2
└ [لماذا لا أرى سوى تعليقاتٍ عن الحدث؟ حتى تعليقات «الدفعة الأولى» غير موجودة.]
.
.
.
الأصواتُ المزعجة التي تملأ رأسي بالحديث عن التشجيع والمراجعات كانت تُسَمّي نفسها «تعليقات».
ولحسن الحظ، وابلُ التشجيع ذاك لم يدم طويلًا، إذ سرعان ما خَفَتَتْ إلى همهماتٍ متفرّقة، مما منحني فرصةً لأستعيد صفاءَ ذهني المبعثر.
“روز، هل أنتِ نائمة؟”
هذه المرة لم يكن الصوتُ الرتيبُ الذي يدّعي أنه يساندني، بل كان صوتَ صبيٍّ صغير.
وعندما التفتُّ، واجهتني عينان دائريتان بلونٍ أخضرَ زمرديٍّ تُحدّقان بي.
«آه… صحيح، هذا المكان دارُ أيتام.»
عندها فقط استعدتُ وعيي، وبسطتُ أصابعي ثم قبضتُها مرّاتٍ عدّة.
على عكس تلك اللحظة حين مرّ شريطُ حياتي أمام عينيّ، كان جسدي الآن يُذعن لإرادتي.
ومع أنّ الأمر ما زال يبدو غيرَ واقعيّ، مددتُ يدي وربّتُّ على رأس الصبيّ الذي اقترب مني.
خشيتُ أن يتلاشى، كسرابٍ، لكن ملمسَ شعرِه الناعم تسلّل إلى كفّي بوضوحٍ شديد.
“يُدغدغ.”
ضحك بخجلٍ، وقد تفاعل مع لمستي، بل تمكّنا من التواصل أيضًا!
.
.
.
└ [لقد عدتِ بالزمن، أتعلمين؟ أنتِ البطلة.]
.
.
.
ذاك الصوت الغامض عاد ليُخاطبني من جديد.
إذن… «العودة بالزمن»؟ ما معناها بالضبط؟ أليست تعني الرجوع؟ مثل أسماك السَّلْمون؟
.
.
.
└ [في هذه الأيام عادةً ما يُتجاوز شرح العودة بالزمن، لكن بطلتنا تسأل عن تعريفها من الأساس، وهذا جديد.]
└ [باختصار، تنظرين في المرآة، تربتين على وجنتيكِ الممتلئتين وتقولين: «يا إلهي، لقد أصبحتُ أصغر سنًّا! حان الوقت لأعيش حياةً جديدة»، ههه.]
.
.
.
«وجنتاي؟ ولِمَ عليَّ أن أربّت على وجنتَيَّ؟ …رغم أنهما بالفعل طريّتان.»
.
.
.
└ [لطيفة.]
.
.
.
…فقط لأبدو لطيفة؟
في حيرةٍ، أنزلت يدي بعد أن اتبعت نصائح «التعليقات».
وبحسب ما يقولون، فإنّ العودة بالزمن تعني أنّ من مات ميتةً بائسة في حياةٍ سابقة يُمنح فرصةً ثانية، حتى غدا ذلك مشهدًا مكرورًا إلى حدٍّ يُبعث على الملل.
«لكنني لم أرَ يومًا شخصًا كهذا في حياتي.»
ومهما حاولتُ نبشَ ذاكرتي، عاد وجهُ الكونت توروتو، آخرُ من رأيتُه قبل موتي، ليُثقل رأسي بالصداع.
“روز، هل يؤلمكِ رأسكِ؟”
“قليلًا… يبدو أني رأيتُ حلمًا سيئًا.”
وبعد أن استعرضتُ حياتي السابقة كاملةً في مشهدٍ خاطف، أصبح الماضي أشبه بحلمٍ بعيد.
.
.
.
└ [نحن بالفعل في الفصل الثاني، متى ستبدأ القصة فعلًا؟]
أ-أنا لم أكن أنوي المماطلة من الأساس…
ومع إلحاح التعليقات المتململة، أسرعتُ في النهوض من السرير.
✧ ─── ・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・ ─── ✧
وبينما كنتُ أحاول استيعاب «حياتي الثانية»، يبدو أنّ الصبيّ بجانبي أخبر المعلّم في دار الأيتام عن صداعي.
فتقدّم إليّ المعلّم، بملامح متعبة، وأخرج حبّةً دائريةً صغيرة من زجاجة، ووضعها في كفّي.
“إيّاكِ أنْ تبصقيها. امضغيها جيّدًا وابتلعيها، حتى لو كان طعمها مُرًّا.”
كان دواءً مصنوعًا من أعشابٍ مطحونةٍ ممزوجةٍ بالحبوب، لونه باهت بسبب انخفاض نسبة الأعشاب فيه.
لكن ما إن لامست رائحته العشبية أنفي حتى اندفعت ذكرياتي فجأة.
«صحيح. دواء دار الأيتام كان دومًا بهذا الشكل.»
كنتُ أتناوله عند الصداع، وعند التهاب الحلق، وعندما أُصاب بالزكام، وفي الشتاء عند إصابة بعضِنا بقَضْمَةِ الصقيع¹، بل وحتى عندما كنتُ أجرح إصبعي بعشبٍ حادّ.
[الشرح¹: قَضْمَة الصقيع هي تلفٌ يصيب الجلد والأنسجة بسبب التعرض للبرد الشديد، غالبًا في الأصابع أو الأنف أو الأذنين.]
.
.
.
└ [ألا يبدو هذا إكسيرًا؟]
└ [ماذا؟ هل أتيتِ من عالم الفنون القتالية إلى هنا أم ماذا؟]
.
.
.
[الشرح²: الإكسير هو مادة أو مشروب يُستخدم للعلاج أو لتحقيق فوائد خاصة، وأحيانًا يرتبط بالطب القديم أو الأساطير.]
بينما كنتُ أستعيد ذكرياتي، تسلّلت التعليقات كما لو كانت تتعمّد تشويش تركيزي.
بالطبع، لم يكن ذلك دواءً شافيًا لكلّ داءٍ. فالأطفال كانوا يتعافون سريعًا بطبيعتهم الفتية، لذا لم يكن الدواء سوى وسيلة لإبقائهم صامدين حتى يشفَوا تلقائيًّا.
وفي أحسن الأحوال، ربما لم يتعدَّ كونه محفِّزًا بسيطًا للطاقة.
.
.
.
└ [إذن، هذا مجرّد دواء بلاسيبو لا أكثر.]
.
.
.
…مهلًا، هل كان اسم الدواء «بلاسيبو³»؟
[الشرح³: البلاسيبو هو علاجٌ ليس له تأثيرٌ طبيّ فعلي على المرض، لكنه يُعطى للمريض ليعتقد أنه دواءٌ فعّال، مما قد يُؤدّي إلى تحسُّن الأعراض نتيجة تأثير الإقناع أو التوقّع النفسي.]
الغريب أنّ هذه الأصوات، إن كانت فعلًا مجرّد هلوسات من رأسي، لِمَ تُخبرني أحيانًا بأشياء لم أكن أعرفها من قبل؟
.
.
.
└ [تسمّينا هلوسات؟ هذا قاسٍ، ههه.]
└ [جئتُ إلى هنا لأنهم قالوا إنه نظام مشاركةٍ للقرّاء، لكن… أَلَمْ يُخبروا البطلة؟]
└ [هذا أشبه بالذكاء الاصطناعيّ التوليدي! لا تقولي إنهم يحاولون استدراج ردودنا وتدريب الذكاء الاصطناعيّ من خلال تعليقاتنا.]
└ [آه، إذن لهذا السبب سألت ما معنى “العودة بالزمن”.]
└ [الآلة للخارج! الآلة للخارج!]
.
.
.
…لا أفهم مطلقًا ما الذي يتحدثون عنه.
ربّما لم يكونوا هلوسات، بل جنّياتٍ من نوعٍ ما؟
«أيّتها الجنّيات، هل تسمعن صوتي؟»
كانت هذه “جنّيات التعليقات” تظهر فجأة بين حينٍ وآخر لتُلقي بكلمةٍ أو اثنتين ثم تختفي. بدا أنّ التواصل لم يكن غايتها، إذ لم تستجب قطّ لطلبي في التحاور.
.
.
.
└ [إلى متى ستظلّ البطلة تملأ النصّ بعلامات الاستفهام؟ الأمر مملٌّ حقًا… لا أظنّني سأكمل القراءة. انسحاب.]
.
.
.
…وكانوا أحيانًا يقرأون أفكاري ويغادرون هكذا ببساطة.
وحسب ما يقولون، فإنّ «البطلة» يجدر بها ألّا تستغرب كثيرًا من أحداث ما بعد العودة، بل أن تتجاوزها بثبات. ويبدو أنّني تلك البطلة المقصودة.
«أشعر وكأنّني ممثلة على خشبة مسرح…»
كنتُ أقف على المسرح، أُطلِق حواراتي الداخليّة، بينما يجلس الجمهور منصتًا.
وكلّما حاولتُ فهم الموقف، بدا أنّ جنّيات التعليقات يزدادن مللًا، فقرّرتُ لأُوقِف تيّار أفكاري قليلًا.
قبضتُ أصابعي حول الحَبّة المستقرّة في راحة يدي.
“أهمّ.”
ويبدو أنّ توقّفي لم يكن يُثير استياء جنّيات التعليقات وحدهنّ، إذ في المكان الذي تركني فيه المعلّم بعد أن سلّمني الدواء، كان مدير دار الأيتام يجوب المكان متبرّمًا.
«لا بدّ أنّه استغرب لأني ظللتُ أحدّق في الدواء، ولم أتناوله بعد.»
كانت مرّةَ المذاق على فم طفل، لكن كان عليَّ أن أبتلعها سريعًا…
“آآه… فعلًا. الأطفال لا يكفّون عن التظاهر بالمرض. آآه… أنا متألّم، آآه… لقد جرحتُ نفسي.”
…كان يجب أن أبتلعها.
“تَبًّا. أعرف أنها نافعةٌ للجسم، لكن هل تدرين كم أصبح ثمنُ الأعشاب باهظًا هذه الأيام؟ دار الأيتام ستُفلس قريبًا على هذا الحال!”
“……”
كان المدير يُحدّث الهواء كما لو يهمس لنفسه، لكن كلماته كانت موجّهةً إليّ بوضوح.
وكانت تلك النظرة في عينيه نسخةً طبق الأصل من نظرات كبير الخدم العجوز في قصر الكونت توروتو، الذي كان يتحسّر على كلّ قرشٍ يُصرَف عليّ.
تردّدتُ، ثم أنزلتُ الحَبّة التي كنتُ على وشك إدخالها فمي.
“أ-أنا… لم أعد أشعر بالألم. أظنّ أنني كنتُ متعبةً فقط.”
“حقًّا؟”
ما إن مددتُ يدي بالحَبّة كما هي في كفّي، حتى خطفها المدير على الفور وأعادها إلى الزجاجة.
.
.
.
└ [أيعقل؟ يأخذ الدواء من فم طفل؟ ألا يوجد راشدٌ عاقلٌ واحد هنا!]
└ [يذكّرني بمدير شركتنا الذي نقل ماكينة القهوة من غرفة الاستراحة إلى أمام مكتبه حتى لا يستهلكها أحد.]
.
.
.
نعم، الآن تذكّرتُ جيدًا… مدير الدار البخيل!
ذلك الذي كان يقضي يومه كلّه يجوب أرجاء دار الأيتام متفقّدًا كلّ زاويةٍ خشية أن يُهدر فيها المال.
والأدهى من ذلك… أنّه هو بالذات مَن قدّمني إلى الكونت توروتو.
└ [لطالما كان مدير دار الأيتام منبعَ الشرور جميعِها.]
└ [أرجو فقط ألّا ينتهي الأمر بإعادتها للتبنّي مجدّدًا من قِبَل تروت.]
.
.
.
«ليس تروت، بل توروتو.»
على كلّ حال، كانت أمنية “جنّيات التعليقات” أمنيةً أتمناها أنا أيضًا.
صحيحٌ أنني عدتُ من حياة آنسةٍ نبيلة إلى يتيمةٍ فقيرة في دار أيتام، لكنّ ذلك لم يكن بالضرورة أمرًا سيئًا.
«تلك الجنيّة التي ظهرت عند موتي، المسماة بالدفعة الأولى…»
.
