لم أكن أعلم ما الذي تريده الجنيات، لكن رؤية ذلك الفتى منطويًا وحده في زاويةٍ معزولة أثارت في قلبي شيئًا من الشفقة.
كنت أنوي أن أتركه حتى يعتاد المكان بنفسه، لكنّ حاله ذاك أوحى لي بأنه سيبقى على وضعه إلى الأبد، لذا قررت أن أقترب منه بنفسي.
.
.
.
└[عادةً ما يلين قلب بطل القصة بعد بضع كلمات لطيفة من البطلة.]
.
.
.
سمعت هذا التعليق، ومع موافقة الجنيات الأخريات عليه، كادت نفسي تقتنع به.
“هيه، ليون.”
“……”
“قد يكون الأمر صعبًا الآن، لكن هذا المكان يجمع أطفالًا مرّوا بتجارب تشبه تجربتك. ومع مرور الوقت، حين تتعامل معهم، ستشعر بتحسّن. فجميع من هنا مرّوا بذلك من قبل.”
كنت أحاول مواساته، لكن ملامحه لم تتغير إلى الأفضل.
كانت خصلات شعره المتشابكة تغطي عينيه، لكن شفتَيه اللتين انكمشتا في امتعاض أوضحتا أنه انزعج من كلامي.
“سأغادر هذا المكان.”
…هل أساء فهمي؟
هل ظن أني أعني: «ستعيش هنا للأبد» مثلًا؟
“لا، لم أقصد أنك لا تستطيع المغادرة. كل ما عنيته أنك خلال بقائك هنا، يمكنك أن تشعر بالراحة على الأقل—”
“لا أريد ذلك. اذهبي. أنا أكرهكِ.”
رفض حتى أن ينظر إليّ، ودفن وجهه بين ركبتيه.
كانت هذه أول محادثة حقيقية بيننا—
وانتهت بتلك الطريقة.
أما جنيات التعليقات اللواتي ألححن عليّ لأفتح قلبي له…
.
.
.
└[هرّ صغير مشاكس؟ بالعكس، هذا أجمل!]
.
.
.
إذًا هذا ما أردن رؤيته؟
لهذا فقط أخبرنني أن أكلمه؟
يا لهنّ من كاذبات…
وليس هذا أول مرة يخدعنني فيها،
فلماذا صدقتهن مجددًا؟
عدت إلى غرفتي تاركةً ليون خلفي، وأقسمت أن أتعامل مع كلام جنيات التعليقات بحذرٍ شديد من الآن فصاعدًا.
✧ ✧ ✧
مرّت بضعة أيام منذ أن بدأ ليون يسيء فهمي.
وفي تلك الليلة—
“أوه… هه…”
كنت غارقة في النوم حين أيقظتني أصوات غريبة.
ما هذا الصوت؟ أهو أحدهم يرى كابوسًا؟
أو ربما كان أحد الأطفال يبكي؟
كثيرًا ما كان الأطفال الصغار، في الليل حين يعمّ السكون والظلام، يبكون لأنهم خائفون أو لأنهم يفتقدون أمهاتهم.
آه… حسنًا، أنا البالغة هنا، لذا عليّ تهدئتهم.
صحيح أن جسدي صغير، لكن مجرد وجود أحد بجانبهم قد يمنحهم الأمان.
رفعت نفسي عن السرير، فلم أرَ سوى البطانيات التي ترتفع وتنخفض بانتظام مع أنفاس الأطفال الهادئة وهم نيام.
يبدو أن الصوت أتى من غرفة أخرى… أو ربما من الممر.
فركت عينيّ النعسانتين ونزلت بحذر من السرير.
“أوه… آه…”
كان الممر مظلمًا.
ظننت أن أحدهم تعثر أثناء عودته من الحمّام،
لكن لم أسمع أي خطوات—
بل فقط أنينًا خافتًا مكتومًا.
ما… ما هذا؟ لا تقل لي إنه شبح؟
خيم جوٌّ غريب جعل جسدي كله يتصلب من التوتر.
ربما عليّ العودة إلى غرفتي…
ترددت غير قادرة على التقدم خطوة واحدة،
لكن لحسن الحظ، عادت تلك الجنيات الساهرات للهمس في أذني مجددًا.
.
.
.
└[يا إلهي! ربما روح طفلٍ مات في الميتم بعد تعذيبه!]
.
.
.
رائع… الآن أنا أكثر رعبًا من ذي قبل!
‘أيّ نوع من القصص المرعبة تخترعن الآن؟!’
ومع ذلك، دفعت قدميّ للمضيّ، واتّبعت مصدر الصوت بخطوات حذرة.
حتى وأنا أمشي على أطراف أصابعي، كانت أرضية الخشب القديمة تصدر صريرًا مع كل خطوة—
صرير… صرير…
فزاد ذلك من رهبة الأجواء وثقلها الموحش.
“إن كنتَ ستظهر، فلتفعلها فحسب…!”
خشخشة—
في تلك اللحظة، داست قدمي على شيءٍ ما، فسارعت إلى وضع يدي على فمي لأكتم الصرخة التي كادت تفلت مني.
‘ما هذا؟ ولماذا توجد قطعة قماش طويلة في الممر؟’
أظنُّني سمعتُ ذات مرة أن الأشباح تغطي نفسها بالأقمشة حتى لا تُظهر مظهرها المرعب.
كان عنقي متيبسًا يرفض الالتفات، لكنني أجبرت نفسي على إدارة رأسي نحو موضع القماش.
وفي زاويةٍ معتمة من الممر، ما رأيته كان—
“ليون…؟”
ما ظننته كومة قماشٍ فحسب، كان في الواقع رأسًا صغيرًا ذو شعرٍ أحمر يرتجف بارزًا من تحت الغطاء.
‘إذن كان يختبئ تحت البطانية، لهذا لم أره من بعيد.’
ومع الأنين الذي سمعته سابقًا، بدا واضحًا أن حاله لم يكن جيدًا.
“ليون، هل أنتَ مصاب؟”
جلستُ إلى جواره، وما إن وضعت يدي على ظهره حتى انتفض جسده كله بعنف.
.
.
.
└[هل هو بطل مريض وضعيف؟]
└[البطل مصاب بمرضٍ نادر، لكنّ البطلة ستشفيه بقواها الخاصة.]
.
.
.
يا إلهي، ما هذا الإعداد الغريب؟
على أي حال، لم يكن الوقت مناسبًا لمثل هذه الأفكار.
ربما شعر غريزيًا بأنني لا أنوي أذيته،
فقد أمسك ليون بكمَّ ثوبي بيدٍ مرتعشة ثم ارتمى بين ذراعيّ.
“ما الأمر؟ هل أستدعي المعلم؟”
لامس أعلى رأسه كتفي، وهزّه نافيًا بخفة.
“أنا… أنا…”
لحسن الحظ، لم يبدُ عليه الألم،
لكن تصرفه كان كما لو أنه واجه وحشًا مرعبًا.
.
.
.
└[جميع الأبطال يعانون من صدمة نفسية، للأسفㅠㅠ]
.
.
.
شخصية جذابة، مظهر جميل، مرض، والآن صدمة نفسية أيضًا—
يبدو أن كونك بطل رواية ليس بالأمر الممتع بعد الآن.
لكن المهم الآن ليس هذا.
شعرتُ برطوبةٍ تنتشر على كتفي، فربَّتُّ على ظهر ليون برفق.
“أنا…”
“نعم، لا تقلق، لن أخبر أحدًا. قل ما تشاء.”
“لا أريد أن أموت… أرجوكِ، أنقذيني…”
“ماذا؟!”
طفل يقول إنه لا يريد أن يموت؟
أخبرني حدسي أن الأمر لا يمكن حله بكلمات مواساة بسيطة.
‘ما الذي حدث له بحقّ السماء؟’
بقيتُ إلى جانبه، أدلّك ظهره بخفة،
حتى أخذ ارتجافه يهدأ تدريجيًا.
سرعان ما خيّم عليه الصمت، وأصبح تنفّسه هادئًا،
ولوهلةٍ ظننت أنه غفا جالسًا،
لكن قبضته التي كانت تشدّ على كمّي من حينٍ لآخر أوضحت لي أنه لا يزال مستيقظًا.
بحذر، حرّرتُ يده الصغيرة من كمّي وهمست:
“ابقَ هنا قليلًا، سأعود حالًا.”
توجهتُ إلى مطبخ الميتم.
أحيانًا، بدلًا من التبرع بالمال، كانت السيدات النبيلات يجلبن حلوى للأطفال—
وتذكرت أنني رأيت شيئًا حينها.
وقفتُ على كرسي، ومددت يدي إلى الخزانة وسحبت كيسًا ورقيًا بعناية.
كان في داخله مسحوق الكاكاو الممزوج بالسكر.
‘لكوب واحد… لا، حتى لو شربنا كوبين، فلن يلاحظ أحد.’
.
.
.
└[تُحضّر كوبًا لنفسها أيضًا XD.]
.
.
.
حسنًا، ما دمتُ سأصنع واحدًا، فلماذا لا أصنع كوبًا إضافيًا لي أيضًا؟
غليت الماء في إبريق على الموقد،
ثم أعددت كوبين من الكاكاو الدافئ، تنبعث منهما رائحة لطيفة مطمئنة.
وحين خرجت إلى الممر من جديد،
وجدت ليون ما يزال في المكان نفسه،
جالسًا على الأرض، ملفوفًا بالبطانية، كما لو كان يخشى أن يختفي الأمان إن تحرك.
