بالأمس فقط، وصلت الوثائق التي اختارها ريكي بعناية من بايل مون. ولم تختلف الأوضاع الداخلية لقبيلة كانكورا كثيرًا عمّا كانت عليه في حياتها السابقة.
“ليُصغِ اللورد هيزيت!”
صرخ القائد، الذي بدا واضحًا أنه زعيمهم، وهو يضرب خاصرة حصانه ويتقدم إلى الأمام. ارتجّ صدى صوته الهادر في الأرجاء كأنما يهز السماء والأرض.
“اخرج فورًا إلى بوابة القلعة، واركع معتذرًا، وسلّم الكنز الذي سرقته! وإن لم تفعل، فسوف نعتبر ذلك رفضًا صريحًا لعقد أي صلح، وسنحطم هذه البوابة ونهجم بلا رحمة!”
وفي تلك اللحظة، جاءه صوت غير متوقع، أسرع مما ظنّ، ومن مستوى أقل من مستوى عينيه.
“هل تقصدون الكنز… جرة المتعة؟”
توقف القائد فجأة، وقد أربكته تلك الإجابة المباغتة.
“مَن هناك؟ من أين يصدر هذا الصوت؟!”
“من هنا، أسفل بوابتكم!”
وأشار أحد الجنود التابعين له نحو بوابة القلعة.
هناك، وقفت فتاة صغيرة ذات شعر بلون فريد، وحدها بكل هدوء، وأسفل قدميها، جلست جنية ناصعة البياض بكل اعتزاز، وقد شبكت ساقيها فوق رأس الطفلة بكل كبرياء.
بدأ الجنود يتبادلون النظرات والهمسات المضطربة.
“ذلك اللون الوردي…! أليست تلك الآنسة أريل بنفسها؟”
“يبدو كذلك، سيدي سامارخان، صحيح أنها أصغر مما كنا نتوقع، لكن…”
“نظراتها، وقفتها، ليست عادية أبدًا. من الواضح أنها حقًا الخبيرة المتخفية التي تحدث عنها البارون نيمار.”
قبيلة كانكورا لم تكن تحكم على الناس بحجمهم أو أعمارهم، فقد نشأوا يؤمنون إيمانًا راسخًا بالمثل: “الفلفل الصغير أكثر حرارة.”
وفي تلك اللحظة، أخذت الطفلة نفسًا عميقًا، ثم علت بصوتٍ قوي ومرتفع حتى ضجّت السماء، ينافس صدى صراخ القائد نفسه.
“جرة المتعة ليست بحوزتنا في الوقت الحالي!!”
ارتفع صوتها مستخدمًا طاقة الهالة، حتى تضاعف صداه مرات عدة، واهتزت صفوف قبيلة كانكورا دهشةً.
طفلة صغيرة… وتتحكم بالهالة؟!
حقًا، لم يكن غريبًا إذن أن يُقال إنها تروض الجنيات المتوحشة وتصطاد وحوشًا بحجم البيوت! ومع ذلك، كان محتوى كلماتها أهم من قوة صوتها.
زمجر القائد غاضبًا:
“لا تكذبي! لقد علمنا يقينًا أنكم نهبتم سفينة الذهب واستوليتم على الكنز الخاص بقبيلتنا!”
“نعم، صحيح أننا أخرجناه من السفينة! لكننا عرضناه في مزاد رودافيل لإيجاد صاحبه الحقيقي، واشتراه البلاط الإمبراطوري لعائلة بيرتل!!”
في تلك اللحظة، تبدلت وجوه كل من جلين، لوسو، وبقية الفرسان المتأهبين على أسوار القلعة، إلى لون شاحب.
‘هل من الحكمة ذكر البلاط الإمبراطوري صراحةً هكذا؟’
‘لكن ألم تتحطم الجرة بالأمس؟’
‘أيمكنها الكذب بهذا الشكل المفضوح؟!’
لكن أريليتيا لم تتوقف عند هذا الحد، بل تابعت بثقة لا تهتز:
“ونحن، لم نرتكب أي ذنب سوى تصديقهم، لأنهم قدموا أنفسهم كأشخاص تابعين للإمبراطورية!!”
صاح القائد:
“أتطالبيننا بتصديق هذا الآن؟ لقد حصلنا مسبقًا على موافقة الإمبراطور بيرتل نفسه، وأخبرنا أن نستعيد كنزنا! أهذا ما تقولين؟!”
وكان من الواضح أن المعلومات التي أوردها القائد قد وردت أيضًا في رسالة سرية وصلتهم في الصباح، من ريكي نفسه:
[بالحكم على الوضع، يبدو أن الإمبراطور فعلاً منح قبيلة كانكورا الإذن بعبور الحدود لاسترجاع كنزهم. ولم يمنعهم سوى من القتل تحديدًا، بينما لم يضع أي قيود على السلب أو الخطف. المشكلة أن الاتفاقية لم يتم توثيقها كتابة، ولا حتى بالوثائق السرية المتاحة تحت سلطة رودافيل. ربما هو مجرد اتفاق شفهي… والل*نة، لو كان بوسعي إثبات أن كل هذا مؤامرة خططت لها الإمبراطورة نفسها!]
بعبارة أخرى، الشكوك واضحة، لكن الأدلة مفقودة.
‘هاه، ريكي، كلامك مثير للشفقة.’
إذا لم يكن هناك دليل… فليكن، إذن نُوجده.
هذه هي القاعدة الأولى لأي شريرة محترفة في حياة سابقة.
ما هو موجود يُكتشف، وما هو مفقود يُصنع.
بهدوء، أخرجت أريلتيا ورقة مطوية بعناية من جيبها.
“هذه وثيقة تتضمن اسم ومعلومات الشخص الذي اشترى الجرة! لقد استعنا بنقابة المعلومات في رودافيل للعثور عليه، ودفع لنا مكافأة قدرها ثلاثون ألف قطعة ذهبية. يمكنكم التأكد بأنفسكم!”
اندفع أحد الجنود من صفوف كانكورا، وخطف الوثيقة من يدها بسرعة شرسة.
كانت ورقة مثالية، عليها صورة جرة المتعة، مع أسماء البائع والمشتري، والمبلغ المدفوع موثقاً رسميًا. (بطبيعة الحال، وثيقة مزورة بإتقان.)
“ح- حقًا…! مكتوب هنا أن الحقوق انتقلت لشخص يُدعى هايدن إيفيليك.”
“إيفيليك؟ هذه عائلة من بيت الإمبراطورة بيرتل نفسه!!”
ابتسمت أريلتيا بلطف، كمن يوضح شيئًا بديهيًا حتى لا يساء فهمه.
في تلك اللحظة، ارتعشت حاجبا القائد.
“إذًا، تدّعين أن الإمبراطور قد كذب علينا؟ هل تتحملين مسؤولية هذه الكلمات، آنسة؟”
ردّت أريلتيا ببساطة:
“يمكنكم التأكد من ذلك بأن تفتشوا قصر الإمبراطورة أو بيت عائلتها.”
زمجر القائد:
“هذا لاحقًا! لكننا لا نستطيع الوثوق ببراءتكم حتى الآن!”
ابتسمت أريلتيا وأجابت، وهي تشير بمرح نحو القلعة:
“في هذه الحالة، يمكنكم تفتيش قصرنا أيضًا!”
أومأت برأسها للبواب، الذي سارع بالإمساك بالدولاب المعدني، وأخذ يخفض رافعة البوابة. شيئًا فشيئًا، بدأ الباب الثقيل يفتح، حتى انكشفت خلفه لوحة طبيعية خلابة.
شهقت قبيلة كانكورا بصوت خافت، مأخوذين بالمشهد أمامهم.
لم يروا في حياتهم أرضًا في الشمال أكثر سكونًا، تغطيها بياضات الشتاء النقية هكذا.
هواء شتوي نقي، وصافٍ، يختلف تمامًا عن المراعي القاحلة وصحارى الجنوب التي جاؤوا منها.
أشجار التنوب المغطاة بالثلج، ومصابيح الطريق الدافئة المصنوعة من الحجارة المصقولة، المرصوصة على جانبي الشوارع كأنها مشهد من قرية خيالية.
لكن أكثر ما جذب الأنظار هو ذلك التنين الأبيض الجاثم بين جبال الثلج خلف القلعة، كلوحة فنية حية.
ساد التوتر بين صفوف كانكورا.
‘أهذا… حقيقي؟ تنين فعلاً؟ كنت أظنه مجرد شائعة سخيفة!’
في تلك اللحظة، انحنت أريلتيا قليلًا بابتسامة ساحرة وعرضت عرضها بلباقة:
“ما رأيكم أن نتوقف لحظة عن العداء، ونتبادل الحديث في هذا المكان الجميل؟”
ثم أكملت بلطف، وكأنها تعرض ضيافة لا تُرد:
“قد يبدو كلامي كأنني أتباهى، ولكن إن دخلتم، يمكنني تقديم شيء يفوق جرة المتعة ذاتها.”
صاح أحد الجنرالات غاضبًا:
“وقحة صغيرة! كيف تجرؤين على مقارنة كنز قبيلة كانكورا بأحد مقتنيات العامة التافهة؟!”
لكن عيون الجنود كانت بالفعل قد تزعزعت.
‘شيء يفوق جرة المتعة…؟ هل يمكن أن يكون ذلك حقيقيًا؟’
بعضهم ابتلع ريقه غريزيًا. فجميع قادة كانكورا لطالما حلموا بالحصول على جرة المتعة ولو مرة واحدة في حياتهم.
يُقال إن داخل تلك الجرة… توجد جنة حقيقية.
تابعت أريلتيا بابتسامة دافئة:
“صحيح أنني لا أستطيع إحضار الجرة لكم الآن، لكن يمكنني ضمان أن ما أقدمه لن يقل روعة عنها.”
ثم انحنت بانحناءة مهذبة، رافعة ذراعيها القصيرتين بحركة أنيقة.
“لذا، تفضلوا بالدخول، أيها السادة المحترمون.”
“م- ماذا سنفعل، زعيمنا؟”
تحدث أحد الحراس بصوت منخفض خلف القائد، بينما كانت أنظاره مركزة على الشخص الذي ظل يراقب كل شيء في صمت.
كان رجلاً يرتدي قبعة قشّية كبيرة تغطي نصف وجهه، نحيلًا مقارنة ببقية القادة، زيه يبدو أنيقًا، وضفيرة شعره الطويلة مزينة بعقدة فريدة تشبه ذيل الحصان.
‘هو بالتأكيد صاحب القرار النهائي في قبيلة كانكورا.’
حدقت أريلتيا إليه، متأكدة من ذلك.
ومرت لحظات من التوتر الخانق.
ثم، أخيرًا، فتح شفتيه بهدوء:
“يبدو أن علينا الاستماع إلى حديثهم أولاً. قادة الكتيبة، اتبعوني. سنقاملهم أمام بوابة القلعة.”
أُعطي القرار من الزعيم الحقيقي.
***
كانت الخيمة المنصوبة أمام بوابة القلعة ترفرف تحت هبوب الرياح. لقد أُعد هذا المكان على عجل ليكون طاولة تفاوض مؤقتة.
ولأجل الاستعداد لأسوأ السيناريوهات، تم الاتفاق على أن يحضر الاجتماع زعيم قبيلة كانكورا مع عشرة من قادته المرافقين فحسب، يجلسون إلى الطاولة.
أما بقية الجنود، فقد تمركزوا على بُعد مئتي خطوة خلف خطوطهم. ذلك وحده كان كفيلًا بأن يجعل الأجواء متوترة كأنها فوق طبقة جليد رقيقة.
أما وفد هيزيت الجالس على الطرف الآخر من الطاولة، فقد كان يتكوّن من عشرة أشخاص أيضًا. أريلتيا، وجلين، وروسو، وقائد فرسان الفرع الثاني دانكن، إضافة إلى سبعة فرسان آخرين.
بينما بقي قائد الفرسان العام، تومبيل، ينتظر خلف بوابات القلعة، مستعدًا مع بقية القوات لأي طارئ.
كان روسو، الذي أخبرته أريليتيا مسبقًا بخطة التفاوض، يعبّر عن استيائه بوضوح، وكأن الأمر لم يرق له على الإطلاق.
“أحقًا علينا أن نُظهر هذا القدر من التنازل؟ أريليتيا، بقدرات جيش هيزيت، يمكننا سحقهم متى شئنا. صحيح أن أسوار قلعتنا قديمة، لكنها ما زالت صامدة، وتتمتع بصلابة لا يُستهان بها…”
فقاطعته أريلتيا بهدوء حاسم:
“قتالنا مع قبيلة كانكورا هنا، لن يجلب إلا منفعة واحدة… إنها تصبّ لصالح الأمير الأول، جدي.”
تجهم وجه لوسو وهو يردّ باعتراض:
“لكن، مهما يكن، ذلك الصوب من النباتات الاستوائية — الدفيئة!”
فأجابته أريلتيا بنبرة مطمئنة:
“لسنا بحاجة إلى كل شيء هناك، جذع واحد فقط سيكون كافيًا.”
قال روسو بلهجة حاسمة، وكأنه يحسم الأمر:
“لن أعطيك إياها كاملة، مفهوم؟ وعدني بذلك، يا حفيدتي. أعطني وعدك قبل أن نبدأ.”
ابتسمت أريلتيا ابتسامة صغيرة، ومدت إصبعها الصغير لتتشابك مع إصبعه، وتبادلا وعدًا صامتًا، قبل أن يتقدما نحو طاولة التفاوض.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 96"