بدلًا من الرد، جذبت أريليتيا لاسيان وأوقفته أمام ريكي.
وما إن أزاحت الغطاء الذي كان يخفي نصف وجهه، حتى انسكبت خصلاته الذهبية اللامعة، وانكشفت عيناه الحمراوان كالياقوت، دون أن تشوبهما شائبة.
تعثر ريكي في كلماته، متلعثمًا:
“من العائلة الإمبراطورية…؟ لَـ… لكن!”
في أيام انتسابه لبرج السحرة، كان قد دُعي ذات مرة إلى مأدبة في القصر الإمبراطوري، وهناك أُتيحت له فرصة لقاء ولي العهد الأول والثاني وجهًا لوجه.
الصبي الواقف أمامه بدا أصغر سنًا بقليل من الاثنين، بملامح أكثر نعومة ودقة، أقرب ما تكون لدمية حيّة.
وإن لم يكن أحدهما، فلا يبقى من أبناء الإمبراطور سوى أمير واحد.
“أنت… أيها الوغد…”
تلعثم لاسيان، المذهول بدوره، غير أن أريليتيا لم تعره أدنى انتباه.
“سنُعلن الأمير الثالث وريثًا شرعيًا للعرش. وفي هذه العملية، نحتاج إلى قوتك.”
“أهذا مزاح…؟ الأمير الثالث ذاك، مجرد صبي خلف الجدران، لا حول له ولا قوة…”
“خلف الجدران، تقول؟”
ساد الصمت برهة، ثم رفع راشيان ركبته اليمنى ببطء وهو يتمتم ببرود:
“فمك لا يكفّ عن الثرثرة، لكن إن رغبت بأن يُفصل رأسك عن جسدك بتهمة إهانة العائلة الإمبراطورية، فما عليك سوى الاستمرار. وإن شئت، يمكنني تولي أمر ذلك بنفسي.”
“لـ، لـ… لم أقصد ذلك!”
“أتظن أن الأموات أمر يدعو للدهشة؟ حين تسقط قتيلاً، تصبح مجرد جثة.”
أمام تهكمه اللاذع، عقد ريكي لسانه وأطبق شفتيه بصمت.
أريليتيا، التي كانت تراقب المشهد وكأنها توقعت هذا، أضافت قائلة:
“يؤسفني إخبارك، لكن لم يُترك لك خيار. فبينما السيد الصغير، وريث عائلة هيزيت، يتحلى بالعدل والإنصاف، فإنني، وصاحب السمو، لسنا كذلك.”
“إذاً… ماذا تريدان مني بالتحديد؟”
“أولًا، عليك أن تمنح الموتى الذين قُتلوا ظلمًا جنازة لائقة.”
“… ثم ماذا؟”
“ثم، عليك أن ترافقنا. ومنذ تلك اللحظة، كل ما تحتاجه هو تنفيذ أوامري.”
رمش ريكي بعينيه، مذهولًا.
“إن جئت معنا، سأساعدك على إيجاد القاتل الذي اغتال والديك، وسنفكر معًا بطريقة لتحرير روح إليزا.”
‘…!’
بدت لمعة في عيني ريكي، اللتين كانتا حتى تلك اللحظة خاويتين كعيني سمكة متعفنة.
لقد كانت تلك أمنيته التي نذر حياته من أجلها: العثور على القاتل الذي لفّق التهمة لوالديه، وابتكار تعويذة لإعادة روح الميت إلى جسده، أي خلق “سحر البعث”.
بطبيعة الحال، كان “سحر البعث” محظورًا بشكل صارم داخل برج السحرة. وقد تمكن ريكي من إبقاء روح إليزا حبيسة في هذا العالم عبر طقوس سحرية ملتوية، لكنه لم يجد طريقة لربطها مجددًا بجسدها.
وهكذا، استمر المسكين في إبقاء روح إليزا، أخته، مربوطةً بتعويذته، رهينةً لعذاب لا نهاية له.
ولم يكن ريكي، مبتكر هذا السحر نفسه، يعرف كيف يُحرر تلك الروح.
‘في حياتي السابقة، كنت قد وعدته أنني سأعيد الزمن لإليزا.’
وفي المرة الثانية، استخدمتُ هذا الوعد كطُعم، ونجحت أخيرًا في استمالة ريكي إلى جانبي. لكن، للأسف، مُتّ قبل أن أوفي بوعدي.
‘لو كُتب لي استخدام “سلطة العودة بالزمن” مرة أخيرة قبل موتي، فسأمنحها لإليزا.’
كانت تلك أقصى درجات العطف التي يمكن لأريليتيا، التي جمعت بين كونها عدوته وصديقته في آن، أن تُظهرها له. عطفٌ وُلِد من شعور مشترك بينهما.
طال صمت ريكي، مما جعل أريليتيا تشعر بالقلق شيئًا فشيئًا.
‘هل أخبره أنني أستطيع إيقاف تحلل إليزا مؤقتًا بفضل نعمة ساحر الزمن؟ كنت أخطط لفعل ذلك خلسة لاحقًا، لكن…’
وفيما كانت تفكر في الأمر، عض ريكي شفته السفلى بعنف.
“… إن وافقت وذهبت معكم،”
“همم؟”
“ما الذي ستأمريني به؟”
‘لقد وقع في الشرك!’
حتى قبل أن تنفجر سعادتها، أخرجت أريليتيا على عجل شيئًا من الجيب الأمامي لفستانها، حيث كان مرسومًا عليه شكل زهرة التوليب.
كان في يدها عقد سميك ودفتر صغير بحجم راحة اليد.
“هاك، وقّع هنا أولًا.”
“هاه؟”
“عقد. أنا بالفعل وقّعت. ألا ترى أن هذا يجعل الوضع أكثر وضوحًا وموثوقية؟ هيا، ضع إبهامك هنا… اضغط جيدًا.”
وفي غمضة عين، طُبِع ختم ريكي على العقد، وبدأت الدائرة السحرية المنقوشة عليه في التوهج، مفعّلةً قواها الملزمة.
ثم تصفّحت أريليتيا الدفتر بأطراف أصابعها، مشيرةً بإصبع السبابة:
“والآن، لتبدأ بتسليمي حقيبة الجيب السحرية أولًا.”
“هاه؟”
“وإذا كان بحوزتك أي مخطوطات للتنقل الآني، أخرجها كلها أيضًا. لا، في الواقع…”
“…”
“ببساطة، أعطني كل ما تملكه.”
كانت وقاحتها أقرب إلى وقاحة قاطع طريق.
تحول وجه ريكي إلى شاحب اللون.
“مـ، مهلاً، دعيني أرى العقد مرة أخرى…!”
العقد ينص على:
يتعهد الطرف الثاني (ريكي) بالخضوع التام للطرف الأول (أريليتيا) طيلة حياته، وتنفيذ كافة أوامرها بلا اعتراض.
بالمقابل، يلتزم الطرف الأول بدعم ورعاية إليزا، شقيقة الطرف الثاني، بكل السبل الممكنة.
في حال ارتكب الطرف الثاني خيانة صريحة أو ما يعادلها، يُلغى العقد، ويُسلَّم الطرف
الثاني للعدالة وفقًا لقوانين إمبراطورية بيرتل.
الطرف الأول غير ملزم بدفع أي مقابل للطرف الثاني لقاء عمله.
ويُحظر حظرًا قاطعًا، بل ويُمنع منعًا باتًا، أن يحاول الطرف الثاني مجددًا قتل الطرف الأول!!
“ما هذا الـ…!”
حتى دون التطرق إلى الشرط الأخير الذي يفوح منه حقد دفين…
‘بلا أجر؟ مدى الحياة؟ بلا نهاية؟!’
بحلول اللحظة التي أدرك فيها ريكي أن ما وقّع عليه هو عقد عبودية مقنّع، كان الأوان قد فات بالفعل.
* * *
وأثناء عودتهم عبر الكهف، ممسكين بريكي كالغنيمة، غرق “جلين” في تفكير عميق.
‘قُتل والدا ريكي بتهمة محاولة القتل، وأُعدما في يوم واحد… ومع ذلك، نجا ابنهما الوحيد، ريكي، الذي يتمتع بقدرات غير عادية؟’
‘ألا يبدو هذا مألوفًا للغاية؟ وكأنني سمعت هذه القصة من قبل…’
“معلمتي، قلتِ إنكِ في الجولة الأولى كنتِ تدعمين الأمير الأول، أليس كذلك؟”
“هاه؟”
تفاجأت أريليتيا، التي كانت لا تزال تحتضن جلين.
“مم… لماذا هذا السؤال فجأة؟”
“وكان ريكي أيضًا، في الجولة الأولى، يقف في صف الأمير الأول، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
لم تكن أريليتيا تميل للكشف عن تفاصيل حياتها السابقة، وقد اعترفت على مضض بأنها، في كل من حياتيها السابقتين، خدمت وليي عهد مختلفين كمستشارة سياسية.
ورغم أنه لم يُلح بالسؤال احترامًا لمشاعرها…
‘ثمة شيء غريب، إحساس سيئ يراودني… لماذا أشعر بهذا النوع من الدهشة المألوفة؟’
“ما بالك، أيها السيد الصغير؟”
“آه؟ أ… لا شيء.”
“يبدو أنك تخفي شيئًا.”
“هاه؟”
“على أي حال، إن كنت تخطط للذهاب إلى الهلاك، فلا بأس، سأكون معك.”
ثم أشارت أريليتيا، بإصبعها الصغير، نحو الأمام مباشرة. كان أمامهم هاوية شاهقة.
أمسك لاسيان بطرف رداء جلين بوجه صارم، قائلًا:
“إن كان هذا هو اختيارك، أخي، فسأتبعك حتى النهاية.”
“لا، لا، توقّفا! لست أقصد هذا!”
‘ما الذي يدور برأسيهما؟ هل عقدا العزم على الموت فجأة؟!’
ارتبك جلين وتراجع خطوة إلى الوراء، يجمع شتات نفسه.
وعلى الرغم من انشغاله بترتيب أفكار العودة، ظل الإحساس الغريب الذي راوده قبل قليل عالقًا في صدره.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 55"