“أنتِ الآن واحدة من عائلة هيزيت. هيزيت تتحمل مسؤولية كل من ينتمي إليها حتى النهاية. لذا، ستعيشين حتى تصلي إلى عمري، صغيرتي.”
كلماته كانت كالوعد المحفور في الحجر، لكن ظلال اليأس كانت تتربّص في زوايا القلب. الدكتور سيرجيو، رغم مهارته، لم يكن متفائلًا بعمرها المتبقي. حاجتها المستمرة للماندريك كانت كختم مصيري: جسدها الصغير لم يعد قادرًا على الشفاء بقواه الذاتية، كأن الزمن نفسه تخلّى عنها، تاركًا إياها معلّقة بين الحياة والموت.
حين أدارت عينيها نحو دمية الأرنب المحشو بجوارها، دوى صوت مألوف في رأسها، مرح ومعهود، كأنه كان يترقّب تلك اللحظة:
“هذا ماء حياتكِ، اشربيه حتى آخر قطرة، أريل! هكذا، منعش، أليس كذلك؟ شربًا طيبًا! أحسنتِ، أحسنتِ!”
صوت الإبرة، تلك الروح الساخرة من الغابة البيضاء، كان يحمل نبرة خفيفة تخفي قلقًا عميقًا. شعرت أريليتيا بدفء غريب يتسلّل إلى قلبها، كأن هذا الصوت هو الخيط الوحيد الذي يربطها بالحياة.
‘…على كل حال، سيحتاج الأمير الثالث إلى الماندريك في المستقبل.’
فكّرت، وهي تمضغ طرف القشة بشرود: ‘إذا متّ، عليّ أن أوصيهم ببيع الماندريك بسعر خيالي. كل المال المنفق حتى الآن هو رأس مال لاستثمار تجارة الماندريك.’ كانت عيناها تلمعان ببريق الطموح، كأنها ترى جبالًا من الذهب تنتظرها.
“ثم يا صغيرتي، النزيف الذي تعرّضتِ له لم يكن بالكثرة كما ظننتِ. هل ترغبين في إلقاء نظرة على الدفاتر؟”
أحضرت المساعدة مايا صندوقًا ضخمًا، وضعته على الطاولة كأنه كنز مدفون. كان مليئًا بملفات حسابية سميكة، سجلات التسوية الشهرية من شركة إسماعيل، مرسلة بدقة كالساعة. كل صفحة كانت تحمل أرقامًا تحكي قصة نجاح هيزيت.
فتحت أريليتيا ملفًا، فاتسعت عيناها بدهشة كأنها ترى المستحيل.
فركت عينيها، تتفقّد الدفتر مرة أخرى، لكن الرقم كان ثابتًا كالصخر. راجعت الأصناف والكميات المباعة، فساد عقلها صمتًا من هول الصدمة: 230 قطعة من جلود الذئب المتجمّد، 323 قلبًا ورئة من عفاريت الجليد البيضاء، 129 زجاجة من أنفاس جنيّة الثلج…
‘كم عدد الوحوش التي اصطدتموها بينما كنتُ نائمة؟’
قلبها كان يخفق بمزيج من الدهشة والفخر. هيزيت، التي كانت يومًا إقطاعية منسية، تحولت إلى منجم ذهب بفضل جهود الجميع.
“بينما كنا ننتظر استيقاظكِ، تساءلنا: ما الذي يمكننا فعله؟ قد لا نجيد إنفاق المال كأهل المدن، لكننا نجيد جمعه. هذه الدفاتر هدية لكِ.”
ملامح أريليتيا، التي تجمّدت من الدهشة، بدأت تتكدّر كسحابة عاصفة. شعرت كأن قلبها ينفطر من فرط الكرم.
‘ما هذه السخافة؟! كيف تتنازل عن ثروة جمعتها بشق الأنفس بهذه البساطة!’
“كفى، لا مزيد من الكرم! كفى!” صرخت، صوتها يرتجف بمزيج من الغضب والحب.
‘هل الطيبة وراثة أيضًا؟!’ فكّرت، وهي تحاول كبح دموعها، لكن قلبها كان يغرق في بحر من الحنان الذي لم تعتده.
✦ ✦ ✦
لم تستطع أريليتيا إقناع الماركيز بالتراجع عن إهدائها الثروة، فقررت الانغماس في التسوق كملاذ لتهدئة قلبها المضطرب.
“مكتب من خشب الماهوغاني، أرفف وخزائن من نفس الخشب، ستائر مطرّزة بشعار هيزيت، كراسي مخملية منحوتة يدويًا… هل هناك شيء آخر ترغبين في شرائه؟”
“ألواح رخامية للأرضية أيضًا،” ردّت أريليتيا، وهي جالسة على ركبتي الماركيز، تملي قائمة طويلة كأنها تنسج حلمًا متلألئًا. كانت القائمة التي سترسلها إلى إسماعيل، شريكها التجاري الموثوق.
‘في النهاية، حتى لو تسلّمت ثمن المبيعات، سأضطر لزيارة المدينة لشراء المواد. لتوفير الجهد، ليُشترِ إسماعيل كل شيء ويرسل البضائع والمال دفعة واحدة.’
“لا يمكننا ترميم القصر بأكمله الآن، لكن على الأقل نعيد تجهيز مكتبي بالكامل.”
“نعم، نعم. افعلي كل ما ترغبين به، صغيرتي,” قال الماركيز، صوته يحمل حنانًا يذيب القلب.
بعد أسابيع، تدفّقت الأثاثات اللامعة إلى المكتب، كأنها تحمل نور الربيع. الجدران والأرضية القديمة زُيّنت بزخارف أرستقراطية، فصار المكتب يليق بنبلاء العاصمة. كل قطعة كانت كأنها تحتفي بعودة أريليتيا للحياة.
“علينا استبدال بوابة القلعة الصدئة. لنجلب أفضل نحات ليحفر عليها تنّينًا جليديًا من جبال الثلج.”
“سأتواصل مع شركة إسمايل لاستدعاء النحاتين.”
“ولنرسم جداريات حول الساحة الرئيسية، نُخلّد فيها تاريخ هيزيت، بطول الجدار من أوله لآخره، لتكون أول ما يُذكر مع اسم هيزيت!”
“نعم، نعم. وسأطلب من الرسامين الحضور. سيكون رائعًا لو وضعنا وجهكِ في زاوية.”
“وفي منتصف الساحة، أود تمثالًا ذهبيًا لأول حاكم للإقطاعية… آه؟”
أومأ الماركيز، يمسح لحيته بابتسامة دافئة تخفي شيئًا من الفخر:
“وسيكون رائعًا وضع نصب تذكاري بجانب التمثال، يُخلّد فضائل معلمتنا أريل.”
“آه…؟” تمتمت، قلبها يخفق بدهشة وحرج.
“هل هناك شيء آخر تريدينه؟ قولي فقط. ولضمان أن لا ينضب المال، سيذهب هذا الجدّ العجوز ويُبيد وحوش جبال كولدن عن بكرة أبيها!”
‘لابد أن هذا مزاح… أليس كذلك؟’ فكّرت، لكن عيني الماركيز كانتا جادّتين، كأنه مستعدّ لخوض معركة من أجلها.
تردّدت أريليتيا، ثم استسلمت لحماسها، صوتها يرتجف بالأمل:
كانت متعة تزيين الإقطاعية كحلم يتحقّق، كأنها تنسج مدينة من خيالها. قلبها كان يرقص فرحًا، كأن كل قطعة رخام وكل جدارية تحتفي بميلاد هيزيت الجديدة.
✦ ✦ ✦
مرّ الصيف الأول في حياتها الثالثة، حتى أقبل سبتمبر كضيف سريع يحمل نسمات الخريف. في ثلاثة أشهر، تحولت هيزيت ببطء لكن بثبات، كزهرة تتفتّح تحت الشمس. الساحة المركزية ضجّت بأصوات البناء، بخمسة رسامين وثلاثة نحاتين من كاسبل، يعملون بلا كلل على التماثيل والجداريات.
لم تكن كاسبل وحدها شريكة هيزيت. ظهور التنّينة في جبال كولدن جذب السياح المتحمّسين، وتحولت الفنادق الحديثة إلى ملاذات تستوعب أفواج الزوار، كأن هيزيت صارت جوهرة الشمال.
‘ملامح الإقطاعية اكتملت الآن، أليس كذلك؟’
اسم الماركيز هيزيت بدأ يتردّد في المدن الكبرى، كأسطورة تنمو بسرعة. مقاطعة يحرسها تنّين، من يجرؤ على تحدّيها؟ شعرت أريليتيا بفخر يملأ صدرها، كأنها ملكة تاجرت عرشها بمستقبل شعبها.
لم يعد هناك من يتجرّأ على احتقار حاكم هيزيت أو خداعه. لكن، كما تقتضي سنة الحياة، فإن حلاوة النجاح تتبعها مرارة. لكل وجه ظل.
‘هل ستقف العائلة الإمبراطورية مكتوفة الأيدي أمام صعود هيزيت؟’
‘عام 1357. بعد 9 سنوات و6 أشهر، سيحدث هجوم آخر. وبما أن المستقبل تغيّر، قد يتقدّم الموعد أو يتأخّر. الأهم أن معسكر الأمير الأول يراقب هيزيت عن كثب.’
بفضل التنّينة، لن يجرؤ أحد على التحرّش علنًا. لكن الخطر الحقيقي يكمن في الأمير الأول، والإمبراطورة لوريلين، التي تنسج التهم كعنكبوت يحيك شبكته. كانت أريليتيا تعلم أن كل خطوة في هذه اللعبة هي رقصة على حافة الهاوية.
منذ أيقظت التنّينة من سباتها، تغيّر المستقبل، واستنفدت أريليتيا طاقتها في استخدام سلطتها.
‘الآن، لم يعد بإمكاني العودة بالزمن مجددًا.’
‘عليّ أن أخطو كل خطوة بحذر، كأنني أسير على حبل مشدود فوق هاوية.’
“أعتقد أن الوقت قد حان لعودة جلين.”
مرّ شهر منذ غادر جلين ليحضر “صديقتها”، دون أن يكشف عن وجهته. القلق تسلّل إلى قلبها كظل بارد، كأن يدًا خفية تعتصر روحها.
‘لا تكون الإمبراطورة تحرّكت بالفعل؟’
‘وذكرياتي تقول إن هذا الوقت تقريبًا هو موعد ظهور ذلك الشخص في كاسفل.’
شخص، لو انضم إلى صفّها كإسمايل، سيمنحها مكاسب لا تُحصى. كان رفيقًا في حياتها السابقة، لكنه لم يكن دائمًا حليفًا موثوقًا.
‘لم نكن مقربين، وبصراحة، تعرّضت لخطر الموت بسببه أكثر من مرة.’
لكنه كان استثنائيًا، متعدد المهارات، يتكيّف كالماء. منذ بدأت تجارتها بمواد الجليد السحرية في كاسبل، كانت تأمل أن يقع في شباكها.
‘لكنه، على عكس إسماعيل، قنبلة موقوتة. خطأ صغير قد يشعل كارثة.’
‘عدتُ بالزمن خمس أو ست مرات بسبب مواقف مميتة تسبّب بها.’
‘لو أمكنني ضرب رأسه مرتين وإجباره على توقيع عقد كحليف، لكان مثاليًا.’
‘لكن من الآن، لا مجال للخطأ. لا عودة بالزمن بعد اليوم.’
لم تتخيّل أن عجزها عن استخدام سلطتها سيثير رعبًا كهذا، كأنها طفلة فقدت درعها. شعرت بثقل المسؤولية يضغط على كتفيها، لكن في الوقت ذاته، كان هناك وميض أمل ينبض في قلبها.
مضغت أريليتيا رأس قلمها، غارقة في التفكير كأنها تحلّ لغز المصير.
‘لو عرفتُ متى سيظهر في كاسفل، لارتحتُ تمامًا…’
لكن قلقها كان على وشك التبدّد، بطريقة لم تخطر ببالها، كأن القدر نفسه يبتسم أخيرًا، يمدّ يده ليرفع عنها ثقل الخوف.
✦ ✦ ✦
في صباح مشمس من سبتمبر، دوّت أصوات أجراس القصر فجأة، كأنها تعلن وصول ضيف طال انتظاره. هرعت أريليتيا، متجاهلة ضعفها، نحو الشرفة المطلة على بوابة القصر. قلبها كان يخفق كطبل، كأنها تشعر بقرب حدث عظيم.
من بعيد، رأت ظلّين يقتربان من البوابة الجديدة، المزيّنة بنقش التنّينة الجليدية. كان أحدهما جلين، خطواته واثقة كالعادة، لكن عينيه تلمعان بحماس غير مألوف. إلى جانبه، كان هناك شاب غريب، طويل القامة، بشعر أسود كالليل وعينين حادتين كالصقر.
‘هل هذا… هو؟’
شعرت أريليتيا بقلبها يتوقّف للحظة. كان هو، الشخص الذي انتظرته، الذي عاشت بسببه لحظات رعب وأمل في حياتها السابقة. لكن هذه المرة، كان هناك شيء مختلف فيه، كأن القدر قد نسج له خيطًا جديدًا.
“أريليتيا!” نادى جلين من الأسفل، صوته يحمل فرحًا لا يُضاهى. “لقد أحضرتُ صديقكِ!”
الغريب رفع عينيه نحوها، وابتسم ابتسامة خفيفة، كأنها تحمل سرًا لم يكشف بعد. في تلك اللحظة، شعرت أريليتيا بأمل جديد يتفتّح في قلبها، كأن الربيع عاد مرة أخرى، يحمل وعدًا بحياة جديدة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات