### الفصل 69
توقّف كيبون عن التنفّس حتّى، وبقي جامدًا دون حراك وهو ينظر إليّ من الأعلى.
نفثتُ أنفاسي بقوّة وقلتُ بتعبير مخيف:
“إلى أين سيهرب ويترك الموظّفين الماكرين كالثعالب والمواطنين الأبرياء كالأرانب؟ إلى أين بالضبط؟”
لقد بذلتُ قصارى جهدي لإبقائه حيًا حتّى الآن، فإذا هرب بسبب شعوره بالضغط أو ما شابه… كان مجرّد التفكير في ذلك سيجعلني أغرق في التخيّلات المبالغة.
“سموّ وليّ العهد، كما كان حتّى الآن، يجب أن يبقى في القصر معي من الآن فصاعدًا، نعيش معًا طويلًا جدًا حتّى نهاية العمر.”
في تلك اللحظة، همهم كيبون بدهشة:
“مهلًا، ليس حتّى نهاية العمر، بل حتّى نهاية المعاناة…”
“إذا هرب سموّه…”
رفعتُ رأسي نحو كيبون، وأنا أرمش بعينيّ بقوّة، وهمستُ:
“سأطارده بنفسي إلى أطراف القارّة. سأمسكه من رقبته وأجرّه عائدًا بأيّ طريقة، وأجلسه في مكتب وليّ العهد. سأراقبه بعيون مشتعلة حتّى لا يتمكّن من الهروب مجدّدًا.”
تحوّل وجه كيبون، الذي كان دائمًا خاليًا من التعبير، إلى اللون الأبيض الشاحب.
“على أيّ حال، لا تقل مثل هذا الهراء مجدّدًا لأنّه يزعجني.”
في تلك اللحظة، غرّد طائر فوق الشجرة “تشير تشير”.
عندها فقط استعدتُ رباطة جأشي فجأة.
‘ما هذا، يا إلهي.’
دون أن أدرك، كان كيبون ملتصقًا بالشجرة تمامًا، وأنا في وضعيّة حاصرته بذراعيّ الممدودتين، واقتربنا جدًا من بعضنا.
على عكس وجهه الشاحب، كانت أذناه متورّدتين باللون الأحمر القاني.
* * *
“آه، يا للأمر.”
عاد التركيز إلى عينيّ ناميا المتقلّبتين. راقبها كياروس وهو يرى الارتباك يتسرّب إلى عينيها تدريجيًا.
“ماذا أفعل… آسفة.”
انتفضت ناميا وأعادت ذراعها، التي كانت ممدودة نحو كتفه، إلى جانبها بسرعة.
“كنتُ مخيفة جدًا، أليس كذلك؟”
في تلك اللحظة، لم يستطع كياروس كبح الضحكة التي انفجرت داخله بدهشة.
كانت امرأة أقصر منه برأس كامل. نحيفة جدًا وبدون عضلات تُذكر. ومع ذلك “مخيفة”؟ لم يكن هناك كلمة أقلّ ملاءمة من تلك.
كانت تتلعثم وتحرّك عينيها بحرج.
“أنا المخطئة. حتّى لو قال مرؤوس شيئًا مزعجًا، لا يفترض بي كرئيسة أن أفقد أعصابي وأتصرّف بتهوّر هكذا. يا إلهي، انظر كيف تجمّد جسدك… آسفة.”
لكن، على الرغم من أنّها لم تكن مخيفة على الإطلاق، كان جسده متجمّدًا بالفعل.
شعر وكأنّ قلبه توقّف بسبب رائحتها التي اقتربت فجأة وأنفاسها القريبة.
‘هل كان ذلك بسبب قولها إنّها ستجدني حتّى نهاية الجحيم إذا هربت… تلك العزيمة المرعبة؟’
شعر بصدق في عينيها المتقلّبتين.
لأوّل مرّة شعر بالرهبة، وقلبه لا يزال ينبض بقوّة لدرجة أنّ رؤيته أصبحت ضبابيّة.
تراجعت ناميا بسرعة بعد أن استعادت رباطة جأشها.
“إذا شعرتَ بالإهانة، أبلغ عنّي. بين شخصين في علاقة رئيس ومرؤوس، هذا خطأي بالتأكيد.”
لم يمسّها حتّى بطرف إصبع، لكنّ ابتعاد دفئها بدا غريبًا ومؤسفًا.
فجأة، شعر كياروس برغبة في الإمساك بذراعها وسحبها نحوه مجدّدًا.
“لا، ربّما يجب أن أبلغ عن نفسي؟ سيكون ذلك جيّدًا لأتنبّه أكثر. يبدو أنّني أعاملكِ بارتياح زائد…”
كانت تهمهم في حالة ذعر. همهم كياروس دون أن يدرك:
“لا بأس. حقًا… لا بأس.”
خاف أن تبلغ عن نفسها حقًا، فبدأ يتلعثم وقلبه يخفق بقوّة:
“أمم، بسبب، أمم، مشاعركِ تجاه سموّ وليّ العهد.”
“آه… نعم، هذا صحيح.”
أومأت ناميا برأسها بوجه مطمئن أخيرًا.
“مشاعري تجاه سموّ وليّ العهد صادقة.”
بدا أنّها هدأت قليلًا، لكن قلب كياروس لم يهدأ على الإطلاق.
تلك النظرات المظلمة وهي تسأل “إلى أين ستهرب؟”، وأنفاسها المتقطّعة التي لامست عنقه…
هل كان هو الوحيد الذي يعاني من تلك الصورة الباقية؟ تابعَت ناميا بهدوء:
“أتمنّى دائمًا أن يكون بصحّة جيّدة جسديًا وعقليًا كما هو الآن. حتّى لو لم أكن بجانبه، أفكّر دائمًا في سلامته. لهذا ربّما أثارتني كلمة ‘الهروب’ كثيرًا.”
“…”
“لماذا؟ هل هناك شيء غريب؟”
نظر إليها كياروس وأجاب بصعوبة:
“…لا، لا شيء.”
يفكّر بها حتّى لو لم تكن موجودة، ودائمًا فضوليّ تجاهها. كان يشعر بهذا تجاه ناميا أيضًا.
كان دائمًا فضوليًا حقًا. على الرغم من قضائهما اليوم معًا في العمل، كان يتساءل عن الوقت الذي لا يكونان فيه معًا.
لم تكن تثق بكيبون. لم تخبره بكلّ تفاصيل قضيّة جايدن، وهذا دليل كافٍ.
كان ولاءً رائعًا للعائلة الإمبراطوريّة، لكن ذلك جعله يشعر بالغيرة بطريقة غريبة، وتفاجأ بنفسه لهذا الشعور.
ما الذي تفكّر فيه هذه الرأس الصغيرة؟ حتّى عندما تكون بجانبه، لم يستطع فهم تلك الفجوة، وكان الفضول يقوده إلى الجنون.
‘إذا اختفت ناميا فجأة وهربت يومًا ما… سأكون أكثر عزيمة منها، ولن أكون أقلّ بأيّ حال.’
إذن، هل كانا يشعران بنفس الشيء؟ نظر كياروس إليها بهدوء وقال:
“أعتقد أنّني أفهم هذا الشعور…”
أومأت ناميا برأسها وقالت بحزم:
“نعم. اسم هذا الشعور هو الولاء. ولاء بنقاء 100% للإمبراطوريّة والعائلة الإمبراطوريّة.”
…ربّما ليس شعورًا متشابهًا. هو لم يكن يقدّم الولاء لناميا.
إذن، ما اسم شعوره؟
دون أن يدرك، اختفى شعوره السابق بـ”لو لم أكن موجودًا…” تمامًا. وبدلاً من ذلك، في ذهنه…
[إذا هرب سموّه، سأطارده بنفسي إلى أطراف القارّة.]
بقي ذلك الصوت الواضح المخيف عالقًا. تلك النظرات المتقلّبة كانت حيّة جدًا، وقلبه استمرّ في النبض بقوّة.
* * *
‘آه، يجب أن أنتبه حقًا.’
كانت هذه أوّل مرّة أفقد فيها أعصابي لهذه الدرجة.
