لا يوجد ما يضمن أن تسلك هذه الحياة مسالك الدماء الملطّخة كما في الأزمان الغابرة. حاول لاسيان أن يلمح خيوط المستقبل عبر أحلام تنبّؤيّة، لكن حتى إن أضاءت رؤاه ظلمات الغيب، لم يكن هناك يقين يؤكّد تجسّدها.
رؤى لاسيان، تلك النعمة المتأتّية من الغابة البيضاء، كانت كالسراب: تلوح في الأفق، لكنها تتلاشى حين يقترب المرء. قدرة عصيّة على الإثبات، تتأرجح بين الصّدق والوهم.
لإثبات هذه القدرة، كان عليه أن يصيب في نبوءاته بدقّة متناهية، لكن النّتائج ظلّت معلّقة على حبلٍ رفيع: نصفها يتحقّق، ونصفها يضيع في متاهات القدر. فما جدوى التنبّؤ إذا لم يتجسّد ما تراه العين؟ لا يراك الناس إلا كذّابًا يتاجر بالأوهام.
هكذا كان الحال في حياته السابقة… وقبلها… وحتى الآن، في هذه الحياة.
لقد انقضى الحادي والثلاثون من مارس دون أن تلوح في الأفق موجة الوحوش التي رآها في حلمه، تلك التي كان يفترض أن تعصف بمقاطعة هيزيت. ومن الطبيعي، إذن، أن يُقابل كلامه بالشكّ.
حتى جلين، الماركيز روسو هيزيت، لم يمنح نبوءاته ثقةً كاملة. صحيح أنه لم ينبذه، لكنه لم يره يومًا قائدًا يُعتمد عليه. وهكذا، وقف لاسيان عاجزًا، لا يملك سوى مشاهدة الزمن وهو يمرّ، يعود، ثم يمرّ مجدّدًا، كأنه عالق في دائرة لا نهائيّة.
حين أطرق لاسيان برأسه إلى الأرض، تعقّدت نظرات جلين، مزيج من الحيرة والأسى. ثم تحدّث بهدوء، موجّهًا كلامه إلى أريليتيا بلطف:
“أريل، هل تودّين اللعب قليلًا مع عمّكِ دانكن؟ أو ربما مساعدة جدّكِ في المكتبة؟”
صمتت أريليتيا لحظة، ثم تمتمت في نفسها: ‘همم… دائمًا يعاملني كطفلة.’
“سأعود بعد ساعة بالضبط، يا معلمتي الصغيرة!” أضاف جلين بابتسامة.
أومأت أريليتيا ببطء، فجاء دانكن، رفعها بخفّة، ووضعها على كتفه كأنها تركب جوادًا صغيرًا: “ها قد أتت المعلّمة الصغيرة! لا زلتِ طفلة، ومريضة أيضًا. الغضب يرفع حرارتكِ، وإذا ارتفعت… فعلينا تناول الدواء! هيا بنا!”
اختفت أريليتيا من على الدرج، لا تزال تحمل غضبها الصغير، تاركة لاسيان وجلين وحدهما في قاعة الاحتفال الخالية.
“سموّك،” نادى جلين.
صمت لاسيان، فأعاد جلين بصوت أعمق: “لاسيان.”
كان النداء كالنار التي أشعلت صدر لاسيان. عبر ثلاث حيوات، لم يكن هناك من ينطق اسمه بحنان سوى الماركيز روسو هيزيت. شعر كأنه طفل على وشك البكاء.
“تعال، اقترب.”
فتح جلين ذراعيه، فاندفع لاسيان نحوه كجرو وجد صاحبه بعد طول غياب. احتضنه جلين بهدوء وخبرة، رغم أن لاسيان، بنحافته، كان أثقل من أريليتيا التي اعتاد حملها.
“هل قرّرت التخلّي عني الآن، أخي؟”
تمتم لاسيان بأنفاس مرتجفة.
ردّ جلين بدهشة: “أتخلّى؟ سموّك… لقد عانيت كثيرًا لأجلبك إلى هنا.”
“إذن، لماذا منحتها اسم هيزيت؟”
سأل لاسيان بحسرة.
“لأنها تحتاج إلى هويّة تليق بها أيضًا.”
“أعطني الاسم أنا أيضًا!”
“أخشى أنني لا أعرف كيف أخرج أميرًا من السجل الإمبراطوري،” قال جلين بضحكة خفيفة، كأن كلام لاسيان مزحة.
لكن كلمات لاسيان التالية جمّدت ضحكته: “سأطلب من أبي أن يطردني من العائلة الإمبراطوريّة.”
“ماذا؟” هتف جلين.
“رفض طلبي من قبل، لكنه ليس مستحيلًا. يمكنني ارتكاب جريمة قتل.”
“مهلًا، سموّك!”
“إذا ارتكبت جريمة، سيجبرونني على مغادرة القصر.”
كان الإمبراطور يرفض إطلاق سراح لاسيان، قائلًا: “وجودك يُضفي الإثارة على رقعتي، يا لاسيان. متعتي تأتي منك… تلك هي غاية وجودك.”
“إن لم تكفِ جريمة واحدة، سأرتكب اثنتين، أو ثلاث. ماذا لو كدت أقتل ألبرت أو لوسيو؟”
“القتل مهمّة التابع، لا السيد. ما بالك، سموّك؟”
“لا تكلّمني بلغة رسميّة!” صرخ لاسيان، وكأنه فقد أخاه الوحيد.
رغم أنهما لا يتشاركان دمًا، كان جلين عائلته الوحيدة عبر كل الحيوات.
“حتى لو لم تصدقني… كنتَ دائمًا إلى جانبي…”
سعل لاسيان، “كحة…”
‘ما كان يجب أن يقول ذلك. جلين لا يتذكّر شيئًا من الحيوات السابقة. لا أحد من البشر يتذكّر.’
كلّما أغمض لاسيان عينيه، تغيّر المستقبل الذي يعرفه، وعندما تسير نبوءاته عكس التيار، يشعر كأن صدره يُمزّق.
قدرة بلا جدوى. حكمة عاجزة. قوة لا تحمي أحدًا. كانت بالنسبة له لعنة، لا نعمة. ولهذا تمسّك بجلين، الماركيز روسو هيزيت، الوحيد الذي ظلّ إلى جانبه وسط الزمن المتقلّب.
“حتى في الماضي… وما قبله… لم نكن سوى أنا وأنت…” تمتم لاسيان بنبرة مكسورة. “وعدتني أنك لن تتركني وحدي…”
“لم أقل إنني سأتركك، لاسيان،” ردّ جلين بحنان، رغم أن لاسيان بالنسبة له لم يكن سوى أمير صغير رآه لأوّل مرة في الخريف الماضي. لكن صوته ولمسته كانا يحملان الدفء ذاته الذي يحفظه لاسيان.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات