عدّلت التنّين جلستها، ممسحةً بلطف خصلات شعر أريليتيا الأمامية بحركة رقيقة كأنها نسيم الشتاء. السيدة ذات الشعر الفضي الطويل، التي أثارت زوبعة من عاصفة ثلجية غامضة، ذابت في الهواء بهدوء، كأنها سراب جليدي تبدّد مع أولى خيوط الضياء.
وحين رفّت أريليتيا بجفنيها المثقلين، كانت التنّين الجليدية الضخمة تشقّ السماء الصافية برشاقة، جناحاها ترسمان قوسًا مهيبًا، مبتعدةً شيئًا فشيئًا حتى صارت مجرّد ظل يتلاشى في الأفق.
‘يبدو أن الوقت المقصود… قد حان أخيرًا.’
كانت روحها تثقل كجبل من جليد، وجسدها يتمرّد على إرادتها، رافضًا أي حركة. لقد بلغت حدود طاقتها، كأن الزمن نفسه قرّر أن يضع نقطة النهاية.
— ها، حقًا… عندما أستيقظ، سترين ما سيحل بكِ!
اندفعت الإبرة، الغارزة في جسد الأرنب المرمي على الثلج، كأنها سهام برق، تقطع الهواء بسرعة مذهلة، وبريق حروفها الذهبية المتلألئة يضيء الثلج بوميض ساطع كأنه شعاع شمس منتصف النهار.
بقيت أريليتيا وحيدة، غارقة في أحضان الثلج البارد، بلا حراك، كأنها زهرة ذابلة في قلب الشتاء.
‘لكنني… نجحت.’
الآن، لم يعد شعب هيزيت مكبّلاً بعذاب العواصف الثلجية، ولا مضطرًا لإهدار نصف أعمارهم في انتظار رحمة الربيع. قريبًا، ستكون أيديهم مليئة بحزم الثروة، وسينعمون بحياة الرفاه. نعم، ستزهر هذه الأرض يومًا، وستتفتّح براعم الحياة، كأنها وعد الربيع الأبدي.
وسيعيش الجميع… في سعادة.
‘… يؤلم.’
ألم وحشي، كمخالب جليدية، بدأ ينهش جسدها الصغير بلا رحمة. برأس مثقل كالرصاص، تداعت، وسقطت على شيء صلب، لكن دافئ بشكل غريب.
استغرقت لحظة لتدرك… أنها هوت في حضن واسع يعانقها بحنان.
“أوه، صغيرتي! صغيرتي!”
اندفع روسو هيزيت إلى قمة الجبل، كأنه اقتحم الزمن نفسه، دون أن تدري كيف أو متى وصل. احتضن أريليتيا، رافعًا إياها برفق من تحت إبطيها، كأنه يخشى أن تتكسّر بين يديه.
سعلت أريليتيا، ومن بين شهقاتها اللاهثة، تدفّق تيار من الدم الفاسد، يرسم خيوطًا قرمزية على ثوبها. في مكان ما، دوى صراخ جلين، لكن أذنيها غرقتا في طنين حاد.
بيييييييب…
‘يبدو أن هذه… هي النهاية حقًا.’
كان الموت يلوح على بُعد أنفاس، كظل يقترب ببطء ليغمرها. في تلك اللحظة، أدركت تفاهة أحلام العرش والانتقام، كأنها أوهام تلاشت أمام حقيقة بسيطة: كل ما تمنّته هو أن يعيش هؤلاء الناس الطيبون بسعادة، بعيدًا عن قذارة معارك العرش، في حياة هادئة كالثلج النقي.
في ذلك اليوم، الذي كان يفترض أن يكون آخر أيام مارس، والذي تبخّر الآن إلى الأبد، تردّد صدى صرخة جلين في عقلها كهلوسة:
“أبي… أبي…! تباً، ماذا يجب أن أفعل…!”
‘توقّف عن ذلك، لا ترتدي ذلك الوجه البائس… أيها السيد الشاب.’
لو أن الزمن أمهلها قليلاً فقط، لكانت قفزت على كتفي عمّها دانكن مرة أخرى، وركضت عبر الثلوج مع السيد، وسمعته يناديها “آنسة صغيرة” مرات أخرى… ثم ترحل.
ذلك كان الجرح الوحيد الذي يمزّق قلبها.
‘شيء بسيط… لكنه مؤلم… عيناي تحترقان، كأنهما تذرفان دموعًا.’
ثم أشرق في عقلها إدراك غامض، كضوء خافت في عتمة:
آه… يبدو أنني… كنت أرغب بالعيش هنا.
ربما لهذا، كنت أسعى بكل قوتي لإعادة بناء هذا الإقليم، ليس للانتقام، بل لأنني أردت أن أنمو هنا، أعيش في هذه الأرض الدافئة رغم قسوة بردها، المفعمة بالعطف والحب.
أردت أن… أعيش.
ومن المفارقة المؤلمة أنها، في لحظة اقتراب الموت، اكتشفت كم كانت متعطّشة للحياة.
وهكذا… انطفأ وعد أريليتيا.
‘آه، صحيح…’
لا يمكنها أن تنسى. بآخر قوتها، جذبت الكونت إليها. انحنى روسو، عابسًا، يقرب أذنه ليستمع.
همست أريليتيا بوصيتها الأخيرة، كأنها نفس أخير:
“… لعلاج الطاعون… استخدموا الماندريك.”
ذلك النبات الذي ينمو بكثافة أسفل الجرف الجليدي، ثروة لا تُقدّر بثمن. اقتلعوه، بيعوه، اجمعوا الثروة، وكونوا أثرياء…
[ومنذ البدء، لم أستوعب كيف جعلتِ من فتاة بشرية بسيطة سيّدة قدرة مطلقة.]
صمتت الإبرة، كأن كلمات التنّينة أصابت جرحًا خفيًا. أريليتيا كاديز لم تكن بشرية عادية. لقد نالت نعمة “الغابة البيضاء”، فصارت كالنار التي تتحدّى الجليد، قادرة على نسج معجزات لم يحلم بها حكيم قبيلها. موهبتها الفطرية في ترويض الزمن كانت شرارة، لكن عطف الغابة الأبيض المفرط عليها كان الريح التي أشعلت تلك الشرارة إلى لهيب.
تنهّدت التنّين، صوتها يحمل نبرة تأمّل عميق:
[لا أدري لماذا تمنحينها هذا التسامح اللافت، لكن مهما بلغ عطف الغابة، فهي بشرية عبثت بقوى خلق هذا العالم. ألا يجب أن تدفع ثمنًا لذلك؟]
— بالطبع. لكن، لستُ مضطرةً لانتزاع روحها بيدي.
[ولمَ لا؟]
— لأن هذه الفتاة الصغيرة ستسدّد حسابها بنفسها. في أعماقها، هي تتوق لذلك.
ألقت الإبرة نظرة خاطفة نحو الوادي، كأنها ترصد خيطًا من مصير. رجال الكونت هيزيت كانوا يندفعون كالريح، بعضهم يهبط من الجبل، وفي أحضان دوق الحدود استلقت طفلة صغيرة، جسدها كزهرة ذابلة، أنفاسها تتلاشى كدخان في مهب الريح.
النصف الآخر اقتحم عش التنّينة الجليدية، يقتلعون الأعشاب الطبية الثمينة بلا وجل، رغم قدم التنّينة التي تطأ العش كسيف معلّق. كانت حياة طفلة في الخامسة على المحك، فلم يكن هناك متسع للخوف.
غاص الرجال في الأرض، ينتزعون الماندريك العتيق، فأطلق صرخة مدوية مزّقت السكون، كأنها نغمة الموت ذاته. الماندريك، الذي ينبت فقط في أحضان طاقة العالم العتيقة، لم يكن ترياقًا فحسب، بل كان كنزًا يحيي الأرواح من حافة الفناء.
— اغلوا خمسًا أو ست جذور، وأطعموها للطفلة. على الأقل، ستمنحها أنفاسًا إضافية… همم.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات