نظر الخادم إلى الباب وهمس كأنه يُصلّي.
بسبب طبيعة العائلة ووظيفة السيّد، كانت الكمائن جزءًا من حياتهم اليومية.
الخدم في الطابق السفلي لم يكونوا على علم بما يحدث، لكن الخادم ذاته شهد الدماء مرات عديدة.
مع ذلك، لم يعتد على هذا المشهد أبدًا.
وقف الاثنان، مَرعوبين وصامتين، كأعمدة متجمدة.
وبعد لحظات…
“ادخلا.”
خفتت الأصوات من الداخل تدريجيًا، وسمعوا أمر السيّد بوضوح.
أخذت أديلين نفسًا عميقًا، حينها فقط أدركت أنها كانت تحبس أنفاسها دون شعور.
قبل فتح الباب، التقت عيناها بعيني الخادم.
“هل أنتِ جاهزة؟”
لم تعرف سبب غرابة شعورها، لكن كان غريبًا أن يكون الخادم، الذي كرس نصف حياته لسيجيليون، متوترًا عند طرح هذا السؤال.
شدّت أديلين على نفسها لتتأكد أنها لن تُسقط الطفل أو تقذفه عن غير قصد مهما حدث.
“أنا جاهزة…”
تنفس الخادم بعمق مثلها، ثم فتح الباب.
تحرك الباب الثقيل المؤدي إلى غرفة السيّد ببطء.
“آه!”
انتشرت رائحة الدماء في المكان فور فتحه.
ترددت أديلين خطوة إلى الوراء، مذهولة.
كانت الدماء في كل مكان.
غرفة السيّد تحوّلت إلى بحر من الدم.
“الخادم يعمل بجد.”
وفي وسط ذلك البحر الدموي، كان السيّد واقفًا، يحمل سيفًا متقطّرًا بالدم القرمزي.
بدا وكأنه كتلة لحم غارقة في الدماء على شكل إنسان.
حول السيّد، كانت هناك جثث متناثرة.
“آه!”
اسودّت عينا أديلين تمامًا، ثم تدرجت الألوان في عينيها من الأبيض إلى الأحمر، ثم الأزرق، وامتلأت بألوان متداخلة.
دماء حمراء.
جثث.
سيوف.
ظهرت أشياء كثيرة أمام عينيها، تتحرك وتختفي كنقاط متناثرة.
لم تُدرك أن ساقيها ترتجفان مثل أغصان شجر الحور.
“أ-أديلين.”
سمعت صوت الخادم يناديها، لكنها لم تستطع الرد.
تراجعت أديلين بلا وعي وجلست، يتردد صدى أنفاسها في أذنيها.
فجأة، وفي رؤيتها الضبابية، اقترب السيّد الذي كان ينظف سيفه.
‘لماذا…؟’
لم يكتفِ بالنظر إليها، بل التقط السيف الذي وضعه أرضًا، واندفع نحوها.
“!”
صُدمت لدرجة لم تسمح لها بالصراخ.
كانت جامدة في مكانها، تراقبه يقترب حتى وصل إلى أنفها، ثم لوّح بالسيف.
هفَت الريح مع صوت النصل وهو يشق الهواء، ليمس أطراف شعرها.
وفي الوقت ذاته، أمسكت يد قوية وصلبة بظهرها وجذبَتها نحوه بسرعة.
“…!”
وجدت نفسها بين ذراعي السيّد.
كان العناق دافئًا، غير متوافق مع رائحة الدماء.
وقبل أن تملأ رائحة الدم رئتيها، شعرت بشيء يُشق خلف ظهرها ويسيل منه سائل دافئ إلى جسدها.
لم تحتاج لتعرف ما هو.
إنه دم.
لم تعد قادرة على التحمل، وبدأ وعيها يتلاشى.
“كيف تجرؤ على اقتحام بيتي؟ لو استطعت، لأعدتك إلى الحياة لأقتلك ثانية!”
وصل صوت السيّد الغاضب مباشرة إلى جسدها، وزرع فيها الرعب.
بحر من الدماء، جثث تتدحرج، ونوايا قتل واضحة.
كانت هناك أسباب كثيرة تدفعها للإغماء.
لم تعد قادرة على الصمود، ففقدت وعيها.
—
كانت أديلين تخاف من الدم بشكل خاص.
ووفقًا لمعلمي دار الحضانة، كانت كذلك منذ ولادتها، وغالبًا ما يحدث هذا مع الأطفال الذين نُقلوا من ساحات المعارك.
مشاهدة الموت عن قرب تترك أثرًا نفسيًا عميقًا على أي شخص، سواء كان بالغًا أو طفلًا.
حتى لو حدث ذلك وهي رضيعة لا تتذكر شيئًا، فقد غُرس الخوف في غرائزها.
لذلك خمّن المعلمون أن أديلين، التي تصاب بالدوار بمجرد رؤية الدم، لا بد وأن تكون يتيمة حرب.