“هاك، خذ هذا واشربه. لكن لا تخبر المديرة، حسنًا؟ إنه سرّ بيننا.”
ربما جذبته الرائحة الحلوة، فرفع ليون رأسه ببطء.
كانت خصلات شعره الأمامية مبتلة، مما دلّ على أنه كان يبكي طوال الوقت الذي قضيتُه في إعداد الكاكاو.
“هل رأيت حلمًا مخيفًا؟”
هزّ ليون رأسه بالإيجاب بهدوء، وكأنه بدأ أخيرًا يستجيب للحديث.
“لا بأس، كان مجرد حلم لا أكثر.”
لكن ليون هزّ رأسه نافيًا.
“وماذا لو… جاء أحدهم ليقتلني؟”
لم يكن الأمر مجرد خوف من الموت، بل خوف من أن يُقتَل.
ولأنني لم أكن أعلم بعد ما الذي مرّ به، حاولت أولاً تهدئته.
“لن يحدث ذلك. هنا يوجد المعلمون، والبالغون يأتون ويذهبون باستمرار. لا يمكن لأي أحد الدخول كما يشاء.”
“لكن… حتى أمي…”
بدأت عينا ليون تلمعان بالدموع مجددًا.
“جاء رجال مخيفون. أمي قالت إنه لا يجب أن يراني أحد، فخبأتني.”
“……”
“أولئك الرجال ظلّوا يبحثون عنها… ثم…”
ثم لم يسمع سوى كلمات قصيرة، أمراً قاسيًا يقول: «تخلّصوا منها».
بعدها خيّم الصمت، تلاه صوت أقدام مغادرة على عجل، ولم يسمع صوت والدته المتوسّل بعد ذلك أبدًا.
كان ليون محبوسًا داخل خزانة الملابس طوال الوقت، يسمع كل ذلك بصوتٍ واضح.
وحين خرج أخيرًا بعد أن عمّ السكون، لم يجد أثرًا لوالدته… وهكذا أصبح وحيدًا.
‘هذا يعني… أنها قُتلت.’
.
.
.
└[يا إلهي، أيّ عالم مظلم هذا الذي يعيش فيه الأطفال!]
└[وتخيّل أنه سمع كل ذلك بأذنيه، يا للمأساةㅠㅠ]
.
.
.
حينها فقط أدركتُ لماذا أغلق ليون قلبه بإحكام،
فلو كنت مكانه، لكنت فقدت الثقة بالبشر جميعًا.
.
.
.
└[لكن ماذا لو باعه البالغون هنا أيضًا؟ يا للرعب!]
.
.
.
صحيح… حين قالت الجنيات إنّ الاتجار بالأطفال شائع في دور الأيتام، لم أصدقهنّ.
لكن الآن… ماذا لو عرض أولئك الرجال المجهولون المال للعثور على ليون؟
“هل أخبرت المديرة أو أيًّا من المعلمين بما حدث؟”
“لا…”
“أحسنت. إن لم يكونوا أشخاصًا موثوقين حقًا، فمن الأفضل أن تُبقي الأمر سرًّا.”
لقد كتم الأمر وحده طويلاً، حتى أفصح لي عنه أخيرًا…
لكن إن انتشر هذا السر بتهوّر، فقد يُعرّضه ذلك للخطر.
“على كل حال، لا داعي لأن تبقى متوترًا بهذا الشكل. من خلال مراقبتي لهم، وجدتُ أن البالغين هنا جبناء وبخلاء — لن يجرؤوا حتى على التحدث مع رجال مخيفين كهؤلاء.”
صحيح أن المديرة جشعة وتحب المال،
لكن الميتم يتلقى دعمًا من النبلاء، لذا من المستبعد أن تتورط في جريمة مباشرة.
وفوق ذلك، هذه المنطقة تتبع النظام الإمبراطوري، وهناك قوة أمن محلية تتدخل إن حدث أي طارئ.
شرحت له هذا كله بتفصيل، مبرزة كيف أن الإمبراطور نفسه يدعم هذه المؤسسات،
ولا أعلم إن كان قد فهم كل شيء، لكنه بدا وكأنه شعر ببعض الارتياح.
“لكن… عليّ أن أخرج من هنا على أي حال.”
“أوه؟ هل لديك مكان تذهب إليه؟”
لقد قال الشيء نفسه من قبل أيضًا…
هل لديه أحد الأقار
ب؟ أو ربما شخص بالغ يعرفه؟
“هناك شخص عليّ أن أبحث عنه.”
“من هو؟”
“ذلك الذي قالت أمي إن عليّ إيجاده… شخص يستطيع معاقبة أولئك الرجال.”
رفع ليون يده وسحب شيئًا كان يتدلّى حول عنقه—
قلادة فضية منقوشة بدقة، تحمل رموزًا غامضة محفورة بعمق،
وكأنها تخفي قصة لم تُروَ بعد.
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"