دخلت هانا إلى الفصل في الصباح التالي وهي تشعر بأن كل العيون مسلطة عليها. رغم انه لا احد كان ينظر إليها من توترها، هيا قد استعادت مشبك شعرها من بارام قبل أيام، إلا أن نظراته الهادئة كانت تذكرها في كل ثانية بذاك المساء خلف مبنى المدرسة. تهز رأسها و تقول “كيف يجرؤ على مراقبة خططي المستقبلية؟” تمتمت وهي تجلس في مقعدها، محاولةً التركيز في كتاب التاريخ، لكنها كانت تختلس النظر نحو مقعد بارام كل دقيقة، تتساءل إن كان يونغ سوك يعلم أو قد أخبره بأنها سمعت اعترافه.
أما بارام، فقد بدا وكأنه في عالم آخر. كان يسند رأسه على يده، والوحمة السوداء تحت عينه بدت بارزة مع شحوب وجهه الطفيف. لم يلتفت إليها، لكنه وضع يده فوق قلبه للحظة وكأنه يحاول تهدئة نبضاته التي تتسارع كلما كانت في محيطه.
خلال فترة الاستراحة، وبينما كانت هانا تسير في الممر المزدحم، تعمد “يونغ سوك” الوقوف في طريقها وهو يغمز لبارام الذي كان يقف خلفه.
صاح يونغ سوك بصوتٍ مسموع: “يا صاح، بارام! بالأمس قلت إنك لست مهتماً بأجمل فتاة في المدرسة.. هل لأنك وجدت ‘الجمال العادي’ أكثر جاذبية؟”
توقفت هانا فجأة، وشعرت بدمائها تتجمد. نظرت إلى بارام الذي كان يحدق فيها ببرود، لكن عينيه كانتا تشعان بتحدٍ خفي.
قال بارام بهدوء: “الجمال ليس في المظاهر يا يونغ سوك، بل في تلك الروح التي لا تتوقف عن الركض خلف المباني المهجورة.”
اشتعل وجه هانا حمرة، وصرخت دون وعي: “أنا لم أكن أركض! أقصد.. من قد يركض خلف مبنى مهجور؟”
ابتسم يونغ سوك بخبث: “أوه إذاً كانت أنتِ، لي هانا.. لم يقل أحد إنكِ أنتِ من كنتِ هناك، لماذا تدافعين عن نفسكِ بحرارة؟”
تعلثمت هانا وهي تحاول التراجع: “أنا.. لا.. أنا فقط أستغرب من سخافة أحاديثكم!” ثم استدارت لتركض بعيداً، لكنها اصطدمت ببارك سوها التي كانت تقف خلفها تماماً، تراقب الموقف بغيرة واضحة.
سوها بنبرة متعالية: “بارام-آه، هل حقاً ترفضني من أجل فتاة لا تهتم إلا بكتبها وتنافسك في كل شيء؟”
نظرت هانا إلى سوها ثم إلى بارام بانتظار رده. شعرت بوخزة غيرة لم تفهم سببها.
نظر بارام إلى سوها ببرود، ثم قال جملة قطعت أنفاس الجميع: “التنافس هو الطريقة الوحيدة التي تجعلني قريباً منها. لذا، نعم.. أفضل كتبها على أي شيء آخر.”
ساد صمت مطبق في الممر. اتسعت عينا سوها بصدمة، أما هانا فقد شعرت أن قلبها سيسقط من صدرها. لم يكن هذا مجرد تلميح، بل كان اعترافاً علنياً مغلفاً بالغموض.
ركضت هانا نحو الحمام وأغلقت الباب خلفها، ونظرت إلى المرآة. وجهها كان محمراً تماماً، وعيناها العسليتان كانتا تلمعان بارتباك غير مسبوق. “لقد كشف الامر فعلاً! وهو الآن يطاردني بكلماته!”
مرت الحصص التالية في جو من التوتر المشحون. في حصة الرياضة، كان على الطلاب التدرب على الجري. كانت هانا تحاول الركض بأقصى سرعتها لتفرغ طاقتها المكبوتة، لكنها تعثرت فجأة وسقطت على ركبتيها بقوة.
قبل أن تتمكن من النهوض، وجدت يداً ممتدة نحوها. تلك الرائحة الهادئة كانت كافية لتعرف صاحبها.
”أنتِ دائماً ما تقعين عندما تحاولين الهرب من الحقيقة يا هانا،” قال بارام وهو يساعدها على الوقوف.
هانا بغضب طفولي وعيون دامعة من الألم: “أنا لا أهرب! الأرض هي التي كانت زلقة!”
نظر بارام إلى ركبتها المجروحة، وبدون استئذان، أخرج منديلاً نظيفاً وضغطه على الجرح ببطء.
“آه! هذا يؤلم!” صرخت هانا وهي تحاول سحب يدها.
بارام بحدة ناعمة: “اثبتي. الجرح يحتاج للرعاية.”
في تلك اللحظة، وبينما كان منحنياً فوق جرحها، رفعت هانا رأسها لتلتقي عيناها بعينيه الرماديتين عن قرب شديد. كانت المسافة بين وجهيهما لا تتعدى سنتيمترات، وشعرت بأنفاسه الدافئة تلامس وجهها.
”بارام..” همست هانا، “لماذا تفعل هذا؟ لماذا تعاملني بلطف ولم تعد مثل السابق؟”
تجمد بارام، وشعر بأن قناعه البارد يتهاوى تماماً أمام عينيها العسليتين. لم يستطع الرد بكلمات قاسية، بل نظر إلى عينيها بعمق وقال بصوت مبحوح: “لأن البرود كان وسيلتي الوحيدة لأبقى متزناً أمامك.. أنا لا أخشى أن يسوء فهمي من قبل الجميع، لكني أخشى أن تفهمي أنتِ ما بداخل قلبي، فتكتشفي أن الطالب المتفوق والبارد ليس إلا شخصاً ينهار بكلمة واحدة منكِ.”.. تنزل ها نا رأسها و وجهه الذي اصبح بي اللون الاحمر تمام و الصمت يعم المكان
ساعدها با رام على المشي نحو العيادة المدرسية، وبينما كان يغادر الغرفة، توقف عند الباب وقال دون أن يلتفت: “هانا.. الجامعة ليست بعيدة. ربما حينها سأتوقف عن إخفاء مشاعري خلف ‘قناع التنافس’ وأبدأ بقول ما يرفض قلبي كتمانه أكثر.”
خرج وترك هانا في العيادة، تحاول استيعاب ما قاله. لم يعد الأمر مجرد سوء فهم أو ملاحقة لإكسسوار، بل أصبح صراعاً مكشوفاً بين قلبين يخافان من قوة ما يشعران به.
وضعت هانا يدها على قلبها الذي كان يخفق بعنف، وشعرت لأول مرة أن هذا الحب قد بدأ بالفعل،
التعليقات لهذا الفصل " 4"