عندما حدّقت أريليتيا إلى الفتية بنظرة متشككة، أشار الثاني إلى نفسه بإصبعه وسأل ببراءة:
“يا صديقتي، برأيكِ من أكون؟”
“أنت… يوهايم؟”
“خطأ!”
وانفجر الأربعة في ضحك متواصل.
“سأخبرك مرة أخرى. أنا يُوناس.”
“وأنا يُوهايم.”
“وأنا يُوريل!”
“وأنا يُوهان.”
يبدو أنه لا مفر من حفظ أسمائهم عن ظهر قلب.
فتحت أريليتيا عينيها على اتساعهما، محاولة التمييز بين ملامحهم:
“يُوناس” عيناه مرفوعتان أكثر من الآخرين،
“يُوهايم” أنفه مرفوع قليلاً،
“يُوريل” لديه غمازة خفيفة في الخد الأيسر،
وذلك الذي يحاول التملص دون لفت الانتباه هو “يُوهان”.
أشار يُوهايم إلى الأخ الذي قال سابقًا إنه يُوهان وضحك بخفة.
“هل أخبركِ بسر؟ في الحقيقة، يُوهان ليس أحدنا.”
تلألأت عينا يُوهايم بمكر وهو يقول ذلك.
هز يُوريل رأسه مستاءً وقال:
“أوه لا، ليس لعبة الحقيقي والمزيف مرة أخرى! لقد مللت منها. في الحقيقة أنا لقيط جاؤوا بي من الطريق!”
تمطى يُوهان بتثاؤب عريض وأضاف ببطء:
“لا تصدقيه. يُوهايم يكذب دائمًا.”
وجّه يُوناس ضربة قاضية وكأن الأمر لا يُصدّق:
“عم تتحدث؟ يُوهايم هو أخونا الأكبر. بالطبع هو من العائلة!”
بينما كانت أريليتيا تتابع الجدال بينهم، بدأ شعور غريب يتسلل إليها.
“مهلًا… إذا جمعت كل ما قالوه الآن…”
“الصديقة الجديدة تبدو ضائعة، ما رأيكِ، أيتها الصغيرة؟ نلعب الغمّيضة؟”
“لنلعب!”
“لنلعب!”
“-نلعب!”
“أنا لست صغيرة!”
صحّحت أريليتيا المعلومة بهدوء، لكن لا أحد استمع إليها.
“الغمّيضة في متاهة الحديقة هي الأكثر متعة في العالم!”
“صحيح!”
“صحيح!”
“-آه!”
سُحبت أريليتيا وسُحبت من يدها، تُجر جراً خلف ثمانية أيادٍ.
بعد ساعة من اللعب مع الأشقاء الأربعة، أصبحت أريليتيا منهكة تمامًا.
أربعة فتيان في السابعة من عمرهم كانوا أشبه بكارثة حية.
شعرت بشؤم ثقيل. كانت شبه متأكدة أنهم لن يتركوها وشأنها حتى نهاية اليوم.
“هاه… هااه… آآه…”
“أريليتيا، هل تعبتِ؟”
“هل تعبتِ؟”
“تعبت!”
لم أعد أحتمل. لا أستطيع المتابعة.
قضت ساعة تركض بلا توقف تحت مسمى الغمّيضة.
لهاثها المتواصل جعل الأشقاء يتبادلون النظرات.
“ما رأيك بلعبة الاختباء في المتاهة؟”
“يُوريل سيكون الباحث! ومن يجد الآخرين أولاً، سيتحقق أُمنيته!”
لكن النتيجة واحدة، لا تزال مضطرة للبحث عنهم!
سُحبت مجددًا إلى داخل المتاهة، التي كانت مظلمة وكأنها ليل دامس.
كانت الشجيرات المرتفعة بطول مترين تقريبًا، ولم يكن هناك أي سبيل للخروج منها. حاولت البحث عن المخرج لكنها كانت تصطدم دائمًا بطريق مسدود.
بدأ الوقت وكأنه يسير ببطء داخل المتاهة.
شعرت بقشعريرة تسري في ظهرها.
“ماذا لو لم أستطع الخروج من هنا؟”
بدأ العرق يتصبب من جبينها.
ولزيادة الطين بلة، كانت قد اقتربت من وقت إعادة شحن الجرعات. نسيت حقيبتها وحتى الإبرة في الغرفة…
عبرت أصوات الفتية من خلف الشجيرات، متأخرة زمنيًا بعض الشيء:
“أريـلي-ـتيا!”
“اختبئي جيدًا، أين وصلتِ؟”
“أين وصلتِ!”
“وصلتِييي!”
“-تييييااا!”
لم يكن هناك سوى حل واحد للهروب من أولئك الفتيان المرعبين:
“آآ… آآآآآآه!”
أطلقت أريليتيا العنان لبكاءٍ مرير، وهي تشد على بطنها.
***
“أفزعتني يا أريل!”
قال جلين وهو يمسح وجه أريليتيا المبلل بمنديله.
“كيف تدخلين إلى مكان كهذا؟!”
“السيدة الفاضلة أطالت الحديث كثيرًا… هِئ…”
“وأين حقيبة الجرعات؟ قلت لكِ أن تحمليها كما لو كانت قوقعة سلحفاة!”
“لقد سحبوني فجأة… فنسيت…”
بسبب بكائها، انسد أنفها بالكامل.
سألت بصوت أنفي:
“هل انتهت المحادثة بشكل جيد؟”
“لا أعلم. بكاؤكِ جعلني أنسى كل شيء.”
وصل دانكن وهو يلهث، يحمل حقيبة أريليتيا الصفراء. أخرج جلين عبوة جرعة بسرعة وفتح غطائها.
أدخل المصّاص في فم أريليتيا.
لتضيع جرعة ثمينة كهذه في اللعب مع أولئك الصغار؟!
ابتلعت الجرعة في رشفة واحدة وكأنها تنزف من قلبها، ثم استعجلت جلين:
“انتهيت! ماذا قال الدوق؟ هل كان إيجابيًا؟”
“قال إنه سيوافق إن تمكّنتِ من التقرب من الأشقاء الأربعة.”
ركض لاسيان عبر الحديقة، يتنفس بصعوبة.
“أنا أيضًا… قالوا لي الشيء نفسه. طلبوا مني أن ألعب معهم لعبة ممتعة. وقالوا أن نعود غدًا…”
“لكن تلك اللعبة… هِئ، ألم أكن أنا من لعبها؟”
لا تزال أصواتهم المتشابهة ترنّ في أذنيها.
“إلى الغد، إلى الغد، إلى الغد، -غد!”
تمتم لاسيان فجأة:
“لكن لماذا عددهم أربعة؟”
“ماذا تقصد؟”
“قالت السيدة الفاضلة إنهم ثلاثة توائم.”
“ثلاثة؟”
قطّبت أريليتيا حاجبيها، وعيناها متورمتان من البكاء.
ألم يُعرّفوا أنفسهم أربعة؟ وتقول السيدة إنهم ثلاثة فقط؟
يعني أن أحدهم مزيف.
“آه، هكذا إذًا. لم تكن أقوالهم منطقية.”
بينما كانت أريليتيا تتأمل هذا الاستنتاج، بدأ جلين ولاسيان يتبادلان المعلومات:
“هكذا إذًا… كانت لعبتهم.”
“يبدو أنهم يريدوننا أن نميز من هم التوائم الحقيقيون من الأربعة. والموعد النهائي هو غدًا. لم يخبرك الدوق بأي شيء عنهم، أليس كذلك؟”
“وجدت خيطًا غريبًا واحدًا. أحد الأربعة كاذب… أعتقد أن الكاذب هو المزيف.”
فردّت أذنا أريليتيا باهتمام.
“كاذب بينهم؟”
“انتظروا، أظنني أعرف من هو المزيف.”
“دعوني أتحقق من خلال الرؤية المستقبلية.”
أغمض لاسيان عينيه لتجربة الرؤية.
صار من السهل عليه الآن التنقل بين وعيه ولاوعيه.
تبدل المشهد، وأصبح لاسيان فتاة قصيرة بشعر وردي.
لكن المستقبل الذي رآه كان كئيبًا.
رأى نفسه وجلين يسيران وهما مطأطأين.
“لو كان لدينا وقت إضافي، ربما كنا سنكتشف الأمر…”
“لا تحزن كثيرًا، لاسيان. لا يزال هناك الكثير من النبلاء الذين قد يقفون في صفنا. ولم تكن الرحلة بلا فائدة، أليس كذلك يا أريليتيا؟”
“…”
شعر لاسيان بكل ما كانت تشعر به أريليتيا في المستقبل. ورغم أنها لم تُظهر ذلك، كانت غارقة في خيبة الأمل.
“إن لم نحصل على دعم الدوق، ستتعرقل خططنا بالكامل. وليس من السهل العثور على بديل لريتشنبارتن. الورقة الوحيدة المتبقية هي تحالف مع قبائل كانكورا الصحراوية، لكنهم عدائيون للغاية… لا نريد أن ينتهي الأمر بحرب قارية!”
حرب قارية؟ ارتجف جسده.
حتى وإن كانت حربًا أهلية، فهي ليست “صغيرة” كما تسميها!
“لكن إن لم نكسب نحن، سيلجأ ألبيرت أو لوسيوس إلى الاستعانة بالقوى الأجنبية. هذان الوحشان لن يترددا في إشعال الحرب من أجل العرش. لا بأس، إن فشلنا هنا، سننطلق فورًا إلى كانكورا.”
ولحسن الحظ، قبل أن يغوص أكثر، تحطمت الرؤية فجأة إلى شظايا.
كان هذا يعني أن المستقبل بدأ يتغير.
تبدّل المشهد، وبدلًا من الخيبة، رأى لاسيان جلين يبتسم بودّ وهو يصافح دوق ريتشنبارتن.
“إذًا نلتقي بعد ثلاث سنوات، يا صاحب السمو. اعتنِ بنفسك وبأبنائك.”
“إلى اللقاء!”
“إلى اللقاء!”
“-قاء!”
كان الفتية الأربعة يلوحون فرحًا بجانب الدوق.
يا للراحة.
لم يعرف كيف، لكن يبدو أن أحدهم تمكّن من كسب قلب الدوق وزوجته.
وحتى شعور أريليتيا في هذا المستقبل قد تغيّر تمامًا.
اشتياق؟… اشتياق؟!
“إلى اللقاء، يا صاحب السمو.”
“همم؟”
لاحظ لاسيان أمرًا غريبًا في الرؤية.
كان يرى المستقبل من منظور أريليتيا… لكن:
‘لماذا أنا هناك؟’
وقبل أن يغوص أكثر في اللاوعي ليستوضح الصورة…
“أريليتيا، استيقظي. لقد وجدنا الجواب!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 76"