كان الوقت لا يزال باكرًا حتى بالنسبة للمجتهدين ليبدؤوا يومهم، وفي ضوء الفجر الخافت تحرّك ظلّ يرتدي قلنسوة سوداء تُغطّي رأسه.
جلس عدد من الأطفال الصغار متجمّعين في مقصورة السائق لعربة البضائع، بينما كان كلّ من جلين ودانكن يحرسان العربة من الأمام والخلف على التوالي.
همس لاسيان في أذن أريليتيا:
“أنتِ تعرفين من هو المجرم، أليس كذلك؟ هل هو شخص كنتِ تعرفينه من قبل؟ زميل؟”
أجابت أريليتيا بهدوء:
“يمكن اعتباره زميلًا، ويمكن اعتباره عدوًا. وعلى أية حال، لا تناديني بالفتاة الصغيرة.”
‘عدو؟’
نظر إليها لاسيان بنظرة مشوبة بالريبة، فشرحت أريليتيا بإيجاز:
“في الدورة الأولى كنا في نفس الجانب، وفي الدورة الثانية كان عدوي. حاولت جذبه لصفّنا مجدّدًا في الدورة الثانية، لكن انتهى بي الأمر على وشك الموت بيده. خمس مرات.”
“ماذا؟”
“أول ثلاث مرات منها كنتُ على وشك الهلاك حقًا. والمرّتان الأخريان كانتا مؤلمتين أيضًا. بالكاد نجحتُ في النهاية.”
“كِدتِ تموتين… خمس مرات؟”
“نعم. قد لا تكون كثيرة عددًا، لكن من حيث الألم… الأخيرة كانت الأقسى.”
‘أو ربما لا… هل كانت أيام النهاية في الدورة الأولى في غرفة التعذيب هي الأسوأ؟’
ارتجف جسد أريليتيا وهي تتذكّر السحر الأسود الذي يفسد اللحم وأداة التعذيب المحمّاة. من الصعب تحديد أيّ منهما كان أشدّ فظاعة.
نظر إليها لاسيان كما لو كان يرى كائنًا نادرًا:
“كم مرّة عدتِ بالزمن بهذا الشكل؟”
“بعد أن تجاوزتُ الألف مرّة، لم أعد أعدّ.”
“……”
اللصّ الذي كانوا بانتظاره الآن كان شخصيّة كانت إلى جانب أريليتيا في الدورة الأولى، يدعم الأمير الأول.
وفي حياة الدورة الثانية، بدأ في صفّ الأمير الأول أيضًا، لكن أريليتيا بذلت جهدًا كبيرًا لضمّه إلى صفّ الأمير الثاني، لوسيو.
“إذًا هو بهذه الأهميّة.”
من أجل نيل عرش بيرتيل، لم يخض الأمراء الثلاثة صراعًا سياسيًا فقط، بل تسابقوا أيضًا على استقطاب أقوى الأشخاص، سواء في الذكاء أو القوّة.
كان الأمير الثاني لوسيو، بالتعاون مع دوقيّة فيمبروس، يجتذب الكفاءات المشروعة وأصحاب الشرف. أما الإمبراطورة لوريلين والأمير الأول ألبرت، فكانا يفعلان العكس تمامًا.
كانا يضمّان إلى صفوفهما أيّ شخص يظهر قدرات خارقة، حتى لو كان مجرمًا أو شريرًا.
لهذا السبب، لطالما تساءلت أريليتيا عمّا إذا كان من الضروري إحضار رفاقها السابقين في تلك الدورة.
خصوصًا “ذاك الشخص” الذي ستقابله الآن، فقد كان سيء السجل إلى درجة مرعبة.
لكنها في النهاية، هي من اختارت مواجهته رغم علمها بأنها قد تموت.
كان ذلك نتيجة للغضب الأعمى الذي أعماها عن إنسانيتها، كلّ ذلك في سبيل الإطاحة بألبرت. لذلك لا فائدة من الشكوى، لأنها هي من اتّخذت القرار.
قال لاسيان بصوت مختنق:
“أنتِ… لستِ مجرّد فتاة عاديّة. أنتِ فظيعة حقًا.”
‘يعلم بعقله أن هذا ما مرّت به، لكن سماعه مباشرة شيء آخر تمامًا.’
‘تجاوزت الألف مرّة من العودة بالزمن؟’
لا عجب أن بصيرته لم تكن تنفع معها. فبعد أن عبثت بالزمن آلاف المرّات، لم يكن ممكنًا له أن يستشرف طرقها كلّها.
رغم أن لاسيان امتلك ذكريات من حياته الأولى والثانية، إلا أنه لم يكن يعرف تفاصيل آلاف المرّات التي عبثت فيها أريليتيا بالزمن.
وفجأة، تساءل بداخله…
‘كيف تكون الحياة عندما تكرّر نفس الزمن بلا نهاية؟’
‘ألا يكون الزمن فيها أشدّ بطئًا بشكل مقزز؟’
‘وفي هذا النوع من الحياة، هل كان هناك أحد بجانبها؟’
كانت الفتاة التي تشبه دمية من الشمع تتصرّف دومًا بهدوء تام، مهما حدث حولها. لكن إن تأمّلت تعابير وجهها الخالية من الانفعال، لرأيت فيها روحًا تشبه روح شيخ على فراش الموت.
وكأنها أصبحت مناعة ضدّ أغلب أشكال البؤس.
بدأ لاسيان يشعر بشيء من الفضول حيال جانب من حياة أريليتيا كاديز.
كانت أريليتيا تعبث بإبرة دمية الأرنب ببطء عندما قالت:
“لا تنظر إليّ هكذا. أنا أتلقّى جزائي الآن، أليس كذلك؟”
“لا، أنا فقط…”
“وهذا لا يعني أنني سأسمح لك بمناداتي بالفتاة الصغيرة. إن فعلت ذلك مرّة أخرى، سأنتف شعرك كلّه.”
“هل هذا هو المهمّ الآن…؟”
تمتم لاسيان بدهشة، ثم غيّر الموضوع:
“على أي حال، لا أعلم من هذا الشخص الذي سنواجهه، لكن ألا تعتقدين أن أخاكِ في خطر؟ أنا وأنتِ لا يمكننا تقديم المساعدة.”
“من قال إنّنا لا نستطيع المساعدة؟”
سألت أريليتيا وهي تنتزع الإبرة من بطن دمية الأرنب.
“……؟ أما أنا، فربما أكون مفيدة أكثر إن اختفيت من المعركة.”
“لا أحد عديم الفائدة، يا سموّ الأمير.”
أمعنت أريليتيا النظر في لاسيان الذي خلع قلنسوته جزئيًا.
بفضل مشاركته لها في جرعات نبات الماندريك دون علم الطبيب سيرجيو، بدا لاسيان الآن أفضل بكثير مقارنةً بما كان عليه عند وصوله إلى أراضي هيزيت، إذ استعاد لونه الطبيعي وامتلأ جسده قليلًا.
وبما أنه شرب ما لا يقلّ عن عشر قوارير، فلا شكّ أن السمّ قد زال من جسده تقريبًا.
“إذًا حان وقت جعله نافعًا.”
أخرجت أريليتيا حفنة من الأعشاب الطبيّة من حزمة الهدايا التي قدّمها لها إسماعيل في النهار، ودفعتها في فم لاسيان.
“ممف؟”
“تعالَ أنتَ أيضًا، سيدي جلين، وعمّي دنكن.”
كان الدور التالي على جلين ودنكن. مضغ جلين الأعشاب بلا فهم، ثم مال برأسه جانبًا متعجّبًا:
“هل من سأواجهه من نوع صعب المراس؟”
“الجسم نفسه ضعيف، لكن القوّة التي يستخدمها شرّيرة. ولن يتعاون معكَ يا سيدي، لأنه ساحر.”
تجهّم وجه لاسيان فجأة وهو لا يزال يمضغ الأعشاب. ‘ساحر يستخدم قوّة شرّيرة؟’
حين راجع لاسيان ذكرياته السابقة، اتّسعت عيناه فجأة.
“انتظري لحظة… لا تقصدين… أن اللصّ هذا هو، هو نفسه ‘جلّاد الجماجم’؟”
“أجل، كان يُعرف بهذا اللقب أيضًا. لا تقلق، لقد تناولتم الترياق، فلن تُصابوا بسهولة بالتسمّم. ولن تموتوا كذلك.”
وما إن أنهت أريليتيا كلامها، حتى خرجت يد من تحت العربة.
يد. يد إنسان متعفّنة وسوداء.
ولم تكن يدًا واحدة، بل عشرات الأيادي خرجت من ظلّ العربة.
أحدها أمسك بكاحل جلين فجأة.
“سيدي! لا تلمسها!”
انطلق سيف جلين من غمده بسرعة لم تُرَ بالعين. ومض ضوء فضّي شقّ الفجر الأزرق.
كراااك!
تناثرت الأيادي المقطوعة هنا وهناك. حتى أريليتيا التي لا تتأثّر بسهولة، تجهّمت من بشاعة المنظر.
ويبدو أن الموقف نفسه حدث خلف العربة أيضًا، حيث دوّى صراخ دنكن العالي:
“يا للسماء، ما هذا القرف! ما الذي يحدث؟!”
كان في نهاية سيفه المتمايل خمس أو ستّ أيادٍ سوداء متلاصقة.
نظر دنكن إلى سيخ الأيادي بسخط وأطلق سيلًا من الشتائم:
“لا أعلم من هذا الوغد، لكن من الواضح أن هذه الأطراف متعفّنة منذ سنوات، يا سيدي.”
“بالفعل…”
لوّح جلين بسيفه ليتخلّص من السائل الأسود العالق عليه. تناثرت مادة لزجة في كلّ الاتّجاهات.
“يا لها من قذارة. لم أرَ يومًا سحرًا بهذا التعفّن.”
من الأذرع المقطوعة، تدفّقت مادة سوداء لزجة تكشف ما بداخلها. لم تكن عضلات ولا أنسجة، بل…
عظام.
هياكل بشريّة فقدت لحمها بالكامل.
ركبت يد مقطوعة على مفصلها بطريقة غير طبيعيّة، واستقامت لتسند الجسد وهي تخرج من بركة المادة اللزجة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 48"