الفصل 64 * * * “أريليتيا… هل يجب دائمًا كتابة عقد عندما نوظف شخصًا؟” نظرت أريليتيا إلى جلين بوجه خالٍ من الفهم. منذ أن انتهى من حديثه مع الملاح، بدا جلين غارقًا في أفكاره، والآن تحدث بنبرة جادة: “أقصد، تلك الاستمارة التي تحملينها دائمًا معكِ. في كل مرة نقابل فيها شخصًا جديدًا، لا تنسين أبدًا تعبئتها.” أجابت أريليتيا بنبرة حاسمة: “عقد العمل هو وسيلة قانونية قوية تحمي كلاً من صاحب العمل والعامل، يا سيدي الشاب.” “طبعًا، أعلم ذلك… لكن، ألا يمكن أن تكون هناك علاقة تربط الأشخاص بالثقة والوفاء، دون الحاجة إلى توقيع ورقة؟” قطبت أريليتيا جبينها بضيق. هذا الفتى الساذج، أما زال يحمل ذلك الوجه الساذج السهل الخداع؟ “لو لم نوقع العقود، لكنّا الآن بلا ملاح وسط هذا البحر الواسع، متروكين للمصير. هل تظن أن هذا أمر جيد؟” كيف يمكن بناء الثقة مع شخص قابلته لتوك؟ حتى بين من عاشوا معًا عشر سنوات، تُعتبر الخيانات جزءًا من الحياة اليومية. صمت جلين قليلًا وهو يغوص في تفكير عميق، ثم قال: “لكن، في العادة، قبل أن توظف شخصًا، تقوم بإجراء مقابلة، تنظر في وجهه، تراقب طبيعته، تستعرض سيرته، ثم عندما تشعر أنك تستطيع الوثوق به، توقع العقد. أليس كذلك؟” ردّت أريليتيا بسؤال استنكاري: “وإذا كنت بالفعل واثقًا من ذلك الشخص، لماذا تحتاج العقد أصلًا؟” “لأن العقد هو ما يجعلنا نعي أننا صرنا… رفاق.” أها، يبدو أن هذا ما كان يريد قوله حقًا. رفاق. شعرت أريليتيا بانقباض في معدتها، وكأنها ابتلعت شيئًا لم يهضم. “… لا أريد.” “لماذا لا تريدين؟” “لأنني أتعلق بهم.” بدت أريليتيا متوترة، وأدارت وجهها جانبًا، وتلعثمت كأنها تهم بالكلام ثم تتراجع، وهي طريقتها المعتادة في إظهار انزعاجها. “تتعلقين؟ ولماذا هذا أمر سيء؟” “لأنني سأبدأ بوضع آمال عليهم.” “وهل الأمل في الآخرين شيء سيء؟” “نعم، سيء.” كل التعاسة تبدأ بالأمل. ومع ذلك، لم تتعلم أريلتي بعد كيف تتعلق بأحد دون أن تضع عليه آمالًا. لذا، لكي تتجنب الألم، الأفضل ألّا تبني أي علاقة من البداية. فجأة سألها جلين: “إذاً… هل لا تتوقعين مني أي شيء؟ لا تنتظرين مني شيئًا أبدًا؟” “… لا.” “حقًا، لا شيء أبدًا؟ وهل هناك شيء تودين فعله لأجلي؟” “… هناك، بل الكثير.” “قولي لي، أريد أن أعرف.” بعد تردد قصير، همست أريليتيا أخيرًا: “أريدك أن تصبح أنبل النبلاء.” وبعد أن نطقت بتلك الكلمات الأولى التي بدت صعبة عليها، انساب الكلام بسلاسة: “وأتمنى أن يصبح الأمير لاسيان الإمبراطور، وأتمنى أن يُشنق ألبرت ولوسيو على المقصلة.” “هممم، فلنعتبر أنني لم أسمع هذه الجملة الأخيرة…” “وإن أمكن، أود أن أكون من يضربهم بيدي… مرة في الرأس، ومرة في الصدر، ومرة في البطن، وأخيرًا في مكانهم الحساس، تقسيم رباعي دقيق.” “هيه! من الذي علمك هذا الأسلوب الفظيع في التعبير!” “من الأسفل إلى الأعلى، ضربة واحدة لكل مكان، أربع ضربات تكفي لشفاء غليلي.” “… حسنًا… وماذا بعد؟” “وأيضًا…” أريد أن أنصب أعمدة ذهبية وعوارض ذهبية في قلعة هيزيت، وأضع تمثالًا لك بجانب تمثال أول رئيس للعائلة. أريد إحراق الدروع والملابس القديمة واستبدالها بأخرى جديدة. أريد أن أهدي تومبل ودنكن سيوفًا جديدة، وأهدي السير ميون باروكة فاخرة، وأشتري أدوات خبز جديدة لأختي تانيسا بدل أدواتها القديمة. وأتمنى أن يفرحوا جميعًا عندما يتلقون هذه الهدايا. أن أرى وجوههم السعيدة، وابتسامتهم الصادقة، وأسمع أصواتهم المليئة بالحيوية. حين وصلت أفكارها إلى هذا الحد، أدركت فجأة: آه، هذا هو “الأمل”. ابتسم جلين بهدوء وكأنه كان يعلم هذا مسبقًا. “إذًا، ألا نُعتبر أنا، لاسيان، وأهل هيزيت… رفاقكِ أيضًا؟” أريليتيا، التي كانت تتحدث بحماسة نادرة، أغلقت فمها فجأة، كأنها لم تجد ما تقول. لم تجب لوقت طويل. “رفاق”… لقد قررت في هذه الحياة ألا تربط نفسها بأحد. كانت متأكدة من ذلك… “… لا أعلم. لا أستطيع أن أجيب على هذا.” ابتسم جلين وربت على ظهرها: “لا بأس، أمامنا وقت طويل.” ثم جذبها إلى حضنه وأجلسها على ركبتيه، وبدأ يتأرجح بها بلطف كما لو كان يهدهدها. بلمسة يده الدافئة على كتفيها، وبحضنه الواسع، بدأت مشاعرها المتوترة تتلاشى تدريجيًا. “لا بأس، سنعرف الإجابة مع مرور الوقت، أليس كذلك؟” لم تجب أريليتيا، لكنها أيضًا لم تحاول الابتعاد. وفي بعض الأحيان، يكون الصمت أبلغ تعبير عن القبول. وفوق رأسيهما، كان نهر من النجوم يتدفق ببطء في سماء الليل. * * * واصلت سفينة “الحوت الأحدب” وسفينة “ماجنوليا” الإبحار لأسابيع أخرى.
كان دمع الملاح الأول دانتي يجف على وجنتيه بالكاد قبل أن يعود ليُبللها مجددًا، بينما يمسك بمقود السفينة ويوجهها بحذر بالغ. آخر مكان رصد فيه السفينة الذهبية، أو السفينة الشبح، كان عند النقطة الفاصلة بين بحر “إيست ماري” وبحر “ويست ماري”. لكن، لم يكن منطقيًا أن تبقى تلك السفينة في ذات الموقع لشهر كامل، بل إن تحديد موقع دقيق وسط البحر الفسيح أمر مستحيل أصلًا.
أعاد لاسيان محاولة استخدام رؤيته التنبؤية، لكن كل ما رآه كان محيطًا مترامي الأطراف بلا نهاية. مما يعني أن احتمال رؤيتهم للسفينة الذهبية في المستقبل القريب ضعيف. “هل لاحظت شيئًا غريبًا حين رأيتها؟ مثل طقس سيئ، ضباب كثيف، أو شيء كهذا؟” “همم… كان الليل غائمًا جدًا، لم نستطع رؤية كوكبة الدب الأكبر، لذا أنزلنا المرساة لتلك الليلة. بخلاف ذلك، لم يكن هناك شيء غير عادي. طالما أن الرياح والأمطار معنا، فلا تختلف أيامنا في البحر كثيرًا.” بدون أي خيط أو دليل، أصبح البحث كمن يسير وسط متاهة لا نهاية لها. بينما بدا الغموض يزداد ثقلاً على قلوب جلين ولاسيان، كانت أريليتيا أكثر هدوءًا. “لا بأس. لم أكن أضع أملاً في إيجادها خلال شهر على أي حال.” حتى إن استغرق الأمر أكثر من ثلاثة أشهر دون أثر للسفينة الذهبية، لم تكن لتتضايق. فالبحر “إيست ماري” كان مليئًا بالكنوز، وليس كل شيء هناك مجرد آثار قديمة. في تلك الأثناء، لم يكن من النادر أن تتردد صرخات الذعر فوق سطح السفينة: “آه! النجدة، أنقذوني!” “أخطأت، أعترف بكل شيء! فقط دعوني أعيش! سأفعل أي شيء تطلبونه!” خلال عشرين يومًا أخرى من الإبحار، اصطدموا مرارًا وتكرارًا بسفن القراصنة، التي ترفع رايات الجماجم المتمايلة مع الرياح. ومع مرور الوقت، أصبح طاقم السفينة معتادًا على مواجهتها؛ ولم تعد المعارك تستغرق أكثر من ساعة لحسمها. “هؤلاء القراصنة عددهم كبير هذه المرة.” “ريكي، تصرّف معهم.” ريكي، الذي كان وجهه شاحبًا من دوار البحر، لوّح بيده الضعيفة، ليطلق جيشًا من الهياكل العظمية التي قفزت من على السفينة نحو قارب القراصنة، ففر القراصنة وهم يصرخون رعبًا: “الهياكل تتحرك! هذا سحر أسود!” “تباً، انشروا الأشرعة! استدر بالسفينة فورًا!” “الدفة لا تستجيب، أيها القبطان!” “تبًا لهذا اليوم!” في محيط بلا مفر سوى الخشب الذي يطفو على سطح الماء، كان جيش الهياكل العظمية، الذي لا يموت مهما كُسر، كابوسًا حقيقيًا. قال جلين ساخرًا، وهو يصعد بخفة إلى متن السفينة المهاجمة: “إنهم يرفعون علم الجمجمة بكل فخر، ومع ذلك قلوبهم أضعف مما كنت أظن.” بضربات سريعة، ألقى بالمهاجمين المندفعين في البحر طعامًا للأسماك، أما من رفعوا رايات الاستسلام، فتم تقييدهم وتكديسهم تحت برج المراقبة. صرخ قبطان السفينة، الذي كان يرتدي قبعة مائلة: “أنت… إلى أي عصابة قراصنة تنتمي؟ هل أنت من أصحاب الشوارب الزرقاء؟ أو من ذوي العيون المعطوبة؟ أم من أصحاب اللحى النتنة؟” إن كان يستخدم السحر الأسود، فلا شك أنه قرصان مثلهم، أليس كذلك؟ صرخ برجاء: “انتظر، لنتفاوض! أخبرني بما تريد!” أجاب جلين وهو يضع سيفه فوق كتفه بابتسامة جانحة: “التفاوض؟ التفاوض يكون حين يمتلك الطرفان شيئًا ليقدماه لبعضهما.” “إذن فقط أخبرني بما تريده!” “أنتم لا تملكون شيئًا يستحق التفاوض عليه.” وأمرهم بنبرة خالية من الرحمة:
“هيا، أفرغوا جيوبكم، كل ما لديكم.” أثناء شهرين من العيش في البحر، أصبح جلين بالفعل… قبطانًا بكل ما تعنيه الكلمة. علق لاسيان، بنظرة مشككة:
“كيف صنعتِ منه هذا الوحش؟ كيف أصبح بهذا الشر؟” أجابت أريليتيا بفخر واضح: “هذه هي التربية المثالية.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 64"