مع اقتراب نهاية الفصل الدراسي الأخير في الثانوية، نظمت المدرسة رحلة تخييم إلى الجبال كتنفس على الطلاب قبل ضغط الامتحانات النهائية. كانت هانا في قمة حماسها، بينما كان بارام كعادته يتذمر بهدوء من “إضاعة الوقت في ملاحقة الحشرات”، لكنه في الحقيقة لم يكن ليفوت رحلة تكون فيها هانا موجودة.
في مساء اليوم الثاني، نُظمت مسابقة “البحث عن الكنز” في الغابة المجاورة للمخيم. وبسبب حظهما العاثر (أو ربما تدبير يونغ سوك)، انتهى الأمر بهانا وبارام في فريق واحد.
”اسمع يا كيم بارام، أنا سأمسك الخريطة وأنت تمسك الكشاف،” قالت هانا بنبرة قيادية وهي تتحرك بسرعة بين الأشجار.
رد بارام وهو يتبعها ببرود: “الخريطة مقلوبة يا ذكية. إذا استمررتِ هكذا سننتهي في المقاطعة المجاورة.”
سحبت هانا الخريطة بإحراج وقلبتها، ثم تابعت المشي بعناد. ولكن، مع حلول الظلام الدامس وتداخل ممرات الغابة، بدأت الأصوات المألوفة للمخيم تتلاشى.
”هانا.. توقفي،” قال بارام فجأة وهو يمسك ذراعها.
“ماذا؟ هل وجدت الكنز؟” سألت بلهفة.
نظر بارام حوله بهدوء قاتل: “لا، لقد وجدنا التيه. نحن ضائعون تماماً.”
حاولت هانا التظاهر بالشجاعة: “مستحيل! أنا أعرف هذه الشجرة، لقد مررنا بها قبل عشر دقائق!”
بارام بسخرية: “نعم، ومررنا بها قبل عشرين دقيقة أيضاً. نحن ندور حول أنفسنا.”
بدأ المطر الخفيف بالتساقط، مما زاد الأمر سوءاً. تعثرت هانا بجذر شجرة وكادت أن تسقط لولا أن بارام التقطها بسرعة، لكنه فقد توازنه هو الآخر لينتهي بهما الأمر متدحرجين على منحدر صغير لينتهيا في حفرة طبيعية مغطاة بأوراق الشجر.
كانت هانا فوق بارام تماماً، وأنفاسهما تتسارع. الصمت الذي ساد لم يقطعه إلا صوت قطرات المطر.
“هل.. هل أنت بخير؟” همست هانا، وهي تشعر بحرارة وجهها رغم برودة الجو.
بارام وهو يحاول التنفس بصعوبة: “سأكون بخير لو ابتعدتِ قليلاً.. أنتِ ثقيلة بسبب كل تلك الكتب التي تحملينها في حقيبتك.”
“ماذا؟! أنا لست ثقيلة!” صرخت هانا وهي تحاول النهوض بغضب، لكن قدمها انزلقت مجدداً لتسقط في حضنه مرة أخرى.
ضحك بارام ضحكة خفيفة مكتومة، وهي المرة الأولى التي تسمعه يضحك فيها هكذا. “يبدو أن الغابة تريدنا أن نبقى هنا.”
اضطرا للجوء إلى كهف صغير قريب للاحتماء من المطر. أشعل بارام ناراً صغيرة بمهارة أذهلت هانا.
“من أين تعلمت هذا؟ ظننتك لا تعرف سوى حل معادلات الكيمياء،” قالت هانا وهي تحاول تجفيف سترتها.
بارام وهو يحدق في النار: “الحياة علمتني أشياء كثيرة .. أشياء لا توجد في الكتب.”
جلست هانا بجانبه، وشعرت برغبة في كسر هذا الجدار. “بارام، لماذا دائماً تظهر بمظهر الشخص الذي لا يحتاج لأحد؟”
نظر إليها، وكانت إضاءة النار تنعكس في عينيه الرماديتين، مما يظهرهما أكثر دفئاً. “لأنني لا اريد الاتكاء على أحد.. لأن من يتكئ على أحد دائماً ما يُتركون في النهاية.”
”أنا لن أتركك،” قالت هانا دون تفكير، ثم تداركت نفسها بارتباك: “أقصد.. كـ.. كمنافسة! من سأهزم إذا رحلت؟”
ابتسم بارام ولم يعلق، بل خلع سترته ووضعها فوق كتفيها. “نامي قليلاً يا هانا. سنبحث عن الطريق في الصباح.”
مرت الليلة وهما جالسان جنباً إلى جنب. هانا غطت في نوم عميق ورأسها يميل على كتف بارام، بينما ظل هو مستيقظاً يراقب وجهها في ضوء النار الخافت، وفي قلبه كان يعلم أن “الضياع” في هذه الغابة معها، كان أجمل طريق وجده في حياته.
لم تخلُ الليلة من المواقف الكوميدية؛ فقد فزعت هانا من صوت بومة وظنتها شبحاً وارتمت في حضن بارام، الذي سخر منها طوال الساعة التالية، ليخبرها لاحقاً أن البومة “أكثر ذكاءً منها لأنها لا تضيع في الغابة”.
ومع بزوغ أول خيط للفجر، كان المطر قد توقف، لكن المشاعر التي اشتعلت في ذلك الكهف كانت قد بدأت تأخذ مجرى جديداً تماماً.
التعليقات لهذا الفصل " 6"