### الفصل 72
كياروس لم يصدّق المشهد أمام عينيه.
جايدن كان خجولًا ولم يكن يقترب منه بحميميّة، لكنّه دائمًا كان مهذّبًا ومحترمًا معه.
لكن… جايدن الآن كان مختلفًا حتّى في نظراته.
“أين وزيرة قسم المخطوطات؟”
كياروس كان دائمًا يشعر بالأسف تجاه جايدن رغم أنّه لم يفعل له شيئًا خاطئًا.
كان يشعر بالحرج لأنّه هو وليّ العهد بدلًا من جايدن الظريف والذكيّ الذي وُلد دون حبّ.
“أخي، جئتَ؟ تفضّل بالجلوس.”
“لا داعي لكلّ هذا الرسميّات. تعامل معي براحة.”
“لا، يجب أن أتبع الأدب. هل العمل مرهق جدًا؟ تبدو شاحبًا. خذ الأمور بهدوء.”
“لا بأس. بالمناسبة، ما كلّ هذه الكتب المكدّسة؟ هل قرأتها كلّها؟”
“نعم. أمم، عندما أكون وحدي أشعر بالملل… وقراءة الكتب تجعل الوقت يمرّ بسرعة.”
حتّى في تلك السنّ كان كياروس نفسه لا يختلط بالعامّة، لكن جايدن ظلّ دائمًا يشغل باله.
تلك النظرات الحزينة التي تبدو ناضجة جدًا…
‘ألم تكن تلك الرسالة الوقحة التي أرسلها إلى جلالة الإمبراطورة مكتوبة تحت ضغط ليدون؟’
في تلك الأثناء خرجت ناميا مسرعة من غرفة الوزيرة.
وقفت أمام جايدن وأدّت التحيّة:
“أحيّي سموّ الأمير. أنا ناميا روابي، وزيرة قسم المخطوطات.”
“همف.”
نظر جايدن إلى ناميا بتعجرف.
كياروس شعر بالدوار من تعبير جايدن الذي لم يره من قبل.
حرّك جايدن عينيه للحظة ثمّ تكلّم بتردّد وكأنّه محرج:
“سمعت أنّ ليدون جاء إلى هنا من قبل. أمم، ليؤذيكِ.”
“آه، نعم.”
أجابت ناميا بأدب ثمّ ابتسمت بلطف وأضافت:
“لكن هنا، قائدة الفريق تعاملت معه فكنتُ بخير.”
كانت أنستازيا تحمل فنجان قهوة وترمش بعينيها بدهشة. أشارت ناميا بيديها بمبالغة وواصلت:
“استخدمت مسحوقًا ضارًا كانت تحمله دائمًا ليعمي رؤيته، وعندما قاوم لم ترحمه وأحرقته بالنار.”
أمم، بما أنّ جايدن نفسه وصف مسحوق القهوة بـ”الضارّ” فهذا ليس خطأ…
على أيّ حال تراجع جايدن متفاجئًا.
نظر إلى أنستازيا بنظرة مختلفة وأطلق سعالًا زائفًا:
“كح كح، محاربة مخفيّة إذن. يطمئنني أنّكِ لم تُصابي. جئتُ لأنّ الأمر أقلقني. و…”
ثمّ نظر إلى ناميا مجدّدًا وقال:
“لنتحدّث نحن الاثنان.”
“حسنًا. هل تدخل غرفة الوزيرة؟”
لم يتبع كياروس ناميا لذا بقي في غرفة الوزيرة.
نظر بذهول إلى جايدن وناميا وهما يدخلان.
ألقى جايدن نظرة خاطفة على كياروس الذي كان متخفّيًا بمظهر كيبون وسأل:
“من هذا؟”
“آه، سكرتيري. متدرّب جاء من الخارج.”
“حقًا؟”
نظر كياروس إلى خدّي جايدن اللطيفين وعينيه الدائريّتين وحاول تهدئة نفسه.
كان طفلًا محبّبًا كالمعتاد.
‘نعم، ربّما انزعج لأنّهم عرضوا القهوة على طفل.’
في الأصل هو طفل لطيف ومهذّب.
قلبه ضعيف ودافئ لدرجة أنّه جاء للاطمئنان فورًا عندما سمع أنّ ليدون هاجم ناميا…
في تلك اللحظة:
“ما الذي تنظر إليه؟”
تحدّى جايدن بوقاحة:
“متدرّب صغير مثلك لا يقف ليحيّيني؟ حتّى لو كنتَ أجنبيًا ألا تعرف أنّ للإمبراطوريّة قوانينها؟ حتّى وزيرتكِ ترتبك أمامي فكيف يجرؤ متدرّب تافه على التحديق بي هكذا؟ ألن تفعلها بشكل صحيح؟ سأ…”
في تلك اللحظة تحطّم عالم كياروس.
* * *
بدا كيبون مصدومًا جدًا من لسان الطفل اللاذع.
أجبرتُ كيبون على النهوض ليحيّي:
“أعتذر سموّ الأمير. سأعتذر نيابة عنه. بصفتي الوزيرة نهضتُ لكنّه بقي جالسًا يتفرّج لأنّه لا يزال غريبًا عن ثقافة الإمبراطوريّة.”
“غريب عن ثقافة الإمبراطوريّة حقًا؟ إذن هو عديم الفائدة؟ لكن لمَ كلّ هذا العمل على مكتب متدرّب؟”
نقر جايدن بلسانه بشكل مريب.
أجبتُ بسرعة حتّى لا يقع اللوم على كيبون:
“أنا… أرهقه كثيرًا. لم يتأقلم بعد مع الإمبراطوريّة وأعطيته عملًا زائدًا. بسبب نقص الموظّفين لا خيار لدي…”
“يبدو قويًا فأرهقيه أكثر. الشباب يشترون المعاناة، أليس كذلك؟ زيديه عملًا.”
كان في هذا الطفل حتّى طابع المتسلّطين.
ارتجف كيبون وهو ينظر إلى جايدن.
يبدو أنّه لا يبالي بمعظم الأمور لكنّه ينزعج من الأطفال الوقحين؟
عقد جايدن ذراعيه بغرور وجلس:
“بفضلكِ تحدّثتُ مع جلالة الإمبراطورة جيّدًا. متأخر لكن قرّرنا من الآن ألّا نُخفي مشاعرنا وأن نتعايش بسلام.”
“هذا رائع سموّ الأمير. حقًا رائع.”
ابتسمت بسعادة فنظر إليّ جايدن بتمعّن.
ثمّ سرعان ما أشاح بنظره وسعل زائفًا:
“أمم، هذا بفضلكِ.”
“شكرًا على المديح. سأنقل هذا كشرف لعائلتي عبر الأجيال.”
“جيّد. أمم، لقد أخبرتُ جلالة الإمبراطورة بصراحة أنّني وقح. يبدو أنّ رسائلي السابقة جرحتها كثيرًا.”
“آه…”
أكمل جايدن بحزن:
“لذا اعترفتُ أنّني طفل سيّئ اللسان وعديم الأخلاق.”
“يا إلهي، حقًا… وماذا قالت جلالتها عن هذا الاعتراف الموضوعيّ؟”
“فرحت جدًا.”
ماذا؟
“قالت إنّه إذا كانت سمعة طفل صغير سيّئة منذ الآن فلن يتجرّأ الأوغاد الذين يطمعون بمنصب وليّ العهد على الاقتراب منّي.”
آه…
حسنًا، نهاية سعيدة على أيّ حال.
“لذا سأكون نفسي أمام جلالة الإمبراطورة من الآن. وقرّرت هي أيضًا أن تفعل ما تريد بحريّة.”
“مفهوم…”
“لكن… لبعض الوقت أريد أن أبقى الطفل المهذّب أمام جلالة الإمبراطور وسموّ وليّ العهد… لأنّهما لا يعرفان حقيقتي.”
ابتسم جايدن بخجل وهو يحرّك أصابعه.
كان يمكن أن يكون لطيفًا لكن كيبون نظر إليه بعيون باردة. يبدو أنّه يكره الأطفال الوقحين جدًا.
ساد الصمت للحظة ثمّ تكلّم جايدن مجدّدًا:
“كحم، سمعت أنّكِ اكتشفتِ مشكلة مخزون مخطوطات العزل الصوتيّ أوّلًا وأبلغتِ عنها.”
“نعم. هذا واجبي.”
“ليس واجبًا. إنّه أمر مشكور. لذا…”
ابتسم جايدن لي وقال:
“على أيّ حال، أريد المشاركة في فعاليّة مأدبة القدّيس كايرو التي خطّطتِ لها.”
آه، أخيرًا قالها. ابتسمت بسعادة.
جيّد. كلّ شيء يسير حسب الخطّة.
بما أنّ علاقته تحسّنت كان من الطبيعيّ أن يرغب في المشاركة.
“جلالة الإمبراطورة تريد المشاركة أيضًا. قالت إنّها تودّ صنع ذكريات معي الآن.”
“نعم. هذا شرف لقسم المخطوطات.”
كبحتُ رغبتي في الهتاف. بدلًا من ذلك ابتسمت بلطف وأومأت.
أن تشارك العائلة الإمبراطوريّة في فعاليّة مع قسم المخطوطات في مأدبة القدّيس كايرو!
‘بهذه الفرصة سأرفع سمعة قسم المخطوطات!’
سأبذل قصارى جهدي في العرض حتّى لو اضطررت للعمل بلا توقّف!
الميزانيّة الآن وفيرة بما يكفي. قلبي يخفق من التفكير في فعاليّة ستذهل الجميع.
قلتُ بلطف وأنا أتعهّد داخليًا:
“سنصنعها قريبًا ونرشدكما. ليس صعبًا. سأعطيكما المخطوطة وكلّ ما عليكما هو تفعيلها معًا. ستكون ذكرى جميلة لكما.”
بالطبع سأضطرّ للعمل ليلًا لتحضير ذلك.
“كحم، كحم.”
انتهى الحديث عن الفعاليّة لكن جايدن لم ينهض وسعل زائفًا.
يبدو أنّ لديه شيئًا آخر ليقوله.
انتظرتُ دون أن أضغط على الطفل المحرج.
“أمم، أنا…”
بعد فترة تكلّم جايدن وهو يتظاهر باللامبالاة:
“سمعت أنّكِ رفضتِ أخي.”
ماذا، هذا ما كان يريد قوله؟ أومأتُ بلطف.
في نفس اللحظة سعل كيبون متفاجئًا:
“كح، كح!”
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 72"