أمسكت أريليتيا طرف كمّ لاسيان برفق شديد، وهزّته قليلًا.
“سموّ الأمير، هل تشعر بالتوتر؟”
“…”
“لا داعي لذلك. نحن لا نزور بيت غرباء.”
فدوقة ريتشنبارتن هي الأخت التوأم للإمبراطور بيرتل، ما يجعلها عمة لاسيان وزوجها عمه.
وبفضل هذه المصاهرة، أقيم تحالف —ولو شكلي— بين دوقية ريتشنبارتن وإمبراطورية بيرتل. وهذا يعني على الأقل أنّ لاسيان لن يواجه خطرًا في قصر الدوق.
ومع ذلك، بدا وكأنه غارق في تفكير عميق، فلم يمنح أريليتيا سوى نظرة خاطفة دون أن يردّ. كانت نظرته معقّدة على نحوٍ ما.
منذ تلك الليلة، حين تحدث معها، ظلّ على هذه الحال.
حتى عندما تلتقي أعينهما، لم يعارضها كما كان يفعل سابقًا، ولم يسخر منها بدعوها “الطفلة الصغيرة”، كما لم يكن غارقًا في كآبةٍ أو شعورٍ بالعجز. كل ما فعله هو التلاعب المستمر بخيط الحياة الذي منحته إيّاه.
حتى عندما يخاطبه جلين، تكون استجابته بطيئة، وكأنه منشغلٌ بصراع داخلي لا يمكن البوح به.
ولهذا، لم تسنح لأريليتيا الفرصة المناسبة لتسأله: “هل لاحظت أن شبح الأمير لوسيان يسكنك؟”
‘هل كنت قاسية جدًا؟ هل كان عليّ أن أكون ألطف؟’
رغم كل شيء، وخلال العامين الماضيين، كانت تراه يوميًا ولو مرة، فظنّت أن بينهما على الأقل رابطًا نشأ من العشرة، لكن ربما لم يكن كذلك.
أو ربما… كانت تلك مجرد “توقّعات”.
حقًا، مشاعر البشر مخيفة.
تحدث لاسيان أخيرًا، بعد أن مشوا مسافة لا بأس بها.
“ربما تكون هذه هي المشكلة… زيارتي إلى ريتشنبارتن.”
كان ذلك جوابًا على قولها إنه لا يزور بيتًا غريبًا.
“ولِمَ تكون مشكلة؟”
“حسب علمي، عمتي…”
وقبل أن يُتمّ لاسيان كلامه، توقف جلين فجأة.
“يبدو أننا وصلنا.”
كانوا قد بلغوا بابًا فخمًا، يحمل نقوش أمواج محفورة بدقة تبدو واقعية.
انحنى الخادم الذي رافقهم بعمق.
“الدوق في انتظاركم. تفضلوا بالدخول.”
وانفتح باب قاعة الطعام على مصراعيه.
* * *
كالياك ريتشنبارتن.
رجل في أواخر الثلاثينات من عمره، ذو شعر أزرق داكن وعينين رماديتين، يحمل وسامة ذات هيبة.
طوله الفارع وبنيته القوية يعكسان تاريخه كجنرال قاد البحرية بنفسه ذات يوم.
وإن كان يمكن مقارنته بإيرل هيزيت من حدود الإمبراطورية، إلا أن ملامحه أكثر حدة وحساسية، خلافًا لذلك الإقطاعي العسكري حتى النخاع.
“أهلًا بكم، يا أبطال البحر.”
ورغم هيبته، بدا صوته ونبرته لطيفين.
ضحك جلين بخجل بسيط.
“أنا جلين هيزيت، وريث عائلة هيزيت في شمال بيرتل. إنه لشرف لي، سموّ الدوق.”
“كالياك ريتشنبارتن. مرحبًا بك في الدوقية، أيها اللورد.”
وتصافح الرجلان.
“يشرفني لقاء حامي الحدود الشمالية لإمبراطوريتنا.”
“تُغدقني بلطفك، سموّكم.”
“لست أبالغ. سمعت أن اسمك عمّ الميناء، وأنك دمّرت عشرين سفينة قراصنة من بحر إيست ماري.”
“كان الحظ حليفي، لا أكثر.”
“الحظ لا يرافق إلا من يمتلك الكفاءة. لطالما أرهقنا أولئك القراصنة، وخبر القضاء عليهم كان منعشًا لنا أنا وزوجتي.”
تبادلا المجاملات بأدب.
أما أريليتيا، فقد شعرت ببعض التوتر، وبدأت تعبث بطرف فستانها.
“وهذه الفتاة؟”
“أختي الصغرى. ضاعت منذ زمن طويل، وعثرت عليها مؤخرًا. عزيزة عليّ جدًا.”
“أريليتيا هيزيت، سررت بلقائكم.”
حرصت على النطق السليم، فتسبب ذلك بانحناءة خشنة قليلًا.
“وهذا ريكي، ساحر متعاقد مع إقليم هيزيت.”
“توظّفون السحرة؟ رائع.”
ارتجف طرف فم ريكي المغيَّر الاسم، وكأن مظلمته على وشك الانفجار.
لم يكن له خيار آخر، فقد طُرد من برج السحر ولا يحق له استخدام اسمه القديم.
“وأما هذا فهو…”
توقف جلين عن الكلام.
خلع لاسيان قبعته بهدوء، ليظهر شعره الذهبي يتلألأ تحت ضوء الثريا.
ثم ظهرت عيناه…
رغم أنه ما زال فتى صغيرًا في نظر أريليتيا، فإن هاتين العينين النبيلتين وحدهما، يمكن أن تفخرا بهما أمام العالم.
لون العيون الملكي لعائلة بيرتل مشهور حتى خارج البلاد، وأكثر من يعرفه هو دوق ريتشنبارتن.
فزوجته الأميرة مونيكا تنتمي إلى العائلة الإمبراطورية وتحمل ذلك الدم النقي.
“أنا لاسيان فيدريكا، الأمير الثالث لإمبراطورية بيرتل.”
“…”
تلاقى نظر الأمير والدوق في الهواء.
أحدهما هو الأمير الثالث في ترتيب ورثة العرش.
والآخر، حاكم دوقية أضعف منزلةً من الإمبراطورية، لكنه زوج الأميرة وعم الأمير، وأكبر سنًّا منه بكثير.
في هذا الموقف المعقّد، اختار الدوق موقفًا متوازنًا.
“لقد أصبحت شابًا بحق، سموّ الأمير. أرحب بك في دوقيتنا.”
“أشكركم على حسن الاستقبال.”
قبل عشر سنوات تمامًا، زار الدوق الإمبراطورية لعقد روابط صداقة. حينها، كان لاسيان قد وُلد للتو.
ابتسم الدوق بمغزى غير واضح نحو ابن أخته وقال:
“ليس من اللائق أن نُبقي الأبطال واقفين هكذا. ما رأيكم أن نبدأ بالطعام؟”
* * *
مضت مائدة الطعام مع الدوق بسلاسة.
سألهم كثيرًا عن سبب إبحارهم من كاسفل على متن سفينة ماجنوليا، وعن القراصنة الذين واجهوهم في الطريق.
وكان جلين يجيب بانسيابية:
“كانت الرحلة بغرض قضاء الإجازة. وسفينة ماجنوليا أقرب إلى سفينة سياحية منها إلى سفينة بعيدة المدى.”
كان نصّ الحديث قد حفظه هو وأريليتيا بالأمس.
“كنا نرغب في الراحة بعد المشقات، لكننا لم نتوقع مواجهة القراصنة. كما تبيّن لاحقًا أننا انحرفنا عن الطريق.”
استمع الدوق باهتمام، مبتسمًا تارة، وهامسًا بتأمل تارة أخرى.
رغم أنه لم يكن ودودًا، فإن طريقته في إدارة الحوار كانت متزنة، بلا إفراط ولا تفريط.
“سمعت أن كنوزًا بقيمة آلاف الذهب نُهبت من سفن التجارة. المال يمكن تعويضه، لكن بعض التحف لا تُقدّر بثمن.”
وحين ذُكر مصير الكنوز، ارتفعت حدة التوتر قليلًا…
“لقد جمعنا تلك القطع الثمينة على حدة، وجئنا بها إلى هنا بغرض إعادتها إلى أصحابها.”
“تصرف نبيل.”
“بأمر من سموّ الأمير، وأنا فقط نفّذت ذلك.”
“حكمة رائعة. نشكرك على حسن التصرف، سموّ الأمير.”
لقد تجاوزوا العقبة بسلام. (في الحقيقة، كانت أريليتيا تخشى أن يُطالبوا حتى بذهب القراصنة.)
“سمعت أن مهارتك في المبارزة بلغت مستوى عالٍ، أيها اللورد.”
“مجرد موهبة متواضعة.”
اهتمام الدوق بجلين لم يكن مفاجئًا.
“أفترض أنك طمعت في ‘سلاح البطل العجوز’، أليس كذلك؟ أليس هو ذاته السلاح الذي يُمكنه جعل شخص عادي يرتقي إلى مستوى ‘سيد السيف’، رغم أنه ليس حتى مستخدمًا للهالة؟”
“طمع؟”
استنكر جلين السؤال وكأنه لم يسمع أغرب منه قط.
“أتقصد أن أسرق شيئًا قد سُرق من قبل؟”
“هم؟”
“لم يخطر ببالي ذلك أصلًا… على العكس، بمجرد أن رأيت السلاح، شعرت أنه يجب إعادته فورًا.”
ارتسمت الدهشة على وجه الدوق، لكنه ما لبث أن تنهد وضحك خفيفًا.
“هاها، لقد زلّ لساني.”
“…؟”
“على كل حال، هل ترغبون بفنجان شاي بعد الطعام؟ ربما نتبادل بعض الأحاديث الممتعة كرجال السلاح.”
ثم نظر الدوق إلى لاسيان بلطف.
“ما رأيك، سموّ الأمير؟”
خشيت أريليتيا أن يُقلّل من شأن لاسيان لصغر سنه، لكن لحسن الحظ، كان الدوق يعرف حدوده.
رمق جلين أريليتيا بطرف عينه، وكأنما يطمئنها.
فأومأت له بنبضات من جفنيها، مفهومة ضمنًا.
كان من المتوقع أن يتحدث الدوق عن سلاح البطل العجوز، وليس مع لاسيان تحديدًا، بل مع جلين. بسبب عمر لاسيان، وبسبب خصائص ذلك السلاح أيضًا.
فضلًا عن أن السلاح ينتمي إلى الدوقية، وليس من المناسب مناقشته أمام الجميع.
وفوق هذا، فإن نيل رضا الدوق يحتاج رجلًا مثل جلين، أكثر من أيّ أحد آخر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 72"