### الفصل 102
هزّ كياروس كتفيه مرّة واحدة، ثمّ واصل كلامه ببطء وهو يسند ذقنه.
“ما زلتُ أتذكّر تلك الليلة التي تعرّضنا فيها للهجوم في الجنوب. جلالة الإمبراطور كان يقضي على الجميع، لكنّه أصيب في ساقه وكان يلفّها بضمادة. قالوا إنّه فقد الكثير من الدّم. كنتُ أراه هكذا لأوّل مرّة، فشعرتُ بالخوف…”
“آه…”
“قال جلالته إنّه حتّى في الأوقات السيّئة، دائمًا هناك شيء جيّد.”
رمشتُ بعينيّ. كان هذا أوّل مرّة يتحدّث فيها كياروس عن نفسه بهذا الطّول.
هل كنّا قريبين لهذه الدّرجة؟ لكنّني خشيتُ أن يجرحه سؤال كهذا.
“15 عامًا دون لقاء كانت فترة سيّئة جدًا، لكن أنّكِ لم تدخلي برج السّحر، يا آنسة ناميا، هو أمر جيّد.”
نظر إليّ مباشرة وابتسم بلطف. عندما رأيتُ ذلك الوجه الجميل يبتسم لي، شعرتُ بنفسي وكنت اكاد اتوقّف عن التّنفّس.
كان عليّ أن أعترف بهذا. لم أكن أحكم على النّاس بمظهرهم فقط، لكن مظهر كياروس كان مذهلاً حقًا…
“الآن أفكّر في الأمر، منذ ذلك الوقت وأنا وأنتِ، يا آنسة ناميا، متورّطان مع جماعة التّعديل. تاريخنا معهم طويل.”
ضحك كياروس بهدوء، ثمّ عدّل جلسته بأناقة. وقال بصوت منخفض.
“في الحقيقة، أنا لستُ في وضع أثق فيه بأحد تمامًا الآن. لكن إذا أردتِ، يا آنسة ناميا، أن تُظهري قدراتك، فالسّماح بذلك جزء من واجب المدير.”
نظرتُ إليه وأنا أرمش بعينيّ.
“كما فعلتِ حتّى الآن.”
كان يثق بقدراتي رغم شكوكه الخفيفة تجاهي. كنا اثنان يمكن أن يتعايشا معًا. شعرتُ فجأة بدفء يملأ صدري. في الاحتفال، قال لي “أظهري نوركِ للآخرين، يا آنسة ناميا.” كان هذا مختلفًا عن فيكتور الذي قال “لا أريد حتّى أنتِ أن تعرفي نوركِ.”
“لكن هناك شرط.”
“نعم.”
نظرتُ إلى كياروس وأومأتُ. كنتُ مستعدّة لقبول أيّ شرط.
“حتّى في القصر، هناك دائمًا مخاطر. أريدكِ أن تأخذي حارسًا معكِ.”
كان يقصد “حارسًا”، لكنّه يعني “مراقبًا” أيضًا. لكن كلامه التّالي فاجأني.
“ما رأيكِ أن تأخذي سكرتيركِ معكِ؟”
“…ماذا؟”
“قدراته ربّما تكون أفضل من الغربان، أو على الأقل لا تقلّ عنهم.”
“لكن…”
سألتُ وأنا مرتبكة.
“كيبون… ألم أقل لك إنّه ضمن قائمة الجواسيس التي أعطيتكَ إيّاها؟”
“أم… نعم، لكنّه ليس كذلك.”
قال كياروس وهو يبدو مرتبكًا قليلاً.
“أقصد… ليس هو. هناك بعض الظّروف…”
لا شكّ أنّ هناك علاقة بين كيبون وكياروس. ربّما كان ابنًا غير شرعيّ مخفيّ لعائلة إيموت المالكة، وله صلة دم بكياروس… أو ربّما كان أحد الغربان في مهمّة سرّيّة.
“إذن، هل يمكنني أن أثق بكيبون؟”
كان هذا خبرًا جيّدًا. ألا أضطرّ للشّكّ في كيبون!
“إذن، هل يمكنني تقليص القائمة إلى أنستازيا أو فيكتور كجاسوس محتمل؟”
نظر إليّ كياروس بهدوء وأومأ مرّة واحدة. تنفّستُ الصّعداء دون أن أشعر.
كنتُ سعيدة جدًا لأنّني لستُ مضطرّة للشّكّ في كيبون.
“ها… أشعر براحة الآن. كنتُ قلقة جدًا من أن يكون كيبون جاسوسًا كلّ هذا الوقت…”
قلتُ ذلك بعينين تلمعان من السّعادة.
“هل يمكنني أن أثق بكيبون تمامًا وأصدّق أنّه لا يخفي عنّي شيئًا؟”
“أمم، نعم؟”
“كلّ ما يظهره أمامي حقيقيّ، أيمكنني أن أفكّر هكذا؟”
“أمم… حسنًا…”
بدأ كياروس يبدو مرتبكًا جدًا وهو يحرّك عينيه.
“نعم، لكن… لا تثقي به كثيرًا…”
“حسنًا.”
قلتُ وأنا أتنفّس بقوّة.
“لكن إذا كان يخدعني، لن أتركه بسلام أبدًا.”
“ماذا؟”
بسبب كيبون، كانت مشاعري تتقلّب بسرعة كبيرة في وقت قصير. بصراحة، لم أنسَ كيف حملني على ظهره وركض عندما تقيّأتُ الدّم. كان يعاني من الحمّى، ومع ذلك لم يتردّد في مساعدتي رغم انهيار منزله. كنتُ سعيدة أنّني لستُ مضطرّة للشّكّ في صدقه، لكن إذا خدعني بعد كلّ هذا…
“إذا كان كيبون ألتيس قد خدعني، وجعلني أبدو كالحمقاء، وكذب عليّ، وكان شخصًا سيّئًا يستحقّ العقاب…”
تمتمتُ، فنظر إليّ كياروس بوجه متوتر وتنفّس بعمق.
“إذن… هل… ربّما…”
ثمّ سأل متردّدًا.
“لن تري ذلك الشّخص السيّئ الذي يستحقّ العقاب مرّة أخرى؟”
أجبتُ على الفور.
“ماذا؟ بالطّبع لا.”
“صحيح؟ لكنّكما قضيتما وقتًا معًا…”
“أنا لستُ رحيمة مع من يخونني.”
ألّا أراه مجدّدًا؟ هذا غير منطقيّ. واصلتُ وأنا أحرّك عينيّ بغضب.
“لن أسامحه أبدًا. ولن أتركه يعيش براحة.”
“…ماذا؟”
“سألتصق به إلى الأبد لأنتقم منه.”
“حسنًا…”
“سأطارده حتّى الجحيم وأجعله يدفع ثمن أفعاله إلى الأبد. سأجعله يصرخ باسمي في ألمه حتّى يموت…”
تراجع كياروس قليلاً وهو يرتجف. في تلك اللحظة، سمعنا طرقًا على الباب. ثمّ فُتح الباب بقوّة، ودخلت الإمبراطورة وجايدن مسرعين.
“ولي العهد، تهانينا! سمعتُ أنّكَ نجحتَ أخيرًا في حبس ناميا!”
“أخي! مبارك! أخيرًا ستعيشان معًا، يا آنسة ناميا!”
أظهر كياروس تعبيرًا يقول إنّ المشاكل لا تنتهي.
“لا هذا ولا ذاك. فقط نستقبل ناميا كضيفة في القصر…”
“آه! كيا! كيك! كاك! آه آه!”
“ضيفة القصر تصبح ضيفة الحياة، وضيفة الحياة تصبح رفيقة الحياة، أخي!”
بينما كان الأمير والإمبراطورة يثيران الفوضى، اقترب منّي مساعد دخل معهما بهدوء.
“سأريكِ الغرفة التي ستبقين فيها.”
“حسنًا…”
أومأتُ للمساعد وغادرتُ مكتب وليّ العهد المملوء بالصّراخ والفرح. هكذا بدأت حياتي في القصر.
* * *
أخذتُ إجازة مرضيّة لمدّة عشرة أيّام. لم يكن هناك عمل عاجل، لكنّني أعطيت تعليمات لفيكتور وأنستازيا، قادة الفريق.
“العمل من المنزل مريح.”
حتّى الإمبراطورة أرسلت لي الكثير من الملابس. يبدو أنّها صرخت في متجر الملابس الذي صنع ثوبي في الاحتفال “من هنا إلى هناك!”
“من الواضح أنّها لم تنظر إلى الملابس وطلبت كلّ شيء. كلّ الأنماط موجودة دون أيّ تناسق.”
قلتُ إنّني كموظّفة كبيرة لا يمكنني قبول هذا، لكنّهم قالوا “ليست لكِ، بل نضعها دائمًا في غرفة الضّيوف.”
في تلك الأثناء، أحضر خادم رسالة من كياروس.
“بدأ الغربان التّحقيق في أنستازيا وفيكتور، وسأشارككِ النّتائج عندما تظهر. سأرسل كيبون ألتيس إليكِ قريبًا، فاعلمي ذلك.”
كما قال، جاء كيبون إلى غرفتي بعد الظّهر. تحدّث بوجه خالٍ من التّعبير كالمعتاد.
“عندما تخرجين، اسحبي الحبل. إنّه متّصل بغرفتي، وسآتي فورًا.”
“حسنًا.”
“هل أنتِ بخير الآن؟”
“أنا بخير… وأنت؟”
“بخير. تعافيتُ تمامًا.”
نظرتُ إلى وجه كيبون. بدا متعبًا قليلاً، لكن ليس مريضًا كالأمس. شعرتُ بشعور مختلف وأنا أراه في غرفة القصر. نظرتُ إليه وقّلتُ.
“كيبون.”
“نعم.”
كان عليّ أن أوضّح شيئًا قبل أن نعمل معًا في القصر بدلاً من مكتب قسم اللّفائف.
“ما علاقتكَ بوليّ العهد؟”
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 102"