الفصل الرابع والثلاثون: مواجهة التنين الجليدي العظيم
* * *
تفاقمت الاهتزازات، التي انبثقت بهدوءٍ من أعماق جرف الجليد الشامخ، فصارت أعنف شيئًا فشيئًا، حتى ارتجّ الوادي بأسره كأنّه يصرخ. كانت زلزلةً قاسية، ضبابيّة الرؤية أمام أعينهم كأنّ السماء تذوب.
“احذروا! الزموا الأرض!”
التنين الجليدي، الذي اتّخذ من جبل الظلام ملاذًا أسطوريًا، لم يبرز يومًا بكامل هيئتها. كانت تتربّع منكمشةً في عرينها المتجمّد، وعندما تستشعر اقتراب بشري، تُطلق عاصفةً ثلجيّةً هوجاء لتطرد الدخلاء. لذا، لم يرَ سكّان الإقليم جسدها الحقيقي قط.
هكذا ظلّت مختبئةً لما يقرب من ألف عام، حتى استيقظت من سباتها في الحادي والثلاثين من مارس. وهذه الحقيقة، لم تعلمها سوى أريليتيا.
ما زالت ذكرى تلك اللحظة محفورةً في ذهنها كالنقش على الحجر: الجبال تغمرها جحافل الوحوش، وظلّ التنين العملاق يخيّم فوقها كسيدةٍ مهيبة. تلك الكائنة كانت السبب الخفي وراء موجة الوحوش التي اجتاحت هيزيت، وهي وحدها القادرة على إيقاف هذه الكارثة.
ارتجفت يدا أريليتيا بعنف. ذكريات ذلك اليوم المرعب طفت من أعماقها: الدماء المتناثرة، الصرخات، الجثث، الوحوش، الأسلحة المتلألئة، وزئير الوحوش الهمجي. حتى لو صارت تلك الذكريات جزءًا من مستقبلٍ لم يعد موجودًا، فإن الرعب الذي اجتاحها حينها ظلّ منقوشًا في عظامها.
ومع ذلك… ‘لن أفشل هذه المرّة.’
أطبقت أريليتيا شفتيها بعزمٍ صلبٍ كالفولاذ. كلّ ما يجري الآن جزءٌ من خطّةٍ محكمة أعدّتها مسبقًا لمواجهة الكوارث. ‘إن انتظرت حتى تستيقظ، سيكون الوقت قد فات… لذا، سأسبق الزمن وأبادر بنفسي.’
بهذا التصميم المتّقد، أيقظت أريليتيا التنين الغارقة في سباتها لدهور. غطّى ظلٌّ هائل نصف السماء، مُسدلًا بظلاله على رؤوس المجموعة كأنّه ليلٌ مبكّر.
“……!”
رفع الجميع أنظارهم إلى السماء. جسدٌ مغطّى بحراشف بيضاء كالكريستال النقي، جناحان عظيمان منبسطان كالسحاب، وتسع شعيراتٍ طويلة ترفرف في الهواء كأعلامٍ سماويّة.
همس روسو بدهشةٍ عارمة: “لا يعقل… هل تكون…؟”
ظهرت سيّدة الأراضي القطبيّة للمرّة الأولى منذ ألف عام. رغم أنّها المرّة الأولى التي يرونها فيها، فإنّ من المستحيل عدم التعرّف عليها: الكائنة الأقوى بلا منازع على وجه الأرض.
إنّها التنين الجليديّة.
كانت التنين الجليديّة تحلّق فوق رؤوسهم، محدّقةً بثباتٍ نحو الماركيز هيزيت الذي يتقدّمهم. في عينيها الذهبيّتين، اشتعل الغضب والامتعاض لإزعاجها من سباتها العميق.
“جلين، جلين!”
أدرك الماركيز الخطر، فانتزع أريليتيا من ذراعيه كأنّه يدفعها بعيدًا. وفي الأفق، طفت آلاف السهام الجليديّة الحادّة في الهواء، مشدودةً بقوّةٍ خفيّة، ثم سُحبت دفعةً واحدة كأنّها على أوتار قوسٍ غير مرئي.
دوّى صوتٌ يشقّ الهواء. انهالت السهام كالمطر نحو المجموعة. في تلك اللحظة، كانت أريليتيا تعتصر دميتها الأرنبيّة بقوّة.
‘تمسّكي دومًا بالحياد، يا أريلي، خاصّةً في الأحداث التي تتحكّم بالمصير… لا تتدخّلي أبدًا، وإلّا ستدفعين الثمن…’ ‘أنا آسفة، أمي.’
ربما، حتى في حياتي الثالثة، ما زلت أرتكب نفس الحماقة.
قفزت الإبرة المغروسة في دميتها إلى الهواء. ثلاث إبر اخترقت الرياح بسرعةٍ مذهلة، استقرّت في الفضاء، محاطةً بهالةٍ ذهبيّة متلألئة كالنجوم.
“يا إبرتي البطلة…”
هكذا يبدأ طقس البركة الذي تمنحه سيّدة الزمن. تعلن الساحرة عن حقل نفوذها، فتوقف تدفّق الزمن. لكن ما اعتادته من معجزات بدا الآن بعيد المنال. كأن نظام العالم يسخر من غطرسة بشريّة، أدار ظهره لها، وتصاعدت كتلةٌ ساخنة في حلقها.
