ظنّ أنها لمجرد مصافحة، لكن الطفلة رفعت يد لاسيان إلى الأعلى بسلاسة. ومع انزلاق الكمّ، انكشف معصمه الهزيل.
“……؟”
“الطريق ما زال طويلًا.”
قالت أريليتيا بتقييم بارد.
الحزن الذي كان يغلّف ملامح الطفلة قبل لحظات اختفى كما يذوب الثلج، وعاد بريق العقل الهادئ في عيني المستشارة الباردة.
“بأيّ عذر خرجتَ من القصر الإمبراطوري؟ وكم من الوقت يمكنك البقاء في هيزيت؟”
“……للراحة. الفترة حوالي ثلاث سنوات. ولن يُسمح لي بتجاوزها.”
“أجل، حتى في الدورة الثانية، صدر مرسوم ملكي يطلب عودتك بعد ثلاث سنوات، أليس كذلك؟”
“أه، نعم…”
ثلاث سنوات.
لكي لا يُستهان بوجوده عندما يعود لاسيان إلى العاصمة، ينبغي أن يكون تأثير عائلة هيزيت قد تضاعف بشكل لا يُقارن بوضعه الحالي.
وجسده النحيل هذا يجب أن يقوى أيضًا.
‘وإلا، كيف سيتمكّن من توجيه لكمة واحدة حتى لألبرت أو لوسيو؟ على الأغلب، لوسيو بات يملك بنية تضاهي فرسان الشباب الآن.’
عندما تخيّلت وجهي الأميرين بعد طول غياب، تسلّلت مشاعر الغضب القديم من أعماقها.
“رغم أن ردّ الجميل أهمّ من الانتقام، ورغم أن الانتقام مجرّد أمنية صغيرة بالنسبة لي… لكن، لمَ لا نجمع بين الاثنين ما دمنا بدأنا؟”
أخرجت أريليتيا جرعة اليوم على الفور ودستها في فم لاسيان.
“اشرب.”
“غمف!”
“لو كسرت الزجاجة مرّة أخرى، سأطلب من السيدة إلارديا أن تبلعك.”
رفع لاسيان حاجبيه فجأة، لكنه لم يعارض هذه المرّة.
“كيف تستخدم الرؤيا في الأحلام؟ هل يمكنك رؤية أي مستقبل تشاء؟”
“لا أرى الأحداث بحدّ ذاتها، بل أتجسّد في هيئة ‘شخص ما’ وأشهد المستقبل من خلاله.”
تردّد لاسيان قليلًا قبل أن يجيب. ‘لم يرغب في الاعتراف بأنه صار أنتِ في الحلم.’
“أرى المستقبل الأرجح من حيث الاحتمال والمنطق. لا يمكنني اختيار أي مستقبل أريده فحسب.”
“وماذا بعد؟”
“أحيانًا، حتى وإن أردت، لا أراه، وأحيانًا أخرى، أُجبر على رؤيته دون إرادة مني… كما أنني لا أستطيع رؤية مستقبل من لا أعرفه. يجب أن أكون قد التقيت به، حتى ولو مرّة واحدة عابرًا.”
“همم.”
بينما كان لاسيان يتجرّع بصعوبة الجرعة ذات الطعم البشع، بدأت أريليتيا الحديث مع دميتها الأرنبيّة.
“لماذا الرؤيا في الأحلام بهذه التعقيد؟”
‘لأن المستقبل ليس قالبًا ثابتًا.’
إجابة منطقيّة.
‘ثم إن السلطات المقدّسة لا ينبغي أن تُستخدم بسهولة. سيدتكِ هي الغريبة عن هذا المنطق! ولا تعرفين كم هو شرف أن تتلقّي مساعدة من هذا الإبرة العظيم! سيدتي الحمقاء، حمقاء، حمقاء!’
“إذًا، إن استخدمتُ سلطتي المقدّسة، فهل يفقد الأمير شيئًا من طاقته مثلي؟”
‘……ألا تسمعينني حتى…’
تنهّدت الإبرة بعمق.
‘أخبرتك من قبل. إن سلطة الحكيم يجب أن تُستخدم فقط لحماية الغابة البيضاء. متى ما خرج استخدامها عن هذا الغرض وتدخّلت في مصير الآخرين، يتفعّل اللعنة بين الغابة والحكيم.’
“في حال الرؤيا، ما الحدّ الذي يُعدّ ‘تدخّلًا شخصيًا’؟”
‘مجرد رؤية لقطات من المستقبل لا تُفعّل اللعنة. أما لو خالف السبب والنتيجة، أو تدخّل في سلطة ‘حارس القبور’، حينها فقط…’
كما يبدو، ليست هناك حدود لعدد مرّات استخدام الرؤيا حاليًا. يمكنه رؤية المستقبل الأرجح بحسب الاحتمالات.
“تنبّأ. أيّ شيء يخصّ مستقبل إقليم هيزيت سيكون مفيدًا، لكن لو استطعت معرفة ما سيحدث في كاسفل، فذلك أفضل.”
بدت كلماتها كأنها تهديد لإجباره على إثبات فائدته فورًا.
أغمض لاسيان عينيه، مضطرًا.
بعد ساعة.
فتح لاسيان عينيه ببطء وتمتم بخفوت.
“هيه، شركة إسمايل… أليست هي التي أبرمت عقدًا مع هيزيت؟ والتي تتّخذ من كاسفل مقرًا لها؟”
“صحيح. لماذا؟”
سألته أريليتيا على الفور، وقد كانت تتابعه باهتمام شديد.
هزّ لاسيان رأسه ليتخلّص من بقايا النعاس وعبس بشدّة.
“سيُسرقون قريبًا.”
ضربت أريليتيا السرير بكلتا يديها.
“لقد جاء، هذا الوغد!”
‘لص!’
‘كنتُ أنظر إلى المخزن الفارغ.’
‘لم يسبق لي أن زرتُ هذا المكان شخصيًا، وقد اعتدتُ على استلام تقارير إسمايل فقط.’
المخزن المجمّد، الذي يُخزّن فيه بقايا الوحوش المميّزة ومواد الأعشاب النادرة القادمة من هيزيت، كان واسعًا وخاليًا. لو صرختُ، لردّدت الجدران الصّدى.
‘لا ينبغي لهذا المكان أن يكون خاليًا إلى هذا الحد.’
“……ما الذي حدث؟”
‘لم أحتج للسؤال. لقد سُرق المكان.’
من خلفي، كان إسمايل يجهش بالبكاء. منذ أن رآنا، والدموع تنهمر من عينيه حتى انتفخ وجهه.
“أعتذر، سيدتي. كان يجب أن أكون أكثر حرصًا على الأمن، لكنّي قصّرت…”
‘لا، المشكلة ليست في الأمن. حتى لو ضاعفنا الحراس أو أضفنا أنظمة حماية، لما كنا قادرين على منع هذا السارق.’
‘أنا أعرف من يكون هذا الذي تجرّأ على ارتكاب مثل هذا الفعل في كاسفل.’
انبعث أثر خافت من السحر حول القفل المحطّم.
“متى اكتُشف ما حدث؟”
“في صباح اليوم الخامس عشر بعد الحادثة. أعتقد أن اللص تسلّل ليلًا. فور اكتشافنا للأمر، أرسلنا الرسالة فورًا…”
نظرًا للمسافة بين كاسفل وهيزيت، حتى لو انطلقنا بمجرد استلام الخبر، فقد مضى وقت لا بأس به.
“حتى بعد استدعاء نقابة المحقّقين، لم نتمكّن من تحديد أي شيء سوى أن الجاني ساحر.”
عضضتُ شفتاي وأنا أتفحّص المخزن الفارغ.
‘كنتُ أعلم أن المكوّنات المرتبطة بعنصر الجليد ستكون هدفًا مغريًا، لكن لم أتوقّع أن ينفّذ سرقته بهذه السرعة.’
المواد المسروقة كانت ثمينة لدرجة أن فرسان هيزيت استغرقوا ثلاثة أشهر من صيد الوحوش المتواصل لجمعها. والأسوأ أن أغلبها كانت جاهزة للشحن بعد تغليفها، بانتظار إرسالها إلى الزبائن.
‘لو كنا نعرف مكان اللص، لكان يمكن تتبّعه، لكن لسوء الحظ، قدرته تمنع تعقّبه ما لم يُضبط في مسرح الجريمة.’
عدم وجود أي دليل حتى بعد مرور أسبوعين دليل كافٍ على ذلك.
“لقد أخطرنا العملاء بتأخّر التسليم…”
“لكنّنا استلمنا ثمن البضاعة مسبقًا. وإذا أردنا تعويض الكميّة، فسيستغرق الأمر أكثر من أربعة أشهر لنقل المواد.”
‘وماذا لو ألغى العملاء طلباتهم؟ بأي مال سنُعيد لهم أموالهم؟ كم صرفنا بالفعل على تطوير الإقليم؟’
‘لدينا صندوق طوارئ، صحيح، لكن إن أنفقناه بالكامل، ستنهار ميزانيّة هيزيت من جديد.’
شعرتُ بأنني على وشك الانهيار، فترنّحتُ. كان جلين بجانبي، فرفعني على الفور بين ذراعيه.
“ستكونين بخير، أريل. سنجمع المواد من جديد.”
“بخير؟ أيّ خير هذا؟”
‘آه، سمعتي. بل سمعة هيزيت!’
‘لو كانت سلطتي في أوجها، كنتُ سأعيد الزمن ببساطة، لكن جسدي الواهن لا يسمح بذلك.’
غرقتُ في هاوية الإحباط.
‘لو أنني فقط أجبرتُ لاسيان على رؤية الرؤيا مبكرًا. لو أنني جعلته ينام أسبوعًا كاملًا!’
‘لو علمتُ قبل قليل فقط…!’
عضضتُ قبضتي الممتلئة وكتمتُ دموعي الموجعة.
‘كان ذلك أسوأ ما قد يحدث قبل أن تبدأ ثروتنا تنهال علينا.’
“…وكان هذا ما رأيته. كنتِ تندبين حظّكِ وتلومين نفسك…”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات