“يجب أن أتحدث مجددًا مع عمّتي. أحتاج إلى يقين بشأن ما إن كانت شخصًا يمكن الوثوق به.”
وافقته أريليتيا. لم يكن هذا من الأمور التي تستطيع هي إصدار أمر بشأنها، أو حتى كتابة إجابة متوقعة لها.
“صحيح. مشكلات العائلة يجب أن تُحلّ داخل العائلة.”
“لكنها ليست عائلتي. لا يوجد بيننا أي رابط…”
“ومع ذلك، فقد أعطتك مهمة التقرب من التوأم، أليس كذلك؟”
ردّت أريليتيا وكأنها تقول: أليس هذا أمرًا بديهيًا؟
أما لاسيان، فقد شعر وكأنه تلقى ضربة مباغتة. لم يكن هذا جانبًا فكّر فيه من قبل.
هو أيضًا شعر أن في الأمر شيئًا مريبًا. ما السبب الذي جعل الأميرة مونيكا تُصرّ على إقحام أطفالها الصغار في هذا الشأن؟
“لو لم تكن لديها نيّة المساعدة إطلاقًا، لكانت طردتكِ بكل تهذيب منذ البداية، لا أن تُقحمكِ في هذه اللعبة الغريبة. لذا، سموّ الأمير، حاول أن تبتسم للعمّة بابتسامة لطيفة. هكذا، انظر!”
شبكت أريليتيا سبابتيها بطرفي فم لاسيان ومدّتهما إلى الجانبين.
“ابتسم كملاك، هكذا. حتى الشياطين قد تنخدع بابتسامة كهذه!”
“ه…هيا، أزيلي يديكِ!”
تراجع لاسيان مرتجفًا، مزمجرًا في خجل.
لوّحت أريليتيا بيدها له متظاهرة بالخفة. لا تتلكأ، واذهب واحسم الأمر.
لكن فجأة، خطرت ببالها فكرة لم تجد لها إجابة بعد.
“بالمناسبة، سموّ الأمير، ما هو أصل ذاك الذي يُدعى يوريل؟”
* * *
في اليوم التالي، جلس لاسيان مع الأميرة مونيكا في الحديقة لتناول الشاي.
“هل استمتعت باللعب مع الأطفال، سموّ الأمير؟”
أضافت الأميرة وهي تلقي نظرة نحو متاهة الحديقة:
“كنت أتساءل إن كان أطفالنا يضايقون الابنة الصغرى لعائلة هيزيت أكثر من اللازم. إن تمادوا في مزاحهم، فلا تتردد في إخباري. فهم صبية في النهاية، ومن الصعب على فتاة صغيرة أن تواجههم وحدها.”
“باستثناء نوبة البكاء المفاجئة أثناء لعبة الاختباء في المتاهة أمس… فكل شيء على ما يُرام.”
إن كان يمكن فعلاً وصف تلك اللحظة بـ”بكاء بسبب المفاجأة”.
أضاف لاسيان دون أن يدرك:
“لكن أريليتيا ضعيفة الجسد للغاية. من الصعب عليها اللعب مع أبناءكم لفترة طويلة. لديها أدوية يجب تناولها في مواعيد محددة.”
“أفهم. سأنبّههم لذلك. وأعتذر بالنيابة.”
مونيكا سمعت أيضًا صوت البكاء الذي دوّى من تحت نافذتها بالأمس.
الطفلة ذات الخدود البيضاء الناعمة لم تكن تبكي اليوم، بل كانت تلعب بالرمل مع التوأم. (ولو أمعنت النظر، فستلاحظ أنها تبذل جهدًا كبيرًا لتمنعهم من أخذ دميتها الأرنب منها.)
“…وخاصة يوريل، يبدو أنه مهتم جدًا بها. أرجو أن تحذريه تحديدًا.”
“حسنًا، سأفعل…”
“فحتى الجرو الصغير اللطيف، لديه أنياب حادة. في النهاية، لا يزال وحشًا.”
حين أنهى لاسيان حديثه، ساد صمتٌ بينهما.
ملأت ضحكات الأطفال السعيدة التي تتردد من بعيد هذا السكون الثقيل.
“سريع، أليس كذلك؟ لم تنتهِ أي لعبة بهذه السرعة من قبل.”
“السادة الصغار أعطوني الكثير من التلميحات. وكذلك سموّ الدوق.”
“أوه؟ وهل حدث أن قالوا لك شيئًا عن يوريل أيضًا؟”
“لا… لم يفعلوا.”
في المستقبل الذي رآه لاسيان، كان التوائم ثلاثة.
إلى جانب الإخوة المتشابهين، كان كلب بوميراني صغير يلوّح بذيله مودّعًا لهم.
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي لاسيان.
“وحوش الريبليكا يصعب ترويضها، لكنني فضولي جدًا لمعرفة الطريقة، يا عمّتي. يبدو أنها وسيلة ممتازة لمواجهة الهجمات المفاجئة.”
مرّ بريق في عيني الأميرة ذات العيون الحمراء.
“…يوريل، تعال إلى هنا.”
بمجرد أن أشارت مونيكا، ركض يوريل نحوها.
قفز عاليًا، وفي اللحظة التالية، اختفى الفتى، وظهر بدلاً منه كتلة بيضاء من الفرو الناعم.
ركضت تلك الكتلة حتى وصلت قدمي الأميرة، ولوّحت بذيلها بسعادة.
“إنه الحيوان الذي كان يربيه الدوق السابق. حين كان يخرج إلى البحر، كان يتركه في القصر ليدلّ على أن صاحب الدوقية ما زال حيًا وبخير، حتى وإن أصابه مكروه هناك.”
غالبًا ما كان دوقات ريتشنبارتن يُفقدون أو يموتون في البحر. وكان هذا الوحش، بقدرة الاستنساخ، وسيلة لسدّ شغور المنصب مؤقتًا.
راح الجرو الفروي يدور حول كاحل لاسيان، ثم قفز على ركبتي مونيكا.
“كيف عرفتَ؟ صحيح أن تصرفاته وكلامه محدودان بحسب الترويض، لكنه لم يكن غريبًا إلى هذا الحد لتكتشفه على الفور.”
“كما توقعتِ. رأيتُه.”
“رأيته…؟”
“لديّ بصيرة بالمستقبل.”
اهتزت يد مونيكا التي كانت تمسح ظهر البوميراني فجأة.
“هذا تهوّر… هل من الحكمة الكشف عن أمر بهذه الخطورة بهذه البساطة؟”
“ليس خطيرًا.”
بالنسبة للاسيان، لم تكن رؤى المستقبل ذات قيمة كبرى.
“المستقبل يتغير في كل لحظة. ما أراه هو فقط المستقبل ذو الاحتمالية الأعلى، ولا يمكنني الجزم بأنه سيحدث حتمًا.”
“…وهل رأيتَ مستقبل هذه الدوقية؟”
“نعم. وما زلتُ أراه الآن.”
منذ أن تغيّرت رؤاه من فشلهم الحزين إلى مغادرتهم بعد عقد تحالف ناجح، لم تتبدّل رؤى لاسيان بعد.
ربما لأنه كشف هوية “يوريل المزيف”، أو ربما لأن شيئًا ما تغيّر في قلب الأميرة مونيكا… لكنها ستمسك بيده.
كانت تلك هي الاحتمالية الأعلى. وإن لم تكن مؤكدة.
“أرى اثنين منكما يبتسمان ويتواعدان على المستقبل، ويلوّحان لأفراد وفديّ، لكن المستقبل يمكن أن يتبدل كليًا بسبب أمر بسيط جدًا في الحاضر. خصوصًا وأنا الآن لا أملك قاعدة دعم قوية، ما يجعل مستقبلي أكثر هشاشة.”
“…”
“لذا، أنا بحاجة إليكِ، يا عمّتي. أنتِ تملكين القوة القادرة على دعم مستقبلي، وأرجو أن تهبيها لي.”
لا أحد يعلم من سيكون عدوًا أو حليفًا.
لكن…
لو كنا عائلة…
لو أن كلام أريليتيا صحيح، وكان لدى الأميرة استعداد ولو ضئيل لأن تعتبره فردًا من العائلة…
أراد لاسيان أن يتشبّث بذلك الأمل الضعيف.
كما لدى ألبرت والدته الإمبراطورة، ولدى لوشيو حماه دوق فامبروس… فماذا لو كانت تلك الحفاوة العائلية تُمنح له أيضًا؟
كيف يكون شعور الاتكاء على سندٍ يُدعى “عائلة”؟
لسبب ما، بات هذا العالم المجهول يثير فضوله أكثر فأكثر. والسبب—بلا شك—كلمات أريليتيا التي قالتها عرضًا.
“لا. لا يجب أن أسمح لنفسي بالتعلّق بتلك الرغبة الطفولية. لا يجوز لي أن أستجدي العاطفة بهذه الطريقة.”
استعاد لاسيان هدوءه، وعدّل نبرة صوته مجددًا.
“في المرة السابقة، سألتِني إن كان هدفي هو العرش، أليس كذلك؟ لكن، إن أردتِ الحقيقة، فإن هدفي الحقيقي ليس أن أصبح إمبراطورًا.”
العرش لم يكن سوى إحدى الأدوات التي عليه أن يحصل عليها في طريقه إلى غايته.
سألت مونيكا بهدوء:
“إذن ما هو هدفك الأسمى، يا صاحب السمو؟”
“إثبات الوجود.”
الإيمان بأنه قادر على أن ينتزع شيئًا بقوّته.
حياة تبرهن على قيمته بذاته.
لا أن يسقط كعشب يُنسى ولا يُذكر، بل أن ينتصر في النهاية ويحمي ما يهمّه.
تلك هي القيم التي كانت تهمّ لاسيان.
“لقد فشلت في الكثير من الأمور. لم أتمكن حتى من أخذ حقّي، ولا أن أحمي شيئًا بحق. لأصير شخصًا قادرًا على فعل ذلك، أحتاج إلى العرش.”
كان هناك الكثير مما لم يستطع حمايته في حياته السابقة. جلين، وهيزيت، وحتى نفسه… لم يستطع أن يحمي أياً منهم.
“وما الذي تودّ حمايته؟”
“من هم لي.”
عبرت وجوه رفاقه الذين رافقوه حتى هذه اللحظة في ذهنه واحدًا تلو الآخر.
ثم، في النهاية، ظهر وجه مفاجئ جعله يعقد حاجبيه بارتباك.
‘لماذا هذا الوجه…؟’
شعر وردي مقصوص بشكل متناسق خيّم في ذهنه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 78"