لكن، لا يهم. ‘هذه المرّة، لن أفشل.’
ما تقرّره أريليتيا هو ما سيُكتب للمستقبل. انعكس في عينيها المتيقّظتين قرص الساعة العملاق الذي يحلّق في السماء.
التنين الجليديّة!
صرخت الإبرة بنبرةٍ غاضبة: “توقّفي، إنّه أمرٌ صادرٌ عن الغابة!”
توقّفت السهام الجليديّة فجأة. مالت التنين برأسها قليلاً، وهي التي كانت تهمّ بالزئير. ساد صمتٌ مخيفٌ كالليل العميق.
كان الحوار بين التنين والإبرة مسموعًا لأريليتيا وحدها.
[ما الذي جاء بكِ إلى عشّي، أنتِ ومن معكِ من الحكماء؟]
كان صوتها يقطر ضيقًا. ارتعشت الإبرة، كأنّها تجاريها في مزاجها: “لا داعي للدوران… اغفري لنا هذه المرّة. صغيرتي ماتت عدّة مراتٍ وعادت، رأسها مشوّش.”
أمالت التنين رأسها يسارًا: “سمعتُ أنّ تحت عشّكِ، في الغابة، تنمو أعشابٌ طبيّة نادرة… كلّ ما في الأمر، أنّنا سنأخذ القليل ونعود.”
ثم يمينًا: “وأيضًا… ألا تظنّين أن الوقت قد حان لتهبّ نسائم الربيع هنا؟ مضى زمنٌ طويل منذ توقّفت المواسم، أليس كذلك؟ يبدو ذلك مخالفًا لسير الطبيعة.”
[…وماذا تريدون إذًا؟]
طرحت التنين سؤالها بنبرةٍ تحمل استغرابًا. تلاشى الضيق من صوتها، وظهرت لمحة فضول.
زفرت الإبرة تنهيدةً عميقة: “ببساطة، استمعي لصغيرتي هذه مرّة. أعدكِ، لن تندمي.”
[…إذا كانت الغابة بهذه الثقة.]
ارتفع جسد أريليتيا، التي كانت بين ذراعي روسو، عاليًا في الهواء، محمولاً برياحٍ عنيفة ممزوجة ببلورات الجليد.
“أريليتيا!”
تعالت صيحات القلق من رفاقها، لكن أصواتهم تلاشت تدريجيًا. لم تجد فرصةً لتصرخ وتطمئنهم.
أغمضت عينيها وسط العاصفة الثلجيّة التي عصفت بها.
التنين الجليديّة — إلارديا.
سيّدة جبال كولدون وحقول تافيرتا الثلجيّة، وحامية القطب الشمالي. كانت تحدّق بأريليتيا بنظراتٍ مشحونة بهيبةٍ تفوق البشر، حتى كادت أعضاؤها تتحطّم. لولا الإبرة التي خفّفت من ضغط تلك الهيبة، لتحوّلت إلى ورقةٍ ممزّقة.
“قلبي يكاد ينفجر، أيتها التنين! إن حدث مكروه لعقودي، ستتحمّلين المسؤوليّة!”
[أراكِ لا تبدين خائفةً بما يكفي.]
في لحظة، وجدت أريليتيا نفسها في قلب عش التنين، محاطةً بأشواكٍ جليديّة ضخمة. زوجٌ من العيون الهائلة يحدّق بها بتمعّن.
[قراركِ بلقائي يدلّ على استعدادكِ الكامل.]
شعرت بأن القيود التي كانت تخنق حنجرتها بدأت تتلاشى. خفّضت إلارديا حضورها، ثم أشارت إليها بتعالٍ: [أعلم أنّكِ تحملين مطلبًا، أيتها المتعاقدة مع الغابة. قولي ما لديكِ، سأصغي.]
“أرجوكِ، أوقفي الجبل.”
لم تتردّد، قبضت أريليتيا على يديها الصغيرتين بقوّة. استعارت صوت الإبرة لتنطق: “إلى سيّدة الشتاء، أرجوكِ… أوقفي موجة الوحوش التي ستضرب في اليوم الأخير من مارس.”
ابتسمت التنين ابتسامةً غامضة: [أوه، هل أصابكِ الرعب بعد أن اختبرتها بنفسكِ؟]
“……”
[لكنّني لم أرَ هذا الخوف عليكِ، لا في المرّة الأولى، ولا في الثانية.]
كما توقّعت، هي تعلم كلّ شيء. لم تكن تنوي خداعها، لكن مواجهة عيني كائنةٍ ترى عبر الزمن جعلت جسدها يرتجف.
الغابة البيضاء، كيانٌ يدعم الزمان والمكان. كلّ شيء في هذا العالم يخضع لقوانينها، لكن هناك كائناتٌ استثنائيّة، مثل هذه التنين، تقف خارج هذه القوانين، تراقب التغيّرات من بعيد.
‘هذا يعني أنّها تعرف كلّ اللحظات التي أعدتُ فيها الزمن، مئات، آلاف المرّات، وكلّ شيء، دون استثناء.’
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات