بزغ فجر اليوم الثالث، وكانت الغابة مغلفة بضباب كثيف يضفي غموضاً على كل شيء. استيقظت هانا لتجد نفسها ما زالت تسند رأسها على كتف بارام، الذي لم ينم طوال الليل ليحرس النار ويراقبها. شعرت بحرج شديد لكنها لم تبتعد فوراً، بل استمتعت بتلك اللحظة من السكينة قبل أن يعودا إلى صخب المدرسة وتحدياتها.
”هل نمتِ جيداً يا فتاة البوم؟” سأل بارام بصوته المبحوح من أثر السهر، والابتسامة الساخرة تلوح على شفتيه.
هانا وهي تبتعد بسرعة وتمسح وجهها: “توقف عن تلقيبي بذلك! لنتحرك قبل أن تظن المدرسة أننا أُكلنا من قبل الدببة.”
بدآ بالمشي محاولين تتبع الممرات التي غسلتها أمطار الليل. وبينما كانا يسيران، عاود المطر الهطول فجأة، لكن هذه المرة كان مطراً غزيراً ودافئاً، مطر الصيف الذي يغسل كل شيء.
توقفت هانا في منتصف الطريق، مبللة بالكامل، ونظرت إلى ظهر بارام الذي كان يمشي أمامها. شعرت أن هذه هي اللحظة؛ فإما الآن أو لن تجرؤ أبداً.
“بارام!” صرخت بصوت عالٍ ليغطي على صوت المطر.
توقف بارام والتفت إليها، والماء يسيل على وجهه، وشعره ملتصق بجبينه. “ماذا الآن؟ هل ضعتِ مجدداً وأنتِ تقفين مكانكِ؟”
ركضت هانا نحوه وتوقفت أمامه مباشرة، كانت أنفاسها متلاحقة. “لماذا أنت صعب جداً؟ لماذا تجعلني أركض خلفك في كل شيء؟ في الدرجات، في الممرات، وحتى في المشاعر!”
تجمد بارام، ونظر إليها بعمق، ولم يعد هناك أي مجال للسخرية. “ماذا تقصدين يا هانا؟”
”أنا أهتم بك!” صرخت بحزم، ووجهها تكسوه الجدية رغم قطرات المطر التي امتزجت بملامحها الثائرة. “أكره أنك تتظاهر بالبرود، وأكره أنك تعيد لي مشابك شعري وتساعد العجائز في السر ثم تعاملني كمنافسة تافهة. أنا.. أنا أحبك يا كيم بارام! حتى لو كنت ‘آلة بشرية’، أنا أحب هذه الآلة!”
ساد صمت طويل، ولم يكن يُسمع سوى صوت ارتطام المطر بالأوراق الخضراء. نظر بارام إلى الأرض، ثم رفع رأسه ببطء، وكانت الوحمة السوداء تحت عينه الرمادية تلمع كأنها جزء من لوحة حزينة.
خطا خطوة نحوها، ثم خطوة أخرى، حتى أصبح يقف في دائرتها الخاصة. رفع يده المرتجفة ولمس وجنتها المبللة. “كنتُ دائماً أظن أنني إذا اعترفت لكِ، سأفقد المحرك الذي يجعلني أتفوق.. كنت أظن أن حبكِ سيجعلني ضعيف ”
همست هانا: “وهل أنت ضعيف الآن؟”
”أنا أضعف مما تتخيلين،” قالها وهو ينحني قليلاً ليقترب من أذنها. “أنا أحبكِ منذ تلك اللحظة التي صرختِ فيها في وجهي في أول يوم بالثانوية لأنني أخذت مقعدكِ المفضل. منذ ذلك الحين، وأنا لا أرى مقعداً، ولا أرى درجات.. أنا أراكِ أنتِ فقط.”
في تلك اللحظة، وسط المطر والغابة والضياع، تلاقت قلوبهما في عهد غير منطوق. أمسك بارام يدها بقوة، وضغط عليها وكأنه يخشى أن تتلاشى كسراب.
”إذن.. هل نحن نتواعد الآن؟” سألت هانا بخجل وهي تحاول إخفاء وجهها.
بارام بابتسامة حقيقية ودافئة: “بشرط واحد.. أن تظلي تنافسيني على المركز الأول، لأنني لا أريد حبيبة تشفق عليّ في الدرجات.”
“هانا! بارام! أين أنتما؟” كان صوت يونغ سوك والمعلمين يقترب.
سحب بارام يده بسرعة لكنه أبقى نظره معلقاً بعينيها. “لنتظاهر بأننا كنا نتناقش حول مسألة فيزيائية صعبة، لا أريد أن يعرف يونغ سوك الآن ويملأ المدرسة بالضجيج.”
”اوافق الرأي،” قالت هانا وهي تعدل شعرها المبلل.
وعندما عثر عليهما فريق الإنقاذ، وجدوهما يجلسان تحت شجرة ضخمة، يتبادلان نظرات بدت للآخرين كالعادة “نظرات تحدٍ”، لكنهما وحدهما كانا يعلمان أن تلك النظرات كانت بداية لأجمل وأتعس فصل في حياتهما.
عادوا إلى المخيم، وبينما كان الجميع يحتفل بعودتهما، كان بارام وهانا يتبادلان الابتسامات الخفية من بعيد. لقد ضاعا في الغابة، لكنهما وجدا الطريق إلى قلوبهما.
التعليقات لهذا الفصل " 7"