### الفصل 92
‘آه، من أين تم كشف الأمر؟’
هرعتُ للخارج فور تقاطع عينيّ مع ناميا. لكن بما أنّ الفحص قد انتهى بالفعل، فمن الواضح أنّ قسم الطّب نفّذ فحص الأدوية فور انتهاء الحدث. بمعنى آخر، كلّ شيء، من تجنيد الشّهود إلى السماح لي بالهروب، كان جزءًا من خطّة مدروسة…
“قال الجميع إنّ وزير التعليم أعطاهم مشروبات طاقة. يجب أن تستجيب للتّحقيق فورًا.”
لم يكن هناك مجال للمقاومة، إذ أمسك الفرسان بذراعيه على الفور.
بينما كان يُسحب دون أن يتمكّن من إصدار صوت “آه”، ابتسم لوكا وهو ينظر إلى ظهر وزير التعليم المُبتعد.
“ها، يا للأمر. أن أنفّذ طلب منافستي بهذا التّمهيد الدّقيق. أنا حقًا مقاتل عادل! حسنًا، هكذا يليق بالمنافس الأوّل المُعترف به من ناميا! أنا حقًا رائع!”
* * *
“ناميااااا!”
بعد انتهاء الحدث، جاء جايدن وركض نحوي مباشرة.
“ألم أفعلها جيّدًا؟ ألم أكن رائعًا؟ ألم أبدُ مذهلاً؟”
“ها ها ها ها ها ها! كان الأمر ممتعًا جدًا!”
كانت الإمبراطورة أيضًا في مزاج جيّد وهي تضحك بصوت عالٍ، لكنّها لم تستطع الاقتراب منّي. فقد جذبها الإمبراطور بسرعة من كتفها وعانقها.
“ناميا! حقًا أنتِ…”
بدأ جايدن يتحدّث وهو ينظر إليّ، لكنّه أغلق فمه فجأة. يبدو أنّه يعتقد أنّ قدرته الخاصّة قد تفتّحت بفضلي، لكنّه لم يستطع مواصلة الكلام لأنّ الأمر يجب أن يبقى سرًا. لذا أومأتُ برأسي بعلامة أعرف كلّ شيء، وقلتُ بسرعة بنبرة خالية من التّقلبات.
” فرح العائلة المالكة هو فرح موظّفي القصر. شكرًا على تقديرك.”
“…”
“ما بك؟”
“شعرتُ فجأة كأنّ الرّوح اختفت من بيننا.”
كان تعليقًا حادًا. لم تكن هناك روح بالفعل. أدار جايدن عينيه ثمّ أضاف بجديّة.
“هذا الفتور الذي نشأ بيننا لن يُحلّ إلّا إذا أصبحنا عائلة. أليس كذلك، أخي؟”
رمش جايدن بعينيه نحو كياروس الواقف بجانبي، متظاهرًا بالطّاعة والوداعة.
“أنا حقًا معجب بناميا. كطفل مهذّب مع جميع الكبار بغض النّظر عن مراتبهم، إذا أصبحت ناميا زوجة أخي، سأكون جيّدًا جدًا. لا تقلق.”
“…حسنًا.”
ردّ كياروس بنبرة متردّدة، كمن ينظر إلى طفل يكذب. في تلك اللحظة، جاء مساعده راكضًا وهمس له بهدوء.
“أجرينا فحص الأدوية للجميع، وجاءت النّتائج كما توقّعنا.”
كما هو متوقّع. لقد اتّفقتُ مع كياروس على أن يتولّى لوكا إجراء فحص الأدوية لجميع موظّفي وزارة التعليم المُستخدمين بعد انتهاء الحدث.
خوفًا من وجود جاسوس في قسم الطّب، أعطيتُ التعليمات للوكا فقط. كلّ هذا كان قد نوقش مسبقًا بيني وبين كياروس، لذا همس المساعد بهدوء ليسمعه أنا وكياروس فقط.
“وتمّ توقيف وزير التعليم الهارب على الفور.”
أومأ كياروس بهدوء.
“جيّد. الآن، تعامل مع الأمر بهدوء حتّى لا يؤثّر على الاحتفال. وللتأكّد، لا تمرّر وزير التعليم عبر الإجراءات الرّسميّة، بل سلّمه مباشرة إلى ‘الغربان’ .”
على الأرجح، كان الذين تحرّكوا مع لوكا هم الغربان أيضًا. رمشتُ بعينيّ وابتسمتُ قليلاً.
‘من هنا فصاعدًا، سوف يتولّى الأمر.’
شخص لديه القدرة والسّلطة والأشخاص المناسبون، متفوّق عليّ في كلّ شيء، أليس من الرّاحة أن أعتمد عليه؟ بما أنّه شخص ذو قدرات يشكّ في أنّني أعرف المستقبل وأتصرّف بناءً على ذلك، فسيتمكّن من التّعامل مع الأمور جيّدًا.
في تلك اللحظة.
“و… وصلت رسالة من سيّد برج السّحر في الجنوب.”
“سأتفقّدها بعد انتهاء الاحتفال.”
“تبدو عاجلة جدًا. كُتب على الظّرف ‘افتحه فورًا وبسرعة’.”
“ها… يا له من طِباع.”
تنهّد كياروس وتمتم “هذا العجوز الغريب لا يبحث عن العائلة المالكة إلّا عند الحاجة.”
كان محقًا. نظر إليّ من الأعلى وهمس.
“سأذهب وأعود قريبًا.”
“آه، حسنًا.”
لم يكن بحاجة إلى إذني لذلك، كأنّه يقدّم تقريرًا… أومأتُ برأسي بحرج، فأضاف متابعًا.
“سأعود قريبًا. على أيّ حال، خطاب الإمبراطور قادم، ولا يزال هناك وقت قبل الرّقصة الأولى.”
“آه، حسنًا.”
“فكّري في الأمر كأنّني ذهبتُ إلى الحمّام.”
“إذا كان أمرًا يحتاج حلول عاجلة، فلا بأس إن لم تعُد…”
“ما هذا الكلام؟”
ضحك بخفّة. شعرتُ بنفَسه الممزوج بالضّحك يتدفّق قرب أذني ويدغدغني.
“لا أترك شريكتي وحدها. أبدًا.”
رفع ظهره قليلاً مبتعدًا عن أذني، نظر إليّ للحظة، ثمّ أضاف بهدوء.
“لذا انتظريني قليلاً. لا تذهبي مع رجل آخر.”
من ردّ على كلامه كان جايدن والإمبراطورة.
“كياااااااا! لقد أذهلتنا، أخي!”
“هاهاهااااهاا! كراك كاك كاك! لا رجل آخر، لا يمكن! هاهاهاها!”
لم يكن لديّ وقت للرّد. نظر جايدن إلى كياروس بعيون متلألئة وقال.
“أخي، لا تقلق. ذلك المتدرب الوسيم الذي كان شريك ناميا في الأصل مريض ولم يأتِ. يبدو أنّ جهودي في صده طوال الوقت أتت ثمارها. من الغد، سأراقب بعيون حادّة لأمنعه من التّقرّب من ناميا.”
“…”
نظر كياروس إلى جايدن بتعبير غريب، ثمّ اختفى مع مساعده. في تلك الأثناء، صعد الإمبراطور إلى المنصّة وبدأ خطاب احتفال القدّيس كايرو.
نظرتُ إلى ذلك المشهد بذهول وغرقتُ في أفكاري. بعد رحيل كياروس، حصلتُ أخيرًا على لحظة لترتيب أفكاري بمفردي.
‘فيكتور، أنستازيا، كيبون…’
واحد من الثلاثة جاسوس. هذه الحقيقة ضغطت على صدري بثقل.
‘من هو؟ من يكون…’
أنستازيا، ليست شديدة الكفاءة لكن ردود أفعالها سريعة، فكانت تحرس باب قسم اللّفائف كحارسة؟ فيكتور، الذي كان في الخارج طوال الوقت وعاد لتوّه، خرّيج رئيس مجلس طلّاب الأكاديمية وصاحب العلاقات الواسعة؟ كيبون، الذي لم يحضر الاحتفال اليوم، والذي ألمحت الإمبراطورة بأنّه ‘يخدعكِ’؟
‘…من هو.’
أيًّا كان الجاسوس من بينهم، لن يُظهر ذلك الآن. لأنّ البقاء هادئًا حتّى تتّضح الأمور هو الاستراتيجيّة الأفضل.
حتّى لو ظهرت مشكلة لاحقًا، يمكنهم القول ‘كان ذلك سرًا؟ سألني أحدهم عن مكان لفائف المكتب فأخبرته فقط.’
‘لكن أيًّا كان منهم، حتّى لو لم يكن جاسوسًا صريحًا، فهو متورّط بعمق مع جماعة التّعديل على الأقل.’
عندما تضيّقت القائمة إلى ثلاثة، شعرتُ باضطراب شديد. كلّهم كانوا أقرب إليّ من بقيّة أعضاء القسم. خصوصًا كيبون…
‘كان يبدو أنّه يحبّني. هل حتّى إظهاره لذلك كان جزءًا من فخّ نصبه؟’
شعرتُ بانقباض مفاجئ. قال لي ألّا أفكّر كثيرًا عندما أتعامل معه وأن أكتفي بإعطائه الأوامر. أدركتُ للتوّ أنّ كلامه كان مصدر مواساة كبير لي حتّى الآن.
‘كوني هادئة، ناميا. كوني هادئة.’
للأسف، بدأت معدتي، التي كانت متعبة منذ الأمس، تتقلّب أكثر. يبدو أنّني بحاجة إلى استنشاق بعض الهواء البارد والعودة. عندما ابتعدتُ قليلاً، سألني جايدن بحدّة كالأشباح.
“ناميا، إلى أين؟”
“آه، سأذهب إلى الحمّام قليلاً.”
“حسنًا. عودي بسرعة. بسرعة جدًا. حالا.”
ابتسمتُ بخفّة ثمّ استدرتُ ببطء. خرجتُ إلى الشّرفة حيث لا أحد بعد، وتنفّستُ بعمق. كانت السّماء السّوداء مرصّعة بالنّجوم كالجواهر. هدوء السّماء الليليّة لم يهدّئ معدتي، لكنّه هدّأ قلبي قليلاً.
‘انتبهي. حتّى الآن، كلّ شيء كان ممتازًا.’
كلّ شيء كان ناجحًا. لكنّ مزاجي ظلّ يتراجع.
‘لم أثق بأحد من الأساس. كنتُ حذرة طوال الوقت. لا داعي للصّدمة الآن. يجب أن أمنع الحرب، وأقضي على العدوّ، وأنقذ والدي.’
بما أنّني علمتُ أنّ والدي مع جماعة التّعديل، أصبح هدفي واضحًا. لذا يجب أن أبقى متيقّظة من الآن فصاعدًا، حتّى لو بدأتُ أشكّ بأعضاء القسم بجديّة. بينما كنتُ أتنفّس بعمق وأعزّم أمري، سمعتُ صوتًا.
“…ناميا.”
كان هناك من ينادي اسمي من الخلف. التفتّ مفاجأة لأرى صاحب الصّوت.
“هنا، يمكنني مناداتكِ بـناميا بدلاً من الوزيرة، أليس كذلك؟”
اقترب رجل يحمل كأسي شامبانيا، مرتديًا ملابس أنيقة تليق بالاحتفال. كان فيكتور.
“نحن وحدنا، فهل تسمحين لي؟”
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 92"