يتزوجها إذن؟»
«مجرد تخمين، لكن… تلك القلادة التي يرتديها دائمًا…»
تلك القلادة.
كان دوق كلارك يرتدي أحيانًا قلادة لا تناسب ملبسه على الإطلاق — قلادة ذات ألوان غير متجانسة وبقع باهتة.
ولرجلٍ في مكانته، الذي لا يليق به إلا اقتناء أفخر الأشياء وأجودها، كان من الطبيعي أن يلفت الأنظار حين يرتدي قلادة قديمة بالية، لذا انتشرت حولها الشائعات سريعًا.
«إن كان يوليها كل هذا التقدير، فلا بد أنها تخص شخصًا عزيزًا عليه، أليس كذلك؟»
تكهّن الناس بأنها تذكار — ربما من حبيبة راحلة لم يُقدَّر له الزواج منها. ومع مرور هذه القصة على ألسنة الناس، بدأت تكتسب ملامح وتفاصيل جديدة.
وسرعان ما أصبحت حكاية رجلٍ مخلصٍ لا يزال يرثي محبوبته الراحلة ويحتفظ بذكراها بكل إخلاص، حديث الطبقة النبيلة ومصدر تأثر السيدات الأرستقراطيات.
‘هل يمكن أن تكون قلادة ليون هي النظير لتلك القلادة؟’
على عكس قلادة الدوق التي فقدت لونها، كانت قلادة ليون لا تزال تحتفظ ببريقها الفضيّ اللامع.
ولم تكن مصنوعة من مادة يسهل أن يتلاشى لونها.
.
.
.
└ [ربما احترقت في النار؟]
.
.
.
…وهذا بالضبط ما كنت قد وصلت إليه في تفكيري.
دوق بلا ابن.
قلادة اسودّ لونها من النار.
وحريق دار الأيتام القادم.
بدأت قطع الأحجية المبعثرة تتجمع لتشكّل صورة واضحة.
‘إذًا ليون أيضًا كان ضحية ذلك الحريق؟!’
ربما وصلت القلادة المحروقة إلى يد دوق كلارك بعد تلك الحادثة، وربما احتفظ بها لينعى بها حبيبته الراحلة وابنهما معًا.
.
.
.
└ [يا إلهي، قصة الأب وحدها تكفي لتأليف رواية رومانسية!]
.
.
.
حتى جنّيات التعليقات اللواتي كنّ يسمّين الكونت توروتو «ذلك الحقير»، بدأن الآن يخاطبن الدوق بكل وقار قائلين: «سيّدي الأب».
حسنًا، كان الدوق فعلًا رجلًا مهيبًا يستحق الاحترام.
‘وابن هذا الدوق… موجود هنا!’
الـ«كليشيهات» حقًا مخيفة.
كيف عرفت جنيّات التعليقات كل هذا مسبقًا؟
.
.
.
└ [ها قد أثمر كل ما قرأناه من روايات!]
└ [القراءة الكثيرة مفتاح النجاة، كما ترون!]
.
.
.
يبدو أن كتب عالم الجنيّات حافلة بكمّ هائل من المعارف.
على أي حال، الحريق الذي كنت أظنه مجرد حدث بعيد في المستقبل، بات فجأة يبدو قريبًا جدًا وواقعيًا.
‘مستقبل لم يحدث بعد…’
فكّرت في الأمر من قبل:
لو كان همّي الوحيد هو الهروب من الكونت توروتو، لعدتُ إلى الزمن قبيل ظهوره مباشرة، فلماذا عدت إلى هذه اللحظة تحديدًا؟
ربما لم يكن زمن عودتي عشوائيًا على الإطلاق، بل لأن هناك أمرًا عليّ إنجازه الآن.
‘ماضي ليون، وحريق الميتم…’
الآن أملك فرصة لتغيير كل شيء.
وربما يكون ذلك الطريق الذي عليّ أن أسلكه لأعيش حقًا بصفتي “روز”.
بدأ هدفي في حياتي الثانية يتّضح أكثر فأكثر… ومع ذلك، صار أثقل وطأةً في صدري.
‘أليس هذا عبئًا ضخمًا على جسد طفلةٍ في الخامسة من عمرها؟’
صحيح أنني لست طفلةً عادية ولديّ ذاكرة من المستقبل، لكن…
.
.
.
└ [ولا تنسي جنيّات التعليقات أيضًا!]
.
.
.
أجل، ومعي تلك الأصوات الغريبة بجانبي التي لا تكفّ عن تشجيعي.
