لم تكن هانا قادرة على الوقوف مكتوفة الأيدي وهي ترى بارام يذبل أمام عينيها. كانت تدرك أن مفتاح إنقاذ عائلته، وبالتالي استقراره النفسي، يقبع خلف مكتب والدها الضخم في الشركة. في تلك الليلة، لم تنتظر عودته للمنزل، بل ذهبت إليه مباشرة في وقت متأخر.
دخلت هانا المكتب لتجد والدها يراجع تقارير البورصة ببرود تام. “أبي، أحتاج للتحدث معك، وليس كابنتك، بل كشخص يرجوك باسم الإنسانية.”
رفع والدها نظره بهدوء، وشبك أصابعه فوق المكتب. “إذا كان الأمر يتعلق بـ ‘كيم بارام’، فقد سبق وأخبرتكِ بموقفي يا هانا.”
”لكن الأمر أصبح مسألة حياة أو موت!” صرخت هانا وهي تضع يديها على مكتبه. “والد بارام مهدد بالسجن، ومنزلهم مرهون، وبارام.. بارام ينهار! إنه لا ينام، وصحته في تدهور. كل ما تحتاجه شركة كيم هو ضمان بنكي بسيط منك، أنت تملك القوة لفعل ذلك دون أن تخسر فلساً واحداً.”
نظر إليها والدها نظرة مطولة، ثم تنهد بضيق. “هانا، أنتِ عاطفية جداً. الضمان البنكي يعني أنني أربط اسم شركتي بشركة غارقة. في عالم الأعمال، هذا انتحار مهني. أنا لست عدواً لوالده، لكنني لست منقذه أيضاً. التنافس يعني أن البقاء للأقوى، ووالده خسر المعركة.”
”هذا ليس تنافساً، هذا جدار من الجليد!” ردت هانا والدموع تملأ عينيها. “هل النجاح يستحق أن نكون بلا قلوب؟ الرجل الذي أحبه يضيع مني، وأنت الوحيد الذي يمكنه مد يد العون.”
وقف والدها وسار نحو النافذة المطلة على أضواء المدينة. “إذا ساعدته الآن، سأكسر كبرياءه للأبد. سيعيش عمره كله مديناً لي، وسينظر إليكِ دائماً كابنة الرجل الذي ‘أشفق’ عليه. هل هذا هو الحب الذي تريدينه له؟ أن يراكِ كرمز لفشله؟”
تسمرت هانا في مكانها. كانت كلمات والدها قاسية، لكنها لامست مخاوفها الدفينة. “لكنه سيموت من التعب والهم يا أبي!”
”إذن اجعليه قوياً، لا تجعليه مديناً،” قال والده بصرامة منهياً النقاش. “أنا لن أتدخل، وهذا هو قراري النهائي.”
خرجت هانا من المكتب وهي تشعر أن العالم يضيق بها. لم يرفض والدها المساعدة فحسب، بل وضع بذور الشك في عقلها حول كيفية رؤية بارام لها. عادت إلى شقة بارام في وقت متأخر، لتجده واقفاً أمام الباب يحمل حقيبة صغيرة، وعيناه غائبتان تماماً، لكن ملامحه لانت قليلاً حين رآها.
تغيرت ملامح بارام فوراً حين أدرك أين كانت، وظهرت ابتسامة مريرة، لكنها كانت مليئة بالأسى لا بالهجوم. “ذهبتِ إليه من أجلي، أليس كذلك؟ هانا.. لماذا ترهقين نفسكِ بمحاولة إصلاح شتاتي؟”
”بارام، أنا فقط أردت المساعدة! لا يمكنني رؤيتك تنهار!” قالت والدموع تنهمر على وجنتيها.
نظر بارام إلى يديها المرتجفتين، وشعر بغصة تمزق قلبه. لم يكن غاضباً منها، بل كان غاضباً من عجزه الذي جعلها تضطر للتوسل لوالدها بسببه. قال بصوت هادئ ومنخفض، يحمل نبرة اعتذار صامتة: “وجودي في حياتكِ أصبح حِملاً ثقيلاً يا هانا، وهذا أكثر ما يؤلمني. أشعر بالذنب لأنني جعلتُ عالمكِ المشرق يغرق في كآبة مشاكلي.”
صمت للحظة ثم تابع وهو يحاول إخفاء ارتعاش صوته: “لقد اتخذت قراري. سأترك الجامعة مؤقتاً. والدي يحتاجني، والديون لن تُدفع بالأحلام. سأعمل في الميناء صباحاً وفي مطعم ليلاً. هذا ليس كبرياءً فارغاً، بل هو الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله لأظل جديراً بالوقوف أمامكِ يوماً ما، دون أن أشعر أنني أسحبكِ معي إلى الهاوية.”
مر بجانبها برقة، ووضع يده على رأسها للحظة قصيرة جداً كأنه يودعها بصمت. “لا تتوسلي لأحد من أجلي مجدداً. رؤيتكِ هكذا تكسر ما تبقى مني.”
غادر المكان، تاركاً هانا وحيدة تحت أضواء الممر الباردة. لم تكن تعلم أن هذا القرار، النابع من حبه الشديد وخوفه من أن يكون عبئاً، هو بداية الطريق نحو الانهيار الجسدي الذي سيغير كل شيء.
التعليقات لهذا الفصل " 13"