في فجرٍ هادئ، استقبلت بوابة إقطاعية هيزيت ثلاثة زوارٍ غريبين: رجلٌ طاعنٌ في السن، قصير القامة، ممتلئ الجسم بثيابٍ فاخرة، وآخر في منتصف العمر، نحيفٌ كالرمح، ذو نظرةٍ حادة، وشابٌ متواضع المظهر، منحني الكتفين، كأنما يحمل هموم الدنيا على ظهره.
تقدم الرجل الأول، رئيس شركة “ليام”، أعظم شركات الأعشاب في كاسفل، ونظر إلى دانكن بنظرةٍ تمزج الفضول بالتهكم، وقال:
“يا للعجب! جسدك المفتول يليق بفارسٍ يجوب ساحات الوغى، أو مرتزقٍ يتحدى الموت، لا صيدليٍّ يعبث بأوراق الأعشاب! أليس في قولي شيء من الحق؟”
وأردف بنبرةٍ فيها شيء من المكر:
“حتى اسمك، دانكن، يحمل نعومةً لا تتناسب مع هذه العضلات الضخمة! أليس الصيادلة غالبًا نساءً رقيقات الأيدي، أو رجالًا ناعمي الهيئة، ببشرةٍ كالقمر؟ من رأى صيدليًّا بمثل هذا الهيكل الجبار؟”
دوّت ضحكة دانكن كالرعد في سماءٍ صافية، وهو يدير كتفه بحركةٍ متباهية، فتردد صوت فرقعة عظامه تحت عضلاته الصلبة كصوت سيفٍ يُسل من غمده. ارتعش الرجل الطاعن وصمت، وكأن الكلمات قد خانته.
في تلك اللحظة، تدخل جلين، الذي كان يراقب المشهد بابتسامةٍ ماكرة تخفي دهاءً، وقال بنبرةٍ هادئة تغلفها اللباقة:
“حسنًا، أيها السادة، ما الذي جاء بكم من أقاصي كاسفل إلى هيزيت؟ أم أن إشاعةٌ ما قد ألهبت خيالكم؟”
أجاب الرجل النحيف، رئيس شركة “أبراكسوم”، ثاني أعظم الشركات بعد ليام، بنبرةٍ تحمل الحماس:
“ألم تسمع بعد؟ كاسفل تعج بالحكايات عن الأستاذة أريليتيا، السيدة التي أتقنت فنون البرودة وخواصها!”
استطرد جلين، وفي عينيه لمعة فضول:
“وهل حقًا حدث ما يستحق أن يُخلّد في ملاحم الأبطال؟”
أجاب الرجل بحماسةٍ متدفقة:
“لقد ظهرت فجأة في إقطاعية النبيل نيمار، تبرعت بصندوقٍ مليء بالمواد النادرة، ثم غادرت كالنسيم! وبمحض الصدفة، حصلنا على عيناتٍ منها، ويا للروعة! جودتها لا تُضاهى!”
تظاهر جلين بالدهشة:
“آه، ذلك الأمر…”
أضاف الرجل بنبرةٍ تملؤها الإعجاب:
“لتحليل بلّوطٍ أبيض أو تفكيك أعضاء عفريت بدقةٍ كهذه، لا بد من قوةٍ خارقة، أليس كذلك؟”
ربت دانكن على عضده الضخم بفخرٍ صامت، بينما كتم جلين ضحكته، متظاهرًا بعبوسٍ مصطنع:
“التقليل من شأن الأستاذة أريليتيا خطيئةٌ لا تُغتفر! يبدو أن حدسك التجاري قد خبا يا سيد ليام!”
انتفض رئيس ليام، وقال بنبرةٍ تحمل التحدي:
“ما هذا؟ تاجرٌ متوسط الحال، لا تتجاوز أرباحه مئة ألف ذهب، يجرؤ على السخرية من حدسي؟”
اشتعلت شرارة المنافسة بين رئيسي ليام وأبراكسوم، كأن كلًّا منهما يسعى ليثبت تفوقه. لكن الصخب قُطع فجأة بصوتٍ خافتٍ كالهمس، كأنه نسمةٌ عابرة.
“عذرًا… لكن الإشاعة التي سمعتها تختلف بعض الشيء…”
كان المتحدث هو الشاب الهادئ، ماتار إسمايل، رئيس شركة “إسمايل” المتواضعة. رفع عينيه بنظرةٍ تملؤها الرهبة والإعجاب، وقال:
“سمعت أن الأستاذة أريليتيا استطاعت التعامل مع جنية الثلج، تلك المخلوقة العنيفة الحساسة. لا تؤذي المدنيين، لكن ترويضها شبه مستحيل!”
تطلع الشاب إلى عضلات دانكن الضخمة بنظرةٍ مبهورة، وأومأ برأسه كأنما يرى فيه شبح الأستاذة أريليتيا نفسها. ارتسمت على وجه دانكن ابتسامةٌ عريضة، وقال بنبرةٍ متواضعة تخفي فخرًا:
“أحم، أحم… في النهاية، مجرد إشاعات، أليس كذلك؟”
أسرع رئيس ليام ليقول:
“لا شيء مؤكد بعد! لهذا تردد كثير من تجار كاسفل. أما هذان الشابان، فقد تبعاني فقط لأنني من بادر بالمجيء!”
رد رئيس أبراكسوم بسخريةٍ لاذعة:
“كذبٌ محض! نحن من قرر زيارة هيزيت أولًا!” ثم ناول جلين بطاقة أعماله بثقةٍ متفاخرة:
“نحن… لا نستطيع دفع مقدمٍ أو دفعةٍ مسبقة. لكن يمكننا تقاسم الأرباح بناءً على المبيعات.”
قد يبدو عرضه متواضعًا مقارنةً بالعرضين السابقين، لكن شركة إسمايل كانت على شفا الإفلاس، وكلماته كانت تنضح بالأمل والصدق.
قال جلين، وهو يلقي نظرةً خفية خلف الأريكة:
“أعتقد أن عقدًا بهذا الحجم يجعلنا نميل نحو أبراكسوم…”
( كتيب أريليتيا يظهر مجددًا، عليه كلمة “لا!” بخطٍ غليظ.)
أضاف جلين:
“إذن، ربما نفضل ليام، فهي تملك شبكة توزيعٍ جاهزة…”
(مشهد مرسوم: صفحةٌ ممزقة بعنف، عليها علامة “X” عملاقة تملأ الورقة.)
اثنان من الثلاثة رُفضا. بقي مرشحٌ واحد.
قال جلين بنبرةٍ حاسمة:
“رغم إغراء العروض، أفضل التحدث مع السيد إسمايل!”
(مشهد مرسوم: يدٌ صغيرة تظهر من خلف الأريكة، ترفع إبهامًا بحزم.)
تردد إسمايل، وقال بدهشة:
“هل… تقصدني أنا؟”
كان عرضه بسيطًا، لكن أريليتيا، المعلمة الصغيرة، رأت فيه شيئًا يفوق الذهب: الصدق.
أعلن جلين بوجهٍ مشرق:
“بما أنك جئت إلى هيزيت، فلنبرم العقد الآن، يا سيد إسمايل!”
“ن-نعم! بالتأكيد!”
رد إسماعيل بصوتٍ مرتجف من الانفعال، وانحنى بعمق حتى كاد جبينه يلامس الأرض. من خلف الأريكة، رُفعت يدٌ صغيرة مجددًا، هذه المرة تلوّح بحيويةٍ كأنها تحتفل بانتصارٍ عظيم.
(مشهد مرسوم: يد أريليتيا الصغيرة مرفوعة، مرسوم عليها نجمةٌ لامعة، وفي الخلفية وجوه التاجرين الآخرين تشتعل غضبًا.)
وقف رئيسا ليام وأبراكسوم مذهولين للحظة، ثم تفجرت ملامحهما غضبًا.
صرخ رئيس ليام، والشرر يتطاير من عينيه:
“هذا مستحيل! نحن قدمنا شروطًا أفضل بكثير!”
أضاف رئيس أبراكسوم بنبرةٍ محمومة:
“أنا عرضت ثلاثة أضعاف سعر السوق! بل عشرة أضعاف جودة المنتجات المتوفرة!”
لكن جلين هزّ رأسه بابتسامةٍ هادئة كالبحر بعد العاصفة:
“الصفقات لا تُبنى على الذهب وحده. الثقة، والنية الصادقة، والرغبة في تعاونٍ يزدهر بالإخلاص… هذه هي الأعمدة الحقيقية.”
ثم التفت، ونظره يتسلل خلف الأريكة:
“أليس كذلك، أريليتيا، المعلمة الصغيرة؟”
(يدٌ صغيرة ترتفع مجددًا، مرسومة عليها كلمة “صح!” بخطٍ عريض مزخرف.)
لم يبقَ مجالٌ للاعتراض. حزم التاجران أمتعتهما بوجهين متجهمين كالسماء قبل العاصفة، وغادرا قصر هيزيت يشتعلان غيظًا، تاركين وراءهما صدى خطواتهما الثقيلة.
(ظلال التاجرين تتلاشى في الممر، بينما ضوء الشمس يتسرب من النوافذ، مضيئًا قاعة هيزيت.)
في اليوم التالي، جلس إسمايل على الطاولة الضخمة في قاعة الاجتماعات، وأمامه مسودة العقد كأنها خريطةٌ لمستقبلٍ جديد. يده كانت ترتجف، لكنه أمسك القلم بثباتٍ ينبع من إرادةٍ حديدية.
قال بنبرةٍ تخفي عزيمةً لا تُضاهى:
“سأثبت لكم أن اختياركم لي لم يكن خطأ.”
ومن خلفه، برزت أريليتيا، مرتديةً رداءً مصممًا لعملها في تحضير العقاقير، يتلألأ تحت ضوء الشمس. في يدها زجاجةٌ صغيرة تحمل سائلًا شفافًا يتوهج كالنجوم، وفي عينيها بريقٌ يحمل وعدًا بالعجائب.
قالت بنبرةٍ مفعمة بالثقة:
“لنبدأ مشروعنا، يا شريكي.”
وهكذا، وُلد تحالفٌ غير متوقع بين العبقرية الصغيرة وشركة إسمايل المتعثرة. تحالفٌ سيرسم خطًا جديدًا في أسواق كاسفل، وسيهز أركانها قريبًا… دون أن يدرك أحدٌ بعدُ قوة ما سيأتي.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات