بعد حادثة العيادة، أصبح الهواء في مدرسة “شين هوا” مشحوناً بنوع جديد من الطاقة. لم تعد نظرات الطلاب إلى هانا وبارام تقتصر على كونهما “المتنافسين الأذكياء”، بل أصبح هناك همس مستمر يلاحقهما في كل زاوية. “هل رأيتِ كيف ساعدها؟”، “هل سمعتِ ما قاله لسوها؟”. كانت هانا تشعر بتلك الهمسات تخترق جسدها، لكنها لسبب ما، لم تنزعج من ذلك كما في السابق.
كانت هانا جالسة في المكتبة، تحاول مراجعة دروس الكيمياء المعقدة، لكن عينيها كانت تهربان نحو النافذة حيث كانت السماء بدأت تتلبد بالغيوم مجدداً. فجأة، شعرت بظل يغطي كتابها. لم ترفع رأسها، فقد عرفت صاحب الظل من رائحة عطره الهادئة التي أصبحت تميزها وسط الحشود.
”المعادلة الثالثة خاطئة،” قال بارام بصوته الرخيم وهو يضع كتابه بجانبها ويجلس بهدوء.
نظرت هانا إلى الكتاب ثم إليه بغيظ مصطنع: “وكيف عرفت؟ لم تنظر إليها سوى لثانية!”
بارام وهو يفتح كتابه الخاص: “لأنني حللتها بالأمس. ولأن عقلكِ ليس في الكيمياء اليوم، بل في مكان آخر تماماً.”
احمرت وجنتا هانا، وأنزلت رأسها قائلة: “وما شأنك أين يكون عقلي؟ ثم إنك قلت إنك ستنتظر حتى الجامعة لتقول ما بقلبك، لماذا تلاحقني الآن في المكتبة؟”
صمت بارام للحظة، ثم نظر إليها بعينيه الرماديتين اللتين بدتا في ضوء المكتبة الخافت أكثر ليونة. “أنا لا ألاحقكِ يا هانا. أنا فقط أتأكد أن منافستي الوحيدة لن تفقد تركيزها بسبب كلمات قلتها في لحظة ضعف.”
قربت هانا كرسيها قليلاً من كرسيه، وهمست بصوت لا يسمعه غيره: “هل كانت لحظة ضعف حقاً؟ أم أنها كانت اللحظة الوحيدة التي كنت فيها صادقاً مع نفسك ومعي؟”
تجمدت أصابع بارام فوق صفحات كتابه. التفت نحوها، وكانت الوحمة السوداء تحت عينه قريبة جداً منها. “ربما الاثنين معاً. الصدق ضعف في هذا العالم يا هانا، وأنا لست معتاداً على أن أكون ضعيفاً أمام أحد.”
في تلك اللحظة، دخلت “بارك سوها” ومعها مجموعة من صديقاتها. عندما رأت الثنائي يجلسان متقاربين في ركن منعزل، اشتعلت عيناها غضباً. اقتربت منهما وصاحت بصوت لفت انتباه الجميع: “أوه، انظروا! الثنائي المتنافس يذاكرة معاً! أم أن هناك شيئاً آخر يحدث في الخفاء؟”
وقفت هانا بسرعة و غضب، وشعرت برغبة في الرد، لكن يد بارام التي وضعت فوق يدها تحت الطاولة منعتها. كانت يده دافئة وقوية، وكأنها ترسل لها رسالة صامتة بأن “اهدئي”.
قال بارام دون أن يرفع عينيه عن كتابه: “سوها، المكتبة مكان للدراسة، وليس لعرض الدراما الخاصة بكِ. إذا كنتِ تفتقرين للتركيز، فهذا لا يعني أن الجميع مثلكِ.”
قهقهت سوها بسخرية لاذعة: “بارام، لا تتظاهر بالرقي. الكل يعلم أنك ترفض الجميع من أجل هذه الفتاة التي لا ترى سوى نفسها. هل تعتقد حقاً أنها ستبادلك الشعور؟ إنها ابنة عائلة ‘لي’، وأنت من عائلة كيم المنافسة.. هل تعتقد أن هذا …”
”هذا ماذا؟” قاطعها بارام وهو يقف، فجأة بدا طويلاً ومهيباً بشكل أرعب سوها قليلاً، وساد صمت مطبق في أرجاء المكتبة. تابع بارام بنبرة حادة كالشفرة: “أنا كيم بارام، الشخص الذي لا يحتاج لتبرير اختياراته لأحد، ولا يربط مشاعره بصراعات العائلات. والآن، غادري قبل أن أرفع تقريراً للإدارة عن إزعاجكِ المستمر.”
غادرت سوها وهي تجر ذيول الخيبة، بينما بقي الصمت سيد الموقف. سحبت هانا يدها ببطء، وشعرت بفراغ غريب مكانه، لكن كلمات سوها عن “العائلات المنافسة” تركت أثراً في نفسها.
”شكراً،” همست هانا وهي تجمع كتبها.
بارام: “لا تشكريني. لقد قالت أشياء سخيفة و اعتقد انكي كنت ستتعاركي معها اذا تركتك.”.
. تصرخ ها نا بي انزعج: هاي ماذا تظنني
تتنهد ها نا وهي تنظر إليه بعمق وقلق مفاجئ: “بارام، ما قالته عن عائلاتنا.. هل يزعجك؟ هل تظن أن التنافس بين والدينا قد يكون عائقاً بيننا؟”
توقف بارام عن جمع أغراضه، ونظر إليها بابتسامة سخرية خفيفة لم تفهمها، وقال بنبرة هادئة: “قولكِ ‘عائقاً بيننا’.. هل يعني هذا أنكِ تفكرين في ‘نحن’ كشيء يتطلب تخطي العوائق؟”
اتسعت عينا هانا واستوعبت فجأة أنها كشفت عن شيء لم تكن مستعدة للاعتراف به حتى لنفسها؛ لقد جعلت منهما “ثنائياً” في جملتها دون وعي. شعرت بحرارة تجتاح وجهها، وبدأت تترنح في كلماتها: “هـ.. هذا.. أنا فقط قصدت..”
قاطع كلامها ضحكة خفيفة من بارام، ضحكة صادقة وقصيرة جعلتها تشعر بإحراج أكبر لكنها أذابت الجليد قليلاً. ثم سرعان ما تحولت تلك الابتسامة إلى أخرى حزينة، ابتسامة لم تفهم هانا معناها إلا بعد سنوات.
”العوائق لا تأتي من العائلات يا هانا،” قال وهو ينظر بعيداً، “بل تأتي من القدر عندما يقرر أن يختبرنا في أكثر الأشياء التي نحبها.”
لم تفهم هانا مقصده ، لكنها شعرت بقشعريرة تسري في جسدها. اقترب منها بارام ومسح خصلة شعر بني كانت قد سقطت على وجهها، وقال بهمس: “فلنتخرج أولاً. الجامعة تنتظرنا، وهناك.. لن يكون هناك قناع تنافس، بل نحن فقط.”
منذ ذلك اليوم، أصبح بينهما “عهد صامت”. ومع اقتراب امتحانات التخرج، كانت أحلامهما تتشابك. كانا يخططان للدخول إلى نفس الجامعة المرموقة. لكن، وبينما كانا يضحكان في ممرات المدرسة ، كانت هناك غيوم سوداء أخرى تتجمع فوق حياة عائلة كيم، غيوم لم يكن بارام نفسه يعلم بمدى دمارها بعد.
”سأراكِ في الجامعة، بشعركِ الطويل يوم ما ،” قال بارام وهو يودعها عند بوابة المدرسة الثانوية.
”وسأراك بوجهك الوسيم وقلبك الدافئ،” ردت هانا وهي تلوح له، وقلبها يرقص فرحاً، دون أن يعلما أن ذلك سيكون بدايت كل شيء
التعليقات لهذا الفصل " 5"