أبحرت سفينة “ماجنوليا” بشموخ، تشق صفحة البحر اللامتناهية، رافعة راية “هيزيت” المذهّبة، بينما خلفها كانت سفينة القراصنة “الحوت الأحدب”، التي استسلمت في معركة الليلة الماضية، مربوطة بحبال قوية كغنيمة حرب.
على سطح السفينة، كان ريكي يتكئ على الحاجز، وجهه شاحب كمن رأى الموت، يترنح يمينًا ويسارًا بسبب الدوار. الشاب الذي جرّه القدر تحت ذريعة “إجازة”، عانى لأسابيع من دوار البحر، وكأن الموج يسخر من كل أمل في النجاة.
لم ترحمه أخته “إليزا”، بل راحت تضربه بخفة على ظهره، محاولة إيقاظه من تلك الدوامة المقيتة.
“بـ… بؤع!”
مرّ عشرون يومًا منذ أن حملتهم دائرة “ريكي” السحرية في لحظة واحدة من المقاطعة إلى كاسفل، وكأن الزمان قرر طيّ صفحاته بين طرفة عين وأخرى.
في بداية الرحلة، كان الهدوء سيد المكان، سبعة أيام من استجمام تحت شمس دافئة ونسيم مالح يداعب الوجوه. لكن في اليوم الثامن، انقلبت الرحلة رأسًا على عقب مع ظهور راية سوداء تلوح من بعيد — سفينة قراصنة كانت تبحث عن فريستها.
وفي خضم ارتباك الجميع، وقفت “أريليتيا” بكل هدوء وألقت كلماتها التي لا تُنسى: “لنسرق تلك السفينة.”
الجميع ابتلعوا صدمتهم، أما “جلين” — الذي كان يسرّح شعر أريليتيا برقة بينما تجلس على ركبتيه — قرر كسر الصمت وقال بنبرة مرحة، وكأن كل شيء تحت السيطرة:
“ألم يحن الوقت لتخبرينا الحقيقة، أيتها الأميرة؟”
رفع حاجبيه وهو يربط خصلات شعرها بإتقان:
“كنت متأكدًا أن هذه الرحلة ليست مجرد إجازة عادية، منذ اليوم الأول، ولكن فضولي يزداد… إلى أين تقودينا هذه المرة؟”
أريليتيا، منشغلة بطلاء جسد دميتها الصغيرة “الإبرة” التي كانت تبكي وكأنها مخلوق حي، أجابت بلا تردد:
“ليس هناك وجهة محددة… لكنني أبحث عن شيء.”
“شيء؟ مثل ماذا؟”
“السفينة الذهبية.”
كلمة واحدة كانت كافية ليعم الصمت على سطح السفينة.
“السفينة الذهبية؟!”
كرر جلين الجملة بدهشة، بينما انطلق صوت مفاجئ خلفهم، كان البحّار العجوز الذي رافقهم منذ كاسفل، قد فغر فاهه كأنما ابتلع لسانه:
“السفينة الذهبية؟! أأنت تعنين… شبح البحر الذي يتحدث عنه الجميع؟”
كان صوته يرتجف كأن تلك الذكرى وحدها كفيلة بإغراقه في قاع الرعب.
ابتسمت أريليتيا، وغرست الإبرة اللامعة برفق داخل دميتها:
“نعم، بالضبط، سفينة الأشباح التي تبحر في مياه إيست ماري.”
“هذا جنون!”
ألقى البحّار بدفّة القيادة أرضًا، يقفز من مكانه وكأن صاعقة ضربت قلبه:
وسط انفعالاته المرتجفة، ساد على السفينة هدوء غير متوقع، كأن البحر نفسه كتم أنفاسه ليستمع لما سيُقال.
ضحك “جلين” ضحكة خفيفة، بينما راح يربت على كتف أريليتيا:
“أوه، إذن هذا هو السبب الخفي لهذه الرحلة، جئتِ تطاردين حلمكِ القديم.”
“كنت أشك في الأمر منذ بدأتِ بالحديث عن أعمدة الذهب، لكن الآن بات كل شيء واضحًا.”
على ظهر السفينة، تمدد لاسيان بكسل تحت أشعة الشمس، وأطلق تنهيدة طويلة.
أما ريكي، الذي بالكاد يتمسك بوعيه، سأل بنبرة حالمة:
“إذا وجدنا تلك السفينة… هل سنرتاح بعدها؟”
لكن البحّار كان لا يزال تحت وطأة الصدمة، وكأن الأمل قد غادر جسده:
“ألم تسمعوا؟… لا أحد نجا منها، لا أحد!”
أريليتيا ربتت على كتفه بلطف، وكأنها تطمئنه قبل أن تدفعه نحو الهاوية:
“لا تقلق، نحن ملتزمون بالعقد، ولن نكسر وعدنا لك.”
ثم، ببطء، أخرجت من جيبها نسخة مهترئة من عقدٍ قديم، توقيعه لا يزال يحتفظ ببصمة إصبعه.
“المادة الأولى: ضمان سلامة الطاقم قبل كل شيء… صحيح؟ لكن المادة الثانية توضح كل شيء بجلاء.”
رفعت عينيها نحوه، نبرة صوتها ثابتة كالسيف:
“إذا قررت التراجع… لا مشكلة، فقط انزل من السفينة الآن.”
شهق البحّار، ونظر حوله، البحر يمتد أمامه بلا نهاية، والأمواج تحيط به كقيد أزلي.
“أنزل؟ هنا؟ في وسط البحر؟”
“بلى، الخيار لك، نحن نحترم رغبتك.”
حُسم الأمر، وارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة كأنما استسلم لقدرٍ لا مهرب منه.
وقف “جلين” متكئًا على حافة السفينة، وعيناه شاخصتان نحو الأفق الغارق في العتمة. كانت مياه البحر تبدو ساكنة وخادعة، تخفي في جوفها أسرارًا لا تنتهي.
لحقت به أريليتيا، تمشى بخفة حتى وقفت بجانبه، تحت نفس الضوء الباهت للقمر. مدت يدها لتعدل خصلات شعرها التي تطايرت قليلًا، ثم مالت برأسها نحو الأفق، تشاركه ذات المنظر، وكأنها تستمع إلى صمت البحر معه.
“تبدو وكأنك تفكر في شيء عميق،” قالت بصوت هادئ.
أجابها جلين بنبرة خافتة، كأنما يتحدث إلى نفسه:
“كنت أفكر… ما الذي يدفعكِ حقًا وراء تلك السفينة الملعونة؟ الذهب؟ أم شيء آخر؟”
ابتسمت أريليتيا ابتسامة غامضة، ونظرت إليه بعينين تلمعان تحت ضوء القمر، وقالت:
“ليس الذهب، بل ما هو أندر من ذلك. شيء لا يُشترى ولا يُباع.”
أمال رأسه قليلًا مستفسرًا:
“وماذا عساه يكون؟”
أجابت بهدوء:
“الحقيقة.”
ساد الصمت بينهما مجددًا، حتى تسلل صوت أمواج البحر يتلاعب بجوانب السفينة، وكأن المحيط ذاته قرر أن يصغي معهما إلى هذا الحديث الغامض.
في تلك الأثناء، كان لاسيان جالسًا فوق إحدى البراميل، ينظر إلى النجوم بعين نصف مغمضة. رياح خفيفة داعبت خصلات شعره، لكنه لم يُحرك ساكنًا، كما لو أن عقله غارق في مكان آخر، بعيد عن هذا البحر وعن هذه السفينة.
وفجأة، قطع الصمت صوت مألوف، كان صادرًا عن البحار العجوز، الذي ظل مترددًا طوال النهار:
“ذلك الضوء هناك… هل ترونه؟”
التفت الجميع نحو الأفق، وهناك، في قلب الظلمة، كان نور باهت يتلألأ بعيدًا وسط الضباب.
أريليتيا كانت أول من نطق، بصوت خافت:
“بدأ الأمر.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 63"