الفصل 82

ربما كان ذلك بفضل بركة دوق ودوقة الدوقية، إذ بدا أن طريق العودة عبر البحر كان هادئًا وسالمًا.

بعد أن حصل على كمية وفيرة من دواء دوار البحر من قصر الدوق، توقف ريكي عن التقيؤ، وتطورت مهارات دانكن في الصيد تطورًا ملحوظًا.

أما دانتي، الملاّح، الذي تلقى مكافأة سخية تشمل عربون العقد والعمل الإضافي، فقد تلاشت شكوكه كما يذوب الثلج تحت الشمس، ووقّع بنفسه على عقد العمل الرسمي. (صرخ ريكي: “لا، سيد دانتي!”، لكن كان الأوان قد فات، فقد ختمه بالفعل).

وهكذا، وبعد شهر، رست سفينة ماجنوليا بسلام في قناة كاسفل.

لو لم يكن الصوت يخترق أذنيه بلا توقف، لكانت رحلة هادئة تمامًا.

“ما الذي ألصقته بي، يا أريليتيا!”

“إنها ليست روحًا شريرة، اعتد عليها، يا صاحب السمو.”

“ليست شريرة؟ إذن لماذا أصبحت شبحًا؟ لا بد أنها روح مشؤومة تبعتني من السفينة الذهبية!”

“إن لم تنتبه لألفاظك، قد تأكلك روح حقيقية! استخدم رؤاك في الأحلام لحل الأمر، يا سمو الأمير. ستفيدك بطريقة أو بأخرى. سأنهي المكالمة الآن.”

“انتظري! على الأقل أخبريني باسم هذا الوغد—!”

انقطع الاتصال.

أنهت أريليتيا المكالمة بكل بساطة.

“ماذا قال لاسيان، يا حكيمتي؟ هل هو بخير؟”

“نعم، قال إنه يستمتع بوقته.”

“يبدو أنه تأقلم بسرعة. هذا يبعث على الارتياح.”

لن أجيب على مكالماته لبعض الوقت.

يرسل لي مكالمات كل يوم، أكاد أختنق من الإزعاج.

احتست أريليتي جرعة من الإكسير وأخذت تتفحص المكان.

بعد رحلة دامت أربعة أشهر، عادت إلى كاسفل، التي ما تزال مفعمة بالحيوية والازدحام. وقد بات الخريف في أوجه، والأوراق المتساقطة تملأ المكان.

كانت قد مرت على كاسفل قبل عودتها إلى أراضي هيزيت لإنهاء بعض المهام.

“أولًا، لنُعد السفينة، ما رأيكم؟”

＊＊＊

“يا إلهي. لقد عدتم، أيها الأصدقاء!”

استقبلهم إسمايل كعادته بنبرته اللطيفة. وقد بدا أن وجنتيه امتلأتا باللحم خلال الأشهر الأربعة التي مضت.

“هل كانت الرحلة ممتعة؟ يا معلمة أريل، ويا سيدي.”

“نعم. إسمايل، لقد أصبحت ممتلئًا!”

“هذا بفضل نجاح التجارة بفضل المعلمة أريل. خلال غيابكم، فتحت خط تجارة جديد. المفاوضات مع مدينة رودافيل انتهت أخيرًا، كما أنني وجدت موقع الأعشاب التي أخبرتني عنها. نحن في مرحلة جمعها الآن.”

“واو!”

“رأيي المتواضع أنها ستُباع بجنون في هذا الموسم، لذا سارعت في الأمر.”

رفعت أريليتيا يديها عاليًا.

تحيا عبقرية إسمايل!

فمستخلص هذه الأعشاب يُعد المكون الأساسي لإكسير تجميل له فعالية فائقة في تفتيح البشرة وإزالة التجاعيد. والآن، كانت الطبقة الأرستقراطية في العاصمة تستعد لحفلات مهرجان الحصاد.

“تحظى بشعبية جارفة بين سيدات العائلات النبيلة. تفضلا يا سيد ريكي ودانكن، جربا هذا الكريم. يجعل البشرة ناعمة ومشدودة.”

“إذًا لهذا كانت بشرتك تلمع! هاها!”

“هل يصلح للبشرة المتعفنة قليلًا؟ تعالي هنا، إليزا، دعيني أضع لك بعضًا منه…”

حين بدأ الجميع في وضع الكريم، تذمّر جلين:

“ولِمَ لم تُعطني شيئًا، إسمايل؟”

“يا سيدي، بشرتك رائعة بطبيعتها.”

“أجل، يا سيدي، لا تحتاجه بعد!”

“لا، بشرتي أصبحت خشنة من البحر. أعطني بعضًا، دانكن.”

“هل يمكنني الحصول على علبة أيضًا؟”

“بالطبع يا آنسة سيرينا!”

اجتمع الجميع أمام المرآة ليدهنوا وجوههم، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت بشرتهم لامعة كقشر البيض. بدا التأثير فوريًا ومبهرًا.

ثلاثة رجال وميتة حية وإلف، جميعهم صاحوا بصوت واحد:

“هذا المنتج سينفجر شهرة!”

ابتسم إسمايل بخجل.

“كل الفضل لمعلمتي. لا أدري كيف أرد الجميل… فهل يمكنني أن أحتضنكِ، يا معلمة أريل؟”

“همم، تعال.”

احتضنت أريليتي التاجر الطيب بلا تردد.

“لكن هذا ليس بفضلي. كل الفضل يعود إلى مهارات إسمايل.”

“لكن قدراتك مذهلة أيضًا. هل تصدقين أن حكاية السفينة التي هزمت قراصنة بحر الشرق وصلت إلى كاسفل؟”

الأنباء عن بطولاتهم وصلت كاسفل، وكان أمرًا مفرحًا… حتى قرأت أريليتيا النشرة التي أراها لها إسماعيل:

[الدوق ريتشينبارتين يُصدر بيان شكر رسمي للأمير الثالث…]

[“كانت على السفينة فتاة لطيفة جدًا، بشعر وردي جميل، كأنها دمية… لم تبكِ أبدًا وسط الكبار، كانت شجاعة جدًا!”]

[“وكانت القائدة أريل شخصًا رائعًا. ذات شخصية قوية وعضلات جذابة!”]

احمرّ دانكن وهو يتحسس عضلات ذراعه، وضحك الإبرة من خلال التواصل الروحي:

“متى أصبحتِ محبوبة الجميع هكذا، يا سيدتي؟”

“لست محبوبة.”

*”إذًا ماذا؟”

“…فقط لدي مظهر لطيف نوعًا ما. البشر ينساقون بسهولة وراء المظاهر.”

“آه، ولهذا السبب تبرعتِ بعشر عبوات من الإكسير سرًا من جلين هيزيت؟ لأشخاص لا تعرفينهم حتى؟”

لم تجد أريليتيا ما ترد به.

رفرفت أذنا الأرنب لدى الإبرة وهو يضحك:

“آه، ما أروع هذا! أنظري كيف تطورتِ! من فتاة يائسة دومًا تقول ‘سأموت، سأموت’، إلى شخص يقدم المساعدة. بانلي فخور بك!”

تجاهلت أريليتيا ضحك بانلي المزعج.

على كل حال، إن كانت شهرة لاسيان وهيزيت قد انتشرت، فهذا يكفي.

“إسمايل، هل لديك مكان في المستودع؟”

“أمم؟ المستودع دائمًا قابل للتفريغ. هل هناك ما تودين تخزينه؟”

“نعم، من فضلك احتفظ بهذه.”

فتح ريكي بوابة الفضاء السحري، فانهمر منه الذهب حتى كاد يملأ المكان.

ثم فتح إسمايل خزائن كنوز سفينتي ماجنوليا و”الحوت الأحدب”، وقد فغر فاه من الذهول.

“سمعت أنكم دمرتم عشرين سفينة قراصنة…”

“سنُبحر شرقًا كل ثلاث سنوات. وسيتولى السيد دانتي القيادة. ربما لن نحصل دائمًا على هذا الكم، لكن ستظل الثروات تتدفق.”

“يا للعجب…”

“ولهذا السبب، اشترِ أرضًا في رودافيل. لا تتعامل مع التجار هناك، بل افتح فرع إسمايل الثاني.”

في عامين ونصف فقط، وصلت تجارة إسمايل إلى مصاف الأفضل في كاسفل، حتى قاربت على مجاراة متجر “ليام” الشهير.

احتكر منتجات الوحوش وأعشاب هيزيت النادرة، وحتى أسرار مصدر الأعشاب التي همست بها له أريليتيا قد امتلكها.

فإذا نجح فرع رودافيل، سيدخل العاصمة ديلفور العام القادم، وربما يعقد صفقات مع برج السحرة خلال ثلاث سنوات.

“وما زلتِ تصرين أن الأمر ليس بفضلك…”

“حقًا، حتى لو لم أكن، إسمايل قُدر له أن يصبح تاجرًا عظيمًا. كل ما في الأمر أنني عجّلت فقط.”

بل كانت هي المستفيدة من عبقريته التجارية.

وفي المقابل، تقبّلت قبَلاته الوافرة بهدوء.

“وبالنسبة لما طلبته العام الماضي؟”

“تقصدين الطلب الذي قُدم لنقابة المعلومات؟”

قادها إسمايل إلى غرفة الضيوف داخل المتجر وهو يحتضنها.

“وصل الرد مؤخرًا. الوثائق المطلوبة قديمة وتابعة للدوائر الرسمية، لذا استغرق الأمر وقتًا. لكن يبدو أنهم جمعوا المواد الأهم.”

بجانب الطاولة، وُضعت علبة مفتوحة مملوءة بالمخطوطات والمستندات.

“سجلات الجرائم في إقليم ‘لاندوس’ قبل أربع سنوات، وسجلات خيانة عائلة ‘كاديز’ قبل أربع سنوات أيضًا. هذا أقصى ما أمكن جمعه هنا في كاسفل.”

“إقليم لاندوس؟”

خرج صوت بارد من خلف غلين ودنكن.

كان ريكي، الذي بقي على أطراف الحديث، يقف قرب الباب مترددًا.

إقليم لاندوس.

هذا الإقليم الصغير في الوسط، تحت وصاية كونت لاندوس، هو موطن ريكي.