استمرت الأيام، وأصبح الحرم الجامعي يبدو لهانا مكاناً غريباً وموحشاً بدون ضحكات بارام الصادقة. كان بارام يحضر المحاضرات بجسده فقط، بينما كان عقله غارقاً في حسابات الديون والرهون العقارية التي بدأت تلتهم ممتلكات عائلته.
في إحدى الأمسيات، حاولت هانا مفاجأته بوجبة العشاء أمام باب شقته. عندما فتح الباب، لم تجد الشاب الواثق الذي عرفته؛ كان يرتدي قميصاً مجعداً، وعيناه غائرتان، ورائحة الأوراق القديمة تملأ المكان.
”هانا؟ ماذا تفعلين هنا؟” سأل بنبرة خالية من الروح، وهو يحاول إغلاق الباب خلفه قليلاً ليخفي صناديق الملفات المبعثرة في الصالة.
”بارام، لم نأكل معاً منذ أسبوع،” قالت هانا وهي تحاول الابتسام برقة. “لقد أحضرت طعامك المفضل، لنتوقف عن التفكير في الدراسة والعمل لساعة واحدة فقط.”
تنهد بارام بضيق، وهو يمرر يده في شعره المشعث. “أنا لست جائعاً يا هانا. لدي الكثير من العمل.”
”بارام، توقف عن دفعي بعيداً!” صرخت هانا وهي تضع الطعام على الأرض وتواجهه. “أعلم أن الشركات المنافسة تضغط على والدك، وأعلم أن الوضع سيء. لماذا تصر على خوض هذه المعركة وحدك؟”
اشتعلت عينا بارام بغضب مفاجئ، وهو الغضب النابع من شعوره بالمهانة. “وماذا تريدين مني أن أفعل؟ هل تريدين مني أن أطلب المساعدة من والدكِ؟” ضحك بسخرية مريرة. “والدكِ الذي يراقب سقوطنا ببرود وينتظر اللحظة المناسبة ليأخذ حصتنا في السوق؟”
”والدي ليس شريراً يا بارام!” دافعت هانا بصوت مرتعش. “هو فقط يؤمن بالتنافس الشريف، هو لا يتدخل في شؤون الآخرين..”
”وهذا هو قمة البرود!” قاطعها بارام بحزم. “عدم التدخل عندما يرى زميلاً له يغرق هو بحد ذاته موقف. هانا.. أنا لا ألوم والدكِ، هو رجل أعمال ناجح. لكني ألوم نفسي لأنني وضعتكِ في هذا الموقف. كبريائي لا يسمح لي بأن أكون ‘صدقة’ في نظر عائلتكِ.”
حاولت هانا الإمساك بيده، لكنه سحبها برقة قاسية. “أرجوكِ غادري الآن. أنا بحاجة للتركيز و لا اريد ان اقول شيء أكثر من هذا و اندم عليه لاحقًا.”
عادت هانا إلى منزلها والدموع لا تتوقف. في تلك الليلة، حاولت التحدث مع والدها أثناء العشاء.
“أبي.. شركة السيد كيم، والد بارام.. هل هناك أي طريقة لمساعدتهم؟” سألت هانا بتردد.
نظر إليها والدها بهدوء، واضعاً سكين الطعام جانباً. “هانا، في هذا العالم، كل رجل مسؤول عن سفينته. السيد كيم اتخذ مخاطرات غير مدروسة، وليس من واجبي المهني أن أصلح أخطاء المنافسين. المساعدة في العمل ليست عاطفة، بل هي قرار استثماري، وشركتهم حالياً ليست استثماراً ناجحاً.”
”لكن بارام..” همست هانا.
”بارام شاب ذكي،” قال والدها بصرامة، “وإذا كان حقاً كما تقولين، فعليه أن يجد مخرجاً بنفسه. الكبرياء يا ابنتي هو أغلى ما يملكه الرجل، ولا أظنه سيقبل مساعدة تأتي من باب الشفقة.”
في تلك اللحظة، أدركت هانا أن الجدار الذي يبنيه بارام حول نفسه ليس بسبب كرهه لها او لي والدها، بل بسبب كبريائه الذي يراه ينهار أمام عينيها. لم تكن تعلم أن هذا الكبرياء الجريح هو مجرد عذر و بداية، وأن هناك أوجاعاً أكبر من المال بدأت تنهش في جسد بارام وعقله.
التعليقات لهذا الفصل " 11"