“ألست أنا من له عمل معكم؟ لماذا تتعرضون لصغيرة بريئة لا دخل لها؟!”
كانت إليزا بين أيديهم، جسدها الهشّ كدمية من زجاج.
ريكي، المذعور حتى نخاعه، تجمّد مكانه كتمثال مذعور. ماناه لم تستجب لندائه، واكتفى باللهاث الحاد، كأن الهواء نفسه يفرّ منه.
“إن لم ترد أن تُدفن حيًا في هذا المكان، فارفع يدك فورًا وتراجع. سأعد حتى خمسة. واحد، اثنان، ثلاثة…”
بووم.
اهتزّ العالم من حوله في لحظة، وانفجر الألم في جسده كبركان، حتى ظن أن أحشاءه تمزقت.
عندها فقط، بعد فوات الأوان بلحظة، أدرك أن الشاب قد سدد ضربة أخرى — هذه المرة مباشرة إلى معدته.
“كـ… كاه…”
“من برأيك المتفوق الآن؟ يبدو أنك لم تستوعب الوضع بعد.”
قالها جلين وهو ينفض قبضته ببرود قاتل، ثم أومأ برأسه نحو دانكن.
دانكن، ذلك الجدار البشري، طقطق عنقه جهة اليمين ثم اليسار، وكأنّه يستعد لحلبة مصارعة، ثم أمسك برقبة ريكي ورفعه بسهولة كأنما يرفع قطعة قماش مهترئة. بين يديه العملاقتين، بدا ريكي كطفل ضئيل مكسور.
“هيا، لنجلس ونتحدث بهدوء أولًا. مصيرك سنقرره بعد ذلك، لذا انتبه لما تقوله، مفهوم؟”
من نبرة جلين وحتى هيبة دانكن، لم يبقَ فيها شيء من الرحمة. لا دفء، لا شفقة، فقط حُكم صدر على مجرم.
قيد دانكن ريكي بالحبال، بشراسة جعلته يجثو على ركبتيه كمن كُسر ظهره.
“كم مر وقت على موت هذه الطفلة؟”
“لم تمت!”
“أكمل كذبك كما تشاء. لكن، لماذا لم تقم بدفن جثة طفلة ميتة؟”
“قلت لك، لم تمت! وأنت، ما الذي تعرفه أصلًا؟!”
صرخ ريكي بانفعال، صوته يئن من الحزن والاحتراق، كأن قلبه ينفجر مع كل حرف.
“ستعود للحياة قريبًا! سأعيدها بنفسي! لذا لا تلمسها دون إذني!”
انهمرت دموعه من أطراف عينيه المنتفختين، ساخنة وصامتة، كأنها آخر ما تبقى من إنسانيته.
صمت جلين لثوانٍ، ثم نقل بصره نحو السرير. إليزا، تلك الصغيرة، جثتها الراقدة هناك تجاوزت الموت منذ زمن… ملامحها الشاحبة تشي بأنها غادرت الحياة منذ شهور.
أن يعيد ميتًا للحياة؟ بدا الأمر مستحيلًا. بدا أن الصبي قد فقد عقله… أو فقد كل ما عداها.
أما أريليتيا، فكانت تحدق بريكي ببرود يخترق الروح، عينها لا ترف، وذهنها يقرأ ما بين السطور.
‘قصة معتادة…’
أحد أولئك المبتلين بالمأساة، الذين ابتلعهم الحزن حتى ظنوا أن ظلمهم مبرر. الشرير ذو القلب المكسور.
فحتى الأشرار… دومًا لديهم سببٌ يجعلهم كذلك.
نقلت أريليتيا نظرها نحو جثة إليزا الملقاة على السرير، وشيء من الحزن الغامض مرّ في عينيها.
كانت تعلم منذ البداية أن لريكي شقيقة تُدعى إليزا.
سمعت عن قصته — فقدَ أسرته ظلمًا واحدًا تلو الآخر، حتى ملأه السواد، ودمر قريته وهرب. ومن أجل إنقاذ شقيقته، غاص في وحل السحر المحرم، ذاك الذي حظرته برج السحر.
حين قابلت أريليتيا ريكي في دورتها الثانية، كانت إليزا قد ماتت منذ زمن… ولم يتبقَ منها سوى هيكل عظمي متحرك — “سكلتون” بلا روح.
لكن هذه المرة، وجهها لا يزال شبه سليم، رغم ما فيه من علامات التحلل.
‘إذاً هذه كانت ملامحكِ يا إليزا…’
يبدو أن اللحظة التي يشهدونها الآن، هي اللحظة التي بدأت فيها قصة سقوط ريكي في الظلام.
رغم ذلك، علامات التحلل واضحة. تحت السرير، وُضعت طبقات من الثلج ومزيج من الأدوية — محاولة يائسة لحفظ جسدها.
لكنه لم يكن كافيًا.
‘لهذا كان يتعلم سحر الجليد، بجانب السحر الأسود… يريد أن يجمّد الزمن لجسدها، حتى لا تُمحى ملامحها.’
من يجمع بين هذين النوعين، يُصبح بعد سنوات أحد أخطر السحرة في العالم… يُذكر اسمه في الظلال، ويُقال إنه قادر على إذابة لحم الأحياء بريحٍ من أنفاس مسوخاته.
لكن ريكي الآن؟ لم يكن سوى مبتدئ… لم ينجح إلا في تحريك بعض الهياكل العظمية.
كائنات جوفاء، تكرر أوامر بسيطة بلا وعي، بلا عقل.
أما جيشه من الموتى الأحياء، فكانوا يرتدون ملابس قرويين، ويقاتلون بأدوات زراعة صدئة: مناجل، معاول، فؤوس.
كانوا قريته… من عمه إلى عمته… من أحبهم، ثم قتلهم.
أما البقية، فنبشهم من مقابر أو ساحات الإعدام.
تنهدت أريليتيا بهدوء، وقالت:
“أنت لا تختلف عن أولئك الذين قتلوا إليزا.”
“اصمتي! أنت لا تعرفين شيئًا!”
صرخ ريكي، غضبه يسيل من عينيه، يحدق بخوف نحو أريليتيا، وكأنها قد تدفع بجثة أخته لتسقط أرضًا.
“حقًا؟ وأنت، بماذا تختلف عنهم؟”
“ما فعلوه جريمة! كانوا يستحقون الموت!”
“ومن أعطاك الحق لتحكم بذلك؟ على أي أساس قررت أنهم مذنبون؟”
“أنا! أنا، شقيقها! من غيري يعرف؟!”
“مؤسف. موت إليزا لا يعطيك الحق لتقتل من تشاء. لقد ماتت بسبب مرض، بفعل عمك. وأنت؟ قُدت مجزرة في قريتك، دون تمييز. هذا ليس عدلًا… ولا انتقامًا مشروعًا.”
في تلك اللحظة، شعرت أريليتيا بنظرات لايسيان تتابعها في صمت، لكن كلماتها لم تتردد.”وأيضاً، الطريقة التي تحاول بها إعادة إليزا ليست صحيحة، وأنت تعرف ذلك.”
ما لم تستخدم قوة تحكم بالزمن وتعيد عقارب الساعة، فلن تعود إليزا كما كانت.
تحويل الموتى
إلى سكلتون أو زومبي ليس إحياء، بل تعذيب أبدي لأرواحهم.
“لقد ارتكبت جريمة، بحق كل من في القرية، وحتى بحق إليزا.”
أدمعت عينا ريكي، وانخفض صوته:
“لا… أنتِ لا تفهمين شيئًا…”
“بل أفهم.”
“اصمتي. أمثالكِ، من لم يخسروا شيئًا قط، لن يفهموا… لن تفهموا أبدًا.”
“أنا أفهم.”
مشهد ريكي، وهو يعض على شفتيه ليكتم غضبه، ذكّر أريليتيا بنفسها من حياتها السابقة.
في الواقع، لم تكن أريليتيا في موقع يؤهلها لإلقاء المحاضرات عليه؛ هي نفسها ارتكبت جرائم في سبيل انتقامها الأعمى.
نظرت لجلين، الذي بدا أنه فهم صمتها، فساعدها على النزول من السرير الحديدي.
“لا تقتربي أكثر، معلمتي.”
“أجل.”
بينما كانت أريليتيا تهبط برفق، توقفت خطواتها بجوار ريكي الجاثي، الذي كان يحدق أرضًا بعينين متورمتين من البكاء.
همست بصوت يكاد لا يُسمع:
“لا شيء في هذا العالم يعيد الأموات للحياة. مهما فعلت، ستظل مذنبًا للأبد. لكن لو توقفت الآن، ربما، فقط ربما، يمكنك أن تظل إنسانًا.”
صوت ريكي تشقق.
“لا يمكنني… دفنها…”
“كانت كل شيء بالنسبة لي… وعدت أمي أنني سأحميها. هذا كان وصيتها الأخيرة…”
أريليتيا انحنت قليلاً حتى أصبحت في مستوى نظره.
“إن كنت تود الوفاء لوصية والدتك، أظهر براءتهم. ابحث عن من شوه سمعتهم، وواجه الحقيقة.”
رفعت رأسه برفق وهي تنظر في عينيه.
“مـ…ماذا؟ لماذا تنظرين إلي هكذا؟”
“هل تود أن أساعدك؟”
عكس بؤبؤاها صورته الصغيرة، وقد بدا على وجهها خليط معقد من الشفقة والصرامة.
تابعت بهدوء:
“سأساعدك في الحفاظ على إليزا، حتى لا يتحلل جسدها. زجاجة واحدة من ‘أنفاس جني الثلج’ ستكون كافية.”
“مـاذا…؟”
“وسأساعدك أيضًا في إخفاء أمركما عن أعين العالم.”
ظل ريكي يرمش، مذهولًا من كلماتها ومن النبرة التي نطقتها بها.
شيء ما في ملامح هذه الطفلة بدا مألوفًا، وكأنهما التقيا من قبل. خصوصًا لون شعرها الغريب، الذي أيقظ ذكرى باهتة في عقله.
لكن قبل أن يغرق في أفكاره، أنهت أريليتيا تردده بصوت حاد:
“لكن، لا تظن للحظة أن هذه المساعدة مجانية، ريكي.”
“ماذا؟”
انتبه لكلماتها، ليجدها قد استعادت وجهها البارد كالعادة.
“بالمقابل، سنحتاج لاستخدامك لبعض الوقت.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 54"