لم يكن الساحر الأسود ريكي ساحرًا أسود منذ البداية.
بل كان يومًا ما من ألمع المواهب الواعدة في برج السحر، حتى بين صفوة العباقرة الذين احتشدوا في ذلك البرج، عُدَّ واحدًا من المرشحين الأوفر حظًا ليصبح سيد البرج القادم، لما امتلكه من موهبة فطرية لا نظير لها.
في سن الثامنة فقط، أظهر ريكي قدراته السحرية، وتلقى عرضًا للالتحاق المبكر بأكاديمية الإمبراطورية الملكية.
ورغم ارتفاع المصاريف الباهظ، لم يتردد والداه في إلحاقه بالأكاديمية، ودعموه بكل طاقتهم لتحقيق حلمه، متحملين أعباء العيش الصعب دون تذمر.
ومع ذلك، كانت حياتهم في العاصمة دومًا ضيقة ومحدودة، ولكي يسد العجز في نفقات المعيشة، كان ريكي، في كل عطلة دراسية، يتلقى طلبات عمل من النبلاء لكسب المال.
كان يعمل في مختلف الأمور الصغيرة التي تحتاج إلى سحر، ويُرسل ما تبقى من أجره إلى قريته، بعد تسديد مصاريف دراسته.
وفي الثانية عشرة، بعدما نُظر إليه كأحد أندر العباقرة في زمانه، ارتفع أجره بشكل حاد مع تزايد المهام.
وهكذا بدأت حياتهم تتحسن تدريجيًا، إلى أن جاء ذلك اليوم السعيد حين وُلدت شقيقته الصغيرة في قريتهم.
كانت فتاة صغيرة جميلة، أطلقوا عليها اسم “إليزا”. لم يكن يتصور كم كانت تلك الكائنة الصغيرة المفعمة بالحياة لطيفة ومحبوبة.
قال لها، ذات يوم، وهو يتأمل وجهها الصغير البريء:
“إليزا، أعدكِ أنني سأصبح أعظم ساحر في بيرتيل. وسأشتري لك كل ما ترغبين به، سواء كان طعامًا، أو ملابس، أو ألعابًا… أعدك بذلك!”
كانت حياة بسيطة، دافئة، ومليئة بالأحلام، لكنها لم تدم حتى عشر سنوات.
في عام تخرجه من الأكاديمية، تعرض والداه لاتهام باطل وأُعدما ظلمًا.
اتهموا بمحاولة اغتيال أحد النبلاء، حيث زُعم أنهم تآمروا للنيل من اللورد الذي يحكم منطقتهم، لكنهم انكشفوا.
اللورد سارع بتسليم والديه إلى المحكمة العليا في العاصمة، ولم ينالا حتى حق محاكمة عادلة، بل انتهى بهما المطاف مشنوقين على منصة الإعدام.
صرخ ريكي وهو يحاول جاهداً إنقاذهم:
“إنهم أبرياء! والدي لا يمكن أن يرتكبا مثل هذا الجرم… سأُحضر الشهود وأُثبت براءتهما…!”
لكن، مهما فعل، ومهما سعى، لم يكن في مقدوره تغيير شيء.
وعندما عاد بجسدَي والديه، كانا باردَين، بلا حياة، وعاجزًا حتى عن ذرف الدموع.
كل شيء بدا وكأنه حلم غريب، غير واقعي.
لم يبقَ لريكي في هذه الدنيا سوى أخته الصغيرة ذات التسعة أعوام، متروكة وحيدة في عالم لا يرحم.
وفي قوانين إمبراطورية بيرتيل، لا يُسمح للمجرمين، حتى وإن ثبتت براءتهم لاحقًا، بترك شواهد قبور.
في تلك اللحظة، أدرك الحقيقة القاسية:
السبب في هذا المصير البائس لعائلته… هو أنه كان ضعيفًا.
إذا كان يريد حماية شقيقته الوحيدة، فعليه أن يمتلك القوة، وأن يصبح صاحب نفوذ.
ظن أن ببلوغه مرتبة الساحر الأعظم، وبامتلاكه قوة تزلزل برج السحر، سيتمكن من كشف الحقيقة، وربما… الإمساك بمن دس المكيدة لعائلته.
حتى لو كان كل ما عرفه هو اسم من دس لهم هذه التهمة الكاذبة، فهذا سيكون كافيًا.
بهذه الرغبة الجامحة، كرّس ريكي حياته داخل برج السحر، حافرًا اسمه بالإنجازات، متجاهلًا كل الإغراءات التي قدمها أصحاب النفوذ الراغبين في استغلال قوته.
برج السحر محايد وعادل، لا يخضع لأهواء أي جهة أو سلطة، لذا يجب أن أصبح سيد البرج.
من أجل إليزا.
فهي كانت كل حياته، وكل ما يملكه.
وكان كل ما يكسبه من أموال أثناء عمله في البرج، يرسله لشقيقته.
ثم، بعد مرور ثلاث سنوات، تلقى رسالة تفيد بأن إليزا، أخته الصغيرة التي ربّاها كأنها طفلته، قد أصيبت بمرض مجهول.
عاد مسرعًا إلى قريته فور سماعه الخبر، وهناك اكتشف الحقيقة الصادمة:
العم والعمّة، الذين أوكل إليهما رعاية أخته، كانوا يسيئون معاملتها بشدة، ويستولون على كل الأموال التي كان يرسلها لها.
وقال له عمه بوجهه الدهني المبتسم، وهو يفرك يديه:
“لقد أخبرونا أن علاج إليزا يحتاج لمزيد من المال… أعتقد أنه يكفي أن ترسل لنا 2000 جولد إضافية كل شهر.”
في تلك اللحظة، ومع مواجهته لهذه الوقاحة الصادمة، انهارت آخر ذرة من إنسانيته.
وحين عاد إلى وعيه، كانت يداه مغطاتين بالدماء.
الزوجان اللذان كانا يزعمون حماية إليزا، جثيا الآن أمامه جثثًا باردة، وأعينهما مفتوحة عن آخرها في رعب.
…أنا من فعل هذا.
ومع ذلك، لم يشعر بأي راحة. بل أدرك حينها فقط الحقيقة الأكبر:
لم يكن العم والعمّة وحدهما المذنبين.
فكل جيرانه، الذين رأوا إليزا ترتدي ملابس رثة وممزقة على مدار العام، وتؤدي كل الأعمال المنزلية لعمه، تغاضوا عنها وتجاهلوها.
كان قد رجاهُم أكثر من مرة:
“أرجوكم، اعتنوا بها قليلًا… لقد فقدت والدينا حديثًا، وهي تعاني من قلق شديد.”
وأحيانًا، كان يعطيهم بعض المال كعربون امتنان:
“هذا شيء بسيط مني، فقط راقبوها من حين لآخر، سأكون شاكرًا لو فعلتم ذلك…”
لكن الردود التي كان يتلقاها كانت قاسية وباردة:
“يجب أنتعتني بشقيقتك بنفسك، أنت كبير كفاية.”
“…”
“يؤسفني ما حدث لإليزا، لكن لا يمكنني فعل شيء. ثم إنك قلت إن مرضها مجهول، أليس كذلك؟ قد يكون مُعديًا، لذا خذها بعيدًا عن هنا.”
ثم أُغلِق باب الجار في وجهه بقسوة.
عندها، امتلأت عينيه بالجنون.
وفي قعر يأسٍ خانق، شلّ تفكيره، اتخذ قراره:
كل من غض الطرف، وكل من سكت، متورطون في تعذيب إليزا.
لذا، جميعهم… يستحقون الموت.
كلهم، دون استثناء.
حين عاد إلى وعيه، كان القرية بأكملها قد اختفت من الوجود.
وأمطرت السماء مطرًا أسود.
كانت الأجواء مشبعة بطاقة سحرية مظلمة، خانقة، لا تُحتمل.
وكانت الدماء، والروائح النتنة، وكل شيء من حوله… من صنع يديه.
وفي تلك اللحظة، علم غريزيًا أنه تجاوز حدّ الرجوع، وعبر النهر الذي لا عودة منه.
الآن، لم يبقَ في هذا العالم سواي وسواكِ، إليزا.
لا بأس.
حاول أن يواسي نفسه:
نحن لسنا بحاجة لأي بشر آخر، كل هؤلاء يستحقون الفناء.
لا بأس… سنكون بخير. سأجعل كل شيء بخير… وحينها…
حمل ريكي شقيقته المريضة واختفى بها عن أنظار العالم.
وكان ذلك قبل عام واحد فقط.
* * *
فتح ريكي عينيه فجأة.
وبمجرد أن رأى قطرات الماء الباردة تتساقط من سقف الكهف، انتفض جالسًا.
الل*نة، لقد تعقبوني حتى هنا!’
إليزا…!
“استفقتَ أخيرًا؟”
صوت واضح ونقي انبعث من مكان ما، وفي تلك اللحظة ازداد وجه ريكي، الشاحب أصلًا، بياضًا حتى كاد يتحول إلى لون الرماد.
كان مصدر الصوت من أعماق الكهف، من تلك البقعة المحرّمة التي احتضنت أغلى ما يملك — مكان أخته إليزا.
كان سريره الصغير ما يزال هناك، وبدا وكأنه لم يُمس.
إلا أن هناك شابًا ذو شعر أسود كان منحنيًا فوق السرير، وعلى طرف السرير جلست فتاة صغيرة بشعر وردي.
لاحظ أن الغطاء الذي كان يغطي جسد أخته قد انزلق قليلًا، وفي تلك اللحظة انفجر غضبه، حتى كاد يخرق عينيه.
تجرأتم على لمس شقيقتي… تجرأتم!
وفي لحظة، اجتاحت طاقة سحرية مظلمة أرجاء المكان، ملوّنة الأجواء بسواد قاتم.
آه، هذا الشعور…
ارتعشت حواجب “أريليتيا”.
إنه شعور مألوف.
كانت قد تعرضت لهذه الطاقة من قبل، كادت تموت من التسمم بها مرتين، وعاشت تجربة مرعبة، جسدها بدأ يتحلل حياً تحت وطأة الألم. ألم يعادل، وربما يفوق، ما تعرضت له في قبو التعذيب أثناء محاولتها الأولى.
تمتمت دون وعي:
“هذا الألم… لا أريد أن أشعر به مرة أخرى أبداً، ما حييت…”
لكن يبدو أن تناولهم لأعشاب “تانيتولا” المعروفة بقدرتها على تنقية الدم قد أنقذهم من التسمم، فلم يظهر على أيٍ منهم أي أعراض.
وبينما استشاط ريجي غضبًا عندما أدرك أن طاقته المظلمة لم تؤثر عليهم، اندفع بجنون مهاجمًا.
“ابتعدوا عنها! أخرجوا من هنا حالًا!”
لكن “جلين”، الذي كان يفحص إليزا، تصدى له بسهولة، وأطاح به بضربة جسدية قوية.
فالسحرة في العادة، يضعفون في القتال القريب، وخصوصًا في القتال البدني.
بوم!
“كُهف!”
لكمة قوية أصابت خاصرته، أسقطته أرضًا، وفي اللحظة التالية، استل جلين سيفه، موجّهًا طرفه البارد الحاد نحو عنق ريجي.
“هل تقصد بهذه الكلمة (أختك)، تلك الفتاة المسكينة المعلقة بين الموت والحياة، والتي سُلبت منها الروح بسبب شقيقها الشرير؟”
ارتعد جسد ريجي أمام سطوة خصمه.
كان الشاب، ذو العينين الزرقاوين العميقتين، ينظر إليه بنظرة باردة كحد السيف الذي يحمله.
أما الطفلة التي كانت ممددة خلف الستار الأسود، فلم يكن شكلها يوحي بأنها ما زالت على قيد الحياة.
من جبهتها وحتى عينها اليسرى، كانت آثار التحلل قد اجتاحت جلدها، فيما بدأ التعفن يمتد ببطء إلى بقية جسدها.
لم يكن هناك نبض، ولا نفس.
جسدها كان صلبًا وجامدًا، أشبه بقطعة خشب مهملة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 53"