“حقًا؟ لكنكِ فشلتِ قبل قليل، رأيتُ كل شيء بعينيّ.”
“أنا أستطيع فعلها، فقط… تانيسا الأخت الكبرى ساعدتني تلك المرة، لا أكثر.”
في الحقيقة، حتى بداية هذا العام، كانت أريليتيا تحتاج ثلاثين دقيقة كاملة لارتداء جواربها. خشيتْ أن يُفتضح هذا الأمر المخجل، فحدّقت بعينيها نحو لاسيان فيدريكا بقوة.
“وأنتَ، هل كنتَ ترتدي الجوارب بمفردك عندما كنتَ في الخامسة؟”
“لا أذكر، لقد مرّ وقتٌ طويل على كوني في الخامسة.”
“لا بدّ أنكَ لم تستطع أيضًا. الأطفال في ذلك السنّ لا يستطيعون ارتداء الجوارب وحدهم… أجسادهم لا تستجيب لهم كما يجب.”
“هاه، أيتها الفاشلة التي لا تستطيع ارتداء الجوارب.”
شعرتْ بدوّار من شدّة سخريته السلسة، كأنما يتنفّس استهزاءً.
لطالما كان لاسيان فيدريكا حسّاس الطباع، ربما بسبب جسده النحيل والهزيل. حتى أنّ الأمير الثاني، لوسيو، كان يصفه بسخرية قائلاً: “كلبٌ مسعور، نحيل لدرجة الهزال.”
لكنْ، هذا النوع من الإهانة يصعب ابتلاعه.
قبضتْ أريليتيا على طرف الغطاء ونهضتْ بسرعة، استعدادًا للردّ عليه بإهانة تليق بما سمعته.
“من وصفتَ بالفاشلة الآن يا—”
لكنها صمتتْ على الفور، فقد التقت عيناها بنظرات الصبي الثاقبة، نظرات تنذر بالتهامها حيّة.
‘حسنًا، يبدو أنني فاشلة فعلًا. إنه الأمير، وأنا… مجرّد فتاة عادية.’
بملامح نظيفة بعد أن أزال أثر الدماء، بدا لاسيان فيدريكا كدمية صُنعت بعناية فائقة في غابة بيضاء نقيّة، وكأنّ خالقها انحنى صباحًا ومساءً ليشكر العاصمة الإمبراطورية على هذه التحفة.
ذلك الوجه قادر على إغواء جلين، حتى على إغواء الماركيز روسو هيزيت نفسه.
‘طفلٌ مهجور في قصر الإمبراطور، وحيدٌ بلا سند، كيف له أن يرفض أيّ شيء يُقدّم له، حتى لو كان طعامًا مسمومًا؟! فكيف إذا كان مقدّمه أحد الأمراء الكبار، الأوّل أو الثاني؟’
“منذ متى؟”
“…ازداد الأمر سوءًا منذ العام الماضي. قبل ذلك، كنتُ أتناوله بلا شكوى… لأبني مناعةً ضده، لكن هؤلاء المجانين بالغوا كثيرًا.”
“لا تقل ألفاظًا سيّئة.”
“أولئك الأنذال يتمنّون لي الموت كلّ يوم… لكن لماذا تسألين عن كلّ هذا؟”
“لأنني سأعالجك.”
“أنتِ؟ بأيّ وسيلة؟ ولماذا؟”
‘لأنك… واحد من ذنوبي الأصليّة.’
أخرجتْ أريليتيا زجاجة صغيرة من حقيبتها. زجاجة تحتوي على محلول خاصّ، مزوّدة بغطاء يُثبّت فيه قشّة، ليستطيع الأطفال الشرب بسهولة.
مدّتْ الزجاجة نحوه قائلة:
“إنه ترياق. لو لم تتناوله الآن، ستبقى رهينًا لهذا السعال طيلة حياتك.”