‘يبدو أنّني من النوع الذي يتصرّف بتهوّر مع المرؤوسين. لم أكن أعرف لأنّه لم يكن لدي مرؤوسون من قبل.’
أو ربّما… لأنّ كيبون كان مريحًا جدًا بالنسبة لي؟
لأنّ كيبون في المكتب كان يطيعني بلا تفكير تقريبًا.
حتّى قبل قليل، عندما تصرّفتُ بوقاحة، شحب وجهه فقط ولم يعترض ولو مرّة واحدة.
مع تكرار هذه الأمور، تسلّل إليّ شعور بأنّ “لا بأس أن أتصرّف مع كيبون بأيّ طريقة”. كان ذلك تفكيرًا خطيرًا.
‘كلّما كان الشخص مريحًا بالنسبة لي، كلّما كنتُ غير مريحة له. يجب أن أتنبّه.’
تنهّدتُ ووبّختُ نفسي.
‘لكن من قريب، كان جسده جيّدًا حقًا… آه، لحظة. اهدئي، ناميا. لا تفعلي هذا. تخيّلي لو فعل أوسون هذا بي، سيكون مقززًا.’
على أيّ حال، دخلنا قسم المخطوطات عندما كان وقت الغداء على وشك الانتهاء.
لم يكن وقت الغداء قد انتهى تمامًا، لذا كانت أنستازيا الوحيدة في المكتب.
كانت منهمكة في قراءة كتاب بجدّ.
ربّما كانت تلك آخر استراحة قبل بدء العمل بعد الظهر.
“أوه، لقد أتيتما؟”
نهضت أنستازيا بسرعة وسلّمت.
عنوان الكتاب الذي أغلقته فورًا كان “أحبّك بقدر فارق رواتبنا”. قرّرتُ تجاهله ببساطة.
“هـ، هـ، هل تودّان قهوة؟”
“لا، شكرًا. لقد أكلنا للتوّ.”
ابتسمتُ بلطف وأجبتُ:
“من الآن فصاعدًا، لا داعي لسؤالنا عن هذه الأشياء حقًا.”
“لـ، لـ، لكن… أنا، أنا لا أجيد العمل… لذا على الأقل هذا.”
بالأمس، سألتني عن فيكتور ومتى سيعود، ويبدو أنّها تدرك جيّدًا أنّها ليست سريعة في إنجاز العمل.
عبثت أنستازيا بيديها بحزن ثمّ سألت كيبون:
“لـ، لكن كيبون، ألم تكن ستبدأ العمل في الساعة الثانية؟”
“آه… هذا صحيح.”
بما أنّه جاء معي عند اقتراب نهاية وقت الغداء، وصل كيبون إلى المكتب ساعة مبكرًا.
أجاب كيبون بتعبيره الخالي المعتاد:
“أردتُ فقط أن أأتي مبكرًا.”
عندها، جلست أنستازيا بدهشة، كادت أن تسقط من مقعدها.
صرخت وهي تلهث:
“أنتَ، أنتَ، أنتَ، أنتَ طبيعيّ؟”
“ماذا؟”
“إلى المكتب، تـ، تـ، تريد أن تأتي مبكرًا فقط؟ هـ، هل أصابك مرض؟”
فكّرتُ في الأمر، وكان لها وجهة نظر!
أن يريد المرء القدوم إلى المكتب مبكرًا فقط، كان أمرًا لا يُصدّق.
‘إذا كان مرضًا معديًا، فهذه مشكلة كبيرة.’
ابتعدتُ عن كيبون بهدوء.
أمال كيبون رأسه بلا تعبير كأجنبيّ لا يفهم جيّدًا وقال:
“ما الذي تعنينه… أنا بصحّة جيّدة.”
“مـ، مستحيل! لـ، لكن لماذا تأتي لـ، للعمل مبكرًا؟”
تراجعت أنستازيا بكرسيها وصرخت:
“لـ، ليس هناك شـ، شخص تـ، تحبّه هنا! ما لم تكن مـ، معجبًا بشخص ما، فهذا لا يُعقل!”
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 69"