.
.
└ [هاه؟ أكان هناك “دفعة أولى”؟ أنا لم أرَ شيئًا كهذا.]
└ [نحن ما زلنا في الفصل الثاني، فماذا كان ذاك الشخص يقرأ؟ هل أتى من المستقبل؟]
└ [ربما كانت دار النشر تتظاهر بأن هناك دفعة أولى، ثم حذفت التعليق سريعًا؟ ههه.]
└ [إعلانٌ مدسوس! إعلانٌ مدسوس!]
.
.
.
كانت “جنّيات التعليقات” يشككنَ في وجود الدفعة الأولى من الأساس، لكن بالنسبة إليّ، كان هناك سببٌ يمنعني من تجاهل كلماته.
«لقد ناداني “روز”.»
لم يقل “ڤيليتا توروتو”، بل وكأن من الطبيعيّ أن أعيش حياتي باسم “روز”.
إنها فرصةٌ ثانية للحياة، هبطت عليّ كالمعجزة.
وهذه المرّة، مُنحتُ الفرصة لأعيش كذاتي الحقيقية—روز.
✧ ─── ・ 。゚✧: . ꕥ . :✧゚. ・ ─── ✧
إن أردتُ أن أعيش كـ روز، فعليّ أولًا أن أتجنّب أن أصبح «ڤيليتا توروتو».
حين عدتُ إلى غرفتي، وقفتُ أمام المرآة الموضوعة في الزاوية.
لم تكن تعكس صورتي بوضوح كما تفعل مرايا النبلاء، لكنّها، على الأقل، أظهرت لون شعري بوضوح.
“هُووف…”
لو أنّ شعري البرتقاليّ نما أسرع قليلًا فحسب.
فهذا الشعر الأشقر كان السبب الأكبر الذي جعلهم يظنّونني ابنةً غير شرعيةٍ للكونت.
.
.
.
└ [لماذا لا تحلق شعرها كله؟]
└ [بطلةٌ صلعاء؟ هذه مختلفة، هاهاها.]
.
.
.
«لن أحلقه!»
حتى لو فعلت، فلن يُغيِّر ذلك حقيقة أنّني شقراء الآن.
وفوق ذلك، لم يكن إخفاء لون الشعر وحده الحلّ.
فقد كان لدى الكونت توروتو أسبابٌ أخرى كثيرة ليظنّ أنّني ابنته غير الشرعية ويأخذني معه.
«ثم إنّ الكونت… رجلٌ لا يرضى إلّا بالحصول على ما يريد، مهما كلّف الأمر.»
إن أراد أخذي ورفضتُ، فلن يتوانى عن استخدام القوّة.
.
.
.
└ [هؤلاء المسيئون لا يتغيّرون أبدًا.]
└ [♪♩~ أيها الكونت ♩♪♪ كلّ من يسيء معاملة الأطفال ♬♪~~ يجب أن يموت.]
.
.
.
«…ها قد بدأوا بالغناء مجددًا.»
ولهذا السبب تحديدًا ظننتُ أنّهم جنّيات.
فكلّما تذكّرتُ الكونت توروتو انفجرت “جنّيات التعليقات” بالغناء.
كان يصلني لحنٌ غريب، لا يبدو غناءً مبهجًا، بل أشبه بانفجار مشاعر حادّة تفرغ ذاتها في هيئة أغنية.
.
.
.
└ [[أفكار البطلة مضحكة ♩♪♬ هاهاها]]
.
.
.
…أو ربما كنّ يُغنّين عن حماسة؟
لم أعد أستطيع حتى أن أميّز ما إذا كان ذ
لك الـ”هاها” ضحكًا أم شيئًا آخر.
فقد اعتادت “جنّيات التعليقات” أن يتشاجرن بينهنّ، وهنّ يضحكن قائلاتٍ: “كاكا” أو “هاها”.
.
.
.
└ [آه، إذن أنتِ تسمعينه كما لو كان قراءةً آلية.]
└ [مين-جون؟]
تجاهلتُ هراء “جنّيات التعليقات” عديمَ المعنى، وعدتُ لأغرق مجدّدًا في أفكاري.
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
التعليقات لهذا الفصل " 2"