في قمة جبال كولدن الشاهقة، كانت التنينة الجليدية ترقب أراضيها الواسعة بشغف، تتأمل مشاهد الحياة التي تعجّ بالحيوية في مقاطعتها.
منذ أن غادرت سيدتها الصغيرة، الطفلة المتعاقدة، في غابة الثلج البيضاء في رحلة إلى مدينة البشر، لم يتوقف سكان المقاطعة عن الحركة والعمل.
وفي الساحة المركزية، حيث تُقام الأسواق وتُعقد الاجتماعات، رُسمت لوحة جدارية غاية في الروعة والإتقان. وما إن وقعت عين التنينة على جزء اللوحة الذي صُوّرت فيه، حتى انطلقت ضحكاتها المكتومة، ساخرة:
【هاه! رسم لا بأس به إطلاقًا.】
كانت التفاصيل دقيقة حد الإعجاب؛ من القشور الشفافة اللامعة وكأنها نُحتت من صخور الجليد، إلى الجسد الضخم المتلألئ بوميض أزرق، والأقدام الأمامية القوية التي تمسك بقمة الجبل، وصولاً إلى الذيل الذي يتمايل بين الغيوم… كل شيء رُسم بمهارة آسرة.
لكن أكثر ما أثار إعجابها، تلك الهيئة الصغيرة التي رُسمت فوق رأسها — هيئة إنسان صغير بملامح دقيقة وقَصّة شعر مستقيمة.
【هاهاها، أشبه بأميرة الإبهام!】
لقد تنازع اللورد العجوز مع “أريل” حتى اللحظة الأخيرة حول إقامة تمثال لها في الساحة، ويبدو أن سكان المقاطعة وجدوا حلاً وسطًا بنقش صورتها الصغيرة داخل الجدارية، ولو بحجم ظفر الإصبع.
تخيلت التنينة تعابير وجه تلك الطفلة عند رؤيتها للجدارية بعد عودتها؛ ذلك المزيج الغريب بين التوتر والانزعاج، كما لو كانت تقضم ثمرة كاكي غير ناضجة.
كانت تعرف تلك الملامح جيدًا؛ فقد اعتادت مراقبة الطفلة من أعلى القمم، تتابع حركاتها وسكناتها حتى حفرت في ذاكرتها.
شعرت برغبة غريبة لرؤية ذلك الوجه النقي مجددًا، فمدّت مخالبها وداعبت طرف الجرف الجليدي.
وفي لحظات، بدأ مانا نقيّ صُقِل عبر آلاف السنين يتدفّق، ملوّنًا المروج الخضراء أسفل الجبل بألوان سحرية. هناك تحديدًا، حيث تمتد حقول الماندريك التي يعتني بها البشر في “هيزيت” بعناية بالغة.
وما إن تشبّعت التربة بالمانا، حتى بدأت جذور الماندريك المدفونة في الأعماق تتحرك، كأنها تتثاءب بعد سبات طويل.
【يبدو أن لسانكِ لا يعرف التوقف عن الشفقة، صغيرتي.】
كانت قد رأتها مرارًا وهي تتقاسم جرعات الإكسير خاصتها مع الجميع: زجاجة للباحث الجديد، رشفة لعمال البناء، وأخرى لكل عجوز متعب تمر به.
وغالبًا ما كانت لا تُبقي لنفسها شيئًا في النهاية.
التنينة، وبشيء من الحزن، خمّنت أن تلك الأفعال لم تكن سوى محاولات صغيرة للتكفير عن خطايا ماضية.
【إن كنتِ تنوين سداد كل ديونكِ، فعليكِ أن تعيشي طويلًا… يا صغيرتي المتعاقدة.】
وبينما كانت تتأمل الأفق، لمحت جماعة من المسافرين يعودون عبر الطريق المفتوح، خطواتهم مبتهجة تخالف تمامًا حركة مجموعة أخرى كانت تزحف من الغرب بخفة ودهاء.
【آه، صحيح… الطفلة طلبت مني حماية هذه الأرض من كل خطر خارجي، أليس كذلك؟】
حكّت ذقنها الضخم بقدمها الأمامية، وقبل أن تغمض عينيها، طوّحت بكرات الثلج صوب المتسللين.
وووش!
الكرة الجليدية الهائلة انطلقت كالرصاصة، وسحقت المهاجمين تحت وطأتها.
【لوحة الجدارية بالكاد انتهينا منها، وأنتم تجرؤون على إفسادها؟ يا للخسارة!】
لذا… لا مكان للمتطفلين هنا.
أطلقت زفيرًا ثلجيًا عميقًا، قذفت به الأجساد المغشي عليها بعيدًا، لتتلاشى خارج حدود المقاطعة كأنها لم تكن.
✦ ✦ ✦
أما أريليتيا، فقد جابت المقاطعة بوجه مشرق يفيض بالرضا.
خلال شهر ونصف فقط، تغيّرت هيزيت تمامًا، لدرجة يصعب معها التعرّف عليها.
كان يكفي أن تلقي نظرة واحدة على الساحة المركزية لتدرك أن هيبة المقاطعة قد ارتقت عدة مراتب، حتى أساتذة الجامعة الإمبراطورية، الذين رافقوها من كاسفل، لم يُخفوا إعجابهم.
منذ عبورهم الجسر المتحرك والدخول إلى أراضي هيزيت، لم يتوقفوا عن التعبير عن دهشتهم.
فمن ذلك التنين العملاق الجالس على عرش الجبال، إلى تلك القرية الصغيرة التي تغمرها روح الشتاء الهادئة، ثم الساحة الشامخة التي يزيّنها تمثال ذهبي يفوق حتى جلالة التنين.
“هذا هو السيد المؤسس لمقاطعة هيزيت، أليس كذلك؟ لقد عُهد إليه بحراسة الحدود من قِبل كارلوس الثالث، فنزل من جبال كولدن لتشييد هذه الأرض.”
“لولا مؤسسكم النبيل، لما نعمت الإمبراطورية بهذا السلام، بعيدًا عن تهديد الوحوش. إنه لشرف عظيم أن نحني رؤوسنا تقديرًا له.”
سكان المقاطعة، من فرط الفخر، لم يستطيعوا كبح دموعهم، حتى الفرسان، يتقدمهم جلين، اغرورقت أعينهم بالعاطفة.
“من كان يظن أن نسمع كلمات شكر كهذه من أبناء العاصمة، أليس كذلك، يا أميرتي؟”
قالها دانكن، ماسحًا دموعه بآذان دمية الأرنب خاصته، الأمر الذي جعل أريليتيا تتذمر في نفسها:
أوه، يا عمّي! لقد غمرت الدمية كلها!
“كل هذا بفضلكِ… نحن بالفعل محظوظون.”
“ما زال أمامنا طريق طويل.”
قالتها وهي تمسح بلطف ما تبقى من دموعه بأذن الأرنب الأخرى.
“العمل الحقيقي يبدأ الآن.”
“هاه؟! لا زال هنالك المزيد؟!”
“لم نضع بعد العارضة الذهبية الكبرى.”
أما
القلعة، فقد حظيت بآراء متباينة؛ لم ترقَ بهيبتها لمستوى الساحة، لكنها تركت انطباعًا بالبساطة والهدوء.
وحين تفقد الأساتذة المكاتب المؤقتة خلف القلعة، ارتسمت على وجوههم خيبة أمل طفيفة.
بطبيعة الحال، لم تكن أريليتيا تتوقع تقييمًا مرتفعًا، وهم معتادون على رفاهية القصور الإمبراطورية والمعاهد اللامعة.
في أعماقها، بدأت تخطط:
‘يجب أن أحتفظ بهم هنا لأطول وقت ممكن.’
أشخاص كهؤلاء، لا يمكنك ضمّهم حتى لو ألقيت عليهم أكوامًا من الذهب.
“سأوفر عددًا كافيًا من المتقدمين قبل نهاية الشهر، كما سيكون المختبر قد اكتمل ترتيبه بحلول ذلك الوقت.”
أجل، المقاطعة بحاجة ماسة إلى الأيدي العاملة.
وبالفعل، لم يكد جلين ينشر إعلان التوظيف في المقاطعات المجاورة، حتى بدأت طلبات التقديم تتوافد كالسيل في الأسبوع التالي.
✦ ✦ ✦
“أنتم تريدون مني بناء كل هذا خلال شهر واحد؟!”
“نعم.”
تنهيدة طويلة أطلقها ريكي، الذي كان يومًا ما مرشحًا لمنصب نائب رئيس برج السحرة، ثم صار لاحقًا مرتكبًا لمجزرة دمرت قرية بأكملها، حتى انتهى به الحال عبدًا في مقاطعة هيزيت.
“هل تعرفين حجم المانا اللازم لتحريك عشرين هيكلًا عظميًا دفعة واحدة؟”
“وهل يُفترض بي أن أعلم ذلك؟”
ردّت الطفلة، وهي غارقة في نصف جسدها خلف دمية الأرنب خاصتها.
“كل ما عليك فعله هو إدخال أوامر بسيطة. لم أطلب منك أعمالًا معقدة، فقط تشغيلهم كعمّال بناء. لماذا كل هذا التذمر؟”
‘انظري فقط إلى جدول العمل هذا، أيتها الساحرة الشريرة!’
فور وصوله إلى المقاطعة، سُلم إليه الأمر: خلال شهر واحد، بناء 150 منزلًا جديدًا، وعشرة فنادق حديثة، مع استصلاح كامل المنحدر الجبلي!
“عشرين هيكلًا عظميًا غير كافيين لهذا العبء!”
“بل كافيين وأكثر، فهم لا يحتاجون إلى طعام، ولا يعرفون ما معنى الراحة.”
قالت أريليتيا وهي تحدق به بنصف عين.
“ثم، لمَ الكذب؟ أنت تملك الآن أكثر من مئة، أليس كذلك؟”
“بل مئتين، مئتين كاملتين!”
صرخ ريكي دون تفكير، ثم عض على لسانه نادمًا.
‘تبا، لا يهم العدد الآن، أنا فقط لا أريد استغلال جيشي العزيز من الهياكل العظمية في هذه الأعمال التافهة!’
ولكن، بالطبع، لم يجرؤ على قول ذلك بصوت عالٍ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 58"