“إيهه، يبدو أن كل أعمالنا هنا في رودافيل قد انتهت تقريبًا. هيا نعود إلى المنزل، أريليتيا.”
“أجل.”
ركضت أريليتيا بخفة نحو دائرة الانتقال التي بدأت تتوهج استعدادًا لتفعيل السحر.
“حسنًا، أظن أننا سنفترق هنا مؤقتًا، يا رفاق.”
كانت هذه هي اللحظة التي قرروا فيها وداع سيرينا. لقد اتفقوا على أن تفترق طرقهم في رودافيل. كانت سيرينا على موعد مع لقاء رفاقها الذين نجوا من الأسر كعبيد في مملكة مجاورة لبيرتيل.
وبعد ذلك، كانت تنوي استئناف رحلتها التي توقفت مؤقتًا، متجهة نحو الغابة البيضاء.
“بعد أن أنهي طقوس الغابة البيضاء، أخطط للعودة إلى مكاني المعتاد. ما زالت هناك بعض الأعشاب الطبية التي أوكلني سيد الإقليم بجمعها من قبل… إذا لم تمانع، ربما أزور إقليم هيزيت في المرة القادمة، هل ستدعوني؟”
“بالطبع، آنسة سيرينا.”
صافحها جلين بابتسامة دافئة.
“أنتِ دائمًا مُرحّب بكِ، ولتحظي ببركة الغابة.”
“ولتكن بركة الغابة معك أيضًا. أتمني أن تكون بخير دائماً، سيدي… وأنتِ كذلك، أريليتيا.”
تلألأ احمرار خفيف على شحمة أذن سيرينا، وارتسمت على شفتيها ابتسامة خجولة قبل أن تختفي وسط الزحام عبر الطريق.
ولوّحت لها أريليتيا طويلاً حتى غابت عن الأنظار.
والآن حان دورهما في العودة. لوّح جلين بيده، فاقتربت أريليتيا سريعًا ووقفت إلى جواره.
“أتعلم، سيدي… سيرينا جميلة جدًا، أليس كذلك؟”
“بلا شك، فهي من العرق الإلفي.”
“هيهي…”
“ما الذي تفكرين فيه الآن؟”
‘أفكر أزوّجك لها.’
ضحكت أريليتيا بخبث، وإن كان ضحكها لم يتجاوز ارتجاف خفيف على شفتيها.
“يبدو أنكِ في مزاج جيد اليوم. هيا، أعطِني يدكِ.”
تناولت يده بلطف، فما كان منه إلا أن بادلها ابتسامة، ثم عبث بخفة بشعرها المتدلّي على جبينها.
“الجد يفتقد حفيدته الصغيرة بشدة. يسألني في كل مرة متى ستعودين. يبدو أنه تعب حتى من كثرة السؤال، فلم يتصل منذ مدة.”
“وأنا أيضًا أفتقده كثيرًا.”
منذ غادرا إلى إيست ماري صيف العام الماضي، والآن قد أصبح فبراير بالفعل، أي أن ثمانية أشهر قد انقضت، وحان وقت العودة إلى إقليم هيزيت أخيرًا.
كان المخطط أن ينتقلا فور وصولهما إلى كاسفيل، مباشرة عبر دائرة الانتقال المؤدية إلى إقليم هيزيت.
‘بمجرد أن نعود، علي التأكد من الحسابات، وتركيب العارضة الذهبية، ولا أنسى أن أقدّم جرعة لطيفة من التملق للسيد التنين أيضاً.’
وحينها، من المؤكد أن تأتي الأخبار من ريكي. بعد أن يُحكم سيطرته على بوابة بايل مون، سيكون عليه الانتقال للمرحلة التالية.
بدأت الرموز الهندسية المنقوشة داخل دائرة الانتقال تدور وتلتف ببطء، وسرعان ما تفعّل السحر.
في تلك اللحظة—
“!”
أضاء الحجر السحري المعلّق على عنق أريليتيا بإشعاع مفاجئ.
ثم دوى صوت مألوف، غائب منذ فترة طويلة، من داخل الكريستالة.
“أريليتيا، لا تعودي للإقليم الآن!”
“صاحب السمو؟”
رفعت أريليتيا الحجر متفاجئة.
“إذا لم تريدي أن يتم اختطافكِ فور عودتك، ابقي في رودافيل و——”
لكن قبل أن يكمل صوته، أطلق السحر وميضًا حادًا، وانقطعت رسالة لاسيان فجأة بسبب تشوّه مانا قوي ومفاجئ.
‘ماذا… ما الذي يحدث؟!’
لم يكن هناك حتى متّسع من الوقت لتساؤلاتها، فقد تغيّر المشهد أمام عينيها في لحظة.
قاطعت أريليتيا حديثه، وأمسكت بيد جلين بيمينها، وباليد الأخرى أمسكت بحبل أكمام دنكن، وركضت مسرعة نحو دائرة الانتقال المؤدية إلى إقليم هيزيت.
فلاش!
مرة أخرى، تلاشى المشهد من أمام عينيها.
وحين انطفأ ضوء السحر، انكشف أمامها مشهد لم تكن لتتخيله قط.
“ما الذي يجري؟”
كانت دائرة الانتقال قد أنزلتهم مباشرة أمام بوابة قلعة إقليم هيزيت.
لكن البوابة كانت مشرعة على مصراعيها، ومن خلفها كان سيل بشري هائل يتدفق إلى الداخل دون توقف.
“من أين جاء كل هؤلاء؟”
تفحّص جلين المنظر حوله بذهول ودهشة.
لم يكونوا تجار مواد سحرية ذات خاصية البرودة، ولا سحرة، ولا مرتزقة جاءوا ليجمعوا المال.
كانت وجوههم شاحبة، يحملون على ظهورهم أكياسًا مثقلة بالأمتعة، والأطفال يبكون وهم يتشبثون بأيدي آبائهم، رجال يعرجون بسبب إصاباتهم، نساء يساندن أزواجهن بينما يجرون عربات محمّلة…
لاجئون.
كانوا لاجئين، بلا أدنى شك.
عددهم لا يقل عن عدة مئات، جميعهم يدخلون إقليم هيزيت طلبًا للنجاة.
‘لاجئون… هذا يعني أن إحدى الأراضي المجاورة تعرضت لهجوم!’
وصل جلين وأريليتيا لنفس النتيجة تقريبًا، فلم يتردد لحظة وحملها بين ذراعيه، وانطلق يعدو بها نحو البوابة المفتوحة.
“سيدي! لقد عدتم!”
“ما الذي يحدث هنا؟ من هؤلاء؟”
“إنهم سكان إقليم اللورد نيمار. قبل أيام قليلة وصلتنا أخبار تفيد بأن إقليم نيمار قد تعرض لهجوم… كنا نتوجس السوء، ويبدو أن حدسنا لم يخطئ، فقد جاءوا أفواجًا هكذا…”
“انتظر، قلت إن إقليم نيمار ‘أيضًا’ تعرض لهجوم؟ هل هناك أقاليم أخرى تضررت؟”
“في الواقع…”
خفض الحارس رأسه بأسى، ورفع حاجبيه بحزن.
“منذ نصف شهر، كان الدور على إقليم اللورد أود، ومنذ أسبوع تقريبًا إقليم الكونت ديكارس…”
تجمّد الدم في عروقه.
إقليم أود وإقليم ديكارس، كانا يعتبران من الأراضي المخضرمة في الشمال، معروفة بصلابتها واستقرارها.
أراضٍ صغيرة، تعيش حياة مكتفية ذاتيًا وبشكل سلمي. صحيح أن مواردها لا تكفي لتجنيد جيش خاص، لكنها محمية طبيعيًا بواسطة جبال الشمال الوعرة، ولهذا كانت تظل آمنة من الغزوات الخارجية.
‘أي وحش مجنون يجرؤ على سحق تلك الأقاليم بلا رحمة هكذا؟’
كانت عقلية أريليتيا تعمل بسرعة هائلة.
كان هناك احتمالان فقط للقوى التي قد تفعل ذلك. والإجابة كانت واضحة في ذهنها…
فركت أريليتيا حجر الاتصال المتدلي من عنقها.
“صاحب السمو، ما الذي رأيته؟”
—”إنهم قبيلة كانكورا.”
وكأن لاسيان كان بانتظار سؤالها، فقد جاء رده سريعًا عبر الحجر السحري.
“—هؤلاء الأوغاد يعرفون أن أريليتيا المعلمة هي أنتِ. لا أعلم كيف تسربت المعلومة، لكن المؤكد أن هناك من خانك.”
“هل كانوا يعرفون أيضًا أنني ساحرة الزمن؟”
—”لا أعلم بشأن ذلك بعد. لكنهم كانوا ينادونكِ بلقب ‘المعلمة’. لا بد أن المعلومات تسربت من مكان ما. ألا تشتبهين بأحد؟”
‘الشك؟’
لم يكن عدد من يعرف حقيقتها – أن أريليتيا ليست فارسًا عضليًا بل طفلة صغيرة – كبيرًا. خارج سكان إقليم هيزيت، لا يتجاوز عددهم بضعة أفراد. ربما الأخوين إسمايل؟
‘هل يمكن أن يكون أحدهم… خائن؟’
شعرت بداخلها ببرودة غريبة تشبه الخنجر يخترق صدرها.
لم تكن تحتمل حتى فكرة الخيانة، كلمة “خيانة” بحد ذاتها كفيلة بأن تجعل أطرافها ترتعش.
لم يكن وجه جلين بعيدًا عنها، وكان يستمع لحديث ريكي بالكامل، وقد تحوّل لونه إلى التراب من شدة الصدمة.
لكن في تلك اللحظة، تداخل صوت الساعة في عقلها، عقاربها تتلامس، وهمست لها:
‘لا، لا… فكري جيدًا، أليس هناك شخص آخر يعرف حقيقتك أيضاً؟’
وبينما كانت غارقة في التفكير، قطع الحارس حبل أفكارها، وهو يحثّها قائلاً:
“الآن اللورد نيمار في انتظاركم في الأعلى، سيدتي. يجب أن تذهبوا فورًا!”
“آه…”
أطلقت أريليتيا تنهيدة متجمدة وهمست لنفسها:
‘الل*نة… كيف نسيت ذلك الرجل!’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 93"