لم تذق هانا طعم النوم في تلك الليلة. كانت كلمات يونغ سوك تتردد في أذنيها كصدى لا يهدأ: “أعلم أنك تحبها”. كيف يمكن لهذا البارد، المتغطرس، “الآلة البشرية” كما تلقبه، أن يحمل مشاعر تجاهها؟ والأدهى من ذلك، كيف استطاع إخفاء الأمر بكل تلك البراعة؟
في الصباح التالي، وقفت هانا أمام المرآة تحاول ترتيب شعرها البني القصير. فجأة، تجمدت يدها في الهواء. “أين هو؟” بحثت بجنون فوق تسريحتها، تحت السرير، وفي حقيبتها المدرسية. لقد اختفى مشبك شعرها المفضل، قطعة “الكريستال” الصغيرة التي أهدتها إياها والدتها في عيد ميلادها الأخير. شعرت بغصة في حلقها، ليس فقط لقيمته المادية، بل لأنها أدركت تماماً أين سقط: خلف مبنى المدرسة، حيث كان بارام يقف.
دخلت هانا المدرسة وهي تحاول التظاهر باللامبالاة، لكن عينيها العسليتين كانت تترصد كل زاوية بحثاً عن “العدو”. وعندما رأته عند خزانات الكتب، كاد قلبها أن يتوقف. كان بارام يقف بوقفته الرزينة المعتادة، يتحدث مع مجموعة من الطلاب، لكنه كان يمسك بيده شيئاً يلمع بين أصابعه الطويلة.
”أوه، كيم بارام، هل وجدت كنزاً؟” سأل أحد الطلاب بفضول.
رد بارام بهدوء وهو يغلق قبضته على الشيء بسرعة: “مجرد غرض مفقود، أبحث عن صاحبه.”
اقتربت هانا بخطوات مرتجفة، محاولة استجماع شتات كبريائها. وقفت خلفه وقالت بصوت حاولت أن تجعله حاداً كالعادة: “كيم بارام! هل بدأت الآن بممارسة هواية جمع المفقودات؟”
التفت بارام ببطء. التقت عيناه الرماديتان بعينيها، ولثانية واحدة، رأت هانا شيئاً غريباً؛ لم يكن بروداً، بل كان ارتباكاً طفيفاً سرعان ما اختفى خلف قناعه المعتاد. نظر إلى شعرها، ولاحظ فوراً غياب المشبك الذي اعتادت وضعه على الجانب الأيمن.
قال بهدوء مستفز: “صاحب هذا الغرض كان يتلصص على أحاديث الآخرين بالأمس. يبدو أنه شخص يفتقر للذوق.”
اشتعل وجه هانا حمرة. “من.. من تقصد بالمتلصص؟ أنا فقط كنت.. كنت أبحث عن قطة ضائعة!”
رفع بارام حاجبه الأيمن، وظهرت الوحمة السوداء تحت عينه بوضوح مع ابتسامة ساخرة خفيفة جداً لا تكاد تُرى. “قطة؟ في الطابق الثاني خلف المبنى المهجور؟ مثير للاهتمام.”
مد يده وفتح قبضته ببطء. كان مشبك الكريستال يستريح فوق كفه. “هل هذا لكِ يا لي هانا؟”
تمنت هانا في تلك اللحظة أن تنشق الأرض وابتلعها. كانت الأدلة دامغة. مدّت يدها لتأخذه، لكن بارام لم يتركه بسهولة. بقيت أصابعهما متقاربة، تفصل بينهما مليمترات قليلة، وشعرت هانا بحرارة غريبة تسري من يده إلى يدها.
”لماذا كنتِ هناك يا هانا؟” سأل بصوت منخفض، نبرة تختلف تماماً عن نبرته المتحدية في الفصل. كانت نبرة مليئة بالتساؤل، وربما.. الأمل؟
ارتبكت هانا وبدأت تتلعثم: “أنا.. أنا لم أسمع شيئاً! لم أسمع يونغ سوك وهو يقول إنك معجب بـ.. بـ..” توقفت فجأة، مدركة أنها للتو اعترفت بكل شيء.
ساد صمت ثقيل في الرواق. كان الطلاب يمرون من حولهما، لكن العالم بالنسبة لهما قد توقف تماماً. نظر بارام إليها بعمق، وفجأة، اقترب منها خطوة واحدة، مما جعل هانا تتراجع لتلتصق بخزانتها.
”إذن سمعتِ كل شيء،” قالها بارام بهدوء، ثم انحنى قليلاً ليصبح بمستوى وجهها. “وهل سمعتِ ردي أيضاً؟”
قالت هانا وهي تشيح بنظرها بعيداً: “قلت إنك لست مهتماً ببارك سوها.. وهذا منطقي، فأنت لا تهتم بأحد سوى نفسك وكتبك.”
شعر بارام بضيق في صدره. هل هي حقاً تعتقد ذلك؟ هل هو بارع جداً في التمثيل لدرجة أنها لا ترى كيف يرتجف قلبه كلما مرت بجانبه؟
أعاد المشبك إلى يدها بقوة طفيفة وقال: “خذيه، ولا تضيعيه مجدداً. المرة القادمة، قد يقع في يد شخص لا يعيده إليكِ.”
التفت ليغادر، لكن هانا صرخت خلفه: “انتظر! لماذا تتدخل دائماً في شؤون الآخرين؟ بالأمس رأيتك مع ذلك الطالب الضعيف، واليوم تعيد لي المشبك.. هل تحاول تحسين صورتك أمامي؟”
توقف بارام دون أن يلتفت. “لا أحاول تحسين شيء يا هانا. أنا فقط أفعل ما أراه صحيحاً.” ثم تابع مشيه ببرود عاد ليغلف جسده بالكامل.
عادت هانا إلى فصلها، وجلست في مقعدها وهي تمسك المشبك بقوة. كانت تشعر بصراع داخلي عنيف. “إنه كاذب.. إنه مغرور.. ولكنه أعاده لي.” نظرت إلى مقعد بارام في المقدمة. كان يجلس بظهر مستقيم، يقرأ في كتابه كأن شيئاً لم يكن.
لكنها لاحظت شيئاً لم يلاحظه أحد غيرها؛ يده التي وضعها فوق الكتاب كانت ترتجف قليلاً، وكان يقلب الصفحات دون أن يقرأ فعلياً.
في تلك اللحظة، ولأول مرة منذ ثلاث سنوات من التنافس المرير، شعرت هانا أن هناك جداراً بدأ يتصدع. لم يعد بارام بالنسبة لها مجرد “آلة”، بل أصبح لغزاً تريد حله بكل جوارحها.
”حسناً يا كيم بارام،” همست لنفسها وهي تضع المشبك في شعرها مجدداً، “سنرى من منا سيكشف أوراق الآخر أولاً.”
بينما كانت تفكر، رن جرس الحصة، ودخل المعلم ليبدأ الدرس، لكن عقل هانا كان في مكان آخر تماماً. كانت تفكر في تلك الوحمة السوداء، وفي لمعة الحزن التي لمحتها في عينيه الرماديتين، وفي السؤال الذي لم تجرؤ على طرحه: إذا كان يحبها حقاً، فلماذا يبدو حزيناً إلى هذا الحد؟
لم تكن تعلم أن القدر كان ينسج خيوطه بعناية، وأن هذا “الحب” الذي بدأ للتو، سيكون هو نفسه الذي سيحطم قلبها إلى أشلاء في المستقبل القريب.
التعليقات لهذا الفصل " 2"