ورغم كل ذلك، لا يسعني إلا أن أقلق — هل أستطيع أنا، التي ماتت ذات يوم في النيران، أن أقاوم حريقًا آخر؟
فليس لديّ أي قوّة خارقة أو قدرة مقدسة تنقذني من النار.
.
.
.
└ [إشارة تمهيد!]
└ [إنها مقدمة تحوّل البطلة إلى قديسة!]
└ [هل يعقل أننا ندخل حقًّا في حبكة “القدّيسة” الآن؟]
└ [لقد خلطوا جميع الكليشيهات كما لو أنهم يقلبون أعشاب الربيع في التوابل.]
.
.
.
ها نحن أمام كليشيهٍ جديدٍ مرة أخرى؟ بعد «الأميرة» و«ابنة الدوق»، الآن جاء دور «القدّيسة»؟
‘القدّيسة نادرًا ما تغادر المعبد، حتى إنني لم أرَها سوى مرةٍ واحدة فقط… ومن مسافة بعيدة جدًا.’ .
.
.
└ [تلك القدّيسة مزيفة.]
.
.
.
…إلى أي حد يمكن أن يكنّ بهذا القدر من التجديف؟
صحيح أنهم أصابوا في تخمين سرّ ولادة ليون، لكن جنّيات التعليقات ما زلن يتحدثن بلا تفكير.
بدأت الثقة التي فقدتها تعود قليلًا، لكن لم أستطع أن أصدقهنّ تمامًا، لذا قررت أن أصدق حديث جنيات التعليقات بنسبة خمسين بالمئة فقط.
وبناءً على تلك النسبة، قررت تجاهل هذا التعليق المليء بالتجديف.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
لم تمضِ سوى ليلة واحدة، ومع ذلك تضاعفت همومي.
“لا يمكنني الهروب من التبنّي بالموت.”
حريق دار الأيتام لا يهدّد الأطفال الآخرين وحدهم.
ففي ذلك الحادث كنتُ أيضًا قريبة من ألسنة اللهب حتى احترقت أطراف شعري.
ثم إن احتراق دار الأيتام يعني أن تلك المديرة البخيلة ستخسر مصدر رزقها، وتجوب الشوارع حتى ينتهي بها الأمر إلى إحضار الكونت توروتو معها!
“آه…”
زفرتُ تنهيدةً ثقيلة تحت وطأة الحمل على كتفيّ، وفجأة شعرت بيدٍ صغيرة تمسك بيدي.
“روز.”
مشاركة السرّ مع طفلٍ ما ليست بالأمر السهل.
إنها بمثابة إعلان ولاء، اعتراف بأنك في صفّه.
ربما لهذا السبب كان ليون، الذي التقيت به هذا الصباح، يعاملني بلطف دافئ مختلف تمامًا عن بروده وجفائه في الأمس.
“ليون، هل نمت جيدًا؟ لم تراودك كوابيس مجددًا؟”
“نعم، أنا بخير. وأنتِ يا روز؟”
“أنا؟ حسنًا…”
في الليلة الماضية، رأيت في حلمي أنني أسقط في بحرٍ من النار—ربما كابوس ليون انتقل إليّ.
ومع ذلك، كان من المطمئن أن ليون، الذي كان يلتزم الصمت دومًا، أصبح قادرًا على التحدث معي بشكل طبيعي.
“هيه! ماذا يفعل فتى ليتمسّك بفتاةٍ منذ الصباح الباكر؟ لم لا تنتقل لتعيش في سكن الفتيات إذ تحب الجلوس بينهن؟”
“……”
“آه، كم أنت مزعج!”
همم. يبدو أنه يعرف متى يفتح فمه ومع من.
غادر جيف غاضبًا بعدما تجاهله ليون مجددًا.
متى سيدرك أن كلما تحدث إلى ليون أكثر، كلما تجاهله أكثر؟
كان ليون يتصرف وكأن جيف غير موجود أصلًا—كانت عيناه مثبتتين عليّ وحدي.
“حين أخرج من هنا…”
“هاه؟”
بالأمس، قلت لليون إنني سأساعده قدر استطاعتي.
لم أستطع أن أتجاهل حقيقة أنه مات هنا في المرة السابقة قبل أن أعود بالزمن.
يبدو أنه تمسّك بكلماتي، إذ كانت عينيه تتلألآن بأمل خافت.
“حين يحين ذلك الوقت، هل ستذهبين معي يا روز؟”
“أمم… أنا أيضًا أنوي الخروج من هنا يومًا ما.”
“إذًا فلنذهب معًا. أنا وأنتِ.” .
.
.
└ [أليست هذه أشبه باعتراف أو عرض زواج؟]
└ [حين عدت بالزمن، أصبحتُ زوجة ابن الدوق؟!]
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"