بدأ الفصل الدراسي الثاني في الجامعة، لكن شيئاً ما في الجو كان قد تغير. لم تعد ابتسامة بارام تصل إلى عينيه، وأصبح هاتفه الذي كان يهمله دائماً أثناء جلوسه مع هانا، مصدر قلق دائم لا يفارقه.
في أحد الصباحات، بينما كانت هانا تنتظره في كافيتريا الجامعة كعادتهما، وصل بارام متأخراً بنصف ساعة، وكان شاحب الوجه وعيناه يحيط بهما السواد من أثر السهر، لكنه لم يكن سهر الدراسة هذه المرة.
”بارام، ماذا يحدث؟” سألت هانا وهي تضع يدها فوق يده المرتجفة قليلاً. “لقد غبت عن محاضرة ‘التمويل الدولي’ بالأمس، وهذا ليس من عادتك.”
حاول بارام رسم ابتسامة باهتة: “لا شيء يا هانا، مجرد وعكة صحية بسيطة لوالدي، كان عليّ مساعدته في بعض الأمور الإدارية في الشركة.”
لم تقتنع هانا، فبارام الذي تعرفه لا يغيب عن المحاضرات إلا إذا كان الأمر جسيماً. “هل الأمر يتعلق بالشركة؟ سمعت والدي يتحدث في الهاتف بالأمس عن تقلبات في سوق الاستيراد والتصدير..”
تصلب جسد بارام فور سماع ذكر والدها. سحب يده ببطء وقال بنبرة غريبة: “والدكِ دائماً ما يعرف كل شيء، أليس كذلك؟” ثم تدارك نفسه بسرعة وأضاف: “لا تقلقي، الأزمات تأتي وتذهب، وعائلة كيم صمدت أمام الكثير.”
لكن الواقع كان يغلي تحت السطح. في المساء، وبينما كانت هانا تتصفح الأخبار الاقتصادية، رأت عنواناً جعل قلبها ينقبض: “مجموعة كيم التجارية تواجه خطر تجميد الأصول بعد تعثر صفقات كبرى”. كانت هذه هي الشركة التي بناها والد بارام بجهده طوال عقود، والآن يبدو أنها تترنح.
حاولت هانا الاتصال ببارام مراراً، لكن هاتفه كان مغلقاً. في اليوم التالي، لم يأتِ إلى الجامعة. ركضت هانا نحو المكتبة، ثم نحو شقته، لتجده أخيراً يجلس وحيداً على مقعد في ركن معزول من الحديقة الخلفية للحرم الجامعي، يحدق في الفراغ.
”بارام!” صرخت وهي تجري نحوه. “رأيت الأخبار.. لماذا لم تخبرني؟ نحن الثنائي الذي لا يهزم، أليس كذلك؟”
نظر إليها بارام، ولم تكن الوحمة تحت عينه هي ما لفت نظرها، بل كانت نظرة “الانكسار” التي لم ترها فيه حتى عندما ضاعا في الغابة. “هانا.. هناك أشياء لا يمكن للذكاء أو الدرجات العلمية حلها. والدي استثمر كل شيء في صفقة واحدة، ويبدو أن هناك من كان يتربص بنا ليسقطنا.”
”من؟” سألت هانا بخوف.
صمت بارام طويلاً، ثم نظر إلى السوار الفضي في معصمها. “لا يهم الآن. المهم أن العاصفة قد بدأت، وأنا أخشى ألا أستطيع حمايتكِ من حطامها.”
أمسكت هانا بوجهه وقالت بحزم: “أنا لا أحتاج لحماية، أنا أحتاج إليك بجانبي. سنواجه هذا معاً.”
احتضنها بارام بقوة، وكأنه يتمسك بآخر خيط من النور في حياته، لكن هانا شعرت برجفة جسده، وأدركت أن هذه الأزمة ليست مجرد أزمة مالية عابرة، بل هي نذير لعاصفة ستقتلع جذور استقرارهما.
في تلك الليلة، عاد بارام إلى منزله ليجد والده منهاراً خلف مكتبه، والرسائل القضائية تملأ المكان. بدأت ملامح “الآلة البشرية” تتفكك، وحل محلها شاب يحمل ثقل العالم فوق كتفيه، شاب بدأ يدرك أن كبرياءه هو أول ما سيُجرح في هذه المعركة.
التعليقات لهذا الفصل " 10"