لكن حتى لو علمت السبب، لم تستطع التخلص من الخوف الغريزي.
الدم القادم من جسدي أقل اضطرابًا، لكن دم شخص آخر…
لا أستطيع تحمّله. حتى البعوض الذي أقتلُه ويعود، أهرب منه.
لكن ما رأته كان دمًا حقيقيًا، مختلفًا تمامًا عن جرح الركبة أثناء اللعب، أو دم الأنف من الإرهاق، أو الدم من قطع السمك. من الطبيعي أن تُغمى عليها.
—
“هل استيقظت، أديلين؟”
فتحت عينيها ببطء على صوت الخادم.
كانت الرؤية ضبابية، فركزت نظرها، ورأت وجه الخادم القلق، ووجه السيّد البارد…
‘السيّد؟!’
عندما ظهرت ملامح السيّد، تدفقت كل حواسها دفعة واحدة، كأنها خرجت من الماء إلى اليابسة.
“أنا…”
“أولئك الحمقى الذين تبعوني إلى هنا، أطردوهم من سيجيليون!”
قبل أن تتكلم، اخترق صوت راكالت جسدها، وجمد دمها في عروقها.
أغلقت فمها، تبتلع ريقها الجاف، بينما دوّى صوت عالٍ:
“سنعمل على هذا فورًا!”
ارتبكت وأدارت رأسها، لترى الفرسان واقفين بوجوهٍ محمرة وكأنهم تلقوا لكمة.
كانت الغرفة قد نُظفت بالفعل.
وببطء، بدأت الصورة تتضح.
الفرسان هرعوا عندما فقدت وعيها، وكان سيّدهم يوبخهم بعد تنظيف الغرفة.
إذا كان الأمر كذلك، فقد انتهى الخطر.
لكن جسد أديلين لم يذُب بعد، والمشهد الذي رأته قبل الإغماء كان صادمًا جدًا، ولم تستطع تحريك جسدها بعد الاستيقاظ.
“إن كنت مستيقظة، انهضي الآن.”
توسعت عيناها فجأة عند سماع الأمر.
حينها أدركت حالتها، مغطاة بالدماء، مستندة إلى ذراعي السيّد الملطختين بالدم.
“…”
لحظة، لم تعرف هل تصاب بالذعر من الدم أم من وجودها في أحضانه.
رفعت عينيها إليه، ما زالت بين ذراعيه، غير مصدقة الواقع.
كانت عيناه الزرقاوان تحدقان فيها، غير واقعية، كبحيرة سيانيد أسطورية قادرة على إذابة الصخور.
“…هاه!”
تجمدت في أحضانه كظبي أمام مفترس.
“واااه! وااااه!”
لولا أن الطفل أطلق صوته حينها، لظل عقلها تائهًا دون معرفة متى وكيف تتحرك.
“ا-الطفل!”
كان الطفل الذي حمله الخادم يبكي بانفعال شديد، غير راضٍ عن الوضع.
حاولت أديلين النهوض، لكن جسدها أكثر دهشة من عقلها، فانهارت ثانية في أحضانه.
“واااه!”
“ا-الطفل!”
“وااه! نِه!”
“اهدأ! لنهدأ قليلًا، حسنًا؟”
في تلك اللحظات، كادت تفقد صوابها وهي تشاهد الطفل يركل ويعض ويجذب، مستخدمًا كل الوسائل لإبعاد الخادم.
لم تر طفلًا بهذه الشراسة من قبل.
“آه! أديلين! أنقذيني!”
عندما أمسك الطفل بخصلات شعر الخادم، استعادت وعيها وركضت لإنقاذه.
كان عليها إنقاذه، واجب إنساني.
“آه، آه، تمهّل.”
“أنا آتية فورًا.”
“حسنًا، يا صغيري، أنا هنا. توقّف عن البكاء، اهدأ.”
احتضنت الطفل، تهدهده بكل جسدها بإيقاع ثابت.
كان يبكي بشدة، لكنها واصلت حتى هدأ.
في تلك اللحظة، كان هدفها الوحيد تهدئة الطفل، ونسيت السيّد وكل شيء آخر.
“شهق… شهق…”
“حقًا؟”
“…..؟”
لكن الطفل توقف عن البكاء فجأة.
هل نجحت؟
نظرت إليه بدهشة، ثم إلى الخادم.
حتى الخادم، الذي كان يمسح شعره مرتجفًا، توقف ونظر إليهما.
“…أنت عبقرية في تربية الأطفال، يا أديلين!”
صاح الخادم مدهوشًا.
“موهبة كهذه تهدر في سيجيليون الخالية من الأطفال… يا للأسف!”
إنها موهبة لن تتألق في مكان بلا أطفال، حتى جاء هذا اليوم.
التعليقات لهذا الفصل " 5"