كادتْ تفكّر باستخدام السحر، لتجميد زمن جسده وتمنع تفاقم السّم، لكنْ خشيتْ أن تنال صفعة من “باينل” لو تجرّأت على ذلك.
‘كما أنّ هذا الدواء سيثبت فعاليته بوضوح.’
“…كيف تثقين أنّ هذا سينجح؟”
“من أوّل نظرة.”
في كلّ مرّة تذكّرتْ فيها أريليتيا ذلك الصبي، لاسيان فيدريكا، كانت صورته تظهر أمامها: هزيل، شاحب، مريض… حتى آخر عمره.
رغم العناية التي نالها من آل هيزيت، وتعلّمه أساسيّات المبارزة، ظلّ ضعيفًا عاجزًا عن مجاراة الآخرين. ورغم تدريبه تحت إشراف جلين، لم يستطع أن يصبح لا سيّافًا ماهرًا ولا حتى مقاتلًا متوسّطًا.
بعد مقتل جلين، الذي كان سيفه ودرعه، لم يصمد لاسيان فيدريكا سوى بضعة أشهر.
في حياتها الأولى، مات عن عمر 15 عامًا. وفي حياتها الثانية، لم يتجاوز 22 عامًا.
‘إذا كان جلين قد اختار هذا الصبي ليكون سيّده، فأنا كذلك لا يمكنني تجاهل مصيره.’
منذ اللحظة التي وطئت فيها قدماه أرض هيزيت، أصبح جزءًا من مصيرها.
‘إذا مات هذا الصبي، فذلك يعني أنّ جلين هُزم.’
‘وهذا أمر لا يمكنني السماح بحدوثه.’
لكنّ لاسيان فيدريكا دفع يدها بعنف، وسقطت الزجاجة على السجادة، مُهدِرةً كلّ ما بداخلها.
تجمدتْ أريليتيا، تتأمّل الزجاجة الفارغة بين يديها.
‘ذلك الترياق النادر… المصنوع من جذور الماندريك التي اقتُطفت من تحت جرف جليدي، ثمّ حضّرها أفضل العلماء.’
“لم أُحضّره بنفسي، الطبيب سيرجيو فعل ذلك، إنه خريج أكاديميّة الطبّ الإمبراطوريّة—”
بدأ صوتها يضعف تدريجيًا.
“…ماندريك جُلب من جرف ثلجي، قُطع خصيصًا، وتمّ معالجته ليكون هذا الدواء…”
لكنه لم يستمع لكلمة واحدة.
بدلًا من ذلك، صوّب نظراته نحو شعرها… ذلك اللون، الوردي العميق، أزعجه منذ اللحظة الأولى.
في داخله، كان شيءٌ ما يغلي، يتفجّر غضبًا.
“أبغض لونًا في العالم هو الوردي.”
“لماذا؟”
“لأنّ كلّ من تحمل هذا اللون، تُشعرني دومًا أنني تافه وضعيف.”
“…شخصٌ مثلي؟”
“أجل. وتلك المرأة الملعونة، التي تلاحقني أينما ذهبت، تملك نفس شعركِ، ونفس لون عينيكِ… وحتى نفس أسلوب حديثكِ البطيء.”
“…”
“لو لم تكن تلك المجنونة في طريقي…!”
‘في هذه الحياة، سأتخلّص منها أوّلًا. مهما كلّف الأمر.’
كانت عيناه تتوهّجان بغضب لا يليق بطفل في التاسعة، بل بشخص عاش حياة تكدّست فيها المرارة والخيانة.
“لا أعلم من تكون تلك المرأة التي تتحدّث عنها…”
أخرجتْ أريليتيا زجاجة أخرى، فتحتها، وارتشفت جرعة أمامه.
“أنظر، لا يوجد أيّ سمّ. هذا الدواء غالٍ، لا يُقدّر بثمن، ومليء بحبّ واهتمام الجميع في هيزيت.”
لكنْ قبل أن تكمل كلماتها…
“أبعديه عني!”
تحطّمت الزجاجة الثالثة، وانتشر الدواء على الأرض.
حينها، شعر عقلها وكأنه ينقطع عن العالم.
“…أنتَ حقًا…!”
اندفعتْ كالثور، وضربتْ لاسيان فيدريكا برأسها.
***
مع حلول الفجر…
دوّى صوت الطرق العنيف على باب الغرفة.
استيقظ جلين من نومه متثاقلًا، وهو يتساءل من الذي يجرؤ على إيقاظه بهذا الشكل، في وقت لم يطلع فيه الفجر بعد.
سار مترنّحًا نحو الباب، وفتحه بتثاقل.
“من يطرق الباب في هذا الوقت… لم تصبح الساعة الرابعة حتى… أريل؟”
كانت الصغيرة تقف هناك، مرتدية بيجامة صغيرة، ودموعها تلمع في عينيها.
كلّ أثر للنعاس تلاشى من رأس جلين.
“ما الأمر؟ لماذا تبكين؟ هل أصبتِ بشيء؟ هل أنتِ مريضة؟”
“سيّدي… أنا أكره هذا الشيء…!”
“ماذا؟”
لم تمنحه فرصة للسؤال أكثر، بل اندفعت نحوه واحتضنت ساقه بقوة، ودفنت وجهها في بنطاله القطني.
رفع جلين رأسه، يتتبّع نظراتها، ليقع بصره على لاسيان فيدريكا.
شعره مبعثر وعيناه حمراوان كمن خرج لتوه من معركة شرسة.
“صاحب السمو…؟”
نقل نظره بين الاثنين، ملاحظًا شعر أريليتيا المتشابك، والذي بدا وكأنّ أحدًا جذبه بعنف من كلّ جانب.
أطلق تنهيدة ثقيلة.
“لا بدّ أنكما ظللتما تتعاركان طول الليل…”
لم يكن هذا بكاء ألم، بل بكاء من شدّة الغيظ.
أدار جلين رأسه ببطء وهو يزفر تنهيدة ثقيلة، ثمّ قال بصوت مغموس بالقلق:
“أطفال في مثل هذا العمر يتشاجرون حتى منتصف الليل؟ ما الذي حدث ليجعل الأمر يتّفاقم إلى هذا الحد؟”
اقترب منها بحذر وربّت على ظهرها بلطف، محاولًا تهدئتها:
“ادخلي الآن، اجلسي واشربي كوبًا من الشاي الدافئ، ثمّ أخبريني بهدوء عمّا حدث بينكما.”
لم تجبه أريليتيا على الفور، بل اكتفت بأن تغرس وجهها أكثر في معطفه، كأنها تحتمي من العالم، فيما بدأ جسدها يرتجف من جديد، ليس من البرد هذه المرة، بل من شعور غريب ثقل على صدرها.
شعر جلين بنبضها المضطرب، وتأكّد أنّ ما جرى لم يكن مجرّد خلاف عابر، فضمّها إليه أكثر وهمس:
“مهما كان الأمر، أنا هنا… لستِ وحدكِ.”
حينها، رفعت أريليتيا رأسها ببطء، ونظرت في عينيه بنظرة متردّدة، كأنها تبحث عن الطمأنينة في ملامحه قبل أن تهمس بصوت مرتعش:
“أنا لا أفهم لماذا قال كلّ تلك الكلمات، وكأنني غريبة تمامًا عنه.”
ثمّ أغمضت عينيها وهمست بخفوت، كأنها تحاول إقناع نفسها أكثر ممّا تحاول إقناعه:
“لقد وعدني بأنه لن يتغيّر… لكنه فعل.”
سادت لحظة من الصمت، تخلّلها صوت الرياح العاصفة التي كانت تصفع زجاج النوافذ، بينما بقي جلين يحدّق في ملامحها الباهتة، وقلبه يزداد قلقًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات