رغم إدراكهم أنّ كلامهم لا يقوم على أيّ منطق، إلّا أنّهم واصلوا الحديث كما يحلو لهم، لأنّهم ببساطة لا يعلمون شيئًا، وهكذا انتهى الأمر إلى ما هو عليه الآن.
لقد كانت فوضى سببها أشخاصٌ لم يتزوّجوا قطّ، أو لم يُخالطوا أطفالًا في حياتهم.
في تلك الأثناء، واصل الطفل البكاء حتى بلغ أقصى طاقته، واحمرّ وجهه كمن يوشك أن يختنق من شدّة الصراخ.
قالت أديلين محاولةً التظاهر بالهدوء:
“ما رأيكم أن نغمس بعض الخبز في الحساء ونطعمه إيّاه؟”
“آه، هذا صحيح!”
تهافت الجميع نحو المطبخ على عجل بعد أن وجدوا الحلّ في كلامها، بينما ركضت أديلين معهم وهي تحتضن الطفل المرتجف بين ذراعيها.
كانت أصواتهم تتعالى:
“الحساء! الخبز! أسرعوا!”
بدَوا وكأنّهم مجموعة لصوص اقتحموا المطبخ فجأة.
تجمّد الطهاة في أماكنهم بدهشة، إذ كانوا قد شرعوا للتوّ في إعداد طعام السيّد والفرسان.
صرخت أديلين وهي تلهث:
“هيا بسرعة!”
استوعب الطهاة الموقف في لحظة، فالمولود الذي عهد إليهم السيّدُ أمرَه يكاد يختنق من شدّة البكاء!
تركوا كلّ ما بأيديهم، وبدأوا بإعداد طعامٍ مناسبٍ للرضّع دون تردّد.
كانت القلوب ترتجف، والأيدي ترتعش.
أمسكت أديلين الملعقة، وقربتها إلى فم الطفل قائلة برجاء:
“كُل يا صغيري، أرجوك، كُل…”
تابع الجميع المشهد بأنفاسٍ محبوسة، مترقّبين الملعقة وهي تدخل فمه الصغير المفتوح.
“آه…”
توقّف الطفل عن البكاء، وحرّك شفتيه بلُطف وهو يتذوّق الطعام.
ساد المطبخَ صمتٌ مطبق حتى إنّ صوت تنفّسهم بات مسموعًا.
ثمّ، حين ابتلع الطفل اللقمة الأولى، علت همهمات خافتة، وتبادل الحاضرون النظرات المفعمة بالانتصار.
لقد نجحوا!
لقد أطعموا الطفل… لعشر دقائقٍ كاملة كما أمرهم السيّد!
لكن يا لها من عشر دقائقٍ قاسية، أشبه بعشر سنوات من الجحيم.
تنفّست أديلين الصعداء وهي تضع الملعقة مجدّدًا في الطعام لتُطعمه أكثر، بينما تمدّد الآخرون على الأرض من الإرهاق.
قال أحدهم وهو يئنّ:
“تربية الأطفال… أمرٌ في غاية الصعوبة.”
ثمّ، وبينما كان الجميع يلتقط أنفاسه، سأل أحدهم فجأة:
“على فكرة، من هذا الطفل أصلًا؟”
تردّدت أديلين قليلًا:
“آه… أهو ابنُ سيّدِنا؟”
أجابت مجموعة منهم متردّدين:
“ابنُ السيّد؟”
لكن لا أحدَ كان متأكّدًا من شيء.
لم تعرف أديلين عن سيّدها إلا القليل، فقد كان نادر الظهور في القصر، دائم الانشغال في القصر الملكي أو في ساحات الحرب.
ذاك الرجل الذي تفوح منه رائحة الدم والحديد كان مرعبًا كفاية ليجعلها ترتجف لمجرّد رؤيته من بعيد.
لكنّ المظاهر لا تُعبّر دائمًا عن حقيقة النفوس.
قال أحدهم بصوتٍ خافت:
“سيّدُنا رجلٌ عظيم، جنرالٌ جسور.”
ردّ آخر متسائلًا:
“عظيم في الحروب؟”
“نعم، بل وُلِد ليعيش في ساحات القتال. بارعٌ في فنون الحرب، صلبُ الطباع، لا يعرف التردّد ولا الرحمة في الميدان.”
تدخّلت أديلين فجأة وقد خطر لها وصفٌ مناسب:
“بمعنى آخر… لا دمَ في عروقه ولا دموع؟”
ضحك بعضهم وقال آخر بسرعة:
“بالضبط! دلا، انتظري! سيّدُنا لا يتسامح مع مَن يُهمِلون أعمالهم أو يضيعون وقتهم في الثرثرة. لا أظنّه من النوع الذي يحنّ على طفلٍ بدافع الشفقة.”
حين سمعت ذلك، ازدادت قناعتها بأنّ سيّدها رجلٌ حادّ الطباع، لا يحبّ الاقتراب منه أحد.
‘إنه من الأفضل ألّا يُزعَج مطلقًا.’
فنوعية حياة الخدم تتغيّر تبعًا لشخصية سيّدهم.
فهناك أسيادٌ يمنحونك العطايا إن تملّقتهم، وآخرون يضيقون ذرعًا بك إن اقتربتَ منهم.
وسيّدها الجديد بلا شكّ من الفئة الثانية.
لكنّ السؤال ظلّ مطروحًا:
“إذًا… مَن هذا الطفل؟”
لم يكن أحد يستطيع تحديد هويّته، الأمر كلّه بدا غامضًا كسرّ لا يُفسَّر.
حتى صرخ أحدهم فجأة وقد أشرق وجهه كمن اكتشف الحقيقة:
“آه! لحظة! أعتقد أنّي فهمت!”
التفت الجميع نحوه بترقّب.
قال بحماسٍ وثقةٍ كأنّه يحلّ لغزًا كونيًّا:
“إن كان هذا الطفل صغيرًا إلى هذا الحدّ، فلا بدّ أنّه وُلِد أثناء الحرب الأخيرة، أليس كذلك؟”
“نعم، ربّما.”
“وإذا حسبنا المدة التي قضتها أمّه حاملًا به، فقد يكون قد وُلِد قبل اندلاع الحرب بقليل، أو ربما في بدايتها، صحيح؟”
“منطقيّ، أظنّ ذلك.”
هزّ الجميع رؤوسهم موافقين على التحليل المزعوم، إلى أن خفَض الرجل صوته فجأة كمن يكشف سرًّا عظيمًا:
“إذًا… هل يمكن أن يكون ابن سيّدنا؟”
تجمّدت الأعين على الفور، واتجهت جميعها نحو الطفل الذي كان في حضن أديلين.
“سيّدنا ليس غير محبوبٍ أبدًا، هو فقط لا يلتفت إلى هذه الأمور!”
وبينهم همست أديلين في نفسها:
‘يبدو أنّ الإنكار الشديد في الغالب اعترافٌ خفيّ.’
ورغم أنّها أومأت موافقةً بتودّد، فإنّ الخدم تابعوا قصصهم بحماسٍ أكبر، أحدهم قال:
“لقد كان هناك رجلٌ قال كلامًا مثل كلامك ذات يوم…”
“وماذا حدث له؟”
“السيّدُ لم يمدّ يده عليه إلا مرّةً واحدة، لكنّه أسقطه أرضًا في لحظةٍ واحدة، حطّم كلّ عظام وجهه بلكمةٍ واحدة فقط!”
شهقت أديلين بفزعٍ، وتقلّص جسدها خوفًا.
‘حسنًا، يبدو أنّني كنتُ مخطئة في دفاعي عنه، فدماؤه ليست باردة فحسب، بل مشتعلة أيضًا.’
إنّ السيّد ذاك لم يكن يُخفي شدّة بأسه، بل كانت هالته الدموية تُشعّ حتى من بعيد، وتنبعث منه في كلّ حركة.
عندها قالت أديلين محاولةً طرد القشعريرة التي سرت فيها:
“في النهاية، ما أهمية هوية الطفل؟ المهمّ الآن هو أن نُطعمه ونعتني به كما أمر السيّد!”
صرخ أحدهم بحماسٍ مجددًا:
“صحيح! نحن خَدَمُ آل سيجيليون!”
ردّد الآخرون بصوتٍ واحدٍ يملؤه الفخر:
“نحن آل سيجيليون!”
كان شعارًا لم تسمع بمثله في أيّ بيتٍ آخر.
خدم آل سيجيليون يُعرفون بولائهم القويّ، وكأنّهم جزءٌ من العائلة ذاتها، لا مجرّد خَدَم.
ورفعت أديلين قبضتها الصغيرة بحماسةٍ وهي تقول:
“نعم! أنا أيضًا من سيجيليون!”
ضحكوا وقال أحدهم مشجّعًا:
“هكذا نريدك يا أديلين! نعتمد عليكِ، الأمر كله بين يديك!”
رمشت بدهشة:
“هاه؟! انتظروا لحظة، ماذا تعنون بـ (عليّ وحدي)